سودانايل:
2025-03-17@00:09:04 GMT

“سحر خليل” العرفان في مثواها شموخ

تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT

محمد عبد المنعم صالح

في الأدب الصوفي القديم مفهوم الحب يأخذ سياقا مختلفا يصل إلى مستوى أعلى من التأمل الروحي والعرفان .. بل يتم إستخدامه كاداة للتأمل والتخلص من خواص البشرية ليصبح رمزًا قويًا للحب الإلهي والبحث الروحي عن الحقيقة المطلقة.. كذلك يعرفونه بأن هذه المشاعر في ظاهرها حبًا بشريًا محضًا، لكن يستبطن تحول في أدب التصوف إلى طريق نحو الفناء في الذات الإلهية وتحقيق العرفان الكامل.

.

علي سبيل المثال قصة مجنون ليلى لاتزال جزءًا من نسيج الأدب الصوفي، حيث تتجاوز حدود الحب البشري لتكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بمعاناة العاشق الصوفي في سعيه وراء الله، تمامًا كما سعى قيس وراء ليلى. ولعل هذا الربط بين الحب العذري والعشق الإلهي هو ما يميز تناول المتصوفة لقصة مجنون ليلى كانموزج ..

أذهب أكثر فأقول أن الحب في التصوف وسيلة للوصول إلى الله ، فهو أشبه بالنار التي تحرق العاشق وتذيبه في محبوبه، فيتحول من حب مادي إلى حب روحاني يتجاوز حدود الجسد.. يقول مولانا جلال الدين الرومي في هذا السياق "في كل عشق حقيقي، تجد نفوسنا تذوب، لتكتشف ذاتها الحقيقة" . هذا يوازي تماما ما ظل يردده الصوفيون فمن عرف نفسه فقد عرف نفسه فقد عرف ربه وهنا يكمن الوصول ..
هذا التماهي في الآخر الذي إستوعبني في مسيرة معرفة نفسي ثم سيري في المسير هو ما تيقنت انه يحدث معي منذ أن توفرت كل الشروط أن نكون أنا و زوجتي الأحب الي قلبي وروحي "سحر خليل" سيدة نساء الكون كما يحلو لي أن أناديها نبت في أمر تحول علاقتنا من صداقة الي إرتباط .. فمشاعري منذ أن قررت تتويجها بإعترافي لها صراحة لم تصبح محض مشاعر عادية بكل صدق ، بل تحولت يوما بعد يوم إلى حالة روحية تجاوزت حدود العاطفة البشرية لتصل إلى حد أنني بشكل يومي أري في كل شئ يخصها عظمة الله عز وجل ، ومن ثم عرفت ماهو العشق الإلهي في المستوي الصوفي الفلسفي والذي كنت من قبل أعتبره نوعا من الأسطرة ..
ذات السياق الذي ظل الصوفيون يرون في كل حب بشري صادق صورة للباحث عن الله..
فالرمزية الروحية لكل قصة عشق بشري صادق دائما في الرواق الصوفي هي محمّلة بالرموز العميقة عند الصوفيون التي يستخلصون منها دلالات روحية.. أغوص أكثر لأقول أن المحبوبة في معظم أدب المتصوفة ، قد تكون رمزًا للجمال الإلهي، والعاشق هو الباحث الذي يلهث وراء هذا الجمال ليصل إليه عبرها .. تماما كما قال مولانا محي الدين ابن عربي في هذا السياق "كل ما أحببته من الكون هو مجرد مظاهر لجمال الحقيقة المطلقة ، ومشاعرنا في مستوي بشريتنا ماهي إلا تجسيد لهذا الخلط الفطري الروحي ." ..

إن المجازيب الصوفيون الذين يهيمون على وجهوهم ليسو مجرد عشاق فقدو عقولهم بسبب حب عادي ، بل هم عشاق سعو وراء الجمال الإلهي الذي لا يمكن لمسه أو تحقيقه الا من تحقق خواص بشريتهم في العالم المادي كمرحلة فتتحول قصة العشق من مستوي البشرية إلى رحلة عرفانية في داخلها ، حيث يصبح كل ألم أرضي يعانيه الطرفان خطوة نحو الاقتراب من الحقيقة (الذات الحقيقة) .. لذلك نجد أن المتصوفة كثيرا مايرددون "إن العشق الذي يترك في القلب جراحا عميقة هو العشق الذي يفتح أبواب الحقيقة." وعليه، فإن تجربة حب بشري صادقة ليست مجرد قصة حب عاطفي في إطار العادي ، بل هي رحلة عميقة لاكتشاف الذات من خلال هذا العشق ذات البعد الروحي.. ينظر المتصوفة كذلك إلى التجارب العاطفية كمرآة تعكس الرغبات الروحية للإنسان .. فكلما عانى العاشق، كان أقرب إلى اكتشاف حقيقة ذاته، وهو ما تعكسه الآن مشاعري تجاه القديسة زوجتي الأحب الي قلبي وروحي " سحر خليل " سيدة نساء الكون في تواصلي المستمر معها أنها لم تكن سوي رحلة مستمرة إليها ، و لم تكن سوى تمثل لأشواق روحية عبر قلبها وروحها الموغلة في الطهر ..

غدا نواصل ...

mohamed79salih@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

حرف الراء بين الحب والكراهية

أعادني الكاتب سلطان ثاني في مراجعته التي نُشِرتْ في هذه الجريدة قبل عدة أيام لرواية «الحرب» لمحمد اليحيائي بعنوان «الراء المفقودة في الحرب» إلى تاريخ من الكتابات العربية عن هذا الحرف الهجائي بشكل عام، وعمّا يسببه وجوده في منتصف كلمة «حرب» أو فقدانه منها بشكل خاص.

بادئ ذي بدء سأقول إنه يثير تساؤلي دائما احتفاء الكُتّاب والأدباء بحرف معيّن من حروف الهجاء دون سواه، سواء في عناوين مؤلفاتهم أو حتى في مضامينها، وأتساءل: لماذا هذا الحرف بالذات؟ ما الذي فعله لهم أو بهم لينال هذه الحظوة؟ ثم أليست الكتابة لا تكتمل إلا بالحروف الثمانية والعشرين جميعها؟! نجد هذا مثلًا في ديوان «آية جيم» للشاعر المصري حسن طلب، الذي خصصه كاملًا للاحتفاء بحرف الجيم بعد تأنيثه: «الجيم تاج الأبجدية / وهي جوهرة الهجاء/ جُمانة اللهجات/ أو مرجانة الحاجات». ونجد هذا أيضًا في رواية «لغز القاف» للروائي البرازيلي ألبرتو موسى (ترجمة: وائل حسن) التي يستعرض فيها عوالم الأدب الجاهلي والأساطير العربية. هذه الرواية يقسّمها المؤلف إلى ثمانية وعشرين فصلا، عنوان كل منها على حرف من حروف الأبجدية العربية، ومع ذلك اختار أن يضع في العنوان حرف القاف، لماذا؟ يجيب أن القارئ سيكتشف بنفسه حقيقة لغز هذا الحرف عند الانتهاء من قراءة الرواية. أما الشاعر العُماني محمد عبد الكريم الشحي فهو لا يكتفي بحرف واحد في ديوانه «مقامات لام وضمة ميم»، وإنما يحتفي بحرفَيْ اللام والميم معًا. ورغم هذه الأمثلة على الاحتفاء بحروف مختلفة من اللغة العربية إلا أنه يبقى لحرف الراء حكاية أخرى.

كثيرة هي الأعمال الأدبية التي تضع حرف الراء في عناوينها، أذكر منها على سبيل المثال «ثلاثية راء» للقاص اليمني سمير عبدالفتاح التي يجمع فيها ثلاث مجموعات قصصية تبدأ كلها بهذا الحرف، هي «رنين المطر»، و«رجل القش»، و«راء البحر». وللراء لدى هذا الكاتب مكانة كبيرة لا يزاحمها أي حرف آخر، فهو يحضر في كثير من عناوين أعماله، ومنها عمله الأدبي «روايات لا تطير» الذي يبدأ به العنوان وينتهي كما نرى، ويصنفه سمير عبدالفتاح على الغلاف «مصغّرات» (أي روايات صغيرة)، ومن ضمنها مصغّرة عنوانها «رواية راء». وهناك أيضًا رواية «حرف الراء» للكاتبة المصرية عُلا صادق، وقصة «البنت التي أحبت حرف الراء» للشاعر والكاتب العراقي قاسم سعودي. وهذان العملان الأخيران سأرجع إليهما بعد قليل.

وبالعودة إلى مقال سلطان ثاني، فإنه يحدثنا عن حرف راء في رواية محمد اليحيائي، سقط فأصبحت الحرب حُبًّا، وهو يحيلنا بذلك على كرسي خشبي في تلك الرواية أراد البطل أن يحفر على أرضيته بسكين عبارة «الحرب خدعة»، لكن السكين أسقطت الراء، فجاءت العبارة هكذا: «الحب خدعة»! وهي في رأيي طريقة مبتكرة من المؤلف لقول عبارة الحب التي تتحول إلى حرب، إذا ما قارنّاها بالطريقة التقليدية في روايات أو قصص أو مقالات أخرى، والتي أصبحت أقرب إلى كليشيهات. على سبيل المثال كتب البابا تواضروس الثاني مقالًا أقرب إلى موعظة بعنوان «حرف الراء اللعين» يُمكن أن نلخّص فكرته بهذه العبارة: ((وهكذا اخترق حرف الراء تلك الكلمات الجميلة «حب» فقسمها وطرحها أرضًا، وتحولت إلى «حرب»)). وهذه شبيهة بعبارة وردت في قصة الفتيان «البنت التي تحبّ حرف الراء» لقاسم سعودي - التي وعدتُ بالرجوع إليها - حيث تبكي كلمة «حُبّ» حزينة، وتشتكي لصديقاتها: ((إني كنتُ سعيدة حتى هاجمني حرف الراء وتوسّطني. صرت كلمة «حرب»)).

أما رواية «حرف الراء» لعُلا صادق فنجد كليشيه راء الحب والحرب على لسان أكثر من شخصية فيها. يقول فارس: «فلم ندرك نحن في الصغر مقدار الفرق الذي قد يُحدِثه حرف الراء بتدخُّله في كلمة طاهرة، صافية، دافئة، وجميلة مثل كلمة حب»، وفي الرواية نفسها تخاطب فيروزة سينا بالقول: «أتمنى لكِ حبًّا لا ينزعه منكِ حرف الراء بتدخُّله السخيف»، ويبدو أن أمنية فيروزة لم تتحقق، فها هي سينا نفسها تقفل أحداث الرواية بدمدمتها المصدومة: «سُحقًا للحروب، سُحقًا للفراق، سُحقًا لحرف الراء الذي شوَّه كل ما يُحيطني من حبّ»!

هذه الكراهية المقيتة لحرف الراء نجدها في التراث العربي في سيرة إمام المعتزلة واصل بن عطاء، الذي كان يلثغ بهذا الحرف، ولذلك يحرص دائما أن يخلو كلامه منه، وله خطبة شهيرة تخلو -رغم طولها من حرف الراء، وقد وظفتها الروائية المصرية منصورة عز الدين في روايتها «بساتين البصرة». يقول ابن عطاء في هذه الخطبة: «الحمد لله القديم بلا غاية، الباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يُحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالٍ سبق، بل أنشأه ابتداعًا، وعدّله اصطناعًا، ...... إلى آخر الخطبة».

كان حرف الراء مكروهًا إذن من واصل بن عطاء، ومن البابا تواضروس، ومن شخصيات رواية «حرف الراء»، وربما من بطل رواية «الحرب». لكنّه لم يكن كذلك في قصة قاسم سعودي التي تخبرنا بأنه محبوب منذ العنوان: («البنت التي أحبّت حرف الراء»). والبنت المقصودة هنا «بدور» التي أحبته وآوتْه في حقيبتها، بعد أن سرد لها حكاية مغادرته قرية الكلمات ومنازل الحروف، احتجاجًا على أن «الكلمات تنظر إليه بازدراء، والحروف كذلك». غير أنه في نهاية القصة يفاجأ أنه ليست بدور فقط التي تحبه، وإنما كل الحروف الأبجدية التي جاءت تبحث عنه بعد أن افتقدتْه، فيعانقها سعيدًا لأنها «لم تتخلَّ عنه رغم كل شيء». وهكذا نحن أيضًا، لا يمكن أن نتخلى عن حرف الراء، مهما قيل عن إفساده الحب الصافي وتحويله إلى حرب ضروس. فلا تصحّ كتابة بدونه، ولا يستقيم لسان في غيابه، مع احترامي الشديد لمحاولات واصل ابن عطاء.

سليمان المعمري• كاتب وروائي عماني

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. بعد الخلاف الذي نشب بينهما.. شيبة ضرار يوجه رسائل هامة للقائد “كيكل” والناشط البارز “الإنصرافي”
  • الأنبا بشارة يترأس اليوم الروحي لأسر خدمة يسوع السجين بالإيبارشية
  • الأنبا باسيليوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة السيدة العذراء ومار يوحنا بمنسافيس
  • جدل بين مكسيم خليل وشقيق فنان لبناني حول “مجازر” الساحل
  • رئيس الجمهورية يخالف الحقيقة التي تؤكد “إن إيران من قصفت حلبجة بالكيمياوي وليس العراق”
  • حرف الراء بين الحب والكراهية
  • قسم الغاز في معمل “سادكوب” بانياس يستأنف عمله بعد التوقف الذي نتج عن هجمات فلول النظام البائد.
  • الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل: دروز إسرائيل يدعمون إخوانهم بسوريا إنسانيًا
  • بعد زيارة الوفد السوري.. الرئيس الروحي لدروز إسرائيل يعلق ويرد على جنبلاط
  • نيويورك.. ناشطون يقتحمون “برج ترامب” احتجاجا على اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل / شاهد