“سحر خليل” العرفان في مثواها شموخ
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
محمد عبد المنعم صالح
في الأدب الصوفي القديم مفهوم الحب يأخذ سياقا مختلفا يصل إلى مستوى أعلى من التأمل الروحي والعرفان .. بل يتم إستخدامه كاداة للتأمل والتخلص من خواص البشرية ليصبح رمزًا قويًا للحب الإلهي والبحث الروحي عن الحقيقة المطلقة.. كذلك يعرفونه بأن هذه المشاعر في ظاهرها حبًا بشريًا محضًا، لكن يستبطن تحول في أدب التصوف إلى طريق نحو الفناء في الذات الإلهية وتحقيق العرفان الكامل.
علي سبيل المثال قصة مجنون ليلى لاتزال جزءًا من نسيج الأدب الصوفي، حيث تتجاوز حدود الحب البشري لتكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بمعاناة العاشق الصوفي في سعيه وراء الله، تمامًا كما سعى قيس وراء ليلى. ولعل هذا الربط بين الحب العذري والعشق الإلهي هو ما يميز تناول المتصوفة لقصة مجنون ليلى كانموزج ..
أذهب أكثر فأقول أن الحب في التصوف وسيلة للوصول إلى الله ، فهو أشبه بالنار التي تحرق العاشق وتذيبه في محبوبه، فيتحول من حب مادي إلى حب روحاني يتجاوز حدود الجسد.. يقول مولانا جلال الدين الرومي في هذا السياق "في كل عشق حقيقي، تجد نفوسنا تذوب، لتكتشف ذاتها الحقيقة" . هذا يوازي تماما ما ظل يردده الصوفيون فمن عرف نفسه فقد عرف نفسه فقد عرف ربه وهنا يكمن الوصول ..
هذا التماهي في الآخر الذي إستوعبني في مسيرة معرفة نفسي ثم سيري في المسير هو ما تيقنت انه يحدث معي منذ أن توفرت كل الشروط أن نكون أنا و زوجتي الأحب الي قلبي وروحي "سحر خليل" سيدة نساء الكون كما يحلو لي أن أناديها نبت في أمر تحول علاقتنا من صداقة الي إرتباط .. فمشاعري منذ أن قررت تتويجها بإعترافي لها صراحة لم تصبح محض مشاعر عادية بكل صدق ، بل تحولت يوما بعد يوم إلى حالة روحية تجاوزت حدود العاطفة البشرية لتصل إلى حد أنني بشكل يومي أري في كل شئ يخصها عظمة الله عز وجل ، ومن ثم عرفت ماهو العشق الإلهي في المستوي الصوفي الفلسفي والذي كنت من قبل أعتبره نوعا من الأسطرة ..
ذات السياق الذي ظل الصوفيون يرون في كل حب بشري صادق صورة للباحث عن الله..
فالرمزية الروحية لكل قصة عشق بشري صادق دائما في الرواق الصوفي هي محمّلة بالرموز العميقة عند الصوفيون التي يستخلصون منها دلالات روحية.. أغوص أكثر لأقول أن المحبوبة في معظم أدب المتصوفة ، قد تكون رمزًا للجمال الإلهي، والعاشق هو الباحث الذي يلهث وراء هذا الجمال ليصل إليه عبرها .. تماما كما قال مولانا محي الدين ابن عربي في هذا السياق "كل ما أحببته من الكون هو مجرد مظاهر لجمال الحقيقة المطلقة ، ومشاعرنا في مستوي بشريتنا ماهي إلا تجسيد لهذا الخلط الفطري الروحي ." ..
إن المجازيب الصوفيون الذين يهيمون على وجهوهم ليسو مجرد عشاق فقدو عقولهم بسبب حب عادي ، بل هم عشاق سعو وراء الجمال الإلهي الذي لا يمكن لمسه أو تحقيقه الا من تحقق خواص بشريتهم في العالم المادي كمرحلة فتتحول قصة العشق من مستوي البشرية إلى رحلة عرفانية في داخلها ، حيث يصبح كل ألم أرضي يعانيه الطرفان خطوة نحو الاقتراب من الحقيقة (الذات الحقيقة) .. لذلك نجد أن المتصوفة كثيرا مايرددون "إن العشق الذي يترك في القلب جراحا عميقة هو العشق الذي يفتح أبواب الحقيقة." وعليه، فإن تجربة حب بشري صادقة ليست مجرد قصة حب عاطفي في إطار العادي ، بل هي رحلة عميقة لاكتشاف الذات من خلال هذا العشق ذات البعد الروحي.. ينظر المتصوفة كذلك إلى التجارب العاطفية كمرآة تعكس الرغبات الروحية للإنسان .. فكلما عانى العاشق، كان أقرب إلى اكتشاف حقيقة ذاته، وهو ما تعكسه الآن مشاعري تجاه القديسة زوجتي الأحب الي قلبي وروحي " سحر خليل " سيدة نساء الكون في تواصلي المستمر معها أنها لم تكن سوي رحلة مستمرة إليها ، و لم تكن سوى تمثل لأشواق روحية عبر قلبها وروحها الموغلة في الطهر ..
غدا نواصل ...
mohamed79salih@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بنت قحطان
ودع لياليك هل للجرح يلتئم
حاول فما لك بالليلات تحتدم
ذكرت أنسا مضى قد بات يقطعني
تجتر ذكرى لمن دانوا ومن صرموا
وفِيُ عهدك يا قلبا يحملني
ما لا أطيق ولا ترضى به الشيم
هبها مضت فاتنات ما بها أمل
وإن بدأت بذكر أو فتختتم
ما كان كان وفي حلقي مرارته
وقد أرقت بنار الحب أكتلم
تمضي عنادا وترجو من مودتها
حسناء عنقاء لا يرجى لها كرم
(سمراء مرجانة بيضاء لؤلؤة
حمراء ياقوتة ) في حبها ندم
يا بنت قحطان والأفراح هاجرتي
فلا عليك لمن في قلبه ألم
ولّى شبابي وها قد بت أرقب ما
يصير من بعده الإنسان والبهم
يا بنت قحطان إن أسعى ويخذلني
عمر فما برحت في سعيها أمم
ولن تغيّر من مقدور خالقها
فكل شيء لنا في لوحه قلم
ماذا علي إذا أحببت فاتنة
أما ترين وقار الشيب يحترم
لئن أضاعت ليالي بعض ملمحنا
فما يزال بقلبي الحب يضطرم
هبي أحبك هل في الحب من عتب
والعمر يوجف بالإسراع ينصرم ؟
وما عرفت من الدنيا حلاوتها
ولا رأيت لي الأيام تبتسم
إن كان سرَّ غريمي أنني هرِمٌ
فقد أكون بشعري ذلك الهرَم
يكفي لصدري من القراء ما كتبوا
من المعاني رفيعاتٍ لها قيم
هزوا لعطفي بتطريب وتزكية
والقول منهم له في خاطري نغم
حتى رضيت من الآلام قسوتها
طابت به نفس حرٍّ ما بها ندم
وقد وجدت لنفسي خير منزلة
لما تفاخر بي في زمرة علم
ولو تفاخر بعض الناس في ذهب
وبالدراهم والدينار هم نعموا
يكفي نعيمي بأبيات منمقة
لا يدركون لها معنى ولا فهموا
يا بنت قحطان حسن منك يبهرني
يستنطق القول مشحونا به الحِكم
إني لمن نسل أحرار لهم قِيم
يا نعم نعم لمن طابت لهم قيم
إذا تنادوا ليوم الفصل أسعدهم
ذاك الطراد فما لانوا ولا سقموا
كذا نعيش وما من كابر أبدا
نحني له الرأس إلا الله لو علموا
من ظن أني أسير المال يملكني
قد خالطت فكره الأسقام والوهم
يا بنت قحطان لا أرجوك مكرمة
وإن يعربد فيَّ الفقر والعدم
لا أنكر الحسن والحسناء ملهمتي
لكنني بفؤاد ما به شبَم
فلتذكريني إذا ما الليل أدركنا
ولتذكريني إذا ما الصبح يرتسم
ولتذكريني إذا الأشعار رددها
من كان يطرب بالأشعار ينسجم
لك فــي القلــــب خفقـة تســتجد تتســــامى قصـــائدا لا تعـــــــد
يا هزار السودان ذكــرك أمسى فـــــي لــيـالــي دعـــوة لا تـُرد
حســبي الله فــــي البعــــاد وإنا قــاب قوســــين ها أنا مستعـــد
thepoet1943@gmail.com