التدخل الحكومي.. هل هو الحل لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
يشهد الاقتصاد العالمي تحولات عميقة، دفعت بالعديد من الدول إلى إعادة تقييم سياساتها الاقتصادية، وفي قلب هذه التحولات، تبرز أوروبا التي تواجه تحديات اقتصادية متزايدة، بدءاً من المنافسة الشديدة من الاقتصادات الناشئة، ووصولاً إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي ظل هذا المشهد المتغير، هل يمكن لأوروبا أن تجد مخرجاً من أزمتها الاقتصادية من خلال التوجه نحو اقتصاد موجه، كما تفعل الولايات المتحدة؟ يدعو ماريو دراجي، أحد أبرز الاقتصاديين الأوروبيين، (الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق) إلى زيادة التدخل الحكومي في الاقتصاد كحل محتمل.
في مقال نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، تحت عنوان "لماذا تتبنى أوروبا النموذج الأميركي الجديد للنمو الاقتصادي؟"، يؤكد الكاتب جون سيندرو، أن اتباع نهج الولايات المتحدة يتطلب تدخلاً حكومياً أكبر في السياسة الصناعية والتجارية.
وشهدت سياسات الاتحاد الأوروبي اهتزازاً الأسبوع الماضي بعد أن نشر ماريو دراجي، الذي يُنسب إليه الفضل في إنقاذ منطقة اليورو في عام 2012، تقريره حول كيفية وقف الركود الاقتصادي الذي تفاقم بسبب المنافسة التي فرضتها الصادرات الصينية ونهاية حقبة الطاقة الروسية الرخيصة، حيث قوبل اقتراحه بإصدار المزيد من الديون المشتركة بالمعارضة من قبل ألمانيا، وهو أمر ليس جديداً على الساحة السياسية، بحسب المقال.
ويقول كاتب المقال: "النقطة الأساسية في التقرير هي أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسعى للتقارب مع نموذج الولايات المتحدة فيما يتعلق بنمو الإنتاجية والابتكار، ماذا يعني الاقتراب أكثر من نموذج الولايات المتحدة؟، يؤكد دراجي على أهمية قطاع التكنولوجيا، مشيراً إلى أنه مسؤول عن كل النمو الزائد في الإنتاجية الأميركية على مدى العشرين عاماً الماضية. ويجادل بأن أوروبا لا تستطيع تحمل البقاء عالقة في الصناعات القديمة".
ويوضح أن هذا التركيز "العمودي" على قطاع واحد يشكل ابتعاداً كبيراً عن الوضع الراهن الذي ساد بعد الثمانينيات من القرن الماضي والذي روج للأسواق الحرة وروح المبادرة والسياسات "الأفقية" الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد الأوروبي بأكمله مثل تعليم القوى العاملة وبناء البنية التحتية. هذا النهج متأصل في الأساس القانوني للاتحاد الأوروبي، معاهدة ماستريخت لعام 1992.
ويتساءل كاتب المقال.. لماذا الولايات المتحدة أكثر إنتاجية؟ ليجيب على التساؤل بنفسه: "هذا سؤال قديم طرحه ألين يونج، رئيس قسم الاقتصاد الأميركي في كلية لندن للاقتصاد، في عام 1928. وفي خطاب له، نفى أن تكون الفجوة ناتجة عن إدارة أفضل للشركات الأميركية. ما يعني أن الأساليب الإنتاجية التي تعتبر اقتصادية ومربحة في أميركا لن تكون كذلك في أماكن أخرى".
ويؤكد أن "الشركات لن تقوم إلا باستثمارات كبيرة لتعزيز الإنتاجية إذا كانت تعمل في قطاعات نمو حيث يكون ذلك منطقياً. وهذا هو سبب وجود فجوة في أوروبا في معدلات الاستثمار غير الإنشائية مقارنة بالولايات المتحدة فقد ظل أكبر ثلاثة منفقين على الأبحاث في الآونة الأخيرة من شركات تصنيع السيارات التي تعمل بالبنزين. على النقيض من ذلك، كان كبار المنفقين على البحث والتطوير في الولايات المتحدة في مجال السيارات والأدوية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم في مجال البرمجيات والأجهزة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومؤخرا في التطبيقات الرقمية، ولكن الدول لا تستطيع الانتقال بسهولة إلى هذه القطاعات الأكثر تعقيدًا، لأن العوائد المتزايدة مع الحجم تخلق حاجزاً طبيعياً ضد أي منافس ناشئ".
وفي الواقع، لا يمكن تفسير عالم اليوم المليء بـ "شركات رابح واحد" والاختلالات التجارية الراسخة والتكتل في عدد قليل من المناطق الحضرية بالكامل عن طريق المزايا النسبية، أو حتى تأثير أسعار الصرف غير المتوازنة وتدفقات رؤوس الأموال، ولا يمكن تفسير التاريخ أيضاً لأي دولة حاولت اللحاق بالركب اقتصادياً على الإطلاق. على الرغم من سجلها في سياسة عدم التدخل، فقد كانت الولايات المتحدة خلال مرحلة اللحاق بالمملكة المتحدة في القرن التاسع عشر، مستخدماً متحمسًا للسياسات الحمائية في الصناعة.
ويضيف كاتب المقال "كانت الولايات المتحدة بطلة التجارة الحرة متعددة الأطراف في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان لديها حوافز كافية للقيام بذلك حتى وقت قريب جدًا. استخدمت شركات وادي السيليكون التابعة لها، التي ولدت جزئياً من خلال الاستثمارات العسكرية السابقة، اقتصادات الشبكات لتصبح بطلة العالم، ولكن أميركا بدأت تغير رأيها مع تحول الصين إلى منافس مباشر. تساعد الدعم الصناعي والسوق المحلي الواسع الصين الآن في إغراق الأسواق العالمية بالسيارات الكهربائية واللوحات الشمسية وغيرها من التقنيات المتقدمة بسعر لا يمكن تحقيقه للمنافسين الغربيين ذوي الحجم الأصغر".
جاء الرد أولاً من خلال تعريفة دونالد ترامب، ثم قانون الرقائق والعلوم وقانون خفض التضخم الذي تبناه الرئيس بايدن، والذي قدم أموالاً فيدرالية لصناعات أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة المحلية. على الرغم من الصعوبات النامية، كما تظهر مشاكل شركة إنتل، فقد أدت إلى طفرة في بناء التصنيع، ولكن الاتحاد الأوروبي فشل في الرد بنفس القدر، بحسب سيندرو.
فوائد التدخل الحكومي
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "أعادت الدعوات الأخيرة لمزيد من التدخل الحكومي في اقتصاد أوروبا والتي تعكس الرؤى التي عبر عنها رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، إشعال نقاش طويل الأمد، هل يمكن لنهج أكثر تدخلاً، ربما يشبه النموذج الأميركي، أن ينقذ الاقتصاد الأوروبي من أزماته الحالية؟".
ويرى حمودي أن الحجة لصالح التدخل الحكومي تتجلى في:
معالجة إخفاقات السوق، حيث يتعقد المؤيدون أن التدخل الحكومي ضروري لمعالجة إخفاقات السوق، مثل الافتقار إلى الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء والبنية الأساسية وشبكات الأمان الاجتماعي غير الكافية.
تشجيع الإبداع، حيث يمكن للمبادرات التي تقودها الحكومة أن تحفز الإبداع والبحث، وخاصة في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتصنيع المتقدم.
معالجة التفاوت، حيث يمكن لنهج أكثر تدخلاً أن يعالج التفاوت في الدخل من خلال تمويل التعليم والرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية، وخلق مجتمع أكثر إنصافاً.
السيطرة على التضخم، إذ يمكن للحكومات استخدام أدوات السياسة المالية، مثل زيادة الإنفاق وخفض الضرائب المستهدفة، لإدارة التضخم وتحفيز الطلب أثناء فترات الركود الاقتصادي.
مخاطر الاقتصاد الموجه
ولكن الخبير الاقتصادي حمودي أشار إلى مخاطر الاقتصاد الموجه وفقاً لما يلي:
انخفاض الابتكار والكفاءة، يمكن للتدخل الحكومي المفرط أن يخنق الابتكار والكفاءة في القطاع الخاص، مما يخلق اقتصاداً أقل ديناميكية وتنافسية.
زيادة البيروقراطية، حيث يمكن أن يؤدي توسيع مشاركة الحكومة إلى زيادة البيروقراطية، وبطىء اتخاذ القرار، وتقليل المرونة في الاستجابة لظروف السوق المتغيرة.
إزاحة الاستثمار الخاص: يمكن للإنفاق الحكومي المفرط أن يزاحم الاستثمار الخاص، حيث قد ترى الشركات بيئة أقل ملاءمة للنمو.
الخطر الأخلاقي، ويمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على التدخل الحكومي إلى خلق خطر أخلاقي، حيث تصبح الشركات والأفراد معتمدين بشكل مفرط على الدعم الحكومي، مما يقوض الاعتماد على الذات.
محاكاة النموذج الأميركي
ورداً على سؤال فيما إذا كانت أوروبا تستطيع أوروبا محاكاة النموذج الأميركي قال حمودي: "للولايات المتحدة تاريخ طويل من التدخل الحكومي في اقتصادها، وأبرزها في الأزمة المالية عام 2008. ومع ذلك، فإن النموذج الأميركي ليس خالياً من المنتقدين، الذين يزعمون أنه ساهم في عدم المساواة وتراكم الديون. إن محاكاة النموذج الأميركي في أوروبا يتطلب تحولاً كبيراً في المواقف الثقافية والسياسية تجاه التدخل الحكومي".
وأضاف: لقد حث دراجي، المعروف بأفعاله الجريئة أثناء أزمة منطقة اليورو، على تدخل حكومي أكبر لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه أوروبا، بما في ذلك تغير المناخ، والابتكار التكنولوجي، والتفاوت الاجتماعي. وتسلط حججه الضوء على الحاجة إلى نهج أكثر استراتيجية واستباقية لضمان القدرة التنافسية لأوروبا وقدرتها على الصمود في المشهد العالمي المتغير بسرعة".
ويرى الخبير الاقتصادي حمودي أن المناقشة حول التدخل الحكومي في أوروبا لم تستقر بعد. وفي حين أن زيادة التدخل يمكن أن تعالج بعض إخفاقات السوق وتعزز العدالة الاجتماعية، فإنها تحمل مخاطر انخفاض الكفاءة، وزيادة البيروقراطية، والتشوهات المحتملة في ديناميكيات السوق.
وأكد أن المفتاح يكمن في إيجاد التوازن بين الأسواق الحرة والتدخل الحكومي. وهذا يتطلب دراسة متأنية للتحديات المحددة التي يواجهها الاقتصاد الأوروبي، وفهما ًواضحاً للمخاطر والفوائد المحتملة للتدخل، والالتزام بالشفافية والمساءلة في الإجراءات الحكومية. ويتطلب المسار إلى الأمام نهجاً دقيقاً يعالج التحديات الفريدة التي تواجه أوروبا ويعزز النمو المستدام والرفاهة لمواطنيها، لافتاً إلى أن مستقبل الاقتصاد الأوروبي سوف يعتمد في نهاية المطاف على قدرته على التعامل مع التفاعل المعقد بين قوى السوق والتدخل الحكومي، مع الحفاظ على التركيز على النمو المستدام والشامل.
الإنتاجية والابتكار
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "نحن نتحدث عن نظام اقتصادي يعتمد على زيادة التدخل الحكومي في السياسات الصناعية والتجارية، وهو الأمر الذي يواجه حالياً نقاشاً صعباً حول فعاليته في معالجة التحديات الاقتصادية الخاصة بأوروبا".
وأضاف: "يعتقد ماريو دراجي، في تقريره لعام 2024 حول القدرة التنافسية الأوروبية، أن التدخل الحكومي المكثف ضروري لتعزيز الإنتاجية والابتكار في أوروبا، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وهي قطاعات تتخلف فيها أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة والصين. ويشير دراجي إلى ضرورة ضخ استثمارات كبيرة في هذه المجالات لكي تتمكن أوروبا من المنافسة مع الولايات المتحدة والصين".
إحدى التوصيات الرئيسية لدراجي هي زيادة الاستثمارات بنحو 800 مليار يورو سنوياً، وهي خطوة تواجه مقاومة من دول مثل ألمانيا وهولندا. وتعتبر هذه الاستثمارات ضرورية لتحديث القاعدة الصناعية القديمة في أوروبا ودعم الابتكار. ومع ذلك، فإن التحديات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، مثل الانقسامات بين الدول الأعضاء، قد تعرقل تحقيق هذا الهدف، بحسب تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، اقترح دراجي إصدار ديون مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي وتخفيف القواعد المتعلقة بالمنافسة للسماح بإنشاء "أبطال أوروبيين" يمكنهم التنافس على الساحة العالمية، لكن هذه الاقتراحات لاقت معارضة سياسية كبيرة.
ويرى القمزي رؤية دراجي بأن أوروبا بحاجة إلى تركيز استثماراتها على تقنيات محددة وإنشاء مراكز ابتكار عالمية لمواكبة التطورات في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، تتطلب التغلب على تحديات سياسية وهيكلية كبيرة لضمان نجاحها.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الاقتصاد الأوروبی التدخل الحکومی فی الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الخبیر الاقتصادی فی أوروبا فی قطاعات من القرن من خلال
إقرأ أيضاً:
ترامب يقلب نظام الاقتصاد العالمي في أول 100 يوم من حكمه
شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا جمركية عالمية غير مسبوقة في أول 100 يوم من حكمه وخفض المساعدات الخارجية الأميركية واستخف بالدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتبنى الرواية الروسية حول الحرب في أوكرانيا وتحدث عن ضم غرينلاند واستعادة قناة بنما وجعل كندا الولاية الأميركية رقم 51.
وفي الأيام 100 الأولى منذ عودة ترامب إلى منصبه، شن الرئيس الأميركي حملة غير متوقعة في كثير من الأحيان أدت إلى قلب أجزاء من النظام العالمي القائم على قواعد، والذي ساعدت واشنطن في بنائه من أنقاض الحرب العالمية الثانية.
وأدى جدول أعمال ترامب القائم على سياسة (أميركا أولا) في ولايته الثانية إلى نفور الأصدقاء واكتساب الخصوم للجرأة، وأثار أيضا تساؤلات عن المدى الذي هو مستعد للذهاب إليه، وأثارت أفعاله، إلى جانب هذا الغموض، قلق بعض الحكومات لدرجة أنها ترد بطرق ربما يصعب التراجع عنها.
يأتي هذا في ظل ما يراه منتقدو الرئيس الجمهوري مؤشرات على تراجع الديمقراطية في الداخل، مما أثار مخاوف في الخارج، وتشمل هذه المؤشرات هجمات لفظية على القضاة وحملة ضغط على الجامعات ونقل المهاجرين إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور في إطار حملة ترحيل أوسع نطاقا.
إعلانوقال دينيس روس المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية "ما نشهده هو اضطراب هائل في الشؤون العالمية. لا أحد يعلم في هذه المرحلة كيف يكوّن رأيا حيال ما يحدث أو ما سيأتي لاحقا".
يأتي هذا التقييم للتغييرات التي أحدثها ترامب في النظام العالمي من مقابلات مع أكثر من 12 مسؤولا حكوميا حاليا وسابقا ودبلوماسيين أجانب ومحللين مستقلين في واشنطن وعواصم حول العالم.
ويقول كثيرون إنه على الرغم من أن بعض الأضرار التي وقعت بالفعل ربما تكون طويلة الأمد، فإن الوضع قد لا يكون مستحيلا إصلاحه إذا خفف ترامب من سياسته، وتراجع عن قضايا منها توقيت الرسوم الجمركية وحجمها.
لكنهم لا يرون فرصة كبيرة لحدوث تحول جذري من قبل ترامب، ويتوقعون بدلا من ذلك أن تقوم دول عديدة بإجراء تغييرات دائمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من سياساته المرتبكة.
وبدأت التداعيات بالفعل.
مصداقية أميركاعلى سبيل المثال، يسعى بعض الحلفاء الأوروبيين إلى تعزيز صناعاتهم الدفاعية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأميركية، واحتدم الجدل في كوريا الجنوبية بخصوص تطوير ترسانتها النووية، وتزايدت التكهنات بأن تدهور العلاقات قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى التقارب مع الصين، اقتصاديا على الأقل.
ويرفض البيت الأبيض فكرة أن ترامب أضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيرا بدلا من ذلك إلى الحاجة إلى إزالة آثار ما وصفه بعبارة "القيادة المتهورة" للرئيس السابق جو بايدن على الساحة العالمية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض رايان هيوز في بيان "يتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة لمعالجة التحديات من خلال جلب كل من أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء حربهما، ووقف تدفق الفنتانيل وحماية العاملين الأميركيين من خلال محاسبة الصين، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال إعادة العمل بسياسة أقصى الضغوط".
إعلانوأضاف أن ترامب "يجعل الحوثيين يدفعون ثمن إرهابهم.. ويؤمن حدودنا الجنوبية التي كانت مفتوحة للغزو لمدة 4 سنوات".
وأظهر استطلاع رأي أجرته رويترز/إبسوس ونشر في 21 أبريل/ نيسان، أن أكثر من نصف الأميركيين، بما في ذلك واحد من كل 5 جمهوريين، يعتقدون أن ترامب "متحالف بشكل وثيق بشدة" مع روسيا، كما أن الجمهور الأميركي ليس لديه رغبة كبيرة في البرنامج التوسعي الذي وضعه.
النظام العالمي على المحكيقول خبراء إن مستقبل النظام العالمي الذي تبلور على مدى العقود الثمانية الماضية في ظل هيمنة الولايات المتحدة إلى حد بعيد أصبح على المحك. وكان هذا النظام قائما على التجارة الحرة وسيادة القانون واحترام السلامة الإقليمية.
لكن في عهد ترامب، الذي يحتقر المنظمات متعددة الأطراف وينظر في كثير من الأحيان إلى الشؤون العالمية من خلال منظور المطور العقاري السابق، فإن النظام العالمي يتعرض لاهتزازات قوية.
واتهم ترامب شركاءه التجاريين "بنهب" الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، وبدأ في تطبيق سياسة رسوم جمركية شاملة أدت إلى اضطراب الأسواق المالية وإضعاف الدولار وإثارة تحذيرات من تباطؤ الناتج الاقتصادي العالمي وزيادة خطر الركود.
ويصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها "دواء" ضروري، لكن أهدافه لا تزال غير واضحة حتى مع عمل إدارته على التفاوض على اتفاقات منفصلة مع عشرات الدول.
في الوقت نفسه، خالف ترامب السياسة الأميركية تجاه الحرب الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، ودخل في جدال حاد في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أواخر فبراير/ شباط. وتقارب مع موسكو، وأثار مخاوف من أنه سيجبر كييف، المدعومة من الناتو، على قبول خسارة أراضيها، بينما يُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
وأثار استخفاف الإدارة بأوروبا والناتو قلقا بالغا، بعدما كانا لفترة طويلة الركيزة الأساسية للأمن عبر الأطلسي لكن ترامب ومساعديه يتهمونهما باستغلال الولايات المتحدة.
إعلانوعبر المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في فبراير/ شباط، عن قلقه إزاء العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة، وقال إن الوضع سيصبح صعبا إذا حول الذين وضعوا شعار "أميركا أولا" شعارهم إلى "أميركا وحدها"، مضيفا "هذا يمثل في الواقع فترة ما قبل وقوع الكارثة بالنسبة لأوروبا".
وفي ضربة أخرى لصورة واشنطن العالمية، يستخدم ترامب خطابا توسعيا تجنبه الرؤساء المعاصرون لفترة طويلة، وهو ما يقول محللون إن الصين ربما تستخدمه مبررا إذا قررت غزو تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.
التعامل مع ترامب في ولايته الثانية
وبدأت حكومات الدول الأخرى إعادة صياغة سياستها. ومن أبرزها:
أعد الاتحاد الأوروبي، مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة لفرضها إذا فشلت المفاوضات. وتبحث دول مثل ألمانيا وفرنسا إنفاق المزيد على جيوشها، وهو ما طالب به ترامب، ولكن هذا ربما يعني أيضا الاستثمار بشكل أكبر في صناعاتها الدفاعية وشراء أسلحة أقل من الولايات المتحدة. في ظل توتر علاقة الصداقة التاريخية مع الولايات المتحدة، تسعى كندا إلى تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا. أبدت كوريا الجنوبية انزعاجها أيضا من سياسات ترامب، بما في ذلك تهديداته بسحب القوات الأميركية، لكن سول تعهدت بمحاولة العمل مع ترامب للحفاظ على التحالف في مواجهة تهديد كوريا الشمالية المسلحة نوويا. تشعر اليابان بالقلق؛ فقد فوجئت بحجم رسوم ترامب الجمركية، وقال مسؤول حكومي ياباني كبير مقرب من رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا إن طوكيو "تسعى جاهدة للرد". البحث عن علاقة مع الصينوفي ظل السياسات الجديدة للإدارة الأميركية بقيادة ترامب لجأت العديد من الدول إلى الصين، وخاصة لمجابهة الرسوم الجمركية، وفيما يلي أبرز تلك التوجهات:
ففي أوائل أبريل/ نيسان الجاري، التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وقالت الصين إنها تبادلت وجهات النظر مع الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي. وطرحت بكين نفسها حلا للدول التي تشعر بالتهديد من نهج ترامب التجاري، وتحاول أيضا ملء الفراغ الذي خلفته قراراته بتخفيض حجم المساعدات الإنسانية. إعلانوقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي المخضرم، إن الأوان لم يفت بعد بالنسبة لترامب لتغيير مساره في السياسة الخارجية، خاصة إذا بدأ يشعر بالضغط من رفاقه الجمهوريين الذين يشعرون بالقلق إزاء المخاطر الاقتصادية بينما يسعون للاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.