حمد الناصري

عُرِفت العامرات وهي أحد أحياء مسقط العاصمة قديمًا بأسماء تعاقبت عليها، مثل الفتح.. لأنها فتح مُتقدم لكلّ القُرى المُشرفة على الوادي العظيم، ومن أسمائها "المُتهدمات"؛ إذ حلّت بها جائحة كُبرى، فجّرت المياه في كل مكان وأغرقت كلّ شيء، وسُمّيت بالمُتهدّمات، لأنه تهدّم كل بِناء فيها مُرتفع وسقط من عليائه.

وقد استقرّت "العامرات" على هذا الاسم الكبير بأمر من السُلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، الذي كثيرًا ما كان يقوم في جولاته بتفقّد القرى والولايات وكان يُركّز على أسماء الشوارع والقُرى ويختار مُسمّيات بذوقه الراقي، فأكسب تلك المناطق والشواهد جمالًا وهيبة، فغيّر أسماء كثيرة إلى أسماء جميلة تليق بتلك القُرى والمناطق ومنها تغيير اسم قرية المُتهدّمات إلى ولاية العامرات الحالية.

والعامرات هي قصة الانسان الشامخ الصّامد أمام كل مُهلكات الطبيعة في ماضي الأزمان والمُتقلبات والظروف المُستحيلة وأهوالها. وقد جمعت ولاية العامرات بين الأصالة والحداثة وحافظت على مُكوناتها الأثرية، وحافظ إنسانها على ثوابت القِيم والعادات والتقاليد الموروثة، وهي زاخرة بالبُيوت الأثرية الجميلة ومزارعها الغنّاء وأفلاجها النابضة بالحياة.

وفي العهد المُتجدد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- حظيت الولاية بِمُبادرات ولفتات كريمة ومُتنوعة؛ منها تأسيس نادٍ رياضي وثقافي، باسم نادي العامرات الرياضي؛ ليعكس ذلك النادي الروح المُتحفزة والوقّادة لأهالي تلك الولاية الكريمة، ويُعبّر عن حُبّهم وتوقهم للرياضة المُتميزة والمُلتزمة، ولِيُعبِّروا عن طاقاتهم وقدراتهم الكبيرة في ذلك المجال.

والعُمانيون كشعب من أصُول العرب عرف الرياضة وتمسّك بها على أنها ذوق وأخلاق والتزام وأصالة، ولم تُغيّر الظروف والاختلاط بالآخرين طبعه الوفيّ الكريم ونقائه والتزامه تجاه قضايا أمته العربية والإسلامية ومنها وأوّلها قضية أمتنا العربية فلسطين.

وعندما ترشّح نادي العامرات لبطولة أندية العالم للكرة الشاطئية لم يكن يدر بِخُلد لاعبيه أو مسؤوليه أنّ القُرعة ستضعهم بمواجهة نادٍ يُمثل دولة الاحتلال والعُدوان الإسرائيلية، ولذلك جاء موقفهم الأصيل والعفوي وبلا أيّ تردد، الانسحاب من بطولة كأس أبطال العالم للأندية الشاطئية 2024، والمُقامة في إيطاليا، رفضًا لوجود نادٍ يُمثّل دولة تعتدي على أهلنا في فلسطين وتغتصب أرضهم وتقتل أطفالهم، وهو موقف طبيعي ومُتوقع مِن أبناء وطننا الأصلاء، مُتعهدين بتحمّل كافة العواقب مهما غلا ثمُنها تضامنًا مع إخواننا في فلسطين المُغتصبة.

وصرّح رئيس النادي الأستاذ محسن بن هاني البحراني، مُعلّقًا على الانسحاب من البُطولة قائلًا: "جاء القرار انسجامًا مع موقفنا الرافض لممارسات هذا الكيان والتي تتعارض مع المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي نؤمن بها؛ وذلك رغم العقوبات والاجراءات الجزائية المترتبة على هذا الانسحاب من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم.. نحن ملتزمون بدعم القضية الفلسطينية، وسنعمل على البحث عن فرص للتنافس وتمثيل السلطنة في بطولات أخرى".

وكان مشهد عودة النادي البطل غير المُتوج إلى أرض الوطن، مُؤثرًا، فقد جرى استقباله في مطار مسقط الدولي استقبال الأبطال، وكانت جماهير النادي وكلّ الجماهير الرياضية في عُمان الحضارة والأصالة، تحتفل وتحتفي بعودة لاعِبيهم وفريقهم من إيطاليا، مزهُوّيين بالفخر والكرامة والعِزّة.

وعلق الأستاذ محمد المخيني عُضو لجنة الاعلام بالنادي بالقول: "شكرًا لكل من تواجد لاستقبال هذا النادي الكبير في عيون مُحبيه".

وقد أشاد سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي مُفتي عام السلطنة بهذا الموقف عبر منشور على حسابه بمنصة "إكس" جاء فيه: "سرنا كثيرًا ما كان من نادي العامرات في سلطنة عُمان، إذ قرر الانسحاب من مُسابقة دولية يُشارك فيها الكيان الصهيوني". وأشار إلى أنّ النادي "أبى إلاّ أن يُسجل موقفًا مُشرّفًا للتضامن مع المظلومين في غزة وفلسطين".

خلاصة القول.. إن فرحة عودة أبطالنا بموقف مُشرّف وعظيم، تُعادِل لدى شعبنا في عُمان وفلسطين وفي كلّ الوطن العربي، كُل كؤوس الكون، وأنّ كأس الفخر للموقف الشُجاع والمُتميز سيبقى وِسام شرف وأغلى الكؤوس لذلك النادي الأصِيل، وإنّ التميّز الحقيقي كان وسيبقى في المواقف المُشرِّفة، وعلى رأسها الموقف المُناصِر للقضية العربية الأولى؛ قضية فلسطين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف قرأت الأوساط الإيرانية الانسحاب الأميركي من العراق؟

طهران- بعد مرور أقل من أسبوع على زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق وعقده مباحثات وصفت بأنها ناجحة مع كبار المسؤولين والسياسيين، وجدت الأوساط الإيرانية في إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن قرب موعد جدولة انسحاب القوات الأميركية من بلاده "انتصارا لسياسة طهران".

ورغم مضي 3 أعوام و9 أشهر على مصادقة البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية، فإن تصريح السوداني الأخير جاء متناسبا مع سياسة طهران التي تسعى إلى إخراج القوات الأميركية من المنطقة انتقاما لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع 2020.

وقال السوداني، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، أمس الثلاثاء، إنه لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة تنظيم الدولة، وإنه يعتزم الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب.

الإعلان العراقي عن قرب الانسحاب الأميركي تزامن مع زيارة بزشكيان (يسار) للبلاد (الفرنسية) ثمرة المباحثات

من ناحيته، يشير الباحث السياسي مهدي عزيزي، إلى توصل بغداد وواشنطن الشهر الجاري إلى اتفاق حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل خلال العامين المقبلين، لكنه يربط بين توقيت الإعلان وزيارة بزشكيان إلى العراق، مضیفا أن مباحثات الوفد الإيراني في العراق أسهمت في تقريب وجهات نظر المكونات السياسية العراقية حول الانسحاب الأميركي.

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد الباحث الإيراني أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سوف يزيد من استقراره السياسي لأنه لم تعد هناك حاجة لتحرك فصائل المقاومة العراقية عسكريا ضد القواعد التي تؤوي عناصر أميركية.

ورأى أن مباحثات بزشكيان في العراق وتقديمه لوحة تضمّنت رسالة من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى رئيس الوزراء العراقي تُرجِمَت في خفض ضغوط المكونات الشيعية على حكومة بغداد، والتقريب بين وجهات نظر الأوساط الكردية مع الحكومة المركزية، مما سرع الإعلان عن جدولة الانسحاب الأميركي من العراق.

ثقل إقليمي

وتابع عزيزي أن العراق انتصر على الجماعات الإرهابية بسواعد متطوعي الحشد الشعبي على الأرض وبسلاح وقيادة مستشاري الجمهورية الإسلامية، وليس القوات الأميركية التي كانت عبئا على العراق حتى خلال فترة محاربة ما تسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وبذلك فإنه لا حاجة للعراق لحضور القوات الأجنبية التي تنتهك سيادته، كما قال.

وخلص إلى أن الإعلان العراقي الرسمي عن قرب الانسحاب الأميركي مع حرص بغداد على موازنة علاقاتها مع العدوين اللدودين، طهران وواشنطن، وقيامها بأدوار سياسية ووساطات إقليمية، سوف يرفع من ثقل بغداد الإقليمي، وهذا ما ترحب به الجمهورية الإسلامية.

من جهته، يعتقد الباحث العسكري محمد مهدي يزدي، أنه كلما تعززت العلاقات بين دول المنطقة سوف تضيّق على الحضور الأميركي فيها، معتبرا القرار العراقي بجدولة الانسحاب الأميركي نتيجة طبيعية لزيارة بزشكيان الأخيرة إلى بغداد وتعزيز الشراكة بين البلدين الجارين.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الباحث العسكري أن حضور قوات أجنبية على أراضي الدول المستقلة يضع علامة استفهام كبيرة أمام مفهوم سيادة تلك الدول، ويقلل من هيبة قواتها المسلحة، مضيفا أن العراق اتخذ خطوة جبارة في سبيل تعزيز أمنه القومي من خلال الاتفاق علی انسحاب القوات الأميركية ووضعه حدا لهدر أمواله الوطنية التي كانت تبذل من أجل استمرار بقاء تلك القوات العسكرية.

وتابع أن الأسباب التي ترغم سلطات الدول المستقلة على القبول باستقدام قوات عسكرية أجنبية إلى أراضيها لن تكون في صالح أمنها القومي، وبالتالي فإن انسحاب القوات الأميركية من العراق يؤكد أن هذا البلد استعاد عافيته، وأن قواته العسكرية قويت شوكتها، ولم تعد تقبل بالحضور الأجنبي على أراضيها واستمرار نقض استقلال البلاد.

أطراف مستفيدة

ويوازي يزدي بين حضور القوات الأميركية في المنطقة وزعزعة استقرار الدول المضيفة، مستشهدا بالحشد الأميركي من أجل الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003 وقبله غزو أفغانستان عام 2001، ناهيك عن أن التحشيد الأميركي في الشرق الأوسط منذ نحو عام رفع منسوب التوتر في الإقليم.

ومن وجهة نظر الباحث العسكري، فإن العراق وشعبه أول المستفيدين من الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين، في حين تحل الجمهورية الإسلامية بالمركز الثاني في سلم الأطراف المستفيدة من هذه الخطوة كدولة بذلت جهودا كبيرة من أجل طرد القوات الأميركية من المنطقة.

وتابع أن رحيل القوات الأميركية التي جاءت للعراق وفق معاهدات مع بغداد سوف يشجع أطرافا أخری للضغط على الأوساط الأممية والدولية لوضع حد للوجود الأميركي غير الشرعي على أراضيها، محذرا من إمكانية تقديم بعض الأطراف الإقليمية والغربية المتضررة جراء الانسحاب الأميركي الدعم إلى بقايا الجماعات الإرهابية لتوفير ذريعة تفرض بقاء القوات الأميركية في المنطقة.

وختم يزدي بالقول إن "رحيل كل عسكري أميركي من المنطقة سوف يرعب الكيان الإسرائيلي الذي يستأسد على المدنيين الفلسطينيين بمساعدة مباشرة من القوات الأميركية"، مؤكدا أن محور المقاومة لا سيما الفصائل العراقية سوف يستفيدون من الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي من العراق.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: يجب على الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح
  • الأهلي النادي الأول في مصر الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي
  • الأهلي يُهدي ممثل اليونيسيف قميص وعلم النادي
  • نصرالله يؤكد المؤكد اليوم والمُواجهات الى مرحلة جديدة
  • رسميا.. نجم الزمالك ينتقل إلى هذا النادي
  • كيف قرأت الأوساط الإيرانية الانسحاب الأميركي من العراق؟
  • اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم تُعلن الدورة السادسة لجائزة الألكسو للإبداع والابتكار
  • انطلاق الدورة السادسة لجائزة الألكسو للإبداع للباحثين في الوطن العربي
  • ترامب: سنستعيد كل ما تركه بايدن في أفغانستان خلال الانسحاب