انطلاق أعمال عيادة البحث العلمي والابتكار.. الأحد
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
مسقط- الرؤية
تنطلق يوم الأحد المُقبل عيادة البحث العلمي والابتكار، وذلك تحت رعاية معالي الأستاذة الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والخبراء والمختصين في قطاعات البحث العلمي والابتكار.
وتُنفِّذُ العيادة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالتعاون والشراكة مع وحدة متابعة تنفيذ رؤية "عُمان 2040" وبالتكامل مع المؤسسات المعنية بالبحث العلمي والابتكار.
وتأتي إقامة العيادة بهدف تمكين المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار والارتقاء بها، والنهوض بالقدرات البحثية والابتكارية وتعزيز أداء سلطنة عُمان في مؤشر الابتكار العالمي، الذي يعد من أهم مؤشرات رؤية عُمان 2040، وهو يقيس ويتتبع قدرات الابتكار (الإمكانات القطاعية والوطنية) ومستويات الكفاءة باستخدام معايير المدخلات والمخرجات وبشكل مقارن ليتم تصنيف الدول وفقا لأدائها الابتكاري العام، مما يساعد الاقتصادات الناشئة على استدامة المنافسة في المجال التكنولوجي، مما يستوجب زيادة القدرة الابتكارية، ويمثل مؤشر الابتكار العالمي مصدرًا رئيسيًا لاتخاذ القرار لكونها أداة مفيدة لقياس القدرة التنافسية الاقتصادية بالمقارنة مع النماذج الدولية الرائدة، وقد أولت سَلطنة عُمان، وقيادتها الحكيمة اهتماماً استراتيجياً لتعزيز التنمية الاقتصادية المدعومة بالابتكار والإبداع، وانسجاماً مع ركائز وأهداف الرؤية الوطنية الطموحة عُمان 2040 وتماشياً مع رسالتها وأهدافها في تعزيز التحول الاقتصادي المنشود واستكمالاً للجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من أجل تعزيز وإبراز الدور التكاملي للبحث العلمي والابتكار في تحقيق أهداف الرؤية الوطنية، ودعم مسيرة البناء الشامل والنهضة المتجددة،
وترتكز التوجهات الاستراتيجية لعيادة البحث العلمي والابتكار على محورين أساسيين هما: ضمان التمويل المستدام والتشاركي، وتعزيز الأطر التشريعية والقانونية الداعمة للبحث العلمي والابتكار، والتي من شأنها تمكين المنظومة الوطنية على المدى القصير والمتوسط، وذلك عبر تحقيق عدد من الأهداف أهمها: دعم المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار وتمكينها للمساهمة في بدورها في تعزيز أداء سلطنة عُمان في مؤشر الابتكار العالمي عبر تحليل التحديات والفجوات التي تعترض المؤشرات ذات الصلة بالبحث العلمي والابتكار، واقتراح فرص التحسين الممكنة للركائز الأساسية في مؤشر الابتكار العالمي عبر المبادرات التي يمكنها وضع الحلول المستدامة للتحديات وعبور الفجوات القائمة حالياً، وتحفيز استكمال الأطر القانونية والتنظيمية في منظومة البحث العلمي والابتكار الوطنية، وتعزيز الحوكمة المثلى، وتعزيز التكامل بين القطاع الحكومي والمؤسسات المنتجة للمعرفة والقطاعات الإنتاجية والصناعة وإقامة الشراكات الفاعلة والمحفزة لدعم تنفيذ المبادرات الاستراتيجية الداعمة للمنظومة الابتكار الوطنية، والمساهمة في ترسيخ ثقافة البحث العلمي والابتكار واستقطاب الاهتمام على مستوى متخذي القرار، والمستويات التنفيذية، وتعزيز الشراكة المجتمعية.
وتقوم عيادة البحث العلمي والابتكار على أربعة ركائز أساسية وهي: البنى البحثية والابتكارية والرقمية، والقدرات والمهارات العلمية والتقنية، والأطر القانونية والتشريعية، والتمويل، وهي تترابط بشكل مباشر مع أولويات وأهداف الاستراتيجية الوطنية لرؤية عُمان 2040 من حيث المحاور التالية:منظومة وطنية فاعلة للبحث العلمي والإبداع والابتكار تسهم في بناء اقتصاد المعرفة ومجتمعها، ومصادر تمويل متنوعة ومستدامة للتعليم والبحث العلمي والابتكار، واقتصاد ﺗﻨﺎﻓﺴﻲ وﻣﺘﻨﻮع وﻣﺘﻜﺎﻣﻞ، وﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺸﺮاف اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، واﻻﺑﺘﻜﺎر وريادة الأعمال، ومنظومة بحث وتطوير ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ ومتكاملة مع جميع القطاعات.
وقد أمكن تعريف (12) مبادرة لدعم تحقيق أهداف هذه العيادة، وذلك بالشراكة والتعاون مع جميع الفاعلين في المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار، وذلك لدعم الأركان الأساسية لهذه المنظومة من حيث تحقيق التوجه الاستراتيجي في الأولوية الأولى التي نصت على "بحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة"، وتوظيف البحث العلمي والابتكار للمساهمة الفاعلة في تحقيق رؤية عُمان 2040 وبما يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من الموائمة والتركيز على الأولويات الوطنيّة، وتعزيز الشراكة والتكامل بين جميع الفاعلين في منظومة البحث العلمي والابتكار، وتحقيق التميز البحثي المؤدي إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي المنشود، والارتقاء بالبحث العلمي والتطوير ونشر ثقافته، وتعزيز القدرات العلمية والتقنية للكفاءات الوطنية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: والبحث العلمی والابتکار البحث العلمی والابتکار مؤشر الابتکار العالمی
إقرأ أيضاً:
مفارقة التقدم العلمي
في مقالنا السابق، عبرّتُ عن حاجتنا العاجلة إلى مراجعة علاقتنا بالأنظمة التقنية وآلية تفاعلنا معها بما تحمله من تأثيرات يمكن أن تخرجَ المجتمعات الإنسانية عن نمطها الإنساني السليم، ونستكمل في مقالنا الحالي شيئا من هذا التوجّس الرقمي الآخذ في التقدّم السريع الذي يطرق أبواب وعينا؛ لنعيد تحديد بُوصلتنا الإنسانية وفقَ أطرها العقلانية ومبادئها الأخلاقية؛ إذ ترسّخ في قاموس معارفنا أن التقدّم العلمي والتقني يمثّل تجسيدا لانتصار الإنسان على الجهل والمرض والعوز، ولكن مع هذا التقدم تتضاعف مشكلاتنا الوجودية بلباسها الجديد التي تهدد استقرار الإنسان النفسي والاجتماعي، وتنشأ تساؤلات تتعلق بالتقدم العلمي والتقني وضريبته التي تدفعها المجتمعات الإنسانية -رغم كل الفوائد الناتجة- فكيف يمكن أن يكون للتقدم العلمي وجه مظلم؟ ولماذا نشعر بالضياع والقلق كلما اقتربنا أكثر من تحقيق «الحلم التقني»؟
قبل عقود ماضية، كان الإنسان يرى في التقدّم وسيلةً للخلاص والتطوّر المحمود؛ حيثُ وضع آماله على التقدّم العلمي في إيجاد حلول لمشكلاته الكثيرة منها إطالة عمره، وتحسين صحته، وتخفيف أعباء العمل، وبات كثير من هذه الأمنيات حقيقةً واقعية؛ فأصبح متوسط عمر الإنسان أطول، والأمراض أقل فتكًا، وأصبحت الآلات تؤدي الكثير من المهام الشاقة. لكن في المقابل، زاد التقدمُ العلمي الفجوة النفسية والاجتماعية؛ فتقلصت مستويات السعادة، وزادت معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر وفقدان المعنى والشغف؛ فارتفعت معدلات الجريمة والانتحار.
كان يفترض أن تمنحنا التقنية مزيدًا من الوقت للراحة والتأمل، ولكنها -في بعض حالاتها غير الموزونة- جعلتنا عالقين في دوامة لا تنتهي من الإدمان الرقمي، والمقارنات الاجتماعية، وانعدام المعنى؛ فبدلًا من تحقيق الراحة المنشودة، أصبحنا عبيدًا للهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل المستمر دون انقطاع. كانت المجتمعاتُ الإنسانية التقليدية قائمةً على أنظمة اجتماعية وثقافية مستقرة تمنح الإنسان إحساسًا بالهوية والانتماء، ومع تطوراتنا العلمية، قادت العولمة الرقمية والتقدم التقني إلى تفكيك هذه البنى؛ لتجعل الفرد يشعر بالعزلة والاغتراب رغم تضاعف الارتباط بين المجتمعات الإنسانية في العالم بسبب النشاط التقني وانتشار وسائله التواصلية، ولكن في المقابل، باتت هذه المجتمعات وأفرادها أكثر تفككًا من الناحية العاطفية؛ فتهاوت القيم الأخلاقية وضعفت المكتسبات العقلية والمعرفية العميقة، وتحولت الحياة إلى سباق مفتوح من الاستهلاك والتطوّر المستمر بلا هوادة؛ ليفقد الإنسان أهم تساؤل فطري ينبغي للعقل البشري أن يثيره: لماذا؟
سبق أن وصفتُ الإنسانَ الحديث بالإنسانِ الرقمي؛ لاقترانه الكبير بالتقنيات الرقمية التي قرّبته من معارف كثيرة -رغم سطحيتها- لم يكن من السهل بلوغها مع زمن سابق يندر فيه مثل هذا الاقتران الرقمي، ورغم كل الوسائل التقنية المتاحة له، نجده يعاني من شعور دائم بأنه ضائع في متاهات الحياة التي تؤرقه بمستجداتها الفاتنة ذات المعايير المثالية، ولم تعد هناك حقائق مطلقة؛ إذ تراجعت الفلسفة أمام العلم مفتوح المصادر، وتحولت الأسئلة الوجودية العميقة إلى قضايا «لا عملية» لا تحظى بالاهتمام ولا تثير دهشة العقل، والأدهى أن يفقد الإنسان ذاته ومعنى وجوده؛ فكيف -حينها- يمكن لإنسان أن يعرف عن عالمه الفيزيائي المحيط فيما يكون عاجزًا عن فهم ذاته ومعنى وجوده؟
مع ظهور الذكاء الاصطناعي وتسارع تطويراته، اتسعت هذه المفارقة وضاقت حلولها؛ فبعد أن أخذت الظنونُ بالإنسان بأنه الكائن الأذكى في الوجود والأجدر في فهم قواعد الحياة -دون منافس- وحل ألغازها، يجد نفسَه الآن في مواجهةٍ مع كياناتٍ اصطناعية ذكية تتجاوزه في مستويات التفكير واتخاذ القرارات والإبداع؛ ليبرز السؤال المهم: أما زلنا مميزين؟ وهل سيفقد الإنسان قيمته في عالم تسيطر عليه الخوارزميات الذكية؟ تصل بنا حتمية واقعنا الحالي إلى نتيجة مفادها أن التقدّم في الذكاء الاصطناعي ومشتقاته مثل الروبوتات الذكية وأنظمة التواصل الرقمية ليس مجرد إنجاز علمي، ولكنه بمنزلة التحدي الوجودي الذي فرض واقعه علينا بكل ثقل؛ ليعيد الإنسانُ صياغةَ مفهوم المسائل الوجودية ومشكلاتها الجديدة؛ فسبق أن أسس الإنسانُ تقدمَه على فكرة تفرّده بالعقل ومركزيته الوجودية؛ فإذا فقد هذه المَيزة لصالح الذكاء الاصطناعي، فما الذي سيبقى له؟ مثل هذه الأسئلة، لم تكن تطرح إلا في الفلسفات القديمة على سبيل المنحى الفلسفي النظري الذي لا يعوّلُ على واقعٍ ملموس وقطعي؛ لتصبح اليوم قضايا عملية يمكن أن تحدد مصيرنا مجتمعاتٍ وأفرادًا.
كل ما سقناه في الأعلى من تأملات تخص مفارقة التقدّم العلمي؛ فإنها لا تسوّق حصر المشكلة في التقدم العلمي بحد ذاته، ولكن في آلية استعمالاتنا للتقنيات المصاحبة للتقدم العلمي واستيعابنا لضرورة تحقيق التوازن بين الممارسة الرقمية والممارسة الإنسانية بجميع أبعادها؛ فينبغي أن تكون التقنية أداةً لخدمة الإنسان، لا سجنًا يفرض عليه أنماطَ حياةٍ غير طبيعية. نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة تواكب هذا التقدّم وتعيد التوازن بين العلم والروح المنسية في زحمة التطوّر العلمي غير المحكم والموزون وبين المادية والمعنى وبين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي. نحن بحاجة إلى إعادة تعريف النجاح والتقدّم؛ فلا يقاسان بمعدلات النمو الاقتصادي أو الاكتشافات العلمية فحسب، ولكن بمقدار ما يضيفانه إلى حياة الإنسان من سلام داخلي وتوازن نفسي. علينا أن نتريّث قليلا قبل كل خطوة نخطوها نحو التطور التقني؛ لنسأل أنفسنا: أهذا التقدم يجعلنا أكثر سعادةً، أم أنه سباقٌ مجهول النهاية؟ إن المفارقة الحقيقية ليست في التقدم ذاته، ولكن في عدم قدرتنا على استعماله بحكمة؛ فالتقنية، كما قال الفيلسوف الألماني «مارتن هايدغر» ليست مجرد أدوات، وإنما طريقة جديدة لرؤية العالم، وإن لم نتحكم في هذه الرؤية ومساراتها؛ فإننا نجد أنفسنا في عالم متقدم تقنيًا، لكنه خالٍ تمامًا من الروح والمعنى الذي سنفقد بسببه مغزى الوجود والتقدّم المفيد.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني