بعد زيارة قصيرة لرئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق ركن عبد الفتاح البرهان إلى جوبا (الأثنين) بدا أن أبرز المخرجات الملموسة لتلك الزيارة هو تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الطاقة والنفط بكل من السودان وجنوب السودان لاستئناف ضخ نفط جنوب السودان من جديد و ذلك بوضع خطة تشغيليلة لإعادة الضخ وتذليل كافة العقبات المتعلقة بتشغيل الخط الناقل، حتى يعمل بصورة كاملة.

فعلى مدى أكثر من عقدين شكل النفط المورد الطبيعي الذي زاد أوار الحرب في السودان ثم أشعل نار الخلاف بين دولتي السودان وجنوب السودان مِراراً بعد الانفصال، وفي نفس الوقت أُطفئت هذه الخلافات عبره تكراراً ، فالذهب الأسود الذي كان له ضلع بارز في انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم في العام 2011 عاد وأصبح نفسه عاملاً في أن تتفق الدولتان على ضرورة تدفقه لتعلية المصالح الاقتصادية.

وخلال الفترة الماضية ومن بعد إبرام الاتفاق بين الخرطوم وجوبا على مرور نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية وفقاً لرسوم سيادية تأخذها الأخيرة وبإشراف من المجتمع الدولي، استقر الوضع بين الدولة الوليدة والدولة الأم فيما يختص بالقضايا النفطية العالقة إلا أن الحرب التي دارت رحاها منذ عام وبضعة أشهر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة ألقت بظلال سالبة على المناطق التي تمر بها أنابيب النقل، حيث أحدثت مليشيا الدعم السريع تخريباً بها أعاق مرور النفط.

وفي مارس الماضي كشفت الحكومة السودانية أنها تواجه مشكلات متعلقة بعمليات نقل نفط دولة جنوب السودان عبر خطوط أنابيبها في منطقة الجبلين وبورتسودان، بسبب القتال الدائر بين الجيش ومتمردي الدعم السريع، إلا أن الخرطوم سرعان ما كثفت جهودها لإصلاح التسريب الذي حدث في أنابيب نقل النفط، وفي أبريل الماضي أكد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار اير، إعادة إصلاح الخط الناقل لنفط جنوب السودان لميناء التصدير بالبحر الأحمر في غضون شهرين.

وقال نائب رئيس مجلس السيادة – وقتها – إن الحرب أثرت على كل القطاعات لكن قطاع النفط استطاع المحافظة على المنشآت وإعادة العمل للإسهام في إنعاش الاقتصاد.

وأعلن وزير الطاقة والنفط السوداني محي الدين نعيم أن الدولة تعمل على خطة المسار السريع ضمن خطط أخرى تم مناقشتها لإعادة تشغيل المنشآت النفطية، ولدى الدولة معالجات في حال توقفت الحرب أو لم تتوقف، مؤكداً قدرة الدولة على قيادة الحرب والسلم.

ووعد الوزير بمعالجة الخط الناقل في الزمن المحدد وذلك لدوره في اقتصاد الدولتين حيث يعتمد عليه اقتصاد جنوب السودان بنسبة 100% واقتصاد السودان بنسبة 10%.

وفي مايو الماضي أعلن وزير النفط والطاقة، محي الدين النعيم أن أعمال إعادة ضخ بترول جنوب السودان، شارفت على الانتهاء وقال إن العمل في المشروع وصل إلى مرحلة متقدمة، حيث بلغت نسبة الإنجاز حوالي 80%.
غير أنه وخلال الشهور الماضية لم تعلن الخرطوم أو جوبا أي استئناف لإعادة ضخ نفط الجنوب ونقله وتصديره مرة أخرى عبر الأراضي السودانية، خلافاً لما يتردد عن حلول يمكن أن تلجأ إليها جوبا في اختيار دول أخرى لنقل نفطها وتصديره وربما تكون هذه القضايا هي التي اثيرت في القمة التي عقدها الفريق البرهان ونظيره الفريق سلفاكير في قمة أمس وتمخضت عن إعلان تشكيل لجنة لاستئناف ضخ نفط جنوب السودان.

ويرى وزير الدولة بوزارة النفط الأسبق ، مستشار مهندس إسحق جماع أن أجندة زيارة رئيس مجلس السيادة ، الفريق الركن عبد الفتاح البرهان وإن بدت على أنها مقتصرة على عبور بترول الجنوب عبر السودان، إلا أن هنالك قضايا ملحة تطرح نفسها في إطار الحرب الدائرة في السودان بسبب تمرد قوات حميدتي المسمى بالدعم السريع ومن إفرازات الحرب وتطوراتها.

وأكد جماع في حديثه مع موقع “المحقق” الإخباري أن توقف صادر البترول بالنسبة للجنوبيين عبر خطوط النقل إلى ميناء التصدير أمر حيوي كون عائدات النفط هي المصدر الوحيد لدخل الدولة في الجنوب، مما يجعل تأثيرات الحرب في السودان عليهم ذات مردود سلبي.

وأشار جماع إلى صعوبة بناء مسار آخر لصادر بترول الجنوب خاصة عبر دولة إثيوبيا أو غيرها وأن ما يدور في هذا الشأن لا يعدو أن يكون مناورات.

وأوضح جماع أن جغرافيا دولة إثيوبيا عبارة عن هضبة بركانية ترتفع لأكثر من 3 ألف متر فوق سطح البحر فضلاً عن أن مناخ اثيوبيا غير ملائم لنقل البترول ولذلك فإن بناء أي خط أنابيب لنقل الخام من ناحية التكلفة تكون ثلاثة أضعاف تكلفة الخطوط الحالية أي أكثر من 6 بليون دولار بجانب تكلفة التشغيل نسبة للعدد الكبير من محطات الضخ الإضافية، لأنك إذا عكست اتجاه الجاذبية الطبيعية نحو البحر بجانب إنتاج الكميات الحالية فهذا لا يتيح الجدوى الاقتصادية لاستعادة التكلفة، منوهاً إلى أن دولة إثيوبيا ليس لديها منفذ على البحر وبالتالي تنشأ الحاجة لترتيب المنفذ عبر الدولة المطلة على البحر وبهذا تكون دولة جنوب السودان قد دخلت في معادلة أكثر تعقيداً من وضعها مع دولة السودان، مؤكداً أن السودان دولة محورية في موقعها وتأثيراتها الجيوسياسية.

بدوره أكد وكيل وزارة النفط الأسبق، د. حامد سليمان حامد على إمكانية عودة سريان نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية،
وقال إن الخطوط التي تعمل في هذا الشأن في الوقت الراهن ليس لديها أي مشاكل خلاف التحدي الأمني الذي يواجهه السودان.

وأضاف حامد في حديثه لموقع “المحقق” الإخباري أن هذا التحدي يحتاج إلى التزام من جميع الأطراف المتحاربة عنوانه استبعاد المنشآت النفطية والبنيات التحتية بأن لا تكون ضمن دائرة التحارب ولا ضمن الأهداف العسكرية
وأوضح أن هنالك نماذج كثيرة في بلدان بها حروب وتشهد نزاعات ولكن البنيات التحتية والمنشات الاستراتيجية تستبعد من أن تكون ضمن الاهداف العسكرية.

وضرب حامد مثلاُ ب “خط دروشبا” الذي لم يُمس ولم يتأثر برغم أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تجاوزت العامين مؤكداً عمل هذا الخط في نقل النفط طوال فترة الصراع الدائر بينهما،
ونوه حامد أن عبور خطوط الأنابيب عبر السودان يعزز من العلاقات الممتدة بين الخرطوم وجوبا معرباً عن أمله في عوده تشغيل هذه الخطوط لأنها تحقق مصلحة اقتصادية للدولتين مما يعزز من فرص التكامل والوحدة.

وكشف حامد عن وجود تحديات تجابه تصدير نفط جنوب السودان عبر دول أخرى فنية واقتصاديّة كبيرة، وأوضح أن التحديات الفنية تتمثل في أن الدول المجاورة لجنوب السودان تضاريسها مرتفعة وعالية لافتاً إلى أن جوبا قبل الانفصال قامت بدراسات لتصدير نفطها عبر جيبوتي وكينيا والكاميرون إلا أنها وجدت أن هذه الخيارات غير مجدية بسبب التضاريس وعمليات الانحدار وهذا يزيد التكاليف والأعباء المالية ويعدم الجدوى الاقتصادية.

المحقق – نازك شمام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: نفط جنوب السودان جنوب السودان عبر مجلس السیادة إلا أن

إقرأ أيضاً:

مقال الرزيقي

كتب الصادق الرزيقي مقالا (طويل عريض) مؤخرا عن الحرب الحالية. طوفنا بنا في سفر التاريخ وخطوط الطول والعرض الجغرافية وتقاطعات علم الاجتماع. ولنا وقفة مع جزء من مقاله بخصوص المصالحة المجتمعية بين عرب دارفور وبقية قبائل السودان. هذا ما دعونا له مرارا وتكرارا. ولكن يا غالي لا أظن في القريب العاجل والمتوسط أن يتناسى الشعب تلك المآسي. قد يتجاوز الشعب عن جرائم القتل والنهب والسلب. أما الاغتصاب وبيع الحرائر في الضعين ودول الجوار. فتلك من الصعب تجاوزها. وفي تقديرنا أن جدار العزل المجتمعي الذي شيدته تداعيات الحرب بين عرب دارفور عامة والرزيقات والمسيرية خاصة مع بقية قبائل السودان لا يمكن بأي حال من الأحوال القفز من فوقه. أما هدمه نهائيا فذاك ضرب من المستحيل. ولست متشائما ولكن قراءة ما بين سطور الحقيقة أجزم بأن دفع فاتورة الحرب سوف تبدأ بعد رفع تمام إسكات البندقية. هنا المقاطعة المجتمعية تماما. عليه نطالب مثقفي عرب دارفور تهيئة مجتمعاتهم للتعايش مع الواقع المر الذي ينتطرهم. ومن ثم رويدا رويدا يمكنهم كسر حاجز العزل مع الشارع السوداني. خلاف ذلك مزيدا من العزل. وخلاصة الأمر نرى بأن عقلية عرب دارفور وبُعدها عن المدنية وقبول الآخر سوف يدفعها للتهور أيضا. وهي غير قابلة لدفع الفاتورة. عليه مستقبلهم سوف يكون خصما على جغرافيتهم (الحواكير). أي: الهروب خارج السودان لدول الحوار بفعل الضربات الموجعة من قبائل أم زرقة الدارفورية مباشرة وبقية قبائل السودان بطريقة غير مباشرة.

د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
الخميس ٢٠٢٥/١/٣٠

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مصر تعزي جنوب السودان في ضحايا تحطم طائرة ركاب
  • بالفيديو.. عانق “البرهان” وبكى بشدة.. قصة عميد بالجيش أُصيبت يده في بداية الحرب داخل القيادة وكُسرت ولم يتوفر له العلاج اللازم فجُبر كسرها ملتوياً مما تسبب في تعطيلها وظل صامداً وصابراً
  • «حميدتي» يتوعد «البرهان» وعلي كرتي
  • مقال الرزيقي
  • تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة
  • الحرب في السودان: بعض تحديات الاستقرار والتعافي الاقتصادي واعادة الاعمار
  • أقتل نفسي .. وأحتفي
  • الخروج من صفوف المليشيا.. البرهان يلتقي وفد تنسيقية قبيلة السلامات
  • نقطة سوداء من دويلتي جنوب السودان وتشاد
  • مقتل 20 من عمال “النفط” في حادث سقوط طائرة ركاب جنوب السودان