استراتيجية الاستنزاف وتوسيع الحرب
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
منذ الأمس، وأنا أتابع التحليلات المختلفة التي تتناول استراتيجيات إسرائيل في الصراع مع حزب الله ودورها في غزة. أغلب هذه التحليلات تصب في فكرة أن إسرائيل تحاول الضغط على حزب الله لإيقاف دعمه لغزة، وأن طبيعة العمليات تضغط على الحزب ولكنها تهدف إلى تجنب توسيع نطاق العمليات إلى حرب إقليمية.
لكنني أختلف جذريا مع هذا الرأي، وأرى أن إسرائيل تسعى بالفعل إلى توسيع الحرب إقليميا.
على عكس الرغبة المتداولة بين الجمهور العربي الذي يراقب المشهد مطالبا برد قوي وحاسم، فإن حزب الله وحماس، ومعهما أنصار الله ومن خلفهم إيران، يدركون أن المواجهة الإقليمية المباشرة لن تكون في مصلحتهم. ميزان القوى مختل بشكل واضح لصالح الولايات المتحدة، ولذلك فإن محور المقاومة يعتمد على "استراتيجية الاستنزاف" بدلا من السعي إلى مواجهة حاسمة.
حزب الله وحماس، ومعهما أنصار الله ومن خلفهم إيران، يدركون أن المواجهة الإقليمية المباشرة لن تكون في مصلحتهم. ميزان القوى مختل بشكل واضح لصالح الولايات المتحدة، ولذلك فإن محور المقاومة يعتمد على "استراتيجية الاستنزاف" بدلا من السعي إلى مواجهة حاسمة
الاستنزاف، كما يثبت التاريخ، ليس مجرد تكيّف مع ضعف الموارد العسكرية، بل هو وسيلة فعالة لإضعاف العدو على المدى الطويل، تماما كما حدث في حرب فيتنام. الولايات المتحدة، رغم قوتها العسكرية الجبارة، تكبدت خسائر فادحة في حرب فيتنام، حيث فقدت حوالي 58 ألف جندي وتكبدت خسائر مادية هائلة. في النهاية، نجحت فيتنام الشمالية في طرد القوات الأمريكية رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية.
نفس الفكرة تتكرر هنا؛ إسرائيل تدرك أن حرب الاستنزاف ليست في مصلحتها. وإذا نظرنا إلى نتائج الصراع المستمر على مدار السنة، نجد أن كل المؤشرات، خاصة في الجانب السياسي والدعم الدولي، لا تصب في صالحها، ناهيك عن الوضع الداخلي الإسرائيلي الذي يزداد فرقة وضعفا يوما بعد يوم، لهذا السبب، تحاول إسرائيل جاهدة دفع الأمور نحو "الحرب الحاسمة" التي تتطلب تدخل الولايات المتحدة لإنهاء الصراع بشكل نهائي، تذكر ان هذه اطول حرب تخوضها إسرائيل منذ نشأتها.
على الجانب الآخر، لن يغامر حزب الله برد عسكري ضخم يجره إلى مواجهة غير متكافئة. ستبقي جبهة الإسناد مفتوحة بنفس الوتيرة المعتادة، وهو ما يشكل الخيار الأكثر حكمة في هذه المرحلة. هذه الاستراتيجية تشبه كثيرا ما قام به المجاهدون الأفغان خلال الحرب السوفيتية. حينها، دعمت قوى غربية المجاهدين ضد الروس بشكل كبير، ليس فقط بالسلاح والتدريب، بل أيضا بالدعم اللوجستي عبر أراضيها. هذا الإسناد، إلى جانب الاستنزاف طويل الأمد، أدى في النهاية إلى انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان رغم قوته الهائلة.
محور المقاومة لا يسعى إلى مواجهة كبرى بل إلى إطالة أمد الصراع، مما سيضعف إسرائيل سياسيا وعسكريا. بالمقابل، تسعى إسرائيل لتجنب هذا المصير بمحاولة توسيع الحرب
لكن، كما نعلم، حروب الاستنزاف ليست بدون ثمن. الخسائر في صفوف محور المقاومة ستكون كبيرة، سواء من حيث الشهداء أو تدمير البنية التحتية، وهو ما شهدناه في كل الحروب التي اعتمدت على هذه الاستراتيجية. من حرب البوسنة التي أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص، إلى حرب التحرير الفلسطيني المستمرة، يظهر أن الاستنزاف يؤدي إلى تدمير المدن ونزوح الملايين، لكن على المدى الطويل، تنتهي هذه الحروب بانتصار الشعوب المقاومة على القوى المحتلة، رغم كل الصعاب.
إذا قرأنا المشهد الحالي من هذا المنظور، يمكننا أن نفهم أن محور المقاومة لا يسعى إلى مواجهة كبرى بل إلى إطالة أمد الصراع، مما سيضعف إسرائيل سياسيا وعسكريا. بالمقابل، تسعى إسرائيل لتجنب هذا المصير بمحاولة توسيع الحرب. لهذا يجب على القوى الحية في الأمة أن تدرك أن تقديم الإسناد بكافة جوانبه منها من إمدادات وعتاد، هو الحل الأمثل لدعم محور المقاومة، دون السعي إلى مواجهة غير محسوبة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل حزب الله الحرب الاستنزاف إسرائيل حزب الله الحرب الاستنزاف مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة محور المقاومة توسیع الحرب إلى مواجهة حزب الله
إقرأ أيضاً:
رمضان في سجون “إسرائيل”.. قمع وتجويع بحق الأسرى الفلسطينيين
الثورة/ متابعات
منذ اللحظة الأولى لدخول الأسرى الفلسطينيين إلى سجون الاحتلال، يواجهون تحديات قاسية، لكنهم يصرون على خلق حياة خاصة داخل المعتقلات، انتظارًا للحظة الإفراج التي تأتي عادة بصفقات تبادل تنظمها فصائل المقاومة.
فرغم ظلم الزنازين، يسعى الأسرى لصناعة واقع يمنحهم الأمل والقوة في مواجهة القمع الإسرائيلي.
ومع حلول شهر رمضان، تتضاعف هذه التحديات، لكن الأسرى يتمسكون بأجواء الشهر الفضيل رغم كل القيود والانتهاكات التي يفرضها الاحتلال عليهم.
ورغم القيود المشددة، يسعى الأسرى لصناعة أجواء رمضانية تذكرهم بالحرية، وتمنحهم قليلًا من الروحانيات وسط ظروف الاحتجاز القاسية، يحرصون على التقرب إلى الله بالدعاء والعبادات، رغم التضييق على أداء الصلاة الجماعية ومنع رفع الأذان.
حيث يقوم الأسرى بتحضير أكلات بسيطة بأقل الإمكانيات، مثل خلط الأرز الجاف مع قطع الخبز والماء لصنع وجبة مشبعة.
والتواصل الروحي مع العائلة بالدعاء لهم، خاصة بعد منع الاحتلال لهم من معرفة أخبار ذويهم.
ولكن كل هذه الممارسات تعرضت للقمع الشديد خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث فرض الاحتلال إجراءات أكثر تشددًا على الأسرى الفلسطينيين.
شهادات
كشف المحرر الغزي ماجد فهمي أبو القمبز، أحد الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، عن معاناة الأسرى في رمضان الأخير قبل الإفراج عنه، قائلًا: “أجبرنا الاحتلال على أن يمر رمضان كأنه يوم عادي بل أسوأ، فقد كان ممنوعًا علينا الفرح أو الشعور بأي أجواء رمضانية”.
ومع بدء الحرب، شدد الاحتلال قبضته على الأسرى عبر: تقليل كميات الطعام، حيث لم تزد كمية الأرز اليومية المقدمة للأسرى عن 50-70 جرامًا فقط، مما اضطرهم إلى جمع وجبات اليوم بأكملها لتناولها وقت الإفطار.
بالإضافة إلى منع أي أجواء رمضانية داخل السجون، بما في ذلك رفع الأذان أو أداء الصلوات الجماعية، حتى وإن كانت سرية.
ومصادرة كل المقتنيات الشخصية، ولم يبقَ للأسرى سوى غطاء للنوم ومنشفة وحذاء بسيط.
والاعتداءات اليومية، حيث كان السجان يقمع الأسرى لأي سبب، حتى لو ضحك أسيران معًا، بحجة أنهما يسخران منه!
تعتيم
ومنع الاحتلال الأسرى من معرفة أي أخبار عن عائلاتهم، بل تعمد نشر أخبار كاذبة لإضعاف معنوياتهم، مدعيًا أن عائلاتهم استشهدت في الحرب.
وقد عانى المحرر أبو القمبز نفسه من هذا التعتيم، إذ لم يعرف من بقي من عائلته على قيد الحياة إلا بعد خروجه من الأسر!.
ويواجه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال انتهاكات خطيرة، في ظل صمت دولي مخجل، وفي رمضان، حيث يتضاعف القمع والتنكيل، تبقى رسالتهم واحدة، إيصال معاناتهم إلى العالم وكشف جرائم الاحتلال بحقهم، والمطالبة بتدخل المنظمات الحقوقية لوقف التعذيب والتجويع المتعمد داخل السجون، والضغط على الاحتلال للإفراج عن الأسرى، خاصة في ظل تزايد حالات القمع والإهمال الطبي.