لماذا لا تمتلك الدول الإسلامية وسائل تواصل اجتماعي خاصة بها؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
كان أحد الأسئلة الأولى التي طرحتُها على زملائي – عندما توليتُ منصب المدير العام لوكالة الأناضول في عام 2011 – هو: "عندما يتحدث رئيس جمهوريتنا، من يقوم بترجمة خطابه إلى اللغة العربية وتوزيعه على وسائل الإعلام العربية؟" أو على سبيل المثال، إذا قال أمير قطر أو رئيس مصر شيئًا عن تركيا، من يترجم ذلك إلى التركية، ويقدمه لوسائل الإعلام التركية؟ كانت الإجابة: "وكالتنا لا تقوم بذلك".
تواصلنا بعد ذلك مع رئاسة الوزراء، ورئاسة الجمهورية، والمؤسسات الأخرى، ووجدنا أنهم لا يقدمون هذه الخدمة. في ذلك اليوم أدركنا أن التواصل بين تركيا والدول الإسلامية، كان يتم عبر وكالات الأنباء الغربية.
فعلى سبيل المثال، تقوم وكالات أنباء، مثل: وكالة الأنباء الأميركية، والفرنسية، وأسوشيتد برس المملوكة للدول الغربية بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط، وترجمتها من العربية إلى التركية وبيعها لنا، وعندما يحدث شيء في تركيا، تترجمه هذه الوكالات إلى العربية وتبيعه لدول الشرق الأوسط.
هذه العملية ليست مجرد خسارة اقتصادية، بل إن أسلوب تقديم الأخبار، وتوقيت نشرها، وطريقة ترجمتها كانت حرجة لدرجة أنها قد تؤدي إلى أزمات دبلوماسية، ويمكن أن تُستغل من قبل دولة ثالثة.
والأكثر إثارة للدهشة هو أن الدول التي تتحدث العربية أو التركية، لم تكن لديها شبكة أخبار مشتركة. إذ كانت الأحداث التي تحدث في تلك البلدان تُغطَى من قبل وكالات الأنباء الأجنبية. في عام 2011؛ أظهر لنا هذا السؤال البسيط حقيقة مؤلمة: لم يكن هناك وكالة أنباء دولية فعّالة في الدول الإسلامية، وكانت كل دولة تعتمد على هذه الوكالات لإيصال صوتها. واستمر احتكار وكالات الأنباء لمدة 120 عامًا بهذا الشكل.
قررت وكالة الأناضول في ذلك الوقت الانطلاق عالميًا، وفي غضون ثلاث سنوات بدأنا نشر الأخبار باللغات: العربية، والروسية، والفرنسية، والبوسنية، والإنجليزية، والكردية. وبدأنا نشر الأخبار باللغة العربية في عام 2012، بينما أنشأت وكالة الأنباء الفرنسية "AFP " خدمتها باللغة العربية في عام 1969، ووكالة رويترز البريطانية أنشأت خدمتها في عام 1968. عندها أدركنا مدى تأخرنا ومدى افتقارنا إلى الموارد الضرورية بشكل مأساوي.
اليوم، تستطيع وكالة الأناضول ترجمة خطابات رئيس الجمهورية إلى 10 لغات وتوزيعها على دول أخرى. لكننا نواجه الآن مشكلة أخرى، وهي احتكار وسائل التواصل الاجتماعي.
الاحتكار الكبير الثانيعندما كانت تحدث واقعة في أفريقيا ولم تغطِها وكالات الأنباء، كانت تبقى غير معروفة لفترة طويلة. ولكن هذا الاحتكار انهار مع صعود الصحف، وانتشار التلفزيون، وأخيرًا اكتشاف الإنترنت. لم تعد وكالات الأنباء تحتكر الأخبار بنفس الطريقة القديمة، فقد أزالت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الاحتكار، لكنها أوجدت نوعًا جديدًا من الاحتكار.
اليوم، 98 بالمئة من 4.5 مليارات مستخدم للإنترنت في العالم يستخدمون محرك البحث "غوغل". ولا يمكنك نشر مقطع فيديو على نطاق واسع دون استخدام "يوتيوب". ويقوم 3 مليارات شخص بنشر محتوياتهم يوميًا على "فيسبوك"، ولا توجد منصة أكبر من ذلك. وتتحكم 7 شركات أميركية من بين أكبر 10 شركات في عالم الإنترنت.
لا أعتقد أنه من الضروري التحدث مجددًا عن كيفية جمع وبيع بياناتنا من قِبل منصات وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها في الأنشطة غير القانونية أو تقديمها لأجهزة الاستخبارات. لقد انكشفت خلال حرب غزة كيفية تقديم "فيسبوك وواتساب وغوغل وإنستغرام" بياناتها لإسرائيل، واستخدامها لقتل الفلسطينيين عبر الذكاء الاصطناعي الذي يسمى "لافندر". وقد كتبتُ عن هذا الموضوع سابقًا هنا في "آراء".
وعليه، فكما كانت وكالات الأنباء تحتكر الأخبار في الماضي، أعادت أميركا اليوم تأسيس هذا الاحتكار على وسائل التواصل الاجتماعي. هناك آلاف المقالات ومئات الكتب التي كتبت حول هذا الموضوع.
الآن، فلنناقش السؤال التالي: لماذا لا تملك الدول الإسلامية مثل هذه المنصات لوسائل التواصل الاجتماعي؟
لماذا لا تملك الدول الإسلامية وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها؟
لقد طرحنا أسئلة مماثلة منذ 20 عامًا، مثل: "لماذا لا تملك الدول الإسلامية وكالة أنباء عالمية، أو قناة تلفزيونية فعّالة عالميًا؟" اليوم، تقدم قناة الجزيرة باللغتين: الإنجليزية والعربية أداءً عالميًا في البث. وكذلك تستمر وكالة الأناضول في المضي قدمًا في هذا الاتجاه.
إذن، لماذا لا تستثمر دولنا، ومؤسساتنا الكبرى، وشركاتنا الكبرى في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الآن مسألة أمن قومي؟ ننفق مليارات الدولارات لبناء مبانٍ ضخمة، موانئ ضخمة، ومراكز تسوق هائلة، لكننا لا نستثمر في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تهديدًا لأمننا.
ومع اندماج وسائل التواصل الاجتماعي مع الذكاء الاصطناعي في المستقبل، ستصبح بيانات وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوة وتهديد غير مسبوقة. وكما تأخرنا في إنشاء وكالات الأنباء، تأخرنا أيضًا في هذا الأمر، لكن إذا بدأنا الآن، يمكننا كسر هذا الاحتكار.
يجب أن نتوقف عن مناقشة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وبدلًا من ذلك يجب أن نسأل: لماذا لا نملك منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وسائل التواصل الاجتماعی التواصل الاجتماعی ا الدول الإسلامیة وکالات الأنباء وکالة الأناضول هذا الاحتکار لماذا لا فی عام
إقرأ أيضاً:
ندوات توعوية جديدة من الأوقاف والمركز القومي للبحوث حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي
تطلق وزارة الأوقاف بالتعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سلسلة من الندوات التوعوية الموسعة بعنوان: "وسائل التواصل الاجتماعي: الإيجابيات والسلبيات"، وتهدف هذه الندوات إلى تعزيز الوعي العام، وتحصين المجتمع ضد الاستخدام الخاطئ لتلك الوسائل، وذلك من خلال فعاليات تُقام في عدد من المحافظات تشمل: السويس، والإسكندرية، والغربية، والقليوبية، والجيزة.
تركز هذه الندوات على استعراض الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل، مثل دعم العملية التعليمية، وتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، وتوفير مساحة للتعبير الإيجابي، بالتوازي مع تسليط الضوء على التحديات والمخاطر المرتبطة بها، كالشائعات، والتنمر الرقمي، والاعتداء على الخصوصية، ونشر الأفكار المتطرفة.
وتؤكد وزارة الأوقاف أن هذه الندوات تندرج ضمن جهودها لترسيخ الوعي السليم، باعتباره ركيزة من ركائز الأمن القومي، مشددة على أن مواجهة الفكر المنحرف تتطلب عقلية واعية قادرة على التمييز بين الحرية والفوضى، وبين ما يفيد وما يضر.
ويُقدَّم محتوى الندوات برؤية علمية ودينية متوازنة، تجمع بين الفهم الشرعي السليم والتحليل الاجتماعي العميق، ويشارك فيها مجموعة من أساتذة الجامعات، وعلماء من وزارة الأوقاف، إلى جانب خبراء في مجالي الاجتماع والنفس.
وتُفتح الندوات أمام الجمهور العام، مع إتاحة الحضور بشكل خاص للشباب ورواد المساجد، في مواعيد مرنة تُراعي مختلف الظروف، ضمن خطة الوزارة لنشر قيم الاعتدال ومواجهة التطرف من خلال أساليب مدروسة وجذابة.