نوافذ :نُمْتَحَنُ.. في اجتماعيتنا
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
[email protected]
تتمثل الحالة الاجتماعية، ليس فقط في ثقافتنا الاجتماعية كممارسة، بل في البناءات الدقيقة لمجمل مكوناتنا كأحياء حيث نتشربها منذ أعمارنا الصغيرة، وبالتالي فنحن متشربون بها، ومعلنون عنها في كل تفاصيل حياتنا اليومية، لذلك عندما تحضر العلاقات الاجتماعية كعامل مؤازر لذات المفهوم «الحالة الاجتماعية» فإن في ذلك تعزيزا لقدراتها، وقوة لتأثيراتها على واقع الناس، ومعنى هذا كله لا يجب أن تسقط في مواقف، ولو كانت مهمة حسب تعبير: «على شان خاطرك/ خاطر الجماعة» وإلا سقطت في متون الإهمال، وعدم التقدير، بل والشيوع المفرط في التبذير، ومن يعي هذه الحقيقة لا أتصوره يرضى بأن تنتهك اجتماعيته لخاطر فرد أو مجموعة، ربما تتمثل الإشكالية في هذا الموضوع هو إعادة الإنتاج الاجتماعي، وخاصة بالصورة التي يتوقعها كل منا وفقا: لعمره، لثقافته، لتربيته، لقناعاته الخاصة، لتجربته في الحياة، لمجمل علاقاته مع الآخرين، وإشكالية هذه الصورة أنه لا يمكن تفصيل الحالة الاجتماعية لكل واحد وفق مقاسه الخاص، وإلا دخلنا في مجموعة من الحالات الاجتماعية، وكثر بذلك التنافس، والاختلاف، وربما التفرق وعدم الاستقرار، وهذا أمر يستحيل حدوثه، فضلا عن قبوله، والحياة برمتها لم تخلق كانتونات مفصلة مقاساتها لكل فرد على حدة.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا، رحمه الله: «الثائر لأجل مجتمع جاهل، هو أحمق أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لضرير!» وهذا ما يذهب إليه الحرص عند البعض في إرضاء الناس، ولو على حساب قناعاته، ومواقفه، وآرائه تحت عنوان: «على شان خاطر فلان» ووفق هذا المعنى الذي يشير إليه الشيخ محمد، أن الحالة الاجتماعية مجموعة من القيم والمبادئ لا تقبل القسمة على اثنين، وإلا تاهت في متون المصالح، والأوهام، وبالتالي ينطبق عليها قول القائل: «فكل ذميمة أخلاقية تقتل وتبيد ما يقابلها من المبادئ والمثل والفضائل الحميدة هي في الحقيقة جريمة (قتل) متكاملة الأركان».
تمر الحالة الاجتماعية في كثير من الأحيان بفترات صلاحية موقوتة الزمن، ولذلك تحدث صَدَمَات للناس، حيث لا يتوقعون ممارسات تصدر من آخرين، يكون لهم شيئا من القربى، ومن الود، فَتُكَوِّنْ هذه الممارسات الصادمة مواقف عند من يتعرض لها، ويعدو ذلك نكران لجميل قد قدم من قبل، كيفما يكون شكل هذا الجميل، لذلك يكون العتاب قاسيا، خاصة لذوي القربى، أو الأصدقاء المقربين: «قابلت الكثير من الأعداء ولكن أسوأهم نوعا هؤلاء الذين يدعون أنهم أصدقائي!» من أقوال: (باولو كويلو/روائي برازيلي)، وكما قيل: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند» كما هي رائعة طرفة بن العبد.
مع أن الحالة الاجتماعية تتسع للكثير من المشاهد والصور التي تؤول إليها مختلف الممارسات التي يقوم بها الناس، سواء عبر علاقاتهم المتبادلة اليومية، أو عبر ممارساتهم الخاصة التي يقومون بها لتسيير حياتهم بصورة عامة، بمعنى أن هناك مساحة أفقية، وهناك إعادة إنتاج مستمرة في هذا الاتجاه، وليست ثمة ضرورة لأن تحتجز المسألة في أطر ضيقة حتى تقع الحالة الاجتماعية في حرج شديد، والمؤمل من هذا الاتساع هو أن تظل هذه المسألة ميدانا واسعا يستطيع هضم واستيعاب الجميع، دون أن تكون هناك مثلمة تؤدي إلى التأزم، وإلى الوقوع في حرج شديد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إليزابيث ناصر.. رائدة الخدمة الاجتماعية في القدس.. كرست الهوية الفلسطينية
من أوائل الفلسطينيات اللواتي حملن الشهادة الجامعية، وأيضا من الأوائل اللواتي نشطن بشكل لافت في مجال الخدمة الاجتماعية في فلسطين والأردن. كان والدها حنا موسى ناصر، يعمل قسيسا.
ولدت إليزابيث ناصر في عام 1906 في مدينة نابلس بالضفة الغربية، ودرست في مدرسة سانت ماري بالقدس المتفرعة عن مدرسة سانت جورج (مدرسة المطران) لتعليم الفتيات.
وتخرجت من الجامعة العربية الأمريكية في بيروت تخصص علم الاجتماع عام 1933.
تعتبر من أوائل السيدات الفلسطينيات الحاصلات على الشهادة الجامعية، التحقت في مهنة التدريس في مدارس، طبريا والخليل والقدس.
لكنها بزت وظهرت من خلال نشاطها في مجالات الخدمة الاجتماعية فتوجهت للعمل المجتمعي في يافا وبقيت فيها حتى النكبة عام 1948، ولجأت مع عائلتها إلى بلدة بيرزيت في رام الله. وبدأت بتدريس مادة التاريخ في كلية بير زيت على أمل العودة إلى يافا، وأخذت تسعى إلى العمل في الخدمة الاجتماعية.
شاركت في العديد من المؤتمرات واللقاءات والمظاهرات والاحتجاجات ضمن الحركة النسائية الفلسطينية.
ولاحقا عينت مديرة لدائرة الرفاه الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية الأردنية في القدس، فكانت أول امرأة تشغل هذا المنصب.
كما ساهمت في تأسيس "جمعية روضة الزهور" بعد رؤيتها لفتاتين صغيرتين بملابس رثة بيوم ممطر، مما حرك مشاعرها ، وهي التي عرفت بمشاعرها إنسانية الجياشة وحبها لعلم الخير، لتحول غرفة نومها إلى فصل دراسي بمساعدة الأيدي الكريمة لإيواء الفتيات المعوزات، ثم تطورت الروضة لتصبح مدرسة ابتدائية مختلطة وروضة للأطفال لاستيعاب الأطفال الفقراء وبنات "العائلات المستورة" ومعالجة مشاكل تسول الأطفال. وأضافت إلى المنهاج الدراسي الموسيقى والفن وغيرها من الحرف والفنون.
كرست ناصر حياتها لطلاب المدارس من الأطفال، ولم تتزوج وتفرغت بشكل كامل لهذا العمل الإنساني.
إليزابيث ناصر في بداية حياتها المهنية.
تفانيها وحبها لعملها كان عاملا مساعدا في منحها شهادة من "جمعية الترفيه الوطني" للولايات المتحدة الأميركية عام 1955 لدورها في "إثراء الروح البشرية من خلال الترفيه " بحسب بيان الجمعية الأمريكية.
وقد شهد لها المجتمع المقدسي بدورها الفعال في القضاء على ظاهرة التسول في القدس قبل عام 1967. وبعد حرب 1967 طورت الروضة لتصبح مدرسة أساسية مختلطة تتبع المنهاج الوطني.
توفيت في عام 1988 بعد عام واحد فقط من تقاعدها واخذ استراحة محارب عن عمر ناهز 71 عاما.
كانت إليزابيث حنا ناصر، التي كانت تنادى من قبل الجميع باسم "ليزي"، تتمتع بشخصية جريئة صارمة لا تقبل الخطأ بسهولة، وكانت ترفض تعيين أي موظف دون ابتسامة دائمة على وجهه.
إليزابيث ناصر وهند الحسيني وزليخة الشهابي في مبنى جمعية الاتحاد النسائي العربي.
وقد لعبت شخصيتها ولطفها في دفع العديد من أولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم في المدرسة التي كانت تديرها "ليزي" لكل ينالوا العلم والرعاية لدى سيدة أفنت عمرها من أجل الأطفال والتعليم والخدمة الاجتماعية من قوتها ومدخراتها.
لقد أحبت القدس، وقبل رحيلها طلبت من الحاضرين في جنازتها أن يطوفوا حول نعشها مدة طويلة قبل دفنها، حتى يودع جسدها القدس.
المصادر
ـ "إليزابيث ناصر..رائدة العمل الاجتماعي في القدس"، تلفزيون الغد، 12/5/2019.
ـ "إليزابيث حنا ناصر..أول امرأة مديرة لدائرة الشؤون الاجتماعية بالقدس"، الجزيرة نت، 19/8/2024.
ـ "إليزابيث ناصر (ليزي) 1909-1988"، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية.
ـ أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.
ـ عزيز محمود العصا، عماد عفيف الخطيب، كتاب "مقدسيون صنعوا تاريخا".