يمن الإيمان والحكمة.. الأحفاد كالأجداد أوفياء للنبي الأكرم ومبادئه
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
يمانيون – متابعات
في كل عام يستعد اليمنيون بشكل غير مسبوق منذ شهر ما قبل مناسبة المولد النبوي الشريف في تزيين منازلهم بالأضواء الخضراء ومحلاتهم التجارية وما يتزامن مع ذلك من تزيين المنازل والسيارات والأماكن العامة وما أن تأتي المناسبة الكبرى في الثاني عشر من ربيع الأول حتى يتقاطر اليمنيون من كل منطقة وقرية إلى ساحات الاحتفال في أكبر تجمع سنوي في هذه المناسبة على مستوى العالم فمن هم هؤلاء الذين كلما عظمت بهم التحديات والمحن ازادوا قربا من رسول الله ومن أهل بيته.
فمنذ فجر الرسالة يوم كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى أله) يعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة والمجاورة لها عله يظفر بمن يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم وفوزهم في الدنيا والآخرة فلا يظفر من قريش سوى بالأذية والسخرية والملاحقة أين ما حل وعند من نزل يسفهونه ويحذرون الناس منه. كان أهل اليمن من بادر إلى تلبيته فاعتنقوا الإسلام طواعية وحملوا على عواتقهم كرامة نشره والدفاع عنه فلم تخلو منهم معركة ولا ساحة سواء كان ذلك في عهد الرسول (صلوات الله عليه وعلى أله)أم بعده فقد وقفوا صادقين مع الصادقين أين ما حلوا وفي أي زمن كانوا.
فلا غروا أن يكون أهل اليمن هم طليعة الطلائع في كل حادثة وأمام كل معضلة ولما لا وهم استقوا الهدى من فم المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلي (عليه السلام) فأمنوا بالله ربا وبالقرآن منهجا وبمحمد (صلوات الله عليه وعلى أله) هاديا ومعلما وبالإمام علي (عليه السلام )ولياً وإماماً فهم الذين تبوؤا الدار والإيمان كما يقول الله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 .
تجليات المولد النبوي
وفيما شعب الإيمان والحكمة يعد عدته للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، كانت القوات المسلحة اليمنية تعد العدة للاحتفاء بطريقتها المفضلة، ومع ساعات الفجر الأولى ليوم المولد اهتز عرش الكيان الصهيوني بصاروخ يمني كما اهتز عرش كسرى في يوم مولد المصطفى. حملت عملية القوات المسلحة اليمنية رسائل عدة، للداخل والخارج تؤكد في مجملها أن يمن الأنصار لا زال حاضرا في الساحة. يصدع بالحق، ناصراً للمظلوم غير مكترث بتحزب الأحزاب وتهويل النفاق.
وفي هذا السياق يستطلع موقع أنصار الله بعض الآراء عن رسالة المولد النبوي الشريف والرسالة النارية التي بعثتها القوات المسلحة اليمنية.
الرسول الخاتم قدوة للبشرية جمعا
يوضح الأمين العام لمكتب رئاسة الجمهورية حسن شرف الدين أن الاحتفال العالمي بذكرى المولد النبوي الشريف والذي يقام في غالبية الدول الإسلامية تتصدرها اليمن بخروجها المليوني الغير مسبوق إحياء للمناسبة يوصل رسائل واضحة وجلية للعالم عن عظمة الرسول الخاتم كأعظم قائد شهدته البشرية جمعاء.
ويبين في تصريح خاص لموقع أنصار الله الرسمي أن إحياء ذكرى ميلاد الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يفشل مؤامرات الصهاينة ومخططاتهم الخبيثة الرامية لفصل المسلمين عن رسولهم وعن نهجه القويم.
ويؤكد شرف الدين أن البشرية بحاجة ماسة للتمسك بالرسول الأكرم والاقتداء به كونه معلّم البشرية وهاديا لهم يخرجهم من الظلمات إلى النور.
ويلفت إلى أن الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم أرسل رحمة للعالمين وجديرا بالعالم أجمع احياء ذكرى المولد النبوي الشريف وجعله القائد والمعلم والملهم للبشرية في جميع شؤون حياتها العلمية والعملية والأخلاقية والفكرية والثقافية والحضارية.
مواقف اليمن المبدئية
من جانبه يؤكد عبد الإله حجر مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى أن الشعب اليمني بحضوره الفاعل في ساحات الاحتشاد وفي ساحات المواجهة لقول للنبي الأكرم أنه لا يزال وسيظل عند حسن ظن رسول الله به وهو القائل “: الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
وأكد أن ما يقوم به الشعب اليمني في نصرة الشعب الفلسطيني ليس بغريب عليه فمنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة والشعب اليمني يحتشد في الميادين ليعبر عن وقوفه مع غزة، لافتا إلى أن المولد النبوي الشريف لهذا العام يتميز من حيث التوقيت المتزامن مع الانتصارات العظيمة التي حققها الشعب اليمني نصرة لغزة وردعا للعدو الصهيوني الذي يرتكب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. ولفت إلى أن الضربة النوعية التي وجهتها القوات المسلحة اليمنية في عمق الكيان الصهيوني ليست ردا على العدوان الصهيوني على الحديدة، وإنما في إطار الانتصار لغزة والضفة لأن الرد على عدوان الحديدة سيكون قاسيا جدا وكما يقول السيد القائد بأن “القادم أعظم”، مشيرا إلى أن نجاح الصاروخ في تخطي الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية والغربية هو في المقام الأول تأييد من الله سبحانه وتعالى على الموقف اليمني المتميز.
في ذات السياق يؤكد الناشط الثقافي في أنصار الله الأستاذ يحيى قاسم أبو عواضة أن من أهم دلالات خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف هو أنه يجب أن نقف في مواجهة أعداء الله بكل ثبات وتوكل على الله فالتوكل على الله والثقة بالله هي الأساس في الانطلاقة في سبيل الله والمشروع الإلهي .. مؤكدا أن السيد القائد هو أول من طبّق هذا في ميدان المعركة حيث ضرب عمق الكيان الإسرائيلي والاستهداف للعمق الإسرائيلي هو استهداف لأمريكا وبريطانيا والكفر والنفاق في آن واحد. مضيفا أنه وفي نفس الوقت يحشد السيد القائد الملايين في الساحات للاحتفاء بالمولد النبوي ونصرة لغزة وإن دل على شيء فإنما يدل على مدى ثقته الكبيرة بالله وتوكله على الله والثقة بان الله هو الناصر والملك المقتدر والمتحكم في شؤون هذا العالم.
ولفت إلى عملية استهداف “تل أبيب” في يوم ذكرى المولد النبوي الشريف هي رسالة لليهود بأن محمد مات وخلف رجالا يذيقونكم بأس الله سبحانه وتعالى.
عمليات أكثر تأثيرا
أما الخبير العسكري والاستراتيجي، رشاد الوتيري فيوضح أن الشعب اليمني خرج إلى الساحات بالملايين كعادته للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف والاحتفاء بالقوات المسلحة اليمنية التي تواصل تقدمها العسكري والتقني في رسالة للعالم بأن الشعب اليمني بأكمله يقف مع فلسطين.. لافتا إلى أن ما تنفذه القوات المسلحة اليمنية من عمليات عسكرية آخرها استهداف “تل أبيب” بصاروخ فرط صوتي أربك الحسابات الصهيونية وبالتالي فالشعب اليمني يجسد حبه وولائه للمصطفى في ميدان المعركة سواء بالحضور للساحات تلبية لنداء الله أو مؤازرة القوات المسلحة.
ولفت إلى أن الضربة العسكرية التي وجهتها القوات المسلحة اليمنية للعدو الصهيوني ستجبره على إعادة حساباته لأن الصاروخ رسالة تحذيرية يمنية فوصول الصاروخ إلى فلسطين المحتلة في غضون 11 دقيقة وتمكنه من تعدي المنظومات الاعتراضية يحمل إشارات بأن العدو على موعد مع عمليات أكثر تأثيرا.. مضيفا أن الصاروخ اليمني له تأثير معنوي كبير بعد أن أوصل العدو إلى حالة التخبط والفشل يفسره هروب ملايين الصهاينة إلى الملاجئ، ما يعني أن العدو مقبل على مرحلة جديدة من التصعيد لا خيار أمام العدو سوى وقف عدوانه على غزة.
ولفت الخبير العسكري والاستراتيجي، رشاد الوتيري إلى أن الحضور الجماهيرية في فعاليات المولد النبوي الشريف هي رسالة بأن الشعب اليمني كله يسند القوات المسلحة ويطاب بالمزيد من العمليات. مؤكدا أن قادم الأيام ستشهد تطورات كبيرة جدا بضربات عسكرية نوعية تدك عمق العدو الإسرائيلي.
أخيرا
تبقى ذكرى المولد النبوي الشريف محطة استثنائية في تاريخ الشعب اليمني تتعاظم سنويا بعظمة المناسبة والتي تتزامن بانتصارات ميدانية كبرى يلمس أثرها اليمنيين كل عام.
وسيبقى الأحفاد كالأجداد أوفياء مع رسول الله ومن تبعه من أهل بيته، سيبقى يمن الإيمان والحكمة حاملا على عاتقه مهمة نصرة دين الله ورسول الله وأعلام الهدى من أهل بيته مقارعا للظالمين والجائرين والمستبدين وكما صنع الله على أيديهم النصر لرسوله ولدينه ولأعلام دينه وللمستضعفين من عباده عبر القرون الماضية سيحققه على أيدي المخلصين الصابرين الصادقين المجاهدين الثابتين في ميدان المواجهة مع قوى الكفر والطاغوت {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111.
—————————————————————-
-موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: ذکرى المولد النبوی الشریف صلوات الله علیه وعلى آله القوات المسلحة الیمنیة أن الشعب الیمنی السید القائد أنصار الله رسول الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
«الزمن الجميل».. هل يبقى أضعف الإيمان؟
هل يمكن وصف الـ«الذاكرة الاجتماعية» بأنها الحاضنة الأبقى لكل ما هو متعلق بالمجتمع الإنساني؟ هل هناك معززات من شأنها أن تحافظ على بقاء الأداء لهذه الذاكرة، وما مدى ذلك؟ ما هو نصيب الفرد من هذه الذاكرة، وهل هو يستشعرها بالفعل كممارسة على أرض الواقع، أم أنها تبقى مفهومًا علميًا هو فـي يد أهل الاختصاص فقط؟ إلى أي مدى يمكن أن تحافظ الـ«الذاكرة الاجتماعية» على تألقها لتقوم بكامل الدور المنوط منها؟ وماذا عن مستوى التغييرات التي يعيشها أفراد المجتمع فـي إرباك الـ«الذاكرة الاجتماعية» فـيؤثر على أدائها المتوقع؟ هل يلعب التاريخ فـي بعديه المادي والمعنوي فـي تعزيز الدور الذي تقوم به الـ«الذاكرة الاجتماعية»؟ وهل هناك علاقة عضوية متبادلة بين الطرفـين؟ لماذا يتأثر الناس -غالبا- عندما يزال موقعا أثريا عن مكانه وإلى الأبد هل لذلك التأثر علاقة بالمخيلة الاجتماعية؟ وبمعنى آخر هل تعيش الذاكرة الاجتماعية قلقا دائما للحفاظ على كينوناتها من مثل هذه الأرصدة فـي بعدي التاريخ المادي والمعنوي؟ وهل ذلك ينطبق أيضا على اختفاء بعض القيم الإنسانية التي ينظر إليها بكثير من الاهتمام؟ هل هناك ثمة علاقة بين الهوية والـ«الذاكرة الاجتماعية» وأيهما يخدم الآخر أكثر؟ نسمع كثيرا جملة «الزمن الجميل» مع أننا فـي لحظتنا الآنية لم نعش ذلك الزمن الذي يوصف بـ«الجميل» ترى من صدر هذا الوصف وأنزله على الذاكرة حتى استحسنته «وصفًا» دون أن تعيش تفاصيله الدقيقة هل هذا من فعل الـ«الذاكرة الاجتماعية» أيضا؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل وقعت هذه الذاكرة فـي مأزق التحايل على الحقيقة؟ لأن الأزمان لن تكون جميلة بالمطلق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس من الواقعية فـي شيء أن نجزم ببساطة الأشياء وتواضعها على أنها معبرة عن زمن جميل، فقد يكون الزمن قاسيًا بكل ما تعنيه الكلمة، فمن إذن يكون له حق التقييم فـي النفـي أو الجزم بذلك؟ ولذلك يأتي السؤال الختامي لهذه المقدمة الاستفهامية هل يبقى «الزمن الجميل» أضعف الإيمان لرصيد «الذاكرة الاجتماعية» موضوع هذه المناقشة؟ من يأمن الذاكرة؟ ومن يأمن الزمن؟ ومن يأمن الظروف التي استغلتها الذاكرة فـي تحايلها على الزمن؟ فالذاكرة لا تكتب تاريخها بعيدة عن الزمن المنجز، والزمن لا يخلد أفعاله اعتمادا على الذاكرة فقط، وإلا لضاعت الكثير من الثوابت، والكثير من القيم المعرفـية، والكثير من حقائق الأشياء، والكثير مما بذله الناس فـي أزمان صعبة، وما كان له أن يتحقق لولا هذا الحرص الإنساني على أن يكون له أثر ما، فـي لحظة زمنية فارقة، إذن من يكتب التاريخ؟ الفرد الجماعة الأثر الباقي «الشاهد» والمعبر عن أن هنا جهد إنساني بذل فـي هذا المكان بالذات؟ لذلك يقال: إن الأزمان تكتب تاريخها حتى فـي أحلك الظروف التي تمر بها الإنسانية، وأحلك الظروف هنا (الجهل/ الفقر/ عدم الاستقرار/ الاستعمار) حيث لا تستطيع الإنسانية تجميع قواها لكتابة التاريخ، فالبلدان التي ترزح تحت وطأة هذه الظروف مجتمعة أو متفرقة، لا يستطيع إنسانها أن يكتب تاريخ لحظته بصورة أكثر دقة، وبأريحية تامة، فهو يعاني من ذات اللحظة الزمنية الفارقة فـي حياته، من كثير من الارتباك، والقلق، وعدم التوازن، ولأن الشعوب غالبا لا تخضع كثيرا لاستمرار حالات أحلك الظروف، فإنها سرعان ما تنتفض على أي شيء ترى أنه سوف يقيد حركتها عن رصد تاريخها والكتابة فـيه، وتجميع حمولته المعرفـية وإلحاقها بالذاكرة، ولا يضعف إلى الحد الذي يكون فـيه لقمة سائغة للغريب، فالأرصدة الاجتماعية لا يجب أن يكون بين مجموعها ومجموعها فترة زمنية قاطعة، فالتاريخ متواصل بفعل الزمن، فكما الزمن لا يستريح فـي استمراريته، فكذلك التاريخ لا يتوقف فـي إنجاز أبنائه، وكذلك الـ«الذاكرة الاجتماعية» الدفعات المتقطعة مما هو منجز؛ لأنه بهذا الرصد المتواصل تؤصل هوية إنسان/ شعب/ مجتمع/ أمة فـي يوم ما، ليكون لكل ذلك تاريخ يكتب بماء الذهب.
هنا تنجز الهوية مع الـ«الذاكرة الاجتماعية» مستحقا إنسانيا، لا يمكن تجاوزه، ولذا لا تستغرب إن عرفت يوما ما أن هناك من اكتشف «وثيقة» تاريخية فـي أحد متاحف العالم تسجل لك سبقا زمنيا منجزا فـي أمر ما من أمور حياة من سبقوك، ولأن هذه الـ«وثيقة» هويتها لك، وجذورها تعود إلى بلدك، وإلى أمتك، وإلى وطنك، وإلى جغرافـيتك، إذن وفـي هذه الحالة فهي أنت، وأنت هي، وبالتالي فلا يستغرب إطلاقا أن تدفع مقابل أن تعود هذه الـ«وثيقة» إلى حيث جذرها الأصل، ولن ترتاح - وأنت صاحب القرار - أن تظل هذه الـ«وثيقة» فـي غربتها، وإلا عد ذلك نقيصة فـيك، وإنكارا لأهم مكونات تاريخك الذي ستدافع عنه بكل شراسة، فـي حالتي السلم والحرب، حيث لا تذوب الهويات فـي أيهما، ولا يتماهى الانتماء فـي أي منهما أيضا، ولعل هنا يتضح المعنى أكثر فـي تسمية «الزمن الجميل» لأنك امتداد له، وإلا ما الذي يجبرك على أن تحرص على عودة الوثيقة إلى حيث منشأها الأول، حيث أنت تقبع الآن؟ ينطلق أداء الذاكرة الاجتماعية بوهج غير مسبوق من خلال ما يحرص الناس على بقائه، واستمراره، حتى ولو كان هذا الأمر لا يتوافق مع عصره، وهنا تتسلل الهويات لتوقظ فـي الأنفس الارتهان على البقاء، وأن هذا البقاء لن يكون إلا من خلال هذا الذكر، ومن خلال هذا التبني، ومن خلال هذا التخيل، ولذلك فجملة «الزمن الجميل» لم تأت من فراغ الذاكرة الاجتماعية، بل من ثرائها المعرفـي، وثرائها القيمي، وثرائها التاريخي، حتى وإن لم تعش هذه الأنفس شيئا من هذا الجمال الذي تتحدث عنه مع أي مشهد يعيد إلى الـ«الذاكرة الاجتماعية» شيئا من ألقها الذي كان، سواء تمثل هذا الذكر فـي هذه الجملة، أو فـي اقتناء شيء من الموروث، أو الالتحام مع القناعة الذاهبة إلى تأصيل ما تبقى فـي هذه الذاكرة، ومن هنا يأتي أسف الناس على إزالة الشواهد التاريخية والأثرية، ويعد ذلك نكرانا صريحا لما أهداه إلينا الزمن الجميل، وللقناعة الموجودة، أن ما أزيل لا يمكن تعويضه، وما تهشم وتغيرت ملامحه لا يمكن إعادته على ما كان عليه، وقد زرت بلدا عربيا تعرض لاستعمار طويل، وكان من محاسن هذا الاستعمار عند انسحابه لم يهدم ما أقامه من جمال العمارة، هذه العمارة وهي رصيد تاريخي بلا منازع لهذا البلد يتعرض اليوم للتشويه حيث ما يتهدم منه، لم يعاد على صورته الأصل، فأصبحت المباني مشوهة، بالترقيع الفاضح فـي تشويهه، لذلك لا تستسيغ الـ«الذاكرة الاجتماعية» هذا التشويه، وترى فـي استمراره ضربة قاسية لحقيقة حياة كانت بغض النظر عن جماليتها أو قبحها، فذلك نصيب زمنها الذي كان، ونصيب فردها أو جماعتها الذين كانوا، ولذلك يتم الحكم اليوم على الخلاصة التي وصلت إلينا، دون الدخول فـي التفاصيل، وهي تبقى فعلا «أضعف الإيمان».
يمكن القول هنا أن الـ«الذاكرة الاجتماعية» ليست فقط للقيم الاجتماعية المُؤْمَنُ بأهميتها، وليست فقط للعادات والتقاليد المتوارثة، وليست فقط لشيء من العمارة الاجتماعية التي التصقت جدران مبانيها بعضها على بعض للتعبير عن اللحمة الاجتماعية، وعن لهاث الأنفس الدالة على التقارب والتآزر، والتواد، وليست فقط لأحوال الناس فـي زمن ما دون غيره، وليست فقط لشواهد حالات الفقر والغنى، والتآلف والتصادم، والوفاق والتنازع، وليست فقط لدروب القرية وسككها، وسواقي الحقول والبيادر ومزارعها، وليست فقط لمجلس القرية ومسجدها ومدرسة تعليمها، وإنما لكل ذلك دون استثناء، كما هو حال كرة الثلج المتضخمة، والتي إن جار عليها الزمن وأصابها شيء من التشظي تناثرت قطعا، ليس يسيرا لملمتها، فالزمن لا يعطي دائما فرصة التحام الأجزاء على بعضها لتعود الصورة كما كانت قبل نيف من الزمان.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني