تقرير: خالد فضل

المأساة التاريخية المتجددة

اتهمت حركتا جيش تحرير السودان، والعدل والمساواة السودانية، الحكومة بتنفيذ حملات تطهير عرقي بولاية جنوب دارفور، وقالت في بيان حمل توقيع كل من مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وعبد الواحد محمد أحمد النور رئيس حركة جيش تحرير السودان، إنّ الهجمات نفذّت بتوجيه من الوالي آدم جار النبي الذي أمر مليشيات القائد حميدتي بمهاجمة المواطنين في مناطق أمقوجة وحجير تونجو وعشرات القرى جنوب شرق نيالا، مما أسفر عن قتل أكثر من 200 من الأطفال والنساء والمسنين، وحرق أكثر من 40 قرية، وإغتصاب أعداد كبيرة من البنات القصّر، وإختطاف أعداد أخرى، ونهب عشرات الآلاف من الماشية، مما قاد لفرار ونزوح أكثر من 20 ألف شخص إلى الجبال والغابات ومعسكرات كلمة والسلام.

وحمّلوا الحكومة السودانية ممثلة في وزير دفاعها، والحركات الموقعة على إتفاقيات سلام، ووالي جنوب دارفور؛ المسؤولية عن تلك الحملات، ولفتوا إلى أنّ القوات التي هاجمت المواطنين طردت من شمال كردفان بعد أن عاثت فيها فسادا، منوهين إلى أنّ الوالي استخدم كلمة (تطهير) وأنّ المسؤولية الجنائية تطال رئيس هيئة الأركان المشتركة، وقائد القوات الجوية، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات، وقائد ما يسمى بقوات التدخل السريع، وقائد المليشيا الميداني حميدتي. كما دانوا تقاعس اليوناميد وعجزها عن حماية المدنيين العزّل، وسكوتها وإستنكافها عن كشف الحقائق وإدانة المجرمين.

وعدّ البيان ما يحدث في الإقليم مؤشر لتحول الوضع من سيئ إلى أسوأ، وتأكيد فشل الحلول الجزئية للمشكلة السودانية، وافتقارها لآليات حماية المدنيين، ودعوا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والمنظمات الحقوقية والإنسانية إلى إدانة ما يجري من إبادة جماعية للمدنيين، ونادوا بتقديم الإغاثة العاجلة للذين هجروا قسرا من قراهم ومصادر عيشهم.

كما طالبوا بإجراء تحقيق عاجل ومحايد لكشف حجم وأبعاد الجريمة والضالعين فيها، وعمل ما يلزم لتمكين المحكمة الجنائية الدولية من محاكمة الجناة حتى لا تسود ثقافة الإفلات من العقاب أكثر مما هي سائدة الآن ويستأسد المجرمون. (سودان تربيون 5 مارس 2014م).

مفردات البيان تشير لأول وهلة أنّه صادر اليوم وليس قبل أكثر من عشر سنوات. نفس الجرائم والجناة والضحايا من المدنيين والأطفال والنساء والمسنيين، ذات المطالب بتوفير الغذاء والأمن، والحاجة للتدخل الدولي والتحقيق المحايد وتسليم الجناة للمحكمة الجنائية الدولية. مع زيادة مهولة في أعداد الضحايا وتوسع نطاق المأساة لتشمل كل أرجاء البلاد تقريبا بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فقط اختلف موقع اثنين من الموقعين على بيان مارس 2014 وهما مناوي وجبريل، بحيث يمكن إعادة قراءة فقرة تحميل المسؤولية للحكومة والحركات الموقعة على اتفاقية سلام جزئية لتشملهما هذه المرة، أما عبد الواحد فما يزال في موضعه، مما يشير بوضوح إلى أنّ الضحايا من المدنيين ظلوا على مدى عقود هم الضحايا، بينما يتداول الجناة  الدور ثباتاً وإحلالاً وإبدالاً.

من هذه الزاوية تنطلق فرضية عدالة وموضوعية مطالب الضحايا المدنيين بإطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف وبمنظور المسلمين منهم الذين يتلون في القرآن (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وامنهم من خوف).

الاستجابة الدولية لصرخات الضحايا ومزايدات الجناة

قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تكوين بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في حرب السودان في أكتوبر وتشكيل اللجنة في ديسمبر 2023م برئاسة محمد شاندي عثمان، وبحسب موقع الأمم المتحدة 6 سبتمبر 2024م فإنّ التقرير الأول للجنة ورد فيه: ارتكبت أطراف النزاع في السودان مجموعة مروعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان والجرائم الدولية قد يرقى العديد منها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والقوات الحليفة لهما مسؤولون عن أنماط انتهاكات واسعة النطاق تضمّنت هجمات عشوائية ومباشرة عبر الغارات الجوية والقصف ضد مدنيين ومدارس ومستشفيات وشبكات اتصال وشبكات حيوية لإمداد المياه والكهرباء، واستهداف المدنيين من خلال الإغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي والاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة، وقد ترقى هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب متمثلة في الاعتداء على الحياة والأشخاص والاعتداء على (الكرامة) الشخصية.

وقال محمد شاندي عثمان: إنّ خطورة النتائج التي توصل إليها تقريره؛ تؤكد على الحاجة لإجراءات ملحة وطارئة (لحماية المدنيين) ونظراً لإخفاق أطراف النزاع في تجنيب المدنيين الأذى؛ من الضروري نشر قوة مستقلة ومحايدة مكلفة بحماية المدنيين في السودان على الفور.

على الأرض يتسم تقرير اللجنة بالمصداقية والواقعية؛ لجهة أنّ أيا من الضحايا المدنيين في أي رقعة من مناطق النزاع- شبه الشامل- يمكنه سرد عشرات الوقائع التي تؤكد معاناته الشخصية من هذه الانتهاكات كلها أو بعضها مع اختلاف الجناة ينطبق هذا الحال على المدنيين في قرى الجزيرة، أو للدقة أكثر على قرية واحدة على الأقل يعرف معد التقرير تفاصيل ما جرى فيها من انتهاكات غير مسبوقة، ففضلاً عن نهب السيارات كخطوة أولى تم نهب كل المحاصيل الزراعية والمواشي وأثاثات المنازل والنقود والحلي الذهبية، وتعدى الأمر بنهب ألواح الطاقة الشمسية المستخدمة في توليد الطاقة لـ3 آبار مياه شرب والمركز الصحي، ونهب ما لا يقل عن 5 طواحين لطحن الغلال مع ممارسة العنف والترويع والضرب المبرح وإطلاق الرصاص مما أدى لإصابة بضعة أشخاص منهم امرأة ومقتل 3 شباب في حوادث منفصلة- أحدهم يعاني من حالة نفسية- كل هذه الجرائم ارتكبها أفراد ينتمون للدعم السريع أو عناصر تحت حمايتها، في المقابل  يوجد بعض الأشخاص رهن الاعتقال التعسفي بواسطة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية  وما يعرف بوحدات العمل الخاص في مناطق سيطرة القوات المسلحة؛ لم يعرف مصيرهم بعد ولم يحصلوا على حقوقهم في مساعدة قانونية أو التهم الموجه إليهم والتي غالباً شبهة التعامل مع الدعم السريع… إلخ.

في ظل هذه الأوضاع على الأرض، وما يواجه نحو 25 مليون شخص من نقص الغذاء واحتمال تعرضهم لمجاعة أسوة بما أعلن عنه في معسكر زمزم وفي بعض مناطق جنوب كردفان، فإنّ وزير الزراعة في الحكومة التي يسيطر عليها الجيش وتتخذ بورتسودان مقراً لها ينفي وجود مؤشرات المجاعة ويؤكد رفض سلطته فتح الحدود لدخول المساعدات الإنسانية لأن ذلك يؤدي لدخول الأسلحة للمتمردين ويمهد لدخول القوات الأجنبية وهو الأمر الذي يضر بالسودان- على حد وصفه.

أمّا وزارة الخارجية فقد رفضت بشكل كامل تقرير لجنة تقصي الحقائق ووصفته بعدم الموضوعية وافتقاره للمهنية والاستقلالية، بل طالبت بإنهاء تكليف اللجنة التي رفضتها منذ البداية.

الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة- فصيل جبريل إبراهيم وزير المالية في الحكومة، محمد زكريا، أفاد بأن التقرير غير محايد، مشيداً بموقف حكومته في مناهضته.

موقف مؤيد  للتوصيات من جانب قوات الدعم السريع؛ رغم أنّها مصنفة في صف الجناة منذ 2014م وحتى حرب 15 أبريل 2023م، هل يشير إلى تغيير أم انحناء للعاصفة أم مزايدة على الطرف المتعنت لتسجيل نقاط إضافية على المستوى الدولي، فقد رحبت قوات الدعم السريع في بيان لها على موقعها الرسمي على منصة إكس بتقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بشأن السودان، معربة عن تقديرها لجهود البعثة التي تبذلها في نطاق ولايتها، وتؤيد أهمية إجراء تحقيق مستقل ونزيه في الجرائم المرتكبة في جميع أنحاء السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م.

وأشارت إلى أنها أول من طالب بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، ورحبت بتشكيلها والاستعداد للتعاون معها لتسهيل ولايتها، ووجهت دعوة مفتوحة لمسؤولي البعثة لزيارة المناطق الخاضعة لسيطرتها وتعهدت بتسهيل الوصول الآمن إلى جميع الأماكن.

مؤيدون لحماية الضحايا على الضفة الأخرى

سليمان صندل رئيس فصيل آخر في حركة العدل والمساواة، يقول: على خلفية توصية بعثة تقصي الحقائق بنشر قوات أممية لحماية المدنيين وكذلك توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان، يعد هذا التفاتا مهما من المجتمع الدولي لهذا الصراع الدموي وللكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني، ولمغادرة ثقافة الإفلات من العقاب التي أصبحت سمة ملازمة للنظام القضائي السوداني نجد ضرورة أن تنشط المحكمة الجنائية الدولية في المطالبة بتسليم المتهمين عمر البشير وأحمد هرون وعبد الرحيم محمد حسين.

موقف تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) جاء متطابقا مع موقف الضحايا؛ حيث أكدت في بيان لها دعمها الكامل للتوصيات التي وردت في تقرير اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن إرسال قوات دولية بشكل عاجل لحماية المدنيين في البلاد، ورحبت بما ورد في التقرير الذي وثق الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها طرفا النزاع؛ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معهما، ودعمها لكل التدابير التي تقود إلى إنهاء الحرب وحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وعدم إطالة أمد الحرب.

وتقدم هي أكبر تحالف سياسي مدني يضم أحزاب وهيئات وجماعات من المثقفين والإدارات الأهلية والمبدعين ولجان المقاومة.. إلخ ظلت ترفض الحرب قبل اشتعالها وبعده وما تزال.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. صلاح الدين الدومة، يعلق على تناقض المواقف ونتائج ذلك في إفادته لـ(التغيير)، بأن رفض الحكومة عبر وزارة الخارجية يعتبر بلا معنى، إذ أن المجتمع الدولي لا يعترف بحكومة إنما بطرفين يتصارعان هما القوات المسلحة والدعم السريع، لهذا تأتي جميع الدعوات والمبادرات باسم الطرفين المتنازعين.

ويشير د. الدومة إلى أنّ الدعم السريع؛ مهما كان من أمره، إلا أن مستشاريه يلعبون سياسة أفضل من الإسلاميين المتحلقين حول قيادة القوات المسلحة، على الأقل نجدهم يتفادون العبث الإنقاذي في السلطة. فهم لم يجلبوا لقواتهم على الأقل  تحفظات دول الإقليم والمجتمع الدولي بمواقفهم التي ترحب بأي مسعى داخلي أو خارجي لحل النزاع عبر طاولات التفاوض، ولم يسعوا كذلك لوضع كل القوى الثورية والكتل السياسية في الداخل في خانة العدو كما يفعل الإسلاميون. أمّا النتيجة المتوقعة لهذا الموقف المتعنت من جانب الجيش إجراءات طويلة خاتمتها البند السابع والتدخل الدولي وهو الأمر الحتمي لا ريب فيه؛ خاصة مع فشل محاولات إحدى دول الجوار في التوسط لإقناع قيادة الجيش بقبول الحلول التفاوضية عبر منبر جنيف أو جدة.

عضو مجلس السيادة السوداني الفريق إبراهيم جابر، أعلن رفضهم نشر قوات دولية لحماية المدنيين قائلا إنّ جميع الانتهاكات بمناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع، وفي حوار مع موقع (المحقق) أضاف: المدنيون لا يحتاجون لحماية من جيش الدولة لأنهم يلجأون إليه هرباً من البطش، كما أنّ نشر قوات أممية في ظل انتشار قوات المليشيا يعد شرعنة لوجودها وليس حماية للمدنيين.

الوسومالأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان تقرير طبي جبريل حميدتي خالد فضل دارفور صندل مناوي وزارة الخارجية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان تقرير طبي جبريل حميدتي خالد فضل دارفور صندل مناوي وزارة الخارجية قوات الدعم السریع الجنائیة الدولیة لحمایة المدنیین القوات المسلحة المدنیین فی أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

البرلمان البريطاني من ونستون تشرشل إلى سليمان صندل

كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ مادة السياسة والسياسات العامة

كأن التاريخ يعيد نفسه بقلمٍ ساخرٍ، وبحبرٍ مسموم، ففي مقر البرلمان البريطاني، ذلك الحرم الذي شهد أعظم الخطب وأنبل القرارات، يُسمح اليوم لمجموعات تتبع الجنجويد – أو بالأحرى قوات الدعم السريع السودانية – بعقد ندوة تروّج لما هو أبعد من مجرد كلام، بل لتبرير فظائع جعلت العالم يذهل ويقشعرّ. العقلاء يتساءلون: ما الذي أصاب بريطانيا حتى تُدنّس أعتاب ديمقراطيتها العريقة بمثل هذه المهزلة؟
بريطانيا والجنجويد: سقوط في هاوية البرلمان المقدس
لنعد الشريط قليلاً. البرلمان البريطاني ليس مجرد مبنى حجري في وستمنستر، بل هو رمزٌ للحرية والكرامة الإنسانية. في قاعاته، وقف ونستون تشرشل يهزّ العالم بخطبه في وجه النازية، معلناً أن بريطانيا لن تستسلم. فيه، نوقشت إلغاء تجارة الرقيق، وصيغت قوانين ألهمت دولاً بأسرها. وفيه، عقدت أعظم الاجتماعات، كتلك التي جمعت قادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حيث كان مصير البشرية على المحك و هو ذات البرلمان الذي اعتذرت فيه بريطانيا للعالم عن حقب الاستعمار المريرة . كيف، إذن، تحول هذا المكان من منارة للعدل إلى منصة تُروَّج منها لمليشيا متهمة بإبادات جماعية، تطهير عرقي، وانتهاكات موثقة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان؟
اسم "الجنجويد" ليس مجرد لقب عابر، بل هو مرادف للموت والدمار في السودان. قوات الدعم السريع، التي تطورت من هذه المليشيات، تركت خلفها جبالاً من الجثث في دارفور، وأشعلت حرباً أهلية أزهقت أرواح عشرات الآلاف، وشردت الملايين. تقارير دولية، من مجلس الأمن إلى الخارجية الأمريكية، وثّقت جرائمها: اغتصاب جماعي، حرق قرى، وتجويع شعوب بأكملها. ومع ذلك، تُفتح لهم أبواب البرلمان البريطاني، كأن الأمر لا يعدو كونه نقاشاً أكاديمياً، وليس ترويجاً للبربرية.
لماذا تفعل بريطانيا هذا؟
لنكن صريحين: المصالح لم تكن يوما تقاس بمعيار الأخلاق، بل برقعة شطرنج المصالح. سماح بريطانيا بهذه الندوة ليس خطأً عفوياً " و ان حاولوا اخفاءه عبر حديث البرلمانية الفطير"، بل خطوة محسوبة في سياق أعمق. هناك من يرى فيها محاولة لإعادة صياغة صورة قوات الدعم السريع ـ"كجهة شرعية"، ربما لخدمة أجندات إقليمية تتقاطع مع مصالح دول كبرى، مثل الإمارات، التي اتهمت بدعم هذه القوات لوجستياً وعسكرياً. لكن السؤال الأكبر: هل هناك رابط مع ما يُسمى "الصهيونية العالمية"؟

الصهيونية، كمصطلح، أصبحت كرة مطاطية تُرمى في كل اتجاه، لكن دعونا ننظر بعين السياسة لا الشعارات. إسرائيل، كلاعب إقليمي، لها مصلحة في اضعاف السودان أو على الأقل في احتواء الفوضى و توجيهها في صالحها بما يضمن أمن حدودها الجنوبية عبر البحر الأحمر. قوات الدعم السريع "، استخدمت كأداة لفرض واقع جديد في السودان، يُبقي البلاد ضعيفة ومفتتة، وهو ما يتماشى مع استراتيجيات تاريخية لتقسيم المنطقة. بريطانيا، بدورها، قد تكون شريكاً في هذا المشهد، إما عن وعي أو كجزء من ضغوط أمريكية غربية لإعادة تشكيل النظام السوداني و المنطقة.
لكن هذا لا يبرئها. أن تُدنّس بريطانيا سمعتها وتاريخها الديمقراطي بهذا الشكل هو انحدار أخلاقي وسياسي. كان بإمكانها أن ترفض، أن تقول "لا" كما فعلت في وجه الطغاة سابقاً. لكنها اختارت الانصياع، ربما لأنها لم تعد تلك الإمبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس"، بل دولة تائهة تبحث عن دور في عالم تتغير قواعده.
السودان: كيف يرد على هذه الإهانة؟
السودان، كدولة، يقف اليوم على مفترق طرق. هذه الندوة ليست مجرد حدث عابر، بل رسالة: العالم مستعد للتعامل مع منتهكي حقوق شعبكم كشركاء. لذا، يجب أن يتحرك السودان بذكاء وحزم، وفق هذه الخطوات
قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا مؤقتاً ليس من باب العقاب فقط، بل لإرسال رسالة أن السودان لن يقبل التواطؤ مع من يبررون إبادته. هذا سيضع لندن في موقف محرج أمام العالم.
اللجوء إلى الأمم المتحدة: تقديم شكوى رسمية ضد بريطانيا في مجلس الأمن، مستندة إلى التقارير التي تدين قوات الدعم السريع، مع المطالبة بتحقيق دولي في دعمها الضمني.
تعزيز التحالفات الإقليمية: التقارب مع دول مثل الصين و روسيا " مع الحذر الواعي"، التي لها مصلحة في استقرار السودان، لمواجهة أي محاولات لفرض حكومة موازية مدعومة من الخارج.
توثيق الفظائع محلياً ودولياً: إنشاء لجنة وطنية مستقلة لتسجيل جرائم الجنجويد، مع عرضها في محافل مثل المحكمة الجنائية الدولية، لقطع الطريق على أي محاولة لتبييض صفحتهم

الضغط الشعبي: حشد الجالية السودانية في بريطانيا للتظاهر أمام البرلمان، كما فعلوا من أجل فلسطين، لفضح هذه الخطوة وإحراج الحكومة البريطانية.
خاتمة: الخرطوم تستحق أفضل من هذا
السودان، بتاريخه العريق وشعبه الصامد، لا يستحق أن يُعامل كساحة لتجارب المصالح الدولية. بريطانيا، التي كانت يوماً مستعمرة له، تعود اليوم بقناع جديد، لكن الرائحة نفسها: رائحة الاستعلاء والتلاعب. لكن كما قال أحد حكماء السودان: "ليس للبربرية مستقبل". الخرطوم ستنهض، وسيبقى البرلمان البريطاني شاهداً على عارٍ سيلاحقه التاريخ، كما لاحق غيره من قبل. أما السودانيون سيظلون يتراغبون مواقف كل الدول ابان محنة السودان هذه.

 

quincysjones@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية تندد بالمساعي الكينية لاحتضان حكومة موازية بقيادة “الدعم السريع”
  • ثالث دولة عربية تعلن رفضها دعوات تشكيل حكومة موازية فى السودان للدعم السريع
  • لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
  • الأردن يرفض المحاولات التي قد تهدد وحدة السودان عبر الدعوة لتشكيل حكومة موازية
  • شهادات ميدانية: الدعم السريع ترتكب أعمال قتل ونهب بالفاشر
  • ثاني دولة عربية تعلن رفضها تشكيل حكومة سودانية موازية بقيادة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع
  • مقتل 10 من الدعم السريع والجيش يتقدم في محاور القتال شرقي الخرطوم
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم وشمالي الأبيّض
  • البرلمان البريطاني من ونستون تشرشل إلى سليمان صندل