يمن مونيتور:
2024-09-19@14:25:21 GMT

غرور القوة والشعب المتحدي

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

غرور القوة والشعب المتحدي

لم يستسلم اليمنيون للواقع أبداً، فحياتهم قصة طويلة في مغالبة الصعاب وقهرها، وفلسفة الرفض للأمر الواقع هي الغالبة على طبيعة الإنسان اليمني (فالرفض الدائم والتذمر الدائم أغلب خصائص شعبنا، وإذا كانت غضبة السلاح للكرامة تنهي مهمتها في ساعات أو دقائق فإن الرفض الفكري والتذمر النفسي ثورة دائمة ترفع راية التحدي وتقول لكل واقع: مفروض “أنت مرفوض”) كما يقول البردوني.

امتاز اليمنيون في العديد من الأحداث والصراعات بامتصاصهم للصدمات، وليس التكيف معها، وهي ردة فعل طبيعية في مجتمعنا، الذي مرَّ بالعديد من الأحداث والتجارب العاصفة والشبيهة بما هو حاصل اليوم، فمع كل صدمة سلبية يواجها ابن اليمن فإن ردَّة فعله الأولى لم تكن البحث عن مبررات، ومخارج لقبول الواقع، وانما الترقب للانقضاض.

لاحظ الكاتب الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي في الشخصية اليمنية سمتين من السمات التي تمتاز بهما هذه الشخصية، والتي يجب أن يراعيها كل مهتم بالمجتمع اليمني، والسياسيين قبل غيرهم ليتسنى لهم فهم المجتمع، ومن ثم النجاح في ادارته، وهما سمتا البساطة، والغموض، فيقول إن “طبيعة الأرض الجبلية اليمنية وعرة وطبيعة المجتمع أشد وعورة بالرغم من السهولة والبساطة التي تنطبع في ذهن الزائر منذ أول وهلة تطأ قدماه أرض اليمن … فمن السهولة جداً لأي إنسان قادم أن يتعرف إلى الناس ويخلق معهم لغة مشتركة عن أي موضوع يدور حوله الحوار فالبساطة من العادات التي تميز اليمنيين”.[ناصر الدين النشاشيبي اليمن ذلك المعلوم]

ويضيف الأستاذ النشاشيبي “لكن بمقابل تلك الصفات ثمة جوانب غموض شديدة في الشخصية اليمنية يمكن تسميتها بوعورة المجتمع اليمني الذي يبدو شديد الشبه بجبال المنطقة الوسطى التي تسر خضرتها الناظر ويصعب على غير الخبير تسلقها”.

مع بداية صعود الإمام يحيى ومحاولته فرض سلطته على مناطق شمال الوطن، وسعيه للاستفراد بالسلطة، فقد جوبه موقفه ذلك بالانتفاضات طوال عقدي العشرينات، والثلاثينات من القرن الماضي، بحيث استعرت المواجهات، واشتعلت في مناطق البلد المختلفة، لكن بسبب عدم امتلاك أصحاب تلك التمردات لمشروع تتوحد خلفه الكتل السكانية، فإنه لم يتحقق لها شيء، لذا ظلت انتفاضاتها وتمرداتها مجرد تكرار لدورات الصراع بلا تغيير، وحين كان هناك مشروع  منافس  ووجدت فيه ما يعبر عن مصالحها فإنها كانت تندفع خلفه.

لقد استطاعت قوات الإمام يحيى أن تفرض سلطته على جميع القوى في شمال الوطن، وذلك بفضل ما تحقق لها من تفوق في السلاح، والإمكانات، ولكن ذلك لم يكن بصورة مستمرة، ولا دائمة، بل ظل المجتمع يبحث عن الوسائل التي تمكنه  من كسر هيمنة السلطة الإمامية والتخلص منها.

وبرغم ضراوة الصراع الذي دار بين قوات السلطة الملكية، وبين القوى المحلية الرافضة لسلطته، والطبيعة القاسية التي “طبعت أساليب المواجهة بين الإمام وخصومه السياسيين فإن التمردات الفلاحية والقبلية لم تهدأ وإنما استمرت في التصاعد، فعلى إثر القضاء على انتفاضة حاشد أعلنت القبائل الواقعة غرب صنعاء تمردها ورفضها أسلوب التجنيد الإجباري الذي أقره ١الإمام عام 1919م. ثم تبعتها تمردات قبلية أخرى أهمها عصيان قبائل منطقة الجوف عام 1925م. [د. عبد الملك المقرمي التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية ص 261]. فما إن انتهى من اخماد تمردات القبائل شمال صنعاء، حتى اشتعلت في التهائم، وفي مناطق البيضاء وتعز، بحيث أثبتت التجارب أن الإفراط في القوة لم يضعف القبائل، أو يرغم المناطق الأخرى على الاستسلام، وكانت النتيجة كما يؤكد الدكتور عبدالملك المقرمي أن “الانتفاضات القبلية شكلت مداً ثورياً ضد الدولة الملكية الإمامية، كان رافداً للحركات السياسية اللاحقة، وملهماً لكثير من التيارات المعارضة، فقد أضافت إلى التمردات والثورات الفلاحية حساً جديداً كان أعنف وأقوى أثراً” [د. عبد الملك المقرمي التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية ص 261]

فاستخدام القوة في اليمن قد يدفع المجتمع، لمهادنة الوضع القائم لفترة معينة، ولكن دون القبول به، بحيث تثبت التجارب التاريخية لطبيعة السلطة في البلد ،بأنه ليس بإمكان طرف أو جماعة الاستحواذ على عوامل القوة في المجتمع، مهما اتيحت لها من إمكانات، كما تؤكد الخبرة التاريخية لليمنيين باستحالة استسلامهم ورضوخهم لأي واقع مفروض عليهم، فرغم التخادم الذي تم بين الإمامة، والاستعمار، وانقسام جنوب البلاد الى 24 سلطنة ومشيخة وإمارة، قبل ثورة سبتمبر وأكتوبر، إلا أن تلك الأوضاع لم تفت من عضد اليمنيين، وتحول بينهم وبين التخلص من الإمامة، والاستعمار والتفكك، وإقامة النظام الجمهوري الذي يكفل مشاركة الجميع في السلطة، والحكم، وقد كانت الأوضاع في البلد حينها كما قال أحد العرب الذين زاروا صنعاء في ثلاثينات القرن العشرين شبيهة بما كانت تعيشه البشرية قبل 500عام. ويستطيع القارئ لتاريخ اليمن، أن يلمح بين جنبات هذه الأرض شعباً ما زال يمتلك الحلم، ويتوق إلى غد أفضل، ولم يستسلم بعد، رغم كل مآسيه.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الإنسان اليمني

إقرأ أيضاً:

اليمن يكشف عن الصاروخ الذي قصم ظهر “إسرائيل”: الدلالات والرسائل

يمانيون – متابعات
اليمن يدخل بكلّ جدارة نادي الدول المالكة والمصنعة للصواريخ “الفرط صوتية”. ليس الأمر دعائياً ولا مبالغاً فيه، بل التجارب والعمليات المتكررة في البحر والبر تؤكد هذه الحقيقة، آخرها عملية المولد النبوي التي استهدفت العمق الاستراتيجي الإسرائيلي.

قبل تسعة أيام فقط من العملية، توقفت الكثير من وسائل الإعلام والمحللين والخبراء بالتحليل والنقاش للمعادلة التي أطلقها قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وتوعد فيها بأنّ “الأعداء سيفاجَأون في البر كما تفاجَأوا بالبحر بتقنيات جديدة غير مسبوقة في التاريخ، تساعد على التنكيل بهم بجبروت الله وبأسه”، وكان ذلك الوعيد خلال كلمة أسبوعية مطلع الشهر الجاري، دشّن فيها الفعاليات التحضيرية للمولد النبوي، وأطل فيها -كما هي العادة في كلماته الأسبوعية -على مستجدات فلسطين وجبهات المساندة.

لقد كان توقيت التدشين ذلك بمنزلة التحضير لهذه العملية. وجاء فجر المولد النبوي الشريف لإطلاقها بصاروخ فرط صوتي ذي تقنيات جديدة، تجاوز كل منظومات الدفاع والحماية بعدما طوى مسافة 2040 كيلومتراً من البر اليمني إلى البر الفلسطيني المحتل وفي عمق الكيان كاسراً كل العوائق والتوازنات.

هذه العملية التاريخية برغم أهميتها ليست رداً على “عدوان الحديدة”، كما أعلن قائد الثورة والقوات المسلحة، إنما جاءت ضمن “المرحلة الخامسة” من التصعيد ضد العدو الإسرائيلي، إسناداً لغزة، وهذه هي العملية الثانية على يافا “تل أبيب”، قلب الكيان، على أن المعادلة لا تزال مفتوحة على مرحلة حافلة بمفاجآت لا يمكن التكهّن بكيفيتها وتكتيكاتها، وهذا ما ألمح إليه السيد عبد الملك في خطابه أمام ملايين اليمنيين المحتفلين بالمولد بأن “القادم أعظم”.

أبرز الرسائل والدلالات لعملية المولد النبوي
-التنسيق العالي المستوى بين المقاومة الفلسطينية والقوات اليمنية بشكل خاص، وبين اليمن ومحور الجهاد والمقاومة بشكل عام.
– القدرة على الوصول إلى عمق الكيان واستهداف أي هدف خلال وقت قياسي قبل أن تقوم أنظمة الاعتراض والتشويش من مقامها.

– دخول القوات المسلحة اليمنية نادي القوات المصنعة للصواريخ الفرط صوتية القادرة على تجاوز العوائق الجغرافية والتقنية داخل فلسطين وخارجها.

– ترجمة عملية لمعادلة المفاجآت البرية وفاتحة لعمليات أعظم.

– العملية بمنزلة عينة تعطي مؤشراً عن طبيعة الرد القادم على عدوان الحديدة.

– عملية المولد ثبتت معادلة “يافا غير آمنة” بدليل أن صاروخاً واحداً أدخل الكيان في حالة رعب، وأجبر أكثر من مليوني مغتصب على الهروب إلى الملاجئ.

– إنهاء زمن منظومات الاعتراض الأميركية والإسرائيلية، كما انتهى زمن حاملات الطائرات.

ما يعزز الرسالة والدلالة الأخيرة أن هذه العملية جاءت من ناحية التوقيت بعد إذلال حاملات الطائرات والطائرة المسيرة الأميركية، والتوقيت الأهم أن هذه العمليات والتطورات تأتي على أعتاب الذكرى السنوية الأولى لمعركة طوفان الأقصى.

مساء الاثنين، كشف الإعلام الحربي اليمني اسم الصاروخ الفرط صوتي (فلسطين 2)، وهو صاروخ عالي السرعة والدقة بعيد المدى ولدية القدرة الكبيرة على المناورة. هذا الصاروخ الجديد والمتطور هشم الردع الإسرائيلي، وأدخل العدو والمتعاطفين معه في دوامة من الفرضيات، والحالة النفسية المؤرقة والمرعبة، والرعب الأكبر من القادم الأعظم.

كيف قرأ الصهاينة عملية المولد؟
كما أجبرت العمليات اليمنية البحرية أميركا وبريطانيا على إعادة النظر في منظوماتهم وقطعهم البحرية، واكتشفوا أنها قديمة عفا عليها الزمن وعالية الكلفة، وأن تطويرها يستغرق سنوات للتعامل مع الأسلحة الجديدة والقليلة الكلفة من الطائرات المسيرة والصواريخ الفرط صوتية.
إن كيان العدو نفسه معني بمراجعة وتقييم أداء طبقات الدفاع ومنظوماته الاعتراض وردعه المتآكل. وفي هذا السياق، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن “سلاح الجو الإسرائيلي فتح تحقيقاً في أداء منظومات دفاعه الجوي في التصدي لصاروخ أرض -أرض أطلق من اليمن وسقط وسط إسرائيل”، وأن من سمّوهم “الحوثيين نجحوا ثلاث مرات في عمليات لقصف العمق الإسرائيلي”، في إشارة إلى هذه العملية وقبلها طائرة يافا وصاروخ إيلات.

صحيفة “جيروزاليم بوست” تحدثت هي الأخرى عن أنه لا بد من “تغيير المعادلة وإيجاد طريقة للردع”، وهذا يعكس قناعة عميقة بتآكل الردع.

كما أن التأثيرات المباشرة التي أحدثتها العملية شلت حركة القطارات ومطار اللد “مطار بن غوريون”، وأجبرت أكثر من مليوني صهيوني على الهروب جموحاً إلى الملاجئ، كما أن التحقيقات الجارية عن أسباب فشل الاعتراض والردع سيكون لها تداعيات سياسية وأمنية في واقع صهيوني منقسم أفقياً وعمودياً على المستوى الداخلي، وربما يزيد من حدة الانقسام، ويعمق حالة تراجع ثقة المغتصبين بحكومة نتنياهو وعسكرها وقواتها وأنظمتها الاعتراضية في حمايتهم.

أمام هذا التحول، والعملية الاستثنائية في الوسيلة والهدف والتوقيت، خرج المجرم نتنياهو مهدداً اليمن بـ”دفع ثمن باهظ” مقابل هذه العملية، غير مدرك بأن من دخل في مستنقع اليمن لن يخرج منتصراً، وأنه إن ارتكب أي حماقة باتجاه اليمن، فإن الرد سيصل بشكل أسرع إلى عمق الكيان، قبل أن تصل طائراته إلى أجواء اليمن، وسيفتح على الكيان أبواب جهنم، وعليه أن يقرأ التجربة والتاريخ المعاصر، ويستفيد من تجارب من اعتدوا على اليمن في العشرية القريبة الماضية، وكيف أصبحوا يُعيِّرون الأميركيين بهزيمتهم في البحر.

المفاعيل الاستراتيجية بعد عام من طوفان الأقصى
لن نقرأ مفاعيل عملية المولد بعين يمنية، إنما سنحاول قراءتها بعيون الفلسطينيين أنفسهم باعتبارهم رأس الحربة في المواجهة.
وضمن هذا الإطار، بعث السنوار رسالة خاصة إلى السيد عبد الملك بارك فيها العملية التاريخية بوصول صواريخ اليمن إلى عمق الكيان واختراق منظوماته، واعتبر أن ذلك يؤسس لما بعد، تماماً كما رأى أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام أن العملية “تشكل نقلة نوعية سيكون لها مفاعيل مهمة في مسار ومآلات معركة طوفان الأقصى”، فيما تعتقد حركة الجهاد الإسلامي أن “الضربة الصاروخية اليمنية فاقمت أزمات العدو وأظهرت ضعفه”، وتشاطرهم في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي رأت أن “العملية الصاروخية اليمنية تعزيز لمعادلة الردع وكشف جديد لهشاشة الكيان الصهيوني وزيف منظومته الأمنية”.

في الخلاصة، فإن الرسالة الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، كما يرى القيادي ماهر الطاهر، أنه “إذا نجح العدو في تأمين الحدود القريبة”، في إشارة إلى مصر والأردن إلى حد ما، فإن “الحدود البعيدة من اليمن والعراق” ومن الحدود اللبنانية دخلت معركة مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي لقرابة عام، وهذا تحول استراتيجي كبير وعميق لم يكن العدو الصهيوني يتوقعه.

وإذا كانت منظومات من ثلاث طبقات قد فشلت في الكشف والاعتراض أمام صاروخ يمني أحادي، فكيف ستتعامل مع عمليات متزامنة بعشرات ومئات الصواريخ والمسيرات من محور الجهاد والمقاومة؟ وبالتالي، فإن أي تهديد أو استنفار إسرائيلي في جغرافيا ضيقة (فلسطين المحتلة) لن يكون أكثر فاعلية وتأثيراً من الاستنفار الأميركي في البر والبحر، وعليه من الآن أن يحسب ألف حساب لـ”القادم الأعظم”.
———————————————————————
الميادين – علي ظافر

مقالات مشابهة