لجريدة عمان:
2024-09-19@14:20:17 GMT

نحو أعمال تجارية أكثر أخلاقية

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

منذ بدء الإبادة، ونحن نجد أنفسنا في أعمالنا شاعرين بالخزي والذنب. نراقب أجسادنا التي تنهض من النوم، تذهب للعمل، تؤدي -وللمفاجأة- مهامها بمهارة، في انفصال مفزع بين الهم الداخلي وبين أدائية الجسد وهو يمضي منجزًا، تُسيره عاداته.

ولكن إذا لم نسائل في هذه الأوقات كيف نغير العالم، فإننا على الأغلب سنفشل في تغييره إلى الأبد.

ونحن غالبًا سنفشل مع كل محاولاتنا. ولكن أي خيار لدينا سوى أن نأمل، ونحاول، ونجاهد، لا أريد أن أقول بما استطعنا إليه سبيلًا، لأننا نستطيع أكثر، ولكن بما هو أضعف الإيمان.

في تفاوضنا المعلن وغير المعلن مع مديرينا نطلب شيئا بسيطًا: عدم التعامل مع أي شركة أو طرفٍ متورط بدعم إسرائيل أو يسوغ أفعالها بأي شكل.

لا أعرف كيف هو الأمر بالنسبة للآخرين، بالنسبة لي فالتحدي هو أدبي غالبًا. أعني تطهير الأبحاث والمستندات والاستراتيجيات التي أعمل عليها من المعارف التي ينتجها الشمال.

دعوني أضرب مثالًا بسيطًا حدث اليوم. في أعمال التسويق والترويج للعلامات التجارية، تجد نفسك أمام نتاج ضخم من الأوراق العلمية، الكتب المتخصصة، دراسات الحالة التي تضرب المثل بأشهر العلامات التجارية (التي أرفض حتى أن أبث فيها الحياة بذكرها هنا)، وكيف نجحت في أن تصل للناس، تتوسع وتكبر، وتجعل من نفسها مضرب المثل في كيف تُجرى الأعمال. في نقاش مع زميلي، كان رأيه أنه لا ضرر من أن نتعلم منها، أن نستفيد من دروس الشركات العريقة، مع التشديد على الواجب الأخلاقي بمقاطعتها. لكن هذا يغفل النقطة الأساسية التي أسعى لتأكيدها. لماذا نُريد أن نتعلم منها؟ لنكون مثلها؟ لنستديم هذا الوضع المزري؟ لنُعيد تكرار المأساة بأيد بنية هذه المرة؟

ما أرفضه في الحقيقة هو الشرط الأول لوجود هذه الشركات، أرفض باعثها الأساسي (مراكمة الثروة كهدف أول)، وأرفض المنهجية التي جعلت منها عريقة ومتوسعة وقوية. حيث لا يجدر بأي عمل تجاري أن يكون بهذا التمكن والقوة. إن كنّا سندرسها، فيتوجب علينا دراستها بهدف معرفة ما لا يجب فعله، لا ما يجب فعله.

لا تعني المقاطعة التوقف عن الاستهلاك فحسب، بل مساءلة الظروف والأنظمة التي تسمح بوجود شركات متمكنة لهذا الحد، ومستغلة، ومعدومة القيم - بالمعنى الحقيقي، لا بالمعنى التافه لتطوير الرؤية، والقيم عند إنشاء المشروعات، القيم التي لا تعني شيئا على الواقع، ولا تضمن الالتزام الأخلاقي لمنشئيها ومدبري أمرها.

ولا تقتصر المقاطعة على الاستهلاك المادي، الاستهلاك الثقافي، والاستهلاك المعرفي مُستهدف أيضًا.

يكفي انبهار بكيف نُخطط وفق الطرق المنهجية، ونجتهد في صياغة أهداف «ذكية» محددة، قابلة للتتبع، والتقييم، والقياس، ومضاعفة الربح، وتشويش الأذهان، والانتصار للمنهج الرصين، واستصغار الحس الإنساني أمام الأرقام والمعادلات التي يدعى أنها لا تكذب ولا تُحابي.

لنهدأ قليلًا.

ماذا نريد فعلًا؟ نحن في عُمان.. ماذا نريد؟ إن الأمور كما هي عليه فعلًا تسير باتجاه مضاعفة الهوة بين أولئك الذي يجاهدون لإيجاد عمل، أي عمل على الإطلاق، يتحملون الاستغلال، والتهديد بالفصل والتسريح؛ من أجل أن يدفعوا إيجاراتهم الشهرية، ومن لديهم -في الجهة المقابلة- وظائف مرموقة في شركات النفط والغاز، بتأمين صحي يكاد أن يكفل لهم حتى تلميع أسنانهم إذا ما أرادوا، واشتراكات أندية تضمن أن يُرفهوا عن أنفسهم كل نهاية أسبوع، وامتيازات لأن يعلموا أولادهم في مدارس خاصة. لنهدأ قليلًا ونسائل: ماذا نريد؟ ولماذا يكون خيالنا محدودًا لدرجة أن نُسلم بأن ثمة طريقة وحيدة لإدارة الأعمال، المتاجرة، أو التسويق!

يتم الحديث ليل نهار عن «الخصوصية العمانية» ورغم نفور أكثرنا من هذا التعبير (تحديدًا بسبب السياقات التي يُستخدم فيها المصطلح) إلا أنه قد يكون لهذه الفكرة مكان. أعني تطوير أنواع من الأعمال التجارية المراعية للإنسان والبيئة، وطرق إدارة أكثر تعاطفًا، ملتزمة سياسيًا.

عنوان مقالي الأولي -في الحقيقة- كان «نحو أعمال تجارية أكثر أنثوية»، ثم أصبح «نحو أعمال تجارية أكثر أمومية»، وأخيرًا «أكثر أخلاقية». لا يهم التعبير، ليس في هذه المرحلة على الأقل. ما يهم من أمر هو أن يواصل أفراد ودول الجنوب العالمي تذكير أنفسهم أنهم الأكثرية، وأن لهم القدرة على أن يرفضوا، وينتفضوا، ويعيدوا صياغة قوانين اللعبة. يا الله إن لم تُسهم هذه المأساة في قلب العالم، فما معنى كل هذا. ليس الأمر وكأن كل هذا يساوي «صرماية» طفل اهترأت من النزوح. لكن هو أضعف الإيمان.

نوف السعيدية كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الفيدرالي سيخفض الفائدة لأول مرة منذ 2020.. ولكن كم النسبة؟

من المقرر أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض معدلات الفائدة، الأربعاء، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، وهي خطوة كبيرة، وسيكون لها تأثير كبير سينتشر في الأسواق المالية العالمية.

وبحسب تقرير نشرته وكالة "رويترز" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فقد أشار كبار المسؤولين في الفيدرالي الأميركي، بمن فيهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في الأسابيع الأخيرة إلى أن خفض أسعار الفائدة قادم هذا الشهر، مع تراجع التضخم نحو هدف البنك الطويل الأجل البالغ 2 بالمئة، واستمرار التباطؤ في سوق العمل الأميركي.

ومن المتوقع، إذا ما خفض الفيدرالي الفائدة، أن يؤثر القرار على الأسعار التي تقرض بها البنوك التجارية المستهلكين والشركات، مما يؤثر على تكلفة الاقتراض على كل شيء من الرهن العقاري إلى بطاقات الائتمان.

ويظل التجار والمحللون غير متأكدين من مدى حدة خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الإقراض القياسي من أعلى مستوى له في 23 عامًا والذي يتراوح بين 5.25 و5.50 بالمئة.

ويراهن البعض على خفض أصغر بمقدار ربع نقطة مئوية، ويدعم آخرون خفضًا أكبر بمقدار نصف نقطة مئوية.

وسيكون الخفض الأصغر خطوة أكثر قابلية للتنبؤ، في حين أن الخطوة الأكبر من شأنها أن تفعل المزيد لتعزيز الطلب، مع وجود مخاطرة أيضًا بإعادة رفع التضخم في أكبر اقتصاد بالعالم.

 بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن خفض أسعار الفائدة بأي حجم من شأنه أن يشير إلى أن التضخم الاستهلاكي، الذي بلغ أعلى مستوى له في أربعة عقود في عام 2022، يعود إلى الهدف.

وبحسب تقرير رويترز، كتب خبراء الاقتصاد في "دويتشه بنك" في مذكرة حديثة للمستثمرين، إنهم يتوقعون خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس، ففي حين أن هناك "حالة إدارة مخاطر مقنعة لدعم تحرك أكبر"، فإن اتصالات وبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة لم "تجادل بوضوح" لصالح الخفض الأكبر.

وكتب كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة "EY"، جريجوري داكو، في مذكرة للعملاء: "ما زلنا على الرأي بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيختار خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لبدء دورة التيسير".

مقالات مشابهة

  • "يالا نغني".. في حفل التخت العربي على المسرح المكشوف بالأوبرا
  • الأحد.. «يالا نغني» في حفل التخت العربي على المسرح المكشوف بالأوبرا
  • الفيدرالي سيخفض الفائدة لأول مرة منذ 2020.. ولكن كم النسبة؟
  • لجنة التنسيق اللبنانية – الأميركية: مهمة مواجهة من يغتال دولة لبنان أخلاقية
  • 26 ألفا و544 إصابة بجدري القردة في إفريقيا والاتحاد الافريقي يدعو إلى "الحذر أكثر من القلق"
  • الاتحاد الإفريقي: حصيلة 26 ألفا و544 حالة إصابة بجدري القردة تدعو إلى الحذر أكثر من القلق
  • مصادر: "الخطوات المتهورة" التي تخطط لها حكومة نتنياهو في الشمال قد تورِّط إسرائيل في مشكلة أكثر صعوبة
  • قيمة شعرية أم قيمة أخلاقية؟
  • تحمل تبعات أخلاقية ودينية.. الأزهر للفتوى يُحذر من التقاط الصور بين المخطوبين