نحو أعمال تجارية أكثر أخلاقية
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
منذ بدء الإبادة، ونحن نجد أنفسنا في أعمالنا شاعرين بالخزي والذنب. نراقب أجسادنا التي تنهض من النوم، تذهب للعمل، تؤدي -وللمفاجأة- مهامها بمهارة، في انفصال مفزع بين الهم الداخلي وبين أدائية الجسد وهو يمضي منجزًا، تُسيره عاداته.
ولكن إذا لم نسائل في هذه الأوقات كيف نغير العالم، فإننا على الأغلب سنفشل في تغييره إلى الأبد.
في تفاوضنا المعلن وغير المعلن مع مديرينا نطلب شيئا بسيطًا: عدم التعامل مع أي شركة أو طرفٍ متورط بدعم إسرائيل أو يسوغ أفعالها بأي شكل.
لا أعرف كيف هو الأمر بالنسبة للآخرين، بالنسبة لي فالتحدي هو أدبي غالبًا. أعني تطهير الأبحاث والمستندات والاستراتيجيات التي أعمل عليها من المعارف التي ينتجها الشمال.
دعوني أضرب مثالًا بسيطًا حدث اليوم. في أعمال التسويق والترويج للعلامات التجارية، تجد نفسك أمام نتاج ضخم من الأوراق العلمية، الكتب المتخصصة، دراسات الحالة التي تضرب المثل بأشهر العلامات التجارية (التي أرفض حتى أن أبث فيها الحياة بذكرها هنا)، وكيف نجحت في أن تصل للناس، تتوسع وتكبر، وتجعل من نفسها مضرب المثل في كيف تُجرى الأعمال. في نقاش مع زميلي، كان رأيه أنه لا ضرر من أن نتعلم منها، أن نستفيد من دروس الشركات العريقة، مع التشديد على الواجب الأخلاقي بمقاطعتها. لكن هذا يغفل النقطة الأساسية التي أسعى لتأكيدها. لماذا نُريد أن نتعلم منها؟ لنكون مثلها؟ لنستديم هذا الوضع المزري؟ لنُعيد تكرار المأساة بأيد بنية هذه المرة؟
ما أرفضه في الحقيقة هو الشرط الأول لوجود هذه الشركات، أرفض باعثها الأساسي (مراكمة الثروة كهدف أول)، وأرفض المنهجية التي جعلت منها عريقة ومتوسعة وقوية. حيث لا يجدر بأي عمل تجاري أن يكون بهذا التمكن والقوة. إن كنّا سندرسها، فيتوجب علينا دراستها بهدف معرفة ما لا يجب فعله، لا ما يجب فعله.
لا تعني المقاطعة التوقف عن الاستهلاك فحسب، بل مساءلة الظروف والأنظمة التي تسمح بوجود شركات متمكنة لهذا الحد، ومستغلة، ومعدومة القيم - بالمعنى الحقيقي، لا بالمعنى التافه لتطوير الرؤية، والقيم عند إنشاء المشروعات، القيم التي لا تعني شيئا على الواقع، ولا تضمن الالتزام الأخلاقي لمنشئيها ومدبري أمرها.
ولا تقتصر المقاطعة على الاستهلاك المادي، الاستهلاك الثقافي، والاستهلاك المعرفي مُستهدف أيضًا.
يكفي انبهار بكيف نُخطط وفق الطرق المنهجية، ونجتهد في صياغة أهداف «ذكية» محددة، قابلة للتتبع، والتقييم، والقياس، ومضاعفة الربح، وتشويش الأذهان، والانتصار للمنهج الرصين، واستصغار الحس الإنساني أمام الأرقام والمعادلات التي يدعى أنها لا تكذب ولا تُحابي.
لنهدأ قليلًا.
ماذا نريد فعلًا؟ نحن في عُمان.. ماذا نريد؟ إن الأمور كما هي عليه فعلًا تسير باتجاه مضاعفة الهوة بين أولئك الذي يجاهدون لإيجاد عمل، أي عمل على الإطلاق، يتحملون الاستغلال، والتهديد بالفصل والتسريح؛ من أجل أن يدفعوا إيجاراتهم الشهرية، ومن لديهم -في الجهة المقابلة- وظائف مرموقة في شركات النفط والغاز، بتأمين صحي يكاد أن يكفل لهم حتى تلميع أسنانهم إذا ما أرادوا، واشتراكات أندية تضمن أن يُرفهوا عن أنفسهم كل نهاية أسبوع، وامتيازات لأن يعلموا أولادهم في مدارس خاصة. لنهدأ قليلًا ونسائل: ماذا نريد؟ ولماذا يكون خيالنا محدودًا لدرجة أن نُسلم بأن ثمة طريقة وحيدة لإدارة الأعمال، المتاجرة، أو التسويق!
يتم الحديث ليل نهار عن «الخصوصية العمانية» ورغم نفور أكثرنا من هذا التعبير (تحديدًا بسبب السياقات التي يُستخدم فيها المصطلح) إلا أنه قد يكون لهذه الفكرة مكان. أعني تطوير أنواع من الأعمال التجارية المراعية للإنسان والبيئة، وطرق إدارة أكثر تعاطفًا، ملتزمة سياسيًا.
عنوان مقالي الأولي -في الحقيقة- كان «نحو أعمال تجارية أكثر أنثوية»، ثم أصبح «نحو أعمال تجارية أكثر أمومية»، وأخيرًا «أكثر أخلاقية». لا يهم التعبير، ليس في هذه المرحلة على الأقل. ما يهم من أمر هو أن يواصل أفراد ودول الجنوب العالمي تذكير أنفسهم أنهم الأكثرية، وأن لهم القدرة على أن يرفضوا، وينتفضوا، ويعيدوا صياغة قوانين اللعبة. يا الله إن لم تُسهم هذه المأساة في قلب العالم، فما معنى كل هذا. ليس الأمر وكأن كل هذا يساوي «صرماية» طفل اهترأت من النزوح. لكن هو أضعف الإيمان.
نوف السعيدية كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وهبي: لا أرفض الحوار مع المحامين ولكن رئيس جمعيتهم يضع شروطا على الدولة
أعلن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اليوم الثلاثاء، عن استعداده لفتح حوار مع جمعية هيئات المحامين، التي أعلنت عن مقاطعة جلسات المحاكمة بدءا من فاتح نونبر إلى أجل غير مسمى.
جاء هذا التصريح خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، حيث أكد وهبي أن مكتبه مفتوح على مصراعيه لاستقبال أي مبادرة للحوار من طرف المحامين.
وأوضح، « فقط علينا معرفة الحدود الدستورية والقانونية لكل واحد منا »، وأضاف، « لكن ما هي حدودي في المفاوضات، أنا لست فقط وزيرا بل أنا جزء من الحكومة التي تتكون من 30 وزيرا »، وشدد على أنه عليه مراعاة آراء جميع الوزراء، والوصول إلى توافق حول أي مسألة.
ودعا وهبي المحامين إلى تحديد مطالبهم بشكل واضح، مشيرًا إلى أن رئيس جمعية هيئات المحامين، وهي الهيئة التي دعت إلى الإضراب المفتوح، « قد صرح بأنه لن يتفاوض، ثم تراجع عن ذلك وقال إنه سيتفاوض بشروط ».
وعلق وهبي في هذا الصدد: « هل يوجد مواطن يشترط على الدولة والحكومة؟ أعطوني طلباتكم وحددوا لي النقاط التي علينا مناقشتها ».
وأكد الوزير أن البرلمان هو المكان المناسب لمناقشة مثل هذه القضايا، قائلاً: « لدي مجلس النواب ومجلس المستشارين، إذا جلست واتفقت معهما، فلماذا سأناقش معك؟ » في إشارة منه إلى جمعية هيئات المحامين. وتابع الوزير « مع ذلك، أنا مستعد للحوار معهم ».
كلمات دلالية المحامون جمعية هيئات المحامين عبد اللطيف وهبي