عربي21:
2024-09-19@14:10:55 GMT

الإخوان والتسوية السياسية في مصر

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

في ظل ضبابية الرؤية عند قيادات الإخوان وحالة التخبط الواضحة بطرح الأفكار والتراجع عنها، أو محاولة إعادة تفسيرها فيزيدها ارتباكا أو إعلان الشيء ونقيضه في نفس البيان أو ذات الحلقة، ورغم حالة الإحباط من الممارسات القديمة الجديدة، إلا أن حافز الواجب -واجب النصيحة- يغالبها فيغلبها أحيانا وتغلبه في الأعم الأغلب.

وفي هذا المقال لن أتعرض لجملة الأزمات التي تواجه الحركات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان، وإنما أتخذ من حوار الأخ العزيز د. حلمي الجزار على قناة BBC نموذجا كاشفا لهذه الأزمة، أنتهي فيه إلى نصيحة محب وبيني وبين د. حلمي مِن عُرى الأخوة ما لم ينفصم ومِن روابطها ما لم ينقطع، وأُحسِن الظن في إخلاصه ورح ابة صدره ورجاحة عقله.

الصراع على السلطة

أكد الدكتور ما طرحه قبل ذلك من عدم "الصراع على السلطة"، ولكن دون ترك العمل السياسي فهو من ثوابت الدين والجماعة، وتسأله المذيعة فماذا تبقى من العمل السياسي إذا تركتم الصراع على السلطة؟

وهنا أقف مع هذا العبارة ودلالة اللفظ على المعنى:

صَرَعَ: فعل ثلاثي متعد، صَرَعَ يصرع.

صَرَعَ فلان فلانا، أي طرحه أرضا بعنف.

الصراع: خصومة شديدة ونزاع ومشادّة.

صَارَعَ العدو: غالبه في المصارعة.

مصارعة الثيران: رياضة يواجه فيها المصارع ثورا هائجا في ميدان مكشوف.

فاستعمال هذه العبارة يوحي بأن المنافسة على السلطة هي خصومة ونزاع واصطراع أشبه بمصارعة الثيران، واعتبار المتنافسين أعداء يحاول كل منهم القضاء على الآخر أو طرحه أرضا.

فهذا ما تعنيه كلمة الصراع، فما معنى السلطة؟ أهي السلطة التنفيذية أم التشريعية أم القضائية وهي سلطات الدولة الثلاث؟

فالعبارة مرسلة مبهمة وتلقي بظلال سيئة واتهام مبطن لكل من ينافس على إحدى السلطات، بل استطرد بأنها تؤدى إلى الاستقطاب والتفكك المجتمعي!!

ثم قال فضيلته ونحن -الإخوان- لم نصارع على السلطة إلا بعد ثورة يناير، فماذا تقصد بالسلطة؟ أهي السلطة التنفيذية أم التشريعية والتي قد تقود إليها؟

وقد قال الإمام المؤسس للجماعة الشيخ حسن البنا عليه رحمة الله في رسالة الانتخابات: "هل أمام أصحاب الدعوات وحَمَلة الرسالات في هذا العصر من سبيل إلى تحقيق أهدافهم إلا هذه السبيل الدستورية السلطة التشريعية أولا فالسلطة التنفيذية بعد ذلك".

وقد خاض الإخوان الانتخابات فرادى سنة ١٩٧٦ وسنة ١٩٧٩، وعلى قوائم الوفد ١٩٨٤، وقوائم حزبي العمل والأحرار سنة ١٩٨٧ تحت شعار "الإسلام هو الحل"، وانتخابات مجلس الشورى ١٩٨٩، ومجلس الشعب ١٩٩٥، ومجلس الشعب سنة ٢٠٠٠، وفاز فيها ١٧ نائبا، وانتخابات ٢٠٠٥ وفاز فيها ٧٨ نائبا، وانتخابات الشورى ٢٠٠٧، والمحليات ٢٠٠٨، والشعب ٢٠١٠، وصولا إلى انتخابات مجلس الشعب ٢٠١١ فالشورى ٢٠١٢.

فهل هذا كان من قبيل الصراع على السلطة التشريعية التي تؤدى إلى الاستقطاب والتفكك المجتمعي وسيتم اعتزاله؟ أم هو من قبيل العمل السياسي الذي سيستمر دون الصراع على السلطة التنفيذية؟ أم أن كل ذلك رهن مناسبة اللحظة التاريخية؟ وهو ما قاله الأستاذ البنا في رسالة المؤتمر الخامس: "الإخوان المسلمون أعقل وأحزم من أن يتقدموا للحكم ونفوس الأمة على هذا الحال.. وهو ما لم تراعه قيادات الإخوان في التقدم للحكم -انتخابات الرئاسة- عقب ثورة يناير على غير مراد عموم الإخوان، إذ تم استطلاع رأيهم ورأي شورى المحافظات والشورى العام مرتين فيتم الرفض، ثم يتم إقراره في الشورى العام بفارق صوتين بعد الاتصالات المحمومة ومحاولات الإقناع، أما قواعد الإخوان المتجردة بحدسها وإخلاصها وعدم تطلع أحد منها للرئاسة؛ فكانت تعلم مخاطر هذه اللحظة التاريخية، إذ تولد بعد أو مع كل ثورة ثورتان؛ ثورة مضادة وثورة تطلعات، فلم تلتفت إليها القيادات بل أوردتها موارد التهلكة لحاجة في نفوس البعض قضوها.

ومن العجيب أن يظل بعضهم ممن نجا من الحبس يصارع على مقاعد في قيادة الجماعة أو ما تبقى منها، وهنا سؤال يطرح نفسه: كيف يصدق الآخر هذه القيادات أو تلك في عدم الصراع على السلطة حال سنوح الفرصة؛ وقد كانت أعلنت عدم خوض انتخابات الرئاسة ثم خاضتها؟ وها هم أولاء يصارعون على مقاعد في الجماعة رجاء تركهم لها، وهو رجاء ولوج الجمل في سم الخياط.

ثم يعود للاستدلال بعدم ترك السياسة، أما لماذا؟ فيقول لأن ترك العمل بالسياسة هو مخالفة للدستور الذي أعطى كل فرد أو جماعة سياسية أو منظمة الحق في أن تمارس السياسة! والحقيقة أن هذا خلط بين الحق والواجب، فقد أعطاك الدستور الحق وبوسعك التنازل عنه، أما إذا كان عدم العمل بالسياسة مخالفة للدستور فمن باب أولى عدم المنافسة -أو الصراع كما تسميه- على السلطة هو أشد مخالفة، فقد كفلها الدستور وشدد عليها.

ثم يأتي الخلط الأشد في نظري القاصر؛ أن هذا الطرح من أجل طمأنة القوى الوطنية لأن الإخوان يفوزون في الانتخابات فنترك لهم المجال. وهنا تثور أسئلة منطقية:

هل ترك الانتخابات هو ترك الصراع على السلطة؟

وكيف ستترك الانتخابات وأنت تقول لن نترك العمل السياسي؟

ثم لقد أُبعدتم عن الانتخابات وكل مظاهر العمل السياسي وغير السياسي 12 عاما حتى الآن بين المعتقلات والمنافي، وأُخليت الساحة تماما، فماذا فعلت هذا القوى الوطنية وماذا أحرزت؟

ثم يعود الدكتور ليقول بعدم ترك العمل بالسياسة لأن الإسلام دين شامل ينتظم كل نواحي الحياة. وأنا أوافقه فهذا حق لا مراء فيه، ولكن يكمل بتعريف الجماعة بأنها "دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية و..".

وهنا خلط بين شمول الإسلام وشمول الجماعة، فهل يلزم كون الإسلام دينا شاملا أن تكون الجماعة شاملة؟ ولا اعتراض على ذلك، ولكن لماذا أنشأت الجماعة حزب الحرية والعدالة وهو ما لم يأت على ذكره قط؟ وهل سيعود الحزب لممارسة العمل السياسي وتتفرغ الجماعة لأمور الدعوة والتربية وتتحول تدريجيا إلى جماعة ضغط، أم يعود الحزب وتظل الجماعة مهيمنة عليه كما كانت؟ أم يعود الأمر كما كان قبل الحزب باعتبار الجماعة تمارس السياسة ضمن شمول الإسلام وأنه لم يكن هناك داع لإنشاء الحزب؟

وهناك أسئلة أخرى ذات صلة، إذ قدم بين يدي ما أسماه تسوية سياسية؛ عدم الصراع على السلطة، والحقيقة أن هذا الطرح يلزم لاحترامه وعدم السخرية منه العزوف عن هذا الصراع مع القدرة عليه وتقديم ضمانات لأجل ذلك، أما الطرح مع عدم القدرة فيثير سخرية الطرف الآخر.

ثم نأتي لمستوى تمثيل النظام في هذا الحوار -إن كان يمثله حقا- فهو دون أي مستوى يجوز لقاؤه، فضلا عن السفر إليه، ثم الحرص على أنه من طلب وفي ذات الوقت ذكر وجود وسيطين من المقربين للرئيس مرسى عليه رحمة الله، وهو ما يضعف رواية من الطالب ومن المطلوب، ولو ذكر أنهما ليبراليان مما يسمى القوى الوطنية -وهي الحقيقة - لكان أقوى، ولكن ليست هذه المشكلة، فأين المشكلة إذن؟

يستطرد قائلا إنه كان هناك وعد بالإفراج عن بعض النساء والمرضى وكبار السن فما الذي حدث؟ قال الدكتور "جاء طوفان الأقصى فعطّل كل شيء"، ربما لانشغال الأطراف. وهذه العبارة عن طوفان الأقصى نزلت عليّ كالصاعقة، فطوفان الأقصى لا يعطل خيرا ولا يوقف مسارا، بل هو يحفز ويشجع إذا توفرت النية أصلا، وهل سمعنا بأي شيء آخر عند النظام قد عطله طوفان الأقصى؟! والمنطق يقول العكس تماما لكنه تعلق بالوهم وتبرير لفشل اللقاء الفاشل أصلا.

ما وددت أن أعرج على ما جاء بشأن الانقسام في الجماعة وأنه لا يوجد من وجهة نظره غير تفسير خاطئ للائحة وعلى استعداد للذهاب للمحامين لتفسيرها. وهنا أسأل: أتسري لائحة الظروف العادية على الظروف الاستثنائية؟ أتسري على ما بعد الفشل الذريع والهزيمة المنكرة والدماء والأشلاء والمنافي والمعتقلات؟ وقد أضحى معلوما من الواقع بالضرورة أنها كصنم العجوة يُعبد وقت الضرورة ويؤكل عند الحاجة، ويفسرها كل طرف وفق مراده وحسب هواه.

القضية أكبر من كل لوائح الدنيا، اللائحة لم تمنع القوم في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الأمة أن يرتفعوا فوق دوافع الهوى وشهوات النفوس، بل دأب فريق منهم أن يأكلوا لحوم إخوانهم بألسنةٍ حدادٍ أشحّة على الخير، لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة. ولن أطيل في هذه القصة المؤلمة ولكن أقول ناصحا لله:

١- أستحلفكم بالله أن تكفّوا عن هذه الأطروحات المضطربة والمتناقضة والتنازلات بلا سبب وبلا عائد يُرجى.

٢- أرجوكم تفرغوا لبناء ما تهدّم وترميم ما تصدّع، واصنعوا أوراق ضغط جديدة تنفعكم إذا تفاوضتم.

٣- أناشدكم أن تعمدوا إلى عمل تنسيقية بين أطراف الجماعة تعمل على القواسم المشتركة والأهداف الاستراتيجية بديلا عن إعادة توحيد الصف إن تعذر، وأياديكم كما تقولون ممدودة وكلاكما يهرول مجيبا دعوة أي ممن تسمون القوى الوطنية علمانية أو ليبرالية أو يسارية أو بغير هوية، أَوَ ليس بينكم ما يسمح بالتنسيق؟

٤- أُقَبِل أياديكم إن تعذر عمل هذه التنسيقية، فلا أقل من ميثاق شرف نسميه ميثاق كف الأذى، وهو من بدهيات هذا الدين الذي تزعمون حمل رايته والجهاد في سبيله. وليعمل كل على شاكلته، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، ولم يقل سبيلنا، فالسبيل مفرد والسُبُل جمع، فالسبل إلى الله كثيرة والمناهج متنوعة ولله طرائق بعدد الخلائق، وليكن الاختلاف اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تناحر وتدابر.

٥- أما القابعون في أماكنهم -أسباب الأزمات- اتركوها لله، فإن كنتم عباقرة فقد قدمتم ما عندكم ونفد رصيدكم، وإن كنتم مخلصين فما حرصكم؟ فلن تبك عليكم السماء ولن تحزن عليكم الأرض وسيرحم الله بذهابكم ما تبقى ومن تبقى (واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله).

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإخوان السلطة مصر الإخوان السلطة المصالحة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصراع على السلطة السلطة التنفیذیة العمل السیاسی القوى الوطنیة ترک العمل وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما لا يعرفه الإخوان عن أنفسهم!

ما من مرة تناولتُ فيها الشأن الإخواني، إلا وتمنيت أن تكون آخر مرة؛ لأن تناول هذا الشأن، في هذه الأجواء شديدة القتامة، حديث موجع ومؤلم، بالنسبة لي على الأقل، غير أن الإخوان (بفصيليهم) يأبون إلا أن أعيد الكَرَّة!

حسنا.. فلنُعِد الكَرَّة (هذه المرَّة) من باب "فذكر، إن الذكرى تنفع المؤمنين"، وأحسب أن الإخوان (على ما فيهم من مثالب) هم من أشد الناس إيمانا.. أقولها عن علم ويقين..

في حواره الأخير مع تلفزيون "بي بي سي"، تطرَّق رئيس القسم السياسي في الإخوان المسلمين الدكتور حلمي الجزار إلى عدة أمور، رأيت أنه من الأهمية بمكان التعليق على بعضها..

انتخابات الأردن "الشفافة"

بدأ الدكتور الجزار حديثه بتقديم التهنئة إلى حزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني (الإخوان المسلمون) الذي حاز على 31 مقعدا في البرلمان الأردني العشرين، من أصل 138 مقعدا، في انتخابات وصفها الدكتور الجزار بـ"الشفافة"، وأضاف في غبطة وتفاؤل: "إن ما جرى في الأردن، قابل للتكرار، في بلاد أخرى كثيرة".

نعم.. قابل للتكرار "نظريا" في بلاد لا تعيش ظرف الأردن القابل للاشتعال، غير أن القوى المعادية للإسلام في تلك البلاد (وعلى رأسها السلطة) جردت كل أسلحتها؛ للإجهاز على الإخوان المسلمين؛ فكرة، وكيانا، وأشخاصا، بل الإجهاز على الإسلام ذاته، في حقيقة الأمر..

أثبتت التجربة أن هذه "الشفافية" التي اتسمت بها الانتخابات، في تلك المرحلة التي لن تتكرر في المستقبل القريب، لجأت إليها "الدولة العميقة" لجوء المضطر؛ لامتصاص غضب الشعوب التي سئمت التهميش، بإظهار الاحترام لإرادتها، وتصعيد مَن تختارهم إلى أعلى المواقع في مؤسسات الحكم، لأمد "معلوم".. وها هي المآلات (في هذه البلاد) تتحدث عن نفسها
أذكِّرك (أخي الدكتور حلمي) بأن ما جرى في الأردن مؤخرا سبق وأن جرى في بلاد أخرى، إبَّان الربيع العربي؛ جرى في مصر، وتونس، والمغرب.. فماذا كانت النتيجة؟

لقد أثبتت التجربة أن هذه "الشفافية" التي اتسمت بها الانتخابات، في تلك المرحلة التي لن تتكرر في المستقبل القريب، لجأت إليها "الدولة العميقة" لجوء المضطر؛ لامتصاص غضب الشعوب التي سئمت التهميش، بإظهار الاحترام لإرادتها، وتصعيد مَن تختارهم إلى أعلى المواقع في مؤسسات الحكم، لأمد "معلوم".. وها هي المآلات (في هذه البلاد) تتحدث عن نفسها.. على أية حال، نرجو لإخواننا في الأردن النجاح في هذا الاختبار الصعب، في هذا الظرف الدقيق..

تسوية لا مصالحة!

في هذه المقابلة، نفى الدكتور الجزار أن تكون الجماعة سعت لـ"مصالحة" مع النظام في مصر، غير أنه أقر بأن الجماعة قدَّمت عشرات "المبادرات"، خلال السنوات الماضية؛ لـ"تسوية" ما سمَّاها "الأزمة المصرية"؛ لأن "مصر هيَّ أمي، نيلها هوَّ دمي، شمسها في سَمَاري، شكلها في ملامحي، حتى لوني قمحي، لون خيرك يا مصر".. وكل ما يمكن أن يُقال في باب الوطنية، من كلام إنشائي مستهلك، ولا أقول مبتذَل، لم أعد أتحمل سماعه!

وكرر الدكتور الجزار كلام الإخوان (بفصيليهم) عن يد الإخوان الممدودة للجميع، دون استثناء؛ لأجل مصر.. كرر ذلك، وهو يعلم أكثر من غيره، أن من يعنيهم بالخطاب هم أكثر الناس نفورا من الإخوان، وأشدهم حرصا على تغييبهم عن المشهد، وعدم العودة إليه مجددا؛ خوفا من "انتقامهم"! إذ لا أحد من هؤلاء يصدق أن ليس لدى الإخوان أية نية للانتقام أو الثأر، حتى من وزير الدفاع المنقلب الذي سجن وقتل ابنهم البار الرئيس الشهيد محمد مرسي، وكُثر غيره قضوا بالإهمال الطبي المتعمد في المعتقلات، أو بالضرب المُفضي إلى الموت، كما جرى مع الدكتور الشهيد عصام العريان!

الدكتور الجزار يعلم قبل غيره (وإن كان لا يعلم فهذه كارثة) أن أحدا من هؤلاء لن يستجيب له، وسيترك يده الممدودة إليه معلقة في الهواء، ما بقي الإخوان على حالهم هذا من الضعف والانقسام! هذا الانقسام الذي ينكره الدكتور الجزار، كما ينكره الدكتور محمود حسين! فالإخوان في (نظر كليهما) لا تزال جماعة واحدة، وأن كل ما يراه المراقبون من مظاهر الانقسام، ليس سوى "خلاف لائحي"!

تبا للائحة تفضي إلى هكذا حالة (أيا كان اسمها) بدل أن تحُول دون نشوئها، أو علاجها! أيهما أولى: الالتزام بلائحة عاجزة عن حسم خلاف داخلي، أم التخلي عن هذه اللائحة، وإجراء انتخابات جديدة، لا يخوضها طرفا الخلاف، تفرز قيادة جديدة تمضي بالجماعة إلى غايتها؟

إن استمرار هذا الانقسام غير المبرر، من أي وجه، يرسل رسالة إلى تلك الأطراف التي تمد يدك إليها (يا دكتور حلمي) مفادها: أنك تناور، أو أنك لست جادا، أو أنك عاجز عن إنجاز أية تسوية! فلو كنت صادقا، أو جادا، أو قادرا، لكنت أنجزت "تسوية" مع "إخوانك أولا؛ لأن ما يجمعك بإخوانك أكبر وأعظم وأكثر مما يجمعك بغيرهم! أليس كذلك؟ أليس هذا هو المنطق؟ هذا الكلام موجَّه (أيضا) للدكتور محمود حسين، بطبيعة الحال..

ولمزيد من التفصيل في هذا الأمر، أحيل الدكتور الجزار، والقارئ العزيز، إلى مقالي "اقتراح "خارج الصندوق" لحل الأزمة الإخوانية" الذي نشرته هنا، على إثر هذا الانشقاق المذموم المشؤوم، قبل ثلاث سنوات.

بناء الثقة!

حسب إفادة الدكتور الجزار، فإن اللقاء الذي جمعه بعميل الأمن عبد الرحيم علي تم بوساطة من شخصيتين كانتا مقربتين من الرئيس مرسي (رحمه الله)، وقد عُقِد هذا اللقاء بهدف "بناء الثقة".. واستطرد مفسرا، بعد مقاطعة من المذيعة: "الثقة يبنيها الطرف الأقوى وهو النظام"..

الطرف الأقوى يكون قويا بذاته، لا بقوة تدعمه، ومن دونها لا يقوى على فعل شيء (الكيان الصهيوني مثالا).. فهذا النظام الذي تراه "الأقوى"، وتطالبه بأن يبدأ ببناء الثقة، قوي بالقوة المسلحة المميتة التي يستأثر بها.. لذا، هو قادر على قمع الشعب
أولا، أود تصويب هذه الفكرة عن مفهوم "الطرف الأقوى".. الطرف الأقوى يكون قويا بذاته، لا بقوة تدعمه، ومن دونها لا يقوى على فعل شيء (الكيان الصهيوني مثالا).. فهذا النظام الذي تراه "الأقوى"، وتطالبه بأن يبدأ ببناء الثقة، قوي بالقوة المسلحة المميتة التي يستأثر بها.. لذا، هو قادر على قمع الشعب.. أما إذا تخلت عنه هذه القوة المسلحة، فإن المجموعة التي يتكون منها هذا النظام (مهما كان عددها) ستتحول إلى فئران تحتمي بالجحور، وبلاعات الصرف الصحي، من غضب الشعب، إذا ما خرج عليها..

ثانيا: عن أي ثقة تتحدث (يا دكتور حلمي) وهذا النظام الدموي المُخرِّب قد بنى "شرعيته" لدى شيعته، على محاربة "أهل الشر" من الخونة، وكارهي مصر، وعملاء قطر وتركيا وأمريكا وإسرائيل في نفس ذات الوقت؟! ماذا عسى هذا النظام أن يقول لشيعته إذا قرر أن يمد يده إليك؟ هل سيقول لهم مثلا: لقد تاب أهل الشر وأنابوا، واستغفروني فغفرت لهم؟

أتدري (يا دكتور حلمي) ما علامة "توبتك" عند هذا النظام؟ توبتك أن تعلن "رِدَّتك" عن كل ما آمنت به، وعملت لأجله، وعزمت على الموت في سبيله! ساعتها فقط سيعتبر النظام أنه انتصر في معركته ضد أهل الشر (الذين هم أنت وإخوانك)، ولا مانع لديه من قبولكم في المجتمع كـ"مجرمين تائبين"، تلاحقكم اللعنات والإهانات أينما وليتم وجوهكم!

الثقة تنشأ بين أطراف لها أهداف مشتركة.. فهل تظن (يا دكتور حلمي) أن أهدافك هي أهداف النظام؟ بالقطع كلا، وهذا ظني بك، أما إذا كانت الأخرى، فهذه مصيبة!

هل تظن أن هذا النظام يشاركك حب مصر، واحترام الدين مثلا؟ إذا كنت تظن ذلك، فما الدليل؟ أهو تخريبه المتعمد للبلاد، أم رعايته لكل طاعن في الدين؟!

ما لا يعرفه الإخوان عن أنفسهم!

أكد الدكتور الجزار في حواره مع "بي بي سي" أن جماعة الإخوان لن "تصارع" على السلطة مجددا، أما ممارسة العمل السياسي على اختلاف صوره، فهو من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور للمواطن، والإخوان من جملة المواطنين..

لا صراع على السلطة! حسنا..

إذا كنت تعتقد (يا دكتور حلمي) أن مشكلتك مع النظام والعلمانيين الذي يسمون أنفسهم "التيار المدني" تتلخص في الصراع على السلطة، فأنت واهم.. أقولها بكل أسف!

العكس هو الصحيح.. فصراعك معهم على السلطة، يصعد بك على المسرح؛ لتنال حظك من البهدلة، والمرمطة، والإهانة، والطعن في ذمتك وشرفك، وهذه (لعمري) من أعظم الفرص، لهدمك وتشويهك والنيل منك..

أكد الدكتور الجزار في حواره مع "بي بي سي" أن جماعة الإخوان لن "تصارع" على السلطة مجددا، أما ممارسة العمل السياسي على اختلاف صوره، فهو من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستور للمواطن، والإخوان من جملة المواطنين
مشكلتك (يا دكتور حلمي) مع هؤلاء، أو بالأحرى مشكلتهم معك، هي تلك الفكرة التي في رأسك.. فهمك للدين.. الدين الذي يحرّم الزنا، والسرقة، والرشوة، والخمر، والبلطجة، وكل مظاهر الإفساد في الأرض..

الإسلام.. الإسلام الذي يأمرك بألا تخضع إلا لله، وألا تعبد إلا إياه، وأن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وألا تتولى أعداء الله، وأن تنصر المستضعفين في الأرض.. إلخ..

مشكلتهم معك (يا دكتور حلمي) في رسالتك أو "دعوتك".. تلك الدعوة التي أنت مكلف بإبلاغها للناس، والتي من شأنها (إذا التزم الناس بها) ألا يقبلوا الذل ولا الضيم، وأن يأخذوا على يد الظالم، وألا يسمحوا لكائن من كان أن يستعبدهم، أو أن يعاملهم معاملة القطيع!

فمن هذا الديكتاتور المستبد الفاسق الفاسد الذي سيقبل بوجودك، ويثق بك، حتى تؤلب الناس عليه بـ"الدعوة إلى الله"، لا بـ"الصراع على السلطة"، كما تتصور؟! أنت كـ"داعية" أخطر عليه ألف ألف مرة منك كـ"سياسي"!

أنت (يا دكتور حلمي) ترى الأمر هيّنا وبسيطا وسهلا؛ لأن دينك يأمرك بقبول هؤلاء، والتعايش معهم، والأخذ بأيديهم، أما أنت بالنسبة لهم، فكابوس يجب أن يختفي من حياتهم.. صداع يجب أن يزول.. سرطان يجب استئصاله!

مشكلتك يا دكتور.. في وجودك.. في فكرتك.. في دينك..

فأي الثلاثة يمكنك التخلي عنه؟

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

مقالات مشابهة

  • دوامة أزمات حضرموت: الصراع يتصاعد… ولا ينفجر
  • فضيحة الإخوان في ماليزيا.. استغلال الأطفال جنسيا.. وخبير: الجماعة خلقت جيلا جديدا من المتطرفين والمرضى النفسيين
  • باحث: قيادات الجماعة الإسلامية أو القاعدة تمر بشكل أساسي على باب السلفية أو الإخوان
  • طهران.. غروندبرغ يبحث جهود خفض التصعيد في البحر الأحمر والتسوية باليمن
  • ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟
  • ما لا يعرفه الإخوان عن أنفسهم!
  • حقيقة تعرض أسرتي نزيلين من عناصر الجماعة الإرهابية لانتهاكات بأحد مراكز الإصلاح والتأهيل
  • التعدي على أسرتي نزيلين من عناصر الجماعة الإرهابية.. مصدر أمني يكشف الحقيقة
  • الناشط سقف الحيط.. ملاحقة وتهديد بالقتل والاغتصاب بسبب آرائه السياسية