منزل الذكريات.. أول اختراق روائي فلسطيني
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
سأتجرأ وأعلن أن هذه الرواية (منزل الذكريات) الصادرة حديثًا عن دار نوفل في بيروت هي أول رواية فلسطينية تذهب بعناد وثقة إلى مناطق خطرة، وأن محمود شقير هو أول روائي فلسطيني يفاجئنا (وهو الحريص كما عودنا على عدم الخوض عميقًا في الممنوعات عبر أعماله السابقة) وأخيرًا، صدرت الرواية التي انتظرناها، والتي حلمنا بكتابتها نحن كتّاب التسعينيات والتي تعبّر عني وعن أشواق جيلي وهواجسه وجنونه ورغبته في آخر دفء حزين في حياتنا، هكذا قررنا، وكم كنا جهلاء! سنتخيل أننا في الثمانين ونكتب جفافنا، لكننا لم نكن نعرف أن هذه التجربة بالذات تحتاج إلى عيش حقيقي في الثمانين، سألني مرة صديق يحلم برواية يجمع فيها كل أبطال روايات القرن التاسع عشر: من سيكتب رواية (الجميلات النائمات) بسياق فلسطيني؟ أتذكر أني أجبته: (الذي سيكتبها سيكون روائيا ثمانينيا صادقا وشجاعا، ويعرف أن الأدب هو فعل استكشاف، وأنه صديق الضوء والنهار، سيكتبها واحد من كتّاب التسعينيات، واحد منا، كنا نريد أن نكتب هذه المغامرة، فاكتشفنا أن المغامرة وحدها لا تكفي، محمود شقير أستاذنا الكبير سبقنا لذلك، بحكم عمره وموهبته وخبرته والأهم هو شجاعته، ليس هذا فقط، لقد أقنعني شقير بأن أكف عن حلم كتابتها شخصيًّا، حين كتبها هو كأصدق وأعمق ما تكون الكتابة، كتبها بروح حيوية صادقة وشفافة وحقيقية، تمامًا كما تحتاج بنيتها المعقدة، بنيتها التي تعتمد على فكرة التناص مع هناء نوم الآخرين الهرمين قرب الجمال المدوّي، فقط النوم دون ملابس وحركة، دون كلام، مستلهما هذا الدفء العجيب من شخصيتيّ روايتيّ (الجميلات النائمات) لكواباتا الياباني و(ذكريات عن عاهراتي الجميلات) لماركيز الكولومبي، ثمة تناص رهيب وذكي ومحكم وإبداعي، في هذه (النوفيلا) اللذيذة المخيفة، فلسطينية السياق، أحببت جدًا سياق هذا العمل الشجاع؛ فالأجواء فلسطينية، نحن في القدس، وهناك احتلال الـ67 وشخص اسمه محمد الأصغر، وأسماء كثيرة فلسطينية، أسمهان وجحيمان وسناء وفريال، التقط محمود شقير ثراء الحالة الإنسانية في روايتي كواباتا وماركيز، واستلهم وحشتها وقسوتها واستدعى بردها على عجوز فلسطيني يتشارك مع بطلي الروايتين العالميتين، في الإحساس برغبة في الاستئناس بالنساء، لكن قدرة الجسد وإمكانياته وهشاشة العظام لا تساعد، فيحتار البطل، ويقرر استضافة بطلي الروايتين الشهيرتين في نهاره وليله ويقيم معهما حوارًا هو من أمتع الحوارات وأغناها.
يهرب محمد الأصغر الفلسطيني من واقعه الجاف ومن حواجز المحتلين ومن ظلمهم إلى الروايتين، يذوب فيهما ويصير عجوزًا ثالثًا يفعل ما يفعل الاثنان، الجميل في هذا التناص البديع هو توسع البطل الفلسطيني في الحديث عن سياق بلاد البطلين العجوزين الكولومبي والياباني، ثمة حدث عن قنبلة هيروشيما وعن الكفاح المسلح الكولومبي.
الكتابة الروائية الفلسطينية لم تقترب قط من هذه العوالم الجسورة، ولم تحاول أن تكسر نمط العلاقة مع المرأة، حتى في قصصه السابقة نفسها، ينقلب شقير على ذاته، ويمنحنا هذا الانفجار الجمالي الجميل الذي يحسب له ولرصيده ويسجل في تراثه السردية كتجديد مبهر، والواقع أن المتأمل في تجربة شقير يكتشف كم هو مهووس بالتجدد والتنقل من تكنيك لآخر، وكم هو رافض للبقاء في ذات البقع، لكن هذا التجديد كان عالي النبرة وواسع الأفق وغير مسبوق.
في مقالته المهمة عن رواية (منزل الذكريات) يكتب الناقد الأردني محمد عبيدالله في جريدة الدستور: هذه رواية قصيرة وجميلة من فرائد محمود شقير، تتظاهر بالبساطة، وتعطي درسًا في عبقريتها وجماليّاتها المختلفة.
وردًا على سؤال للكاتب محمود شقير عن ظرف كتابة هذه الرواية أجاب: (حين وصلت بي رحلة العمر سن الثمانين عدت إلى قراءة رواية كاواباتا ورواية ماركيز، وشعرت بالرغبة في التناص معهما في رواية فلسطينية).
وبالفعل بدأت بحشد مواقف ومشاهد وتأملات ولم أتمكن من الشروع في الكتابة إلا حين ظهرت أسمهان وشقيقها جحيمان، آنذاك انفتح الأفق وتمكنت من الكتابة بشغف وانتباه).
هنيئًا للأدب الفلسطيني بهذا الاختراق الروائي.
الكاتب في سطور
محمود شقير كاتب فلسطيني من مواليد جبل المكبّر، القدس (1941)، حيث يقيم حاليًّا بعدما تنقّلَ بين بيروت وعمّان وبراغ. تضم كتبه الـ80 اثنتي عشرة مجموعة قصصية للكبار وعشرات القصص والمجموعات القصصية والروايات للفتيات والفتيان، وأربع روايات للكبار. تُرجمت بعض كتبه إلى 12 لغةً من بينها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والسويدية. حاز جوائز عدّة، من بينها جائزة «محمود درويش للحرّيّة والإبداع» (2011)، و«جائزة فلسطين للآداب» (2019)، و«جائزة الشرف من اتّحاد الكتّاب الأتراك» (2023). وجائزة «فلسطين العالمية للآداب» لعام 2023. كما اختيرت روايته للفتيات والفتيان «أنا وصديقي والحمار» ضمن أفضل مائة كتاب من العالم عام 2018.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إياد نصار: أصولي فلسطينية وهذا الهاجس يطاردني طوال حياتي
قال إياد نصار إنه كممثل خبرته في الحياة ليست أكثر من غيره ولكنه كممثل يقف في زاوية معينة فيرى بشكل مختلف ولكن هذا لا يجعله متطور عن أي شخص آخر في الحياة.
وعن أمنياته قال إياد نصار في تصريحات لبرنامج حبر سري، إنه يتمنى روية أولاده مرتاحين وناجحين، فلديه هاجس طوال الوقت حيث يدعو الله أن يطول في عمره حتى يرى أولاده يأخذون خطوات في الحياة.
وأشار إلى أنه يهتم بأولاده ويحرص على التزامهم الديني والأخلاقي وحفاظهم على الصلاة، وأيضا أن كل الأديان تدعو للأخلاق حيث يحاول تعليمهم أن تدينهم الحقيقي في أخلاقهم وليس في إطلاق أحكام على البشر ولا ينجرون تجاه الأفكار الشيطانية.
وتحدث إياد نصار، عن أصوله الفلسطينية، قائلا إنه عاش كطفل عائلة فلسطينية في المرحلة الإبتدائية في مدارس وكالة الغوث. لذا فهو يعرف الكثير ممن استشهدوا في الانتفاضات وفي الحرب الأخيرة.
وأضاف أن عائلته خرجت من فلسطين واحتضنتهم الأردن لذا فهو فلسطيني الأصل وأردني الانتماء، وجده احتفظ بمفتاح الدار لشعوره الدائم بأنهم سيعودون.
وأكد إياد نصار على أنه لو لم يخرج من الأردن تجاه مصر ربما لم يكن ليأخذ الفن كل وقته، سيكون لديه وظيفة والتزامات أخرى وسيندم لأنه لم يأتي مصر.
وأضاف أن الفن بالنسبة له هو حياته ومهنته ومن غيره لن يكون إياد الشخص المتواجد حاليا.
ووجه إياد رسالة لشخصه في المستقبل قائلا إنك ترى ما تريد مثلما يقول محمود درويش، سيأتي الوقت الذي ترتاح فيه، وطالما الحب لا يزال يحركك حتى هذا الوقت فأنت إنسان.