عادل حمودة يكتب: الرئيس الأمريكي في علبة فاصوليا محفوظة!
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
نحن نختبئ خلف كلماتنا.
الصمت يخفينا والبوح يعلن عنا.
وبفطنة الفيلسوف طالب "ارسطو" أن نتكلم حتى يرانا الناس.
وتكلمت "كاميلا هاريس" في مواجهة "دونالد ترامب" فرأينا كل منهما على حقيقته.
رأينا ما يبطن وما يدبر وما سيفعل كل منهما في أول مناظرة رئاسية بينهما.
لكن المناظرة ليست كلمة فقط وإنما صورة أيضا.
الصورة تؤثر في المشهد ربما أكثر من الكلمة.
إن هذا ما حدث في أول مناظرة رئاسية في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
جرت تلك المناظرة في انتخابات عام 1960 بين خبير في سياسات الحكم هو "ريتشارد نيكسون" وسيناتور شاب ينافس نجوم السينما هو "جون كيندي".
كان "نيكسون" نائب الرئيس "داويت ايزنهاور" ويعرف خرائط المتاعب الدولية مثل كف يده بعد ان زار 12 دولة خارجية من مصر إلى الصين.
وكان "كيندي" سيناتور مجهول.
لكنه كان وسيما وثريا يعرف كيف يحتل القلوب بسرعة بينما وجه بدا وجه خصمه مثل ثمرة البطاطس وسيطرت آثار الزمن على جسده المنهك.
كنا في بداية عصر التلفزيون الذي أدخل المرشحين إلى غرف نوم الناخبين وأثر على عقولهم قبل عيونهم.
كان 88في المئة من العائلات الأمريكية تمتلك جهاز تلفزيون فتجاهل الكثير منها الخبرة واختار النجومية وصوت لها.
كسب "كيندي" وخسر "نيكسون".
شاهد المناظرة التي بثت يوم 26 سبتمبر نحو 70 مليون مواطن أمريكي.
فيما بعد نشر رئيس حملة "نيكسون" الانتخابية كتابا بعنوان "صناعة رئيس" كان غلافة صورة لـ "نيكسون" على علبة فاصوليا محفوظة.
كشف الكتاب أن "نيكسون" دخل المستشفى قبل المناظرة ورفض وضع المكياج وارتدي بدلة رمادية بلون خلفية ستديو التصوير فبدا مريضا هزيلا شاحبا خافت الصوت أمام "سوبر ستار" في قمة تألقه.
في الوقت نفسه جاء "كيندي" ببعض السمرة من الشواطئ التي قضي شهور الصيف تحت شمسها وعلى عكس "نيكسون" تحدث إلى الكاميرا ولم يتحدث إلى منافسه.
فيما بعد تعلم "نيكسون" ومن ترشحوا بعده للرئاسة الدرس.
جاء "نيكسون" بخبراء في الصورة واستجاب لنصائحهم فلم يبتسم سوي ابتسامة خفيفة وترك بعض الشيب في شعره واختار ثيابا لا تبتلعها خلفية البلاتو وفضل ان تكون زاوية التصوير بالبروفيل ونظر في عيون المشاهدين مباشرة وتحدث إليهم وكأنه يعرفهم من قبل.
واهتم بسماع المناظرة في الراديو حيث يركز المستمع على البرنامج الرئاسي لا على صورة المرشح.
فيما بعد تجاوزت المناظرات الرئاسية الحدود الأمريكية إلى العالمية لسبب بسيط هو أن الولايات المتحدة لا تزال القوي العظمي الأكثر تأثيرا في السياسة الدولية رغم تعدد قوي اخري صاعدة ومنافسة.
ولخوف الدنيا من سياسات "دونالد ترامب" بدت شعوبها أكثر حماسا لمنافسته "كاميلا هاريس" التي أدت الدور ببراعة بعد ان تدربت عليه ثلاثة أسابيع في جناح فندق أغلقت بابه عليها بينما خصمها استهتر بها.
على ان في زمن المنصات الاجتماعية تراجع تأثير التلفزيون ولم يعد وحده الذي يحسم المعركة الانتخابية.
لقد تفوقت "هاريس" على ترامب تلفزيونيا ولكن لا يزال ترامب الأكثر تأثيرا في الميديا الشعبية.
ولكنها ميديا قابلة للاختراق من هاكرز يمكنهم تغيير معادلة التصويت كما حدث في انتخابات "ترامب" و"هيلاري كلينتون".
إن قواعد اللعبة تغيرت تماما.
لكن المشكلة أن القواعد الجديدة لم تعد مكشوفة لنا.
كل ما علينا ان ننتظر ونري.
المصدر: تقارير متعددة عن المناظرة الرئاسية الأمريكية
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: عادل حمودة ايدن الرئيس الأمريكي انتخابات أمريكا ترامب هاريس
إقرأ أيضاً:
من دولار نيكسون إلى ميم كوين ترامب.. العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب2
في كتاب "الحاجة إلى المال" أقتبس عبارة لمؤلفه، نيال فيرجسون، حين قال: "الدولار الأمريكي ولد من رحم الحاجة إلى عملة موحدة تعبر عن استقلال الولايات المتحدة الاقتصادي"؛ كمقدمة لهذا المقال الذي ليس الغرض منها التطويف على تاريخ الدولار بقدر ما هو جرس إنذار لما سيأخذنا إليه مع دونالد ترامب ومستشاره إيلون ماسك.
مع ولادة الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، كان لزاما على السلطات الجديدة أن تصك لنفسها عملة تعبر عن حقبة ما بعد الاتحاد، وتبرز هوية الدولة الوليدة، فأُقر قانون العملة في 1792 والذي بمقتضاه أنشئ الدولار الأمريكي كعملة، وأصبح العملة الرسمية للولايات المتحدة، معتمدا في تقييمه على الذهب والفضة، بمعدلات محددة، قبل أن يُعتمد في 1879، أي بعد ما يقارب مئة السنة قاعدة الذهب لتقييم الدولار، وهو ما يعني أن كل دولار يمكن تحويله إلى كمية محددة من الذهب، ومن ثم تعزيز ثقة العالم في الدولار وبالنتيجة بث الثقة بعملة الدولة التي بدأت تخط ملامح الإمبراطورية المنشودة للقائمين عليها في السر، والذين يخططون ويخدمون من خلف الستار.
كانت خطوة تعيير الدولار بالذهب ناجحة إلى حد عزز ثقة العالم بالدولار كعملة مستقرة، وساعدت قاعدة الذهب في تقليل التضخم، وجعل الدولار جذابا للتجارة الدولية، التي نشطت فيها أمريكا بفضل توسعها في بناء السفن كجسر للوصول إلى العالم، على الرغم من ذلك فإن الجنيه الإسترليني كان لا يزال مهيمنا على التجارة العالمية، وذلك بطبيعة الحال بحكم هيمنة بريطانيا على العالم وسيطرتها على شبه الكاملة على خطوط الملاحة البحرية في البحار والمحيطات، لكن ومع ضعف اقتصاد الإمبراطورية البريطانية وبداية أفول شمسها بعد الحرب العالمية الأولى التي أجهدت ذلك الاقتصاد المهيمن، استفاد الدولار من حالة الإسترليني وقدم نفسه على أنه البديل الآمن والمستقر، مما فتح الباب أمام الدولار ليتصدر المشهد.
فصل مهم في حياة الدولار كتبته اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، حيث اتفقت الدول المشاركة على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي، الذي كان بدوره مرتبطا بالذهب، ما يعني أن الاتفاقية كتبت شهادة ميلاد حقيقية لسيطرة الدولار على التجارة الدولية وخلق نظام مالي جديد يرعاه صندوق النقد الدولية والبنك الدولي اللذين أُنشئا لهذا الغرض، مع ذلك وعلى الرغم من الاستفادة الكبيرة التي حازها الدولار من بريتون وودز، فإن الرئيس نيكسون كان له رأي آخر، وأراد أن يكتب ميلادا جديدا للدولار، لينهي عصر قاعدة الذهب التي عليها بنى الدولار ثقته الدولية لدة المتعاملين، ليثبت بالقوة قاعدة جديدة، بنى بها ثقة العالم في الدولار على موثوقية الحكومة الأمريكية التي تصدره، وعلى الرغم من هشاشة المبادئ، فإن الدولار ظل قويا، لا بقدراته المالية، ولكن بقدرات مصدريه العسكرية والسياسية.
ومع دخول العالم العصر الذهبي للنفط، والاعتماد الكلي على مشتقاته لبناء الحضارة الصناعية، طور نيكسون فكرته، ليضفي مزيدا من الهيمنة على عملته بعقد اتفاق مع الدولة الأكبر في إنتاج النفط، ووقع ملك السعودية فيصل، وبالتالي دول منظمة "أوبك" اتفاقية مع نيكسون على بيع النفط بالدولار ولا شيء غيره، وهو ما عرف حتى يومنا هذا بالبترودولار، وهو ما ضمن الطلب المستمر على العملة الأمريكية، بل وجعله يشكل في يومنا هذا عملة احتياطية عالمية، وبحسب مجلة إيكونوميست، فهو يشكل 60 في المئة من الاحتياطيات النقدية العالمية، ويستخدم في أكثر من 80 في المئة من المعاملات التجارية الدولية، حتى مع محاولات بعض البلاد والتجمعات الاقتصادية الانعتاق من هيمنة الدولار من خلال اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملة المحلية، مثل روسيا والصين، والهند، التي أبرمت اتفاقيات مع عدة دول للتبادل التجاري بالروبية الهندية، وكذا الحال بين إيران وروسيا وتركيا، والصين التي تعمل على تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية، وناجحة إلى حد بعيد في جنوب شرق آسيا، وكذلك تجمع بريكس (الذي يضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا).
محاولات الانعتاق من هيمنة الدولار تزامن معها ظهور العملات الرقيمة، التي بدأت على استحياء وصاحبتها مخاوف، لا سيما وهي غير مدعومة من حكومات، ولا تصدر من بنك مركزي، مع ذلك شكلت تحديا كبيرا ومنافسا بدا خجولا في البداية، لكنه مع الوقت استأسد، ما جعل بعض الدول تخطط، وبعضها نفذت خططها بإصدار عملات رقمية مشفرة، قد تواجه هيمنة الدولار تحديات جديدة. وفي مقال "أين يقف العرب في حرب الدولار واليوان؟" كتبنا عن دور الصين في عملية التحول الكبير في النظام المالي العالمي بمحاولاتها تقديم اليوان كعملة بديلة للدولار، وعن خطتها للخلاص منه واستهداف وصول اليوان لأن يكون واحدة من العملات التي يُعتمد عليها في التجارة الدولية وصولا لتسيده عالم التبادل التجاري، وفي السياق أطلقت اليوان الصيني الذي به تتم أغلب المعاملات التجارية الشعبية في جنوب شرق آسيا، وهو ما جعل ترامب في ولايته الأولى يصدر قرارا تنفيذيا لوقف زحفه باتجاه بلاده وأوروبا.
خلال رئاسته الأولى انتقد ترامب العملات المشفرة مثل البيتكوين، ووصفها بأنها "غير مستقرة" و"مبنية على الهواء". كما أعرب عن قلقه من استخدامها في الأنشطة غير القانونية، لكنه وبعد مغادرته البيت الأبيض، وتحديدا في 2021 أشار إلى أنه قد يدعم العملات المشفرة، وبعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/ يناير الماضي وضع صورا لعملة مشفرة تحمل اسم "ميم كوين" ومعها صورته، في تحول جدي لموقفه السابق من العملات المشفرة، وهو ما سبقه أمر تنفيذي مع الساعات الأولى لدخوله البيت الأبيض بدعم العملة المشفرة. ويعزو المراقبون الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، والذي يحظر إنشاء العملات الرقمية للبنوك المركزية، إلى مخاوفه بشأن قدرة تلك العملات على تهديد استقرار النظام المالي وسيادة أمريكا العالمية.
اعتبارا من أيار/ مايو 2024، كانت حوالي 140 دولة تعمل على مشاريع تجريبية للعملة الرقمية للبنك المركزي، وكان اليوان الرقمي الصيني أحد أكثر العملات تقدما، حسبما أفاد موقع كوينتيليغراف، لذا فإن ترامب بالأمر التنفيذي الذي أصدره بشأن العملات المشفرة يستهدف من ناحية وقف الزحف الدولي باتجاه عملة يمكن أن تسحب البساط من تحت الدولار، والأهم هو استكمال معركته التي بدأها في ولايته الأولى ضد اليوان الرقمي الصيني، الذي يزحف بقوة باتجاه سيادة الريادة العالمية في هذا المجال، لكن ومع ارتفاع الدين العام الأمريكي لأكثر من 30 تريليون دولار، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، يبقى السؤال حول هيمنة الدولار، وحول إن كان الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن العملات المشفرة في العالم هي محاولة من راعي البقر فرض عهد جديد على العالم ينفذ فيه هيمنة بالقوة الغاشمة.