نحن نختبئ خلف كلماتنا.
الصمت يخفينا والبوح يعلن عنا.
وبفطنة الفيلسوف طالب "ارسطو" أن نتكلم حتى يرانا الناس.
وتكلمت "كاميلا هاريس" في مواجهة "دونالد ترامب" فرأينا كل منهما على حقيقته.
رأينا ما يبطن وما يدبر وما سيفعل كل منهما في أول مناظرة رئاسية بينهما.
لكن المناظرة ليست كلمة فقط وإنما صورة أيضا.
الصورة تؤثر في المشهد ربما أكثر من الكلمة.


إن هذا ما حدث في أول مناظرة رئاسية في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
جرت تلك المناظرة في انتخابات عام 1960 بين خبير في سياسات الحكم هو "ريتشارد نيكسون" وسيناتور شاب ينافس نجوم السينما هو "جون كيندي".
كان "نيكسون" نائب الرئيس "داويت ايزنهاور" ويعرف خرائط المتاعب الدولية مثل كف يده بعد ان زار 12 دولة خارجية من مصر إلى الصين.
وكان "كيندي" سيناتور مجهول. 
لكنه كان وسيما وثريا يعرف كيف يحتل القلوب بسرعة بينما وجه بدا وجه خصمه مثل ثمرة البطاطس وسيطرت آثار الزمن على جسده المنهك.
كنا في بداية عصر التلفزيون الذي أدخل المرشحين إلى غرف نوم الناخبين وأثر على عقولهم قبل عيونهم.
كان 88في المئة من العائلات الأمريكية تمتلك جهاز تلفزيون فتجاهل الكثير منها الخبرة واختار النجومية وصوت لها.
كسب "كيندي" وخسر "نيكسون".
شاهد المناظرة التي بثت يوم 26 سبتمبر نحو 70 مليون مواطن أمريكي.
فيما بعد نشر رئيس حملة "نيكسون" الانتخابية كتابا بعنوان "صناعة رئيس" كان غلافة صورة لـ "نيكسون" على علبة فاصوليا محفوظة.
كشف الكتاب أن "نيكسون" دخل المستشفى قبل المناظرة ورفض وضع المكياج وارتدي بدلة رمادية بلون خلفية ستديو التصوير فبدا مريضا هزيلا شاحبا خافت الصوت أمام "سوبر ستار" في قمة تألقه.
في الوقت نفسه جاء "كيندي" ببعض السمرة من الشواطئ التي قضي شهور الصيف تحت شمسها وعلى عكس "نيكسون" تحدث إلى الكاميرا ولم يتحدث إلى منافسه.
فيما بعد تعلم "نيكسون" ومن ترشحوا بعده للرئاسة الدرس.
جاء "نيكسون" بخبراء في الصورة واستجاب لنصائحهم فلم يبتسم سوي ابتسامة خفيفة وترك بعض الشيب في شعره واختار ثيابا لا تبتلعها خلفية البلاتو وفضل ان تكون زاوية التصوير بالبروفيل ونظر في عيون المشاهدين مباشرة وتحدث إليهم وكأنه يعرفهم من قبل.
واهتم بسماع المناظرة في الراديو حيث يركز المستمع على البرنامج الرئاسي لا على صورة المرشح.
فيما بعد تجاوزت المناظرات الرئاسية الحدود الأمريكية إلى العالمية لسبب بسيط هو أن الولايات المتحدة لا تزال القوي العظمي الأكثر تأثيرا في السياسة الدولية رغم تعدد قوي اخري صاعدة ومنافسة.
ولخوف الدنيا من سياسات "دونالد ترامب" بدت شعوبها أكثر حماسا لمنافسته "كاميلا هاريس" التي أدت الدور ببراعة بعد ان تدربت عليه ثلاثة أسابيع في جناح فندق أغلقت بابه عليها بينما خصمها استهتر بها. 
على ان في زمن المنصات الاجتماعية تراجع تأثير التلفزيون ولم يعد وحده الذي يحسم المعركة الانتخابية.
لقد تفوقت "هاريس" على ترامب تلفزيونيا ولكن لا يزال ترامب الأكثر تأثيرا في الميديا الشعبية.
ولكنها ميديا قابلة للاختراق من هاكرز يمكنهم تغيير معادلة التصويت كما حدث في انتخابات "ترامب" و"هيلاري كلينتون".
إن قواعد اللعبة تغيرت تماما.
لكن المشكلة أن القواعد الجديدة لم تعد مكشوفة لنا.
كل ما علينا ان ننتظر ونري.
المصدر: تقارير متعددة عن المناظرة الرئاسية الأمريكية

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: عادل حمودة ايدن الرئيس الأمريكي انتخابات أمريكا ترامب هاريس

إقرأ أيضاً:

المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٦- ١٠)

تناولنا فى المقالات السابقة أن عودة ترامب تعلن عن تبعثر أوراق الإقتصاد العالمى خاصة فى الدول العربية، بسبب السياسات الخاصة المرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتى انخرطت فى صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاما من وجودها، وإستنادًا على شعار ترامب «أمريكا أولًا»، فإن توجهاته تعكس هذا الشعار، وفى هذا السلسلة من المقالات سوف نتناول تأثير ذلك على الدول العربية بصورة منفردة، وفى هذا المقال سوف نتناول الأثر الاقتصادي على الجانب السودانى، فخلال فترة رئاسة ترامب الأولى شهدت العلاقة بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية تحسنًا ملحوظًا، حيث استكمل ترامب إجراءات رفع العقوبات الاقتصادية التى فرضت على السودان منذ التسعينيات، ولكن فى عهد الرئيس بايدن تدهورت الأوضاع فى السودان بشكل كبير خاصة فى عام 2023، حيث تصاعدت التوترات بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وفى أبريل 2023 تحولت هذه التوترات إلى اشتباكات مسلحة عنيفة، مما أدى إلى مقتل الآلاف، وتشريد مئات الآلاف، وحولت تلك الحرب التى امتدت أكثر من 18 شهرًا السودان إلى أكبر كارثة إنسانية فى العالم من حيث الحجم، حيث فر ما يقارب 30٪ من السكان من منازلهم، وسقط عشرات الآلاف من القتلى. ولكن فيما يتعلق بالإدارة الجديدة لترامب، يصعب التنبؤ برؤيتها تجاه السودان، رغم ارتباط عدد من الجمهوريين بالقضية السودانية، ويحملون موقفًا معاديا بشكل واضح للدعم السريع، بل ويصنفونها كمنظمة إرهابية، ونتوقع سعى إدارة ترامب الجديدة إلى التعاون مع السودان، ولكن فقط ضمن حدود تخدم المصالح الأمريكية
وفى إطار «اتفاقيات إبراهيم»، والتى شجعت إدارة ترامب السودان فى عام 2020 على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، مع تعزيز التعاون الإقليمى، وإبعاد السودان عن المحور الإيرانى، والصينى والروسى على السواء، وما يؤكد ذلك أنه خلال فترة ولايته الأولى، أبدى ترامب اهتماما بمواجهة التحركات الصينية والروسية فى جميع أنحاء العالم، حيث تخطط روسيا لبناء قاعدة بحرية فى السودان، كذلك تدخلت الولايات المتحدة لحماية أمنها القومى فى الصومال عام 1992 وأفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة بعد هجمات سبتمبر 2021، وفى اليمن للقضاء على تنظيم القاعدة، وفى العراق عام 2003 لتدمير «أسلحة الدمار الشامل»، ويمكن أن تتدخل فى السودان إذا حدث ذلك بالفعل وتصبح ملاذا للإرهاب بسبب موقعها وسط المناطق التى تنشط فيها هذه المنظمات، ويجب التنوية إلى أن الصين تحتفظ باستثماراتها فى النفط السودانى، كما تعمل روسيا على زيادة حجم التبادل التجارى مع السودان، بينما تهمل الولايات المتحدة الأمريكية السودان كمجال للتجارة والاستثمار وتركز فقط على الجانب السياسى وفرض العقوبات، فلا توجد حاليا أى اتفاقيات تجارية مع أمريكا، وحجم التبادل التجارى ضعيف جدا، فى حدود 50 مليون دولار، 80% منه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وما نود أن نشير إليه أن هناك شكوك فى إمكانية تحقيق تحول كبير، فى السياسات الأمريكية، وأن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة، تتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية لتهدئة الأوضاع وضمان عدم توسع الصراعات، خاصة فى السودان، والذى قد يظل «ملحق» للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والخليج، حيث سيكون أداة تعرض مقابل شىء آخر، ولا يبدو أن حل الأزمة فى السودان تحت إدارة ترامب سيكون سوى نتيجة لصفقة أكبر.
وللحديث بقية إن شاء الله.

مقالات مشابهة

  • عادل زيدان: كلمة الرئيس بالقمة المصرية القبرصية اليونانية أكدت اهتمام الدولة المحوري بقضايا المنطقة
  • وصول جثمان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى واشنطن
  • ترامب يطالب دول "الناتو" بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أنه يتعين على دول حلف "الناتو" أن تنفق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، بارتفا
  • المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٦- ١٠)
  • «ترامب»: هناك فرص هائلة للاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية
  • القسم الشتوي.. كيف يجري تنصيب الرئيس الأمريكي؟
  • عادل الباز يكتب: أمن يا جن
  • الكونغرس الأمريكي يصادق على فوز ترامب بالرئاسة
  • حظر تيك توك.. العدل الأمريكية تطلب من المحكمة رفض طلب ترامب بالتأخير
  • محمد إمام يستعد لـ"شمس الزناتي 2".. أول صورة من كواليس الفيلم المنتظر