بعد عدّة مفاوضات فاشلة وأشهر من الحرب: إلى أين يتجه السودان؟
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
تتواصل للشهر الرابع على التوالي الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مناطق بالسودان. ويبدو أن الوضع يزداد تعقيدا دون التوصل إلى الحل السلمي مع فشل كل مفاوضات السلام التي ترعاها كل من السعودية والولايات المتحدة. فبعد أربعة أشهر من الحرب الدامية،لسائل أن يسأل، إلى أين تتجه الأوضاع في السودان؟
في غضون الأربعة أشهر منذ اندلاع الحرب في السودان، قتل 3900 شخص على الأقل ونزح أكثر من 4 ملايين آخرين، ولاتزال الحرب متواصلة وسط طموح كلا طرفي النزاع في الفوز بها.
في تصريح خص به موقع مونت كارلو الدولية، قال الدكتور نورالدين المازني المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي سابقا والأمم المتحدة في دارفور إن أفريقيا منشغلة الآن بملف الانقلاب العسكري في النيجر، ويبدو أن السودان لم يعد يحتل الطليعة في اهتمامات الرأي العام الإقليمي و الدولي، والواقع أن تداعيات ما يحدث في هذا البلد ستكون كبيرة جدا على أكثر من صعيد. فالإصرار على الحسم العسكري لن يخرج منه منتصر و لامغلوب، بل سيكون السودان بأكمله هو الخاسر الأكبر من حيث أعداد القتلى المهجرين والنازحين، ودمار شبه كامل للبنية التحتية التي شيدها أبناء هذا الشعب بسواعده وتضحياته الجسيمة طوال عقود.
عندما تضع هذه الحرب أوزراها، ستتكشف للجميع فظاعة ما حدث و هول الكارثة التي حلت بالبلاد وتسبب فيها أبناؤها.
وأشار الدكتور المازني إلى أنه من المرجح جدا أن ينجح الجيش السوداني في إخراج قوات الدعم السريع من العاصمة ومحيطها، لكنه يخشى من أن تنتقل هذه الحرب بكل ثقلها إلى مناطق أخرى في البلاد وخاصة إلى دارفور، التي نالت نصيبها من المعارك الضارية والفظاعات خلال هذه الأشهر الأخيرة. فقوات الدعم السريع تعتبر أنه بمقدورها كسب الجولة الثانية من الحرب. وهذا سيزيد من معاناة الإقليم الذي مازالت أوضاعه هشة على كافة المستويات إلى اليوم، و لن يغفر المجتمع الدولي أيضا عمليات الإبادة الجماعية السابقة واللاحقة التي يتم توثيقها وجمع الأدلة الكافية لإدانة مقترفيها. بحسب المتحدث السابق للأمم المتحدة في دارفور.
وبما أن التداعيات ستكون وخيمة يرى محدّثنا أن الحل هو في الخيار السلمي و التفاوض عبر “مبادرة موحدة” لا تترك مجالا للمناورة من جانب اي طرف ، لا بد ان تجتمع كل القوى الاقليمية و الدولية المعنية بالوساطة وتنسق في ما بينها، مع ضرورة إعطاء دور اكبر للمكون المدني الذي خفت صوته في الاونة الاخيرة واضعفت الانقسامات الحاصلة في صفوفه من قوته و من دوره الريادي خلال الثورة التي اطاحت بنظام البشير.
و قال الدكتور المازني إنه لابد لطرفي النزاع في السودان من أن يستخلصا العبرة من حالات مماثلة و مؤلمة ومكلفة جدا حصلت لدى دول الجوار و منها الحرب الأهلية في جنوب السودان بعيد الاستقلال بسبب خلاف شخصي بين الرئيس سلفاكير و نائبه رياك مشار وهي حرب استمرت قرابة الخمس سنوات نتج عنها سقوط ما يقارب نصف مليون من الضحايا و تشريد مئات الآلاف خارج البلاد إلى جانب نازحي الداخل و لكنها انتهت بالمصالحة بين الرجلين وعاد رياك مشار لمنصبه الذي أطرده منه الرئيس سلفا كير. كما استشهد المازني بمحاولة انفصال إقليم تيغراي عن الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا قبل قرابة العامين، ما تسبب في حرب ضروس بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي و قوات جبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت مهيمنة على الحكم في أديس أبابا، وبعد قتال استمر سنة كاملة سقط خلاله آلاف القتلى والجرحي وتسبب في الكثير من الدمار، قبل الطرفان التفاوض وتم التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين في جنوب أفريقيا.
ولهذا على السودان أن لا يعيش مثل هذه التجارب المريرة وعلى طرفي النزاع القبول بالتفاوض من أجل الوصول إلى وقف دائم لاطلاق النار قبل استئناف العملية السياسية التي سيلعب فيها المكون المدني الدور المناط بعهدته كاملا، مع اتخاذ كل المحاذير الممكنة حتى لا يتكرر ما حدث .
في تصريح لموقع مونت كارلو الدولية وصفت الأستاذة أسماء الحسيني الكاتبة الصحفية والخبيرة في الشأن الأفريقي، المجتمع الدولي بالعاجز عن إيجاد مخرج للأزمة السودانية. ولم يكن دوره كافيا في فرض ضغوط على الطرفين من أجل وقف القتال في البلاد. كما أشارت الحسيني إلى أن المبادرات المطروحة لم تتوصل إلى تقدم إيجابي حتى الآن، وهو ما يفتح الباب أمام أطراف جديدة للتدخل في الأزمة تزيدها تعقيدا، وهو ما يزيد من سفك لدماء السودانيين وإلى تصعيد المعارك في البلاد. و رأت محدثتنا إلى أن موسم الأمطار والفياضنات قريب جدا، وعند حدوثها ستغرق مناطق الشمال مما سيفقد العشرات أو المئات منازلهم. وسيزيد الأمر تعقيدا في ظل الأزمة الغذائية وعدم قدرة وصول المساعدات الدولية لبعض المناطق إلى جانب تدهور المستشفيات والقطاع الصحي. لذلك ترى أن الوضع في السودان نحو مزيد من التدهور.
تدور الحرب اليوم في السودان في 9 مناطق فقط من ضمن ثمانية عشرة منطقة. وطالما تتواتر الأنباء من السودان بالعثور على كميات من الأسلحة في المناطق التي لم تشهد بعد المعارك، لذك تتوقع الأستاذة أسماء الحسيني أن تتوسع الحرب لتشمل مزيدا من المناطق. وبالتالي مزيد من النازحين في الدول الجوار. كما أن هناك مخاوف من تمزق وحدة السودان في ظل عجز المجتمع الدولي في وقف الحرب.
مونتي كارلو الدولية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
السؤال الأصعب حول وقف الحرب في السودان
تعريف وفهم طبيعة حرب الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023 كمدخل لبحث كيفية إيقافها، إضافة إلى تعريف الآليات والوسائل المناسبة والممكنة لوقف القتال، ناقشناهما في مقالاتنا السابقة، وهما من ضمن الأسئلة الصعبة التي تشكل جوهر الرؤية المطلوبة كأساس للتفاوض حول وقف الحرب، مع التأكيد على أن صياغة هذه الرؤية هي من صميم عمل القوى المدنية والسياسية السودانية.
ولكن لعل من أهم هذه الأسئلة الصعبة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى بما يحقق قوميتها ومهنيتها واحتكارها للعمل العسكري والنظامي في البلاد، وبما يتماشى مع المعايير الديمقراطية وتحت إشراف مدني، وضرورة تناول كل ذلك مقرونا بالتقرير في مستقبل قوات الدعم السريع وقوات الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، واستكشاف الخيارات الممكنة أمام هذه القوات على أساس خضوعها لمبدأ بناء الجيش القومي والمهني الواحد في البلاد، وبناء المؤسسات النظامية الأخرى بذات الطبيعة وخضوعا لذات المبدأ، رفضا لتعددية المؤسسات النظامية في البلاد. وهذا ما سنتناوله في مقال اليوم.
بالطبع، فإن وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات يتطلب وجود طرفي الاقتتال، الجيش والدعم السريع، على مائدة التفاوض، في منبر جدة أو أي منبر آخر يتم التوافق عليه، لا بهدف النقاش على أساس ما يقدمه الخبراء الإقليميون والدوليون من الآليات الفنية لوقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات فحسب، وإنما أيضا بهدف التفاوض على أساس الرؤية الوطنية التي تتضمن خيارات الإجابات على الأسئلة الصعبة المشار إليها، والتي تقدمها القوى المدنية والسياسية السودانية كمشروع رئيسي لوقف إطلاق النار الدائم. وبالنسبة للسؤال حول مستقبل الطرفين العسكريين، فأعتقد من الضروري البدء بنقاش المسؤولية القانونية حيال الحرب باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب محاسبة كل من أشعلها وزكى نيرانها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. وفي هذا الصدد، فإن ضربة البداية هي تشكيل لجنة تحقيق محلية أو إقليمية أو دولية أو مختلطة، تتقصى وتحقق في كل تفاصيل هذه الجريمة المركبة، بما في ذلك المذابح التي جرت في دارفور، والتوصية بتقديم المتهمين إلى العدالة على ذات النسق الذي تم مع قادة الصرب في حرب البلقان. أما أي حديث عن العفو أو العدالة الانتقالية فيظل محكوما بالقانون الدولي الذي ينص على إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرب. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن مستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
أهم هذه الأسئلة وأشدها صعوبة، ما هو متعلق بمستقبل قيادة القوات المسلحة والخيارات المتاحة لأدوارها بعد توقف الحرب في السودان، وحول إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية
بالنسبة للقوات المسلحة، فإن الخيارات متعددة وتتراوح ما بين الإعفاء واستراتيجية الخروج، والمساهمة في الحل عبر «مجلس الدفاع والأمن» أو «مجلس الأمن القومي» برئاسة رئيس السلطة المدنية، رئيس مجلس الوزراء، والذي يتأسس وفق قانون يحدد مهامه وصلاحياته التي من ضمنها إعداد سياسات الأمن القومي وتنسيق السياسات الأمنية في البلاد بما يخدم وحدة السودان وسلامة وأمن أراضيه، كما يشرف على عمليات الدمج والتسريح، وعلى الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها مع الحركات المسلحة، ويخطط وينفذ برامج بناء وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن، والإيفاء باحتياجاتها وتأمين مواردها. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فأعتقد لا مجال سوى حلها وإلغاء قانونها، والتطبيق الفوري لإجراءات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بالنسبة لأفرادها ما دون المستويات القيادية، بحيث يتم استيعاب هولاء الأفراد في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ومؤسسات الخدمة المدنية، ولكن وفقا لقانون وشروط الالتحاق بالقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى، وكذلك قوانين وشروط الالتحاق بالخدمة المدنية. كما يتم البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية الشاملة بالنسبة لحركات الكفاح المسلح الأخرى، وانتقالها إلى الحياة المدنية، بما في ذلك تحول من يرغب منها إلى تنظيمات سياسية. وبالنسبة للاستثمارات والموارد الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فتتم تبعيتها للسلطة التنفيذية المدنية، وتستثمر لصالح إعمار ما دمرته الحرب ولتعويض ضحايا الحرب والمتضررين منها، ولتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية والقوات النظامية الأخرى.
هذه مجرد أفكار أولية في معرض الإجابة على أكثر أسئلة الرؤية صعوبة، قابلة للنقض والتطوير، ولا شك أن هناك العديد من الخيارات الأخرى يمكن طرحها على طاولة التفاوض، ولكن بالضرورة أن تحكمها بوصلة البحث عن مخرج يحقق وقف القتال، وكذلك ضرورة أن تحكم هذه الخيارات المتعلقة بمستقبل ودور كل من قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، نقطتان جوهريتان: النقطة الأولى هي ارتباط هذه الخيارات مقرونة بالمساءلة والمحاسبة القانونية على ارتكاب جريمة الحرب، أما النقطة الثانية فهي لا خيارات بدون مقابل.
وبالتأكيد، فإن المسألة مرتبطة بعملية الإصلاح العسكري والأمني، وهذا ما يمكن تناوله بالتفصيل في مقال آخر، ولكن تحضرنا هنا بعض المبادئ التي تحكم هذه العملية:
أولا، هدفها الرئيسي تصالح القطاع الأمني والعسكري مع القوى المدنية واستعادة الثقة المفقودة بينهما. ثانيا، ليس مجرد التفكيك والإحلال، وإنما تطوير وتحديث القطاع حتى يتماشى مع مفاهيم التحول المدني.
ثانيا، لا تتم بضربة واحدة وخلال فترة زمنية قصيرة، وإنما هي سلسلة عمليات مركبة تُبتدر خلال الفترة الانتقالية، لكن استكمالها واعتماد نتائجها تقوم به المؤسسات المنتخبة.
ثالثا، ترتبط بالإصلاح الشامل لكل مؤسسات الدولة الأخرى.
رابعا، هي ليست مجرد قرارات أو إجراءات سياسية أو إدارية أو فنية، ولا تخضع للمزايدات السياسية والإعلامية وإنما تستند إلى مفاهيم علمية متوافق عليها دوليا، وتستهدي بالتجارب الناجحة التي تمت في البلدان الأخرى.
خامسا، تنفيذها من داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وبواسطة منسوبيها، على أن تخضع إلى رقابة المؤسسات المدنية من حكومة ومجلس تشريعي.
نقلا عن القدس العربي