هنالك من لا يرى في النجوم إلا أضواء ضئيلة وهنالك من يرى طريقه فيها
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
يقول أنطوان أكزوبيري في كتابه الأمير الصغير: "للناس نجوم يختلف بعضها عن البعض الآخر، فمن الناس من يُسافر فتكون النجوم مرشدات له، ومن الناس من لا يرى في النجوم إلا أضواء ضئيلة"، ولعل ما تفعله حلقات الكتابة أمر مماثل، إنّها تُريك في النجوم شيئا آخر يتجاوز كونّها مضيئة، تماما كما قد تفعل الكلمات والشخصيات والأحداث.
في الورشة التي قدمتُها بالتعاون مع وزارة الإعلام تحت عنوان: "خيالٌ يصطادُ القصص"، للأعمار التي تتراوح بين 12-16سنة، عبر أيقونات مُمغنطة صممتها الرسامة بيان العبري، لتعلم أساسيات الكتابة بطريقة مبتكرة ومختلفة، حاولنا استثارة هذا الخيال الخصب، وطرق التفكير المُغايرة تجاه القص. حيث صُنعت عشر شخصيات مختلفة، وعشر حبكات متباينة، وعشر صور للنهاية المتوقعة، وطُلب من كل طفل أن يخلق الروابط الخفية بين الشخصية والحدث والنهاية.
في هذه المرحلة الغضة يبدو واضحا التأثر الذي يتجلى في استدعاء دلالات اكتمال القمر والتحول بفعل القوى السحرية أو مختبرات العلم، كما تتضح تلك الرغبة في السفر عبر الزمن، جوار الامتثال للحكمة عندما يتعلم أبطال القصّة درسا من تجاربهم. قد لا يتجلى أثر ما تعلمناه في نصوصهم الأولى، لكنها تجربة نُراهن أن تختمر مع الوقت بالدأب والمثابرة وانفتاح أذهانهم على طرق جديدة في التفكير ومعالجة في القصّ.
لوحة الأحلام
مرام يحيى الرئيسية - 12 سنة
نورة هي طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، بسيطة وهادئة، تهوى الرسم والقراءة. تسكن في منزل صغير مع والديها، والدها مهندس ووالدتها طبيبة. لم تكن نورة تقضي وقتا مع عائلتها وأصدقائها ومستواها الدراسي منخفض، لأنّها كانت تقضي معظم وقتها في الرسم، ولذا كانت تحاول عندما ترسم أن لا يراها أحد، ولكن في يوم من الأيام ذهب والدا نورة إلى عملهما فأخرجت أدوات الرسم لتكمل رسمتها. لكن ما لم تكن تعرفه أنّ والداها سوف يخرجان من عملهما مُبكرا بسبب الأمطار الغزيرة، ولذا عندما دخلا إلى المنزل انصدما بمشاهدة ابنتهما وهي ترسم!
ثمّ أخذا دفتر الرسم الخاص بها، ووبخاها لأنّهما ظنا أن الرسم مجرد خربشات، ومضيعة للوقت وهو السبب في انخفاض مستواها الدراسي وعدم اندماجها مع عائلتها وأصدقائها، "لن تصبحي شخصا ناجحا بالرسم". شعرت نورة بالحزن الشديد. وفي اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة وهي مفطورة القلب، فرأتها معلمتها خولة فسألتها: "ماذا حل بكِ يا نورة، أنتِ تأتين إلى المدرسة سعيدة دائما؟ "، فأخبرتها عن الذي حدث الليلة الماضية، وقالت المعلمة لها: "لدينا مسابقة رسم ولكن لن أجعلك تُشاركين إلا إذا أصبح مستواكِ الدراسي جيدا، يجب عليكِ الموازنة بين الدراسة والعائلة والرسم"، فوافقت نورة وذهبت إلى فصلها وقد قررت أن تُركز.
كانت واثقة من نفسها هذه المرّة، لذا وبعد انتهاء دراستها ذهبت إلى منزلها لتحل واجباتها المتراكمة التي لم تلمسها لأيام عدّة!
بعد أسبوع، قررت المعلمة سارة أن تقدم للطلاب اختبارا مفاجئا، انصدم الجميع باستثناء نوره، كانت واثقة أنّها ستحصل على الدرجة النهائية، فبدأت الإجابة بهدوء واسترخاء. وعندما حصلت على أعلى درجة كانت في قمة السعادة.
ذهبت مُسرعة إلى المعلمة خولة لتخبرها بالمفاجأة السارّة، فكانت فخورة بها جداً، ولكن قررت أولا أن تسأل والدا نورة عن مشاركتها في المسابقة. في البداية لم يتقبلوا الفكرة ولكن عندما أخبرتهما عن حصولها على أعلى درجة وافقا على مضض.
بدأت نورة تخصص وقتا للرسم وآخر للدراسة والتزمت بهما، كانت ترسم رسمة بألوان مشرقة وزاهية كشروق الشمس، وحين انتهت من رسمتها ذهبت لتعطيها إلى معلمتها خولة فاندهشت من جمالها.
وبعد أسبوعين، عُرضت نتائج المسابقة، فدهشت بحصولها على المركز الأول. عادت إلى البيت فرحة لتخبر والديها، ففرحا بها ونبهاها على أهمية تخصيص وقت للرسم وآخر للدراسة وللعائلة أيضا فوافقت نورة.
دبّ الغابة محشو بالقطن !
كتبت: يارا هلال البادي- 13 سنة
كان هنالك دبٌّ اسمه "ديدو"، محشوٌ بالقطن، كان يبدو ككيس البطاطا، لونه يشبه لون البشرة السمراء، شعره كثيف ويعيش في متجر الدمى مع الكثير من الألعاب.
في يوم من الأيام أتى أحمد برفقة والده ليشتري "ديدو". كان سعيدا به، لعب بصحبته طوال النهار. في الليل لاحظ الأب أن ابنه أحمد ارتفعت درجة حرارته وقلّ تركيزه. أعطى الوالد ابنه الدواء، لكنه نسي علبة الدواء مفتوحة، فانسكب الدواء فوق الدبّ اللعبة، فتحول إلى دبّ حقيقي، شرس وكبير، وأصبح قادرا على الكلام. فتفاجأ أحمد وسأله: كيف لديك القدرة على الكلام؟ فقال بعد أن خفّ الغضب: لقد أُخذتُ من الغابة وتمّ إجراء العديد من التجارب عليّ! ثمّ تابع الدبُّ قائلا: "نسيتُ أن أقول لك أنا لا أستطيع أن أتحكم بنفسي بسبب التجارب التي أُجريت عليّ ولذا تنتابني نوبات غضب". كان أحمد خائفا من الدبّ بعد أن وصف له العذاب الذي مرّ عليه في مختبرات التجارب. كان يبكي بلا دموع ويده ترجف وجسمه يهتز بالكامل، ولكن لا أحد يشعر به، فعائلته بقيت بالغابة. "وبعد المزيد من التجارب عليّ تحولتُ إلى دمية، كانت عيني تلمع كأنّها تبكي ولكن لم يفهم أحد السبب". ثمّ سأل الدبّ أحمد: "لماذا اخترتني أنا خصيصا من بين الدمى؟" فقال أحمد: "لأنّ لونك مختلف عن الجميع وشعرك كثيف للغاية"، وبينما أحمد يشرح أسباب إعجابه بالدبّ، صرخ الدبّ بصوت عالٍ إلى أن اهتزت الأرضية، فسأله أحمد: "لماذا صرخت؟". فقال: "قلتُ لك أنا لا أتحكم بنفسي، فلهذا السبب أنا الآن أصرخ وفي نفس الوقت أنا أتكلم مع إنسان لأول مرة"!
سأل أحمد الدب: "هل تريد أن تأكل؟" قال: "بالتأكيد لأنّي لم أكل شيئا منذ شهرين، لكنك تعلم الآن أنّ التجارب حولتني إلى دبّ دمية!".
قرر أحمد إعطاءه بعض النباتات، لأنّه درس في مادة العلوم أن الدببة تأكل اللحوم أو النباتات. فقال الدبّ: "هذه النباتات تذكرني بطبخ أمّي. أنا مشتاق لها وأيضا مشتاق لأبي وللغابة التي نسكن فيها". أسرع أحمد إلى أمّه قائلا: "هيا بنا إلى الغابة". قالت الأمّ: "لماذا؟"، قال لها: "لأنّ الدبّ مُشتاق إلى أمّه وعائلته.
وفي اليوم التالي اصطحبت عائلة أحمد الدبّ إلى الغابة لكي يرى أهله وأصحابه وكان سعيدا للغاية.
عندما وصل إلى الغابة كان أحمد يبكي وفي الوقت نفسه شعر بالسعادة لأنّه هو وعائلته يساعدون الدبّ المسكين وفجأة صرخ الدبّ، فارتجف أحمد وعائلته. خرجت الدبّة الأمّ وبقية الدببة، فذهب الدبّ في عناق طويل. جاءت أمّ الدبّ لتسلم على أمّ أحمد فكانت لطيفة وليست شريرة مثلما توقع أحمد.
بطل الزمن "سام"
ميمونة يحيى الرئيسي - 13 سنة
في بيت متواضع عاش بطل قصتنا سام، يبلغ من العمر ست سنوات، يحب والديه كثيرا، ليس لديه أخ أو أخت، كانت أمور العائلة تسير على ما يرام، سعداء جدا ببساطة حياتهم، ولم يكن هناك من يعلم بأنّ القاتل المُتسلسل الشهير، قرر العودة إلى عادته القديمة والغريبة، بأن يخرج في وقت يكون البدر فيه مكتملا ليسقط ضحية جديدة.
في يوم الاثنين في الساعة الواحدة و النصف ليلا استيقظ والد سام، ليذهب إلى عمله، بينما تكمل أمّه أعمالها المنزلية، خرج والد سام في الساعة الواحدة و الأربعة والأربعين ليلا ذاهبا إلى العمل الذي يبعد عن المنزل عدّة امتار فقط. حلّت الساعة الثانية و كان القاتل منتظرا بالقرب من مكانه، وعندما رآه تفقد إذا ما كان يوجد شخص آخر بصحبته، ثمّ أمسك بسكينه الحاد و شد قبضة يده و توجه سريعا، ليطعنه بطعنات في كل جسده. خرج الدم منه و كأنّه شلال، ولم يستطع أن ينادي أحدا طلبا للمساعدة.
كان القاتل ذكيا جدا فالشرطة كانت تحاول الإمساك به منذ عدّة سنوات، أخذ القاتل والد سام و رماه أمام بيته. بينما الشرطة تبحثُ عنه في هذا اليوم لأنّ البدر مكتملا، ولكن لسوء الحظ أخذ القاتل اتجاها آخر و هرب.
في الصباح استيقظ سام و أمّه و هما سعيدان، أعدت الأمّ الطعام المفضل لأبنها، فكان سعيدا جدا و الابتسامة تُغطي وجهه حتى قرر أن يستنشق الهواء و يخرج للخارج قليلا ليلعب. خرج من المنزل، فرأى والده مستلقٍ على الأرض و الدم يُغطي جسده، انصدم سام ثم بدأ جسمه في الارتعاش و اختفت ابتسامته كليا، وقف و لم يتحرك من صدمته، ومن شدة خوفه صفع نفسه كثيرا و عندما تأكد بأنّه ليس كابوسا، وقع على الأرض و بدأ يصرخ بشكل هستيري، سمعت أمّ سام صراخ ابنها و أتت مسرعة لترى ماذا حدث، ومن بشاعة المنظر تمنت أنّها لم ترى، سقطت هي الأخرى على الأرض باكية بدون أن تتفوه بكلمة واحده، فقد سام الوعي ولكن أمّ سام قررت أن تتصل بالشرطة و الإسعاف.
فتح سام عينه المتورمتين في المستشفى، رأى الطبيب أمامه يسأله عمّا إذا كان بخير، لم يرد سام على الطبيب و طلب رؤية أمّه. و عندما رأى أمّه بدأ في البكاء من شدة حزنه فقد دخلت والدته في غيبوبة بسبب اصطدام رأسها بالأرض عندما فقدت الوعي. قرر الدكتور بأن يأخذ سام إلى الخارج ليستنشق بعض الهواء، فرأى سام قطة تقترب منه و كان شكلها لطيف جدا، لونها برتقالي ممزوج باللون الذهبي و عيناها تلمعُ كاللؤلؤ، بعدها لمس سام القطة، لكن المفاجأة عندما غرق بالنوم بلا سبب!
استيقظ سام فوجد نفسه في البيت في غرفة والديه. اعترت الصدمة وجهه كان يعتقد بأنّه يحلم ولكن سرعان ما تحرك والداه وهما نائمان، فعرف أنّ القطة كانت سحرية. نظر إلى الساعة فكانت الثانية عشرة ليلا قبل وقوع الجريمة. فكر كثيرا كيف يمنع والده من الخروج، فكانت فكرة صعبه فهو مجرد طفل، ثمّ سرعان ما وجد فكرة. "تمثيل دور المريض". قرر أن يقفل كل أبواب المنزل و يرمي المفاتيح تحت سريره. بعد ساعة و نصف استيقظ والدا سام ليروا بأنّه مريض فانتابهما الخوف عليه، وعندما أراد والد سام الذهاب للعمل لم يستطع أن يجد المفاتيح، ثمّ أدرك سام أنه من الممكن أن يحصل والده على نسخة أخرى من المفاتيح فصرخ قائلا: "أريد أبي.. أين أبي.. لن أشرب الدواء ولن آكل الطعام إذا ذهب أبي اليوم للعمل"، نجح سام في جعل والده لا يخرج من البيت.
حلت الساعة 1:50 دقيقة ولم يخرج الأب. كانت الشرطة آنذاك تنتظرُ الوقت المناسب للإمساك بالقاتل، لم يرَ القاتل شخصا فقرر التحرك عدّة مترات ولم يعلم أنّ الشرطة كانت متخفية وتنتظره في المكان التي سوف يذهب إليه. كان القناص مستعدا ويرى القاتل كلما اقترب، قال رئيس الشرطة للقناص: "أطلق النار على قدمه" فأصاب هدفه، فبدأ القاتل في الزحف على أمل الهروب، لكن الشرطة ألقت القبض عليه أخيرا بعد محاولات لسنوات طويلة. وتمّ إعلان خبر الإمساك بالقاتل. وبينما كان وسام يتابع الأخبار، سمع بأنّه تمّ القبض على القاتل فنهض من مكانه و بدأ في البكاء و حضن والديه، فاستغرب والداه لأنّ سام لم يكن يبدو مريضا، و لكنهما شعرا بالسعادة لأنّ القاتل الذي كان يهدد حياة أهل القرية تمّ الإمساك به. وفي رمشة عين رجع سام إلى المستقبل مرة أخرى و رأى والداه و الأخبار في كل مكان، فلمعت عيناه من شدة الفرح لأنّه بطل من هذا الزمان.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
سندٌ ضخم، ولكن مهمل*
رغم سجل إنجازاته الناصع، انحنى الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، أمام العاصفة التي أثارتها قيادات الحزب الديمقراطي، الذي أوصله الى كرسي الرئاسة، وأعلن عزوفه عن ترشيح نفسه لولاية ثانية، بعد ثبوت تدهور قدراته الإدراكية بسبب عامل السن (عمره الآن 81 سنة)، فالتف الحزب الديمقراطي بما يشبه الاجماع، حول نائبته كامالا هاريس، لتصبح مرشحة الحزب للرئاسة، وكان لابد من تسمية من يُوضَع على تذكرتها الانتخابية لمنصب نائب الرئيس، وكان صاحب السهم الأعلى للفوز بتلك التسمية جوش شابيرو، الذي تتطابق سيرته ومسيرته مع هاريس، فهو قانوني، وظل عضوا في مجلس النواب لسبع سنوات، ثم صار النائب العام لولاية بنسلفانيا، حيث أثبت كفاءة عالية في ملاحقة تجار المخدرات، وحماية المستهلك ودعم الحقوق المدنية، مما أهله للفوز بمنصب حاكم الولاية، ولكن الحزب الديمقراطي صرف النظر عن ترشيحه لأنه "يهودي"، خشية ان يؤدي ذلك الى نفور الناخبين عنه وعن كمالا، في أجواء مشحونة بالتعاطف مع الفلسطينيين، بسبب تعرضهم لعدوان غاشم من إسرائيل، وهكذا آل الترشيح لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، الى تيم والز، حاكم ولاية مينيسوتا، وهكذا ولأول مرة في التاريخ السياسي الأمريكي، أصبح للعرب الأمريكان، وللأمريكان المتعاطفين مع فلسطين وزن ثقيل في المسرح السياسي الأمريكي، الذي ظلت الروابط اليهودية ممسكة بخيوطه عبر تاريخ أمريكا الحديث.
في 7 أيلول سبتمبر من العام الجاري، كتبت هنا مقالا عن عوار الإعلام الفلسطيني الرسمي، قلت فيه إن "مختلف التنظيمات الفلسطينية أهملت أمر "العلاقات العامة"، التي يُعرِّفها قاموس أوكسفورد على أنها الفن القائم على أسس علمية، لبحث أنسب طرق التعامل الناجحة المتبادلة بين كل منظمة وجمهورها الداخلي والخارجي لتحقيق أهدافها، وفيما يلي الكيانات الفلسطينية، فجمهورها الداخلي هم الفلسطينيون والعرب، وجمهورها الخارجي هو حكومات وشعوب مختلف دول العالم".
وفي تقديري هناك اليوم لحظة تاريخية لقلب الطاولة على إسرائيل، التي ظلت تقوم بدور الحمل الوديع، الذي يتعرض لهجمات من الذئاب (العرب)، وتحصد العون المادي والمعنوي من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ثم جاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، ولا حقا على لبنان، فإذا بالرأي العام الغربي عموما لا يكتفي بإدانة العدوان، بل يناصر حق الفلسطينيين في العيش في دولتهم ذات السيادة.
في الولايات المتحدة هناك 3.5 مليون عربي، وهو عدد يكفي لإدخال عشرة أشخاص إلى مجلسي النواب والشيوخ، وإبعاد جوش شابيرو من سباق الرئاسة الأمريكي، لأنه يهودي، دليل على أنهم قوة يحسب لها حساب، ولهم في إلهان عمر أسوة حسنة..في 17 شباط/ فبراير من عام 2002، تم إشهار جمعية "يهود للعدالة للفلسطينيين"، وكانت مؤسستها، بروفسر آيرين بروجيل، وهي حفيدة يهودي ألماني، عانى الويلات في ألمانيا النازية، وانضم الى الجمعية 1300 من يهود بريطانيا، وبرنامجها المعلن هو مناصرة حق الفلسطينيين في نيل حريتهم السياسية والمدنية والاقتصادية، في ظل دولتهم المستقلة، وكانت في المسرح البريطاني وقتها جمعية يهودية تناهض الصهيونية، تم إشهارها في تشرين اول أكتوبر من عام 2000 تحت اسم "السلام لفلسطين"، ثم اتسعت رقعة التعاطف مع حق الفلسطيني، فكان مولد منظمة "يهود أوربيون لسلام عادل"، التي كان لها صوت مسموع في جامعات أوربا خلال الشهور الماضية، رفضا للعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وكان أحد قادتها (ريتشارد كوبر)، ضمن مجموعة اليهود التي أبحرت عبر البحر الأبيض المتوسط في أواخر 2010 لكسر الحصار على غزة.
في عيد الفصح (تحرر اليهود من العبودية بالخروج من مصر)، في نيسان/ ابريل من العام الجاري نظمت جماعة "حاخامات من أجل وقف إطلاق النار" الأمريكية، موكبا ضم عددا من دعاة السلام في إسرائيل، يحمل مواد غذائية صوب حدود غزة الشمالية، بهدف "تحرير أهل غزة من الجوع"، ولكن الجيش الإسرائيلي منع عبورهم الى غزة، بيد أن تلك المبادرة فتحت أعين كثيرين من يهود أمريكا لحقيقة الأوضاع في غزة، بدليل ان استطلاعا أجراه "مركز بو لاستطلاع الرأي"، يفيد بأن 52% من اليهود الأمريكان دون سن ال34 يرون ان إسرائيل تمارس العنف المفرط في غزة، الى جانب ان من هم في هذه الفئة العمرية منضوون في منظمات مناهضة للحرب على غزة، وعلى رأسها "أساتذة للعدالة لفلسطين" التي كان مسقط رأسها الجامعات الأمريكية، التي شهدت حراكا أزعج قادة إسرائيل، فشهروا في وجهه سلاح معاداة السامية الابتزازي.
ومنذ تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي وجوناثان عوفير، اليهودي المولود في إسرائيل، ويقيم حاليا في الدنمارك، ينافح بالصوت والقلم عن حق الفلسطينيين في العيش الكريم، بل كان أول من اطلق إنذارات الخطر قبل عام، بأن إسرائيل ستسعى للتمدد والتغول على ما تبقى من ارض فلسطين خارج سيطرتها، بذريعة الرد على عملية طوفان الأقصى، وقال عوفير للجزيرة نت: إسرائيل تستخدم يهود العالم دروعا بشرية، في مسعاها لمواصلة نهجها الاستيطاني الاستعماري، بممارسة الإبادة الجماعية "الموسمية" تحت مختلف الذرائع.
أما ناعمة فرجون التي تقول إنها يهودية معادية للصهيونية، فقد ولدت في القدس، ثم وفي عام 2001 قررت مغادرة المدينة والانتقال الى اسبانيا "لأنني لم اعد اطيق العيش في دولة عنصرية"، وقالت في تصريح لشبكة الجزيرة الإعلامية، إنها تألمت لهجوم حركة حماس على إسرائيل في تشرين اول/ أكتوبر 2023، لما تسبب فيه من خسائر في الأرواح، ثم أضافت "ولكن كان ذلك رد فعل مباشر لسنوات من القمع العنيف والحرمان من الحقوق من قبل إسرائيل".
وأمثلة من يسمون بالإسرائيليين "الرافضين refuseniks" بلا حصر، ويبقى السؤال: كيف يستثمر أصحاب القضية الأصليون كل هذا التعاطف؟ وكيف يمكن لعرب الشتات "الغربي" أن يكتسبوا وزنا سياسيا في مهاجرهم؟ ففي الولايات المتحدة هناك 3.5 مليون عربي، وهو عدد يكفي لإدخال عشرة أشخاص إلى مجلسي النواب والشيوخ، وإبعاد جوش شابيرو من سباق الرئاسة الأمريكي، لأنه يهودي، دليل على أنهم قوة يحسب لها حساب، ولهم في إلهان عمر أسوة حسنة، فقد جاءت إلى الولايات المتحدة لاجئة من الصومال، ودخلت الحقل السياسي "محجبة"، في موسم الإسلاموفوبيا، ومسلحة بقوة الشخصية والحجة والسيرة النظيفة، وصارت قطبا لامعا في مجلس النواب الأمريكي عن دائرة انتخابية، ليس فيها أكثر من 500 من ذوي الأصول الصومالية.
*الشواهد أعلاه تؤكد وجود سند قوي للقضية الفلسطينية، في الغرب، لكنه يبقى افتراضيا، ما لم يتم استثماره بوعي لقلب الطاولة على إسرائيل.