هل تُغير "أحداث 15 سبتمبر" شيئا في طريقة إدارة الأوضاع على الحدود مع سبتة؟
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
تعود المناطق الحدودية مع سبتة إلى الحياة الطبيعية تدريجياً وسط مخاوف من حدوث انفجار اجتماعي آخر على هذا الجانب من الحدود. هذا القلق الدائم، كما يعبر عنه الإسبان، لا يساعد على الاستقرار في مدينة مثل سبتة تسعى إلى مستقبل اقتصادي، حيث تؤثر هذه الاضطرابات المستمرة على الحدود سلباً على تطلعاتها.
في الوقت الذي تستمر فيه مشاركة الأفكار وتحديد الاجتماعات في المنتديات ومجموعات « الواتساب » بين أولئك الذين يخططون لهجوم آخر، كما يسمونه، على سبتة في 30 سبتمبر، تعمل قوات الأمن على إدارة الأوضاع بأساليب غير مسبوقة، ولكنها قد تصبح المعيار الجديد.
المشكلة الاجتماعية الكبيرة التي استقرت في شمال المغرب بدأت تتفاقم منذ إغلاق الحدود وفرض متطلبات التأشيرة، مما حرم العديد من العائلات من الموارد الاقتصادية، وتركها بدون بدائل من دولة غير قادرة على تقديم حلول.
ازداد عدد الوفيات وحالات الاختفاء مع تزايد محاولات الدخول عن طريق البحر، ولم تقتصر المحاولات على شباب الشمال، بل ازدادت أيضاً من مدن مثل الجديدة، التي تقع على بُعد 500 كيلومتر.
كل هذه التفاصيل، التي كانت واضحة، كانت تشير إلى تحركات لن تتوقف مع تدفقات جماعية من المناطق الجنوبية.
هذا الصيف، شهدت المحاولات الجماعية للسباحة باتجاه سبتة، التي شارك فيها مئات الأشخاص، قدوماً لعدد كبير من البالغين والقُصّر من المناطق الجنوبية.
الحدث الذي وقع يتم تحليله من قبل الاستخبارات الإسبانية والمغربية على حد سواء. رغم أن ما حدث في 15 سبتمبر فاق جميع التوقعات، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن فيما قد يأتي لاحقاً.
بالنسبة إلى الإسبان، فإن سبتة لا يمكن أن تكون تحت وطأة عدم الاستقرار الدائم والخوف من المجهول، وعدم معرفة ما إذا كان « هجوم » آخر سيحدث في 30 سبتمبر، أو قبله أو بعده، وإن كان هذا الهجوم سيتبعه مزيد من التصعيد.
المغرب نشر قوات أمنية كبيرة في الجبال وعلى طول أكثر من 8 كيلومترات من المحيط الحدودي، في البحر (في الخليجين) وعلى الحدود. السؤال المطروح: إلى متى يمكن الحفاظ على هذه السيطرة؟
حتى اليوم، بعد أيام من محاولة الدخول الجماعي واعتقال آلاف الأشخاص، لا زال هناك حضور أمني مغربي، وإن كان أقل كثافة، لكنه دائم. وعلى الجانب الإسباني، الأمر نفسه.
هذا الوجود الميداني يرافقه اعتقال الأفراد الذين يواصلون التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي على العبور. المشكلة تكمن في عدم وضع حد لهذه السلسلة من الأحداث ذات العواقب غير المتوقعة.
أصدرت السلطات الإسبانية بيانات بشأن الوضع، لكن لم تصدر أي تصريحات من الجانب المغربي. أما أوربا، رغم أن الأزمة وقعت على ما تسميه « حدودها الجنوبية »، فلا تزال صامتة أمام واحدة من أكثر الأزمات حرجاً، ليس فقط على مستوى الأمن، ولكن أيضاً في ظل توقعات بحدوث انفجار اجتماعي محتمل.
قلق لا يتوقف في سبتة
الأوضاع التي شهدتها منطقة الحدود منذ الأحد الماضي كانت أولوية بالنسبة للسلطات في سبتة. المتحدث باسم حكومة سبتة، أليخاندرو راميريز، وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد يوم الثلاثاء بعد اجتماع مجلس الحكومة، أكد على أن الرد كان « قويًا جدًا » من جانب المغرب وأيضًا من خلال حضور قوات الأمن الإسبانية أمام محاولات الدخول التي حدثت على مدار اليوم.
وأوضح راميريز أن ما يحدث هو « محاولة لخلق مناخ من التوتر والمواجهة، وإحداث اضطراب وإخلال بالنظام، مما يؤدي إلى توتر وقلق ». وأضاف أن الحكومة لا تعتقد أن هذا التحرك عفوي، بل هناك « نية سيئة » خلفه، ولذلك « يجب معرفة من يقف وراء هذه الدعوات التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ».
وبخصوص التحقيقات، أكد راميريز أن الحكومة على ثقة بأن « العمل الذي تقوم به الاستخبارات الإسبانية بالتعاون مع المغرب » سيؤتي ثماره. وأشار إلى أنهم يحققون في مصدر تلك الرسائل عبر الشبكات الاجتماعية، مع الأمل في القبض على المتورطين، لأنهم « يخلقون مناخًا من التوتر والقلق » لسكان المدينة.
أما بالنسبة للدعوة المتوقعة ليوم 30 سبتمبر، أعرب راميريز عن ثقته في أن السلطات ستستمر في التصرف بنفس الطريقة لضمان أمن الحدود. وأكد على أهمية التعاون بين البلدين في وقف محاولات الدخول الجماعي يوم الأحد الماضي.
استقبال القاصرين وتحديات الميزانية
إلى جانب الوضع على الحدود، تطرق راميريز إلى قضية القاصرين غير المصحوبين، حيث أكد أن الوضع « لا يزال مقلقًا جدًا ». وأوضح أن العدد الذي تتكفل به المدينة لم يتغير، مشيرًا إلى أن التواصل مع الأقاليم الإسبانية المختلفة مستمر، وإن لم يحدد مواعيد لنقل القُصّر.
وأوضح أيضًا أن الاتصال مع وزارة الشؤون الاجتماعية مستمر « تقريبًا يوميًا »، إلا أن الوضع المالي يزداد صعوبة مع مرور الأيام.
وأشار إلى أن الحكومة المحلية واثقة من أن الحكومة المركزية ستستجيب لمطالب المدينة، سواء في توزيع القُصّر بين الأقاليم الإسبانية لتخفيف العبء عن سبتة، أو من خلال الاستجابة المالية لتعويض التكاليف الزائدة.
تجدر الإشارة إلى أن الميزانية المتاحة للمدينة تكفي لاستقبال القُصّر غير المصحوبين حتى نهاية شهر سبتمبر. وإذا لم تصل المساعدات المالية المطلوبة من حكومة بيدرو سانشيز، فسيكون من « المستحيل عمليًا » على الإدارة تحمل تكاليف الاستقبال.
وإذا لم تصل المساعدات، فإن « الاستدامة المالية لهذه الإدارة ستكون في خطر »، وقد يتعين البحث عن حلول بديلة لتلبية هذه الأزمة، التي وصفها بأنها « خطيرة ومقلقة »، حيث تجاوزت المدينة قدرتها الاستيعابية بنسبة 490%.
ثناء كبير في مدريد على التعاون المغربي
والأربعاء، دافع وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوربي والتعاون، الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في الجلسة العامة للكونغرس، عن إدارة حكومة بلاده في هذا المجال، بما في ذلك في سبتة، وأوضح أنه إذا تم تطبيق التدابير التي يقترحها حزب «فوكس» اليميني المتطرف، فإن إسبانيا ستدخل في نزاعات مع جيرانها. كان الوزير يرد على النائب من المجموعة البرلمانية لفوكس، كارلوس فلوريس، بعد استجواب مستعجل حول سياسة التعاون التي تنتهجها الحكومة مع الدول المجاورة فيما يتعلق بالدفاع عن الحدود.
وفي هذا الصدد، شدد ألباريس على أن «الحاجز الوحيد الذي نعرفه ونقبله هو الحاجز الذي يجب أن يوحد جميع الديمقراطيين، والذي يفصلنا تحديدًا عن ذلك، عن الكراهية، عن الانقسام، عن المواجهة التي يسعى إليها اليمين المتطرف وحلفاؤه من اليمين المتطرف في أوربا لإحضارها إلى مجتمعنا».
من جانبه، ركز فلوريس على سياسة إيطاليا في مجال الهجرة، ووصف الإجراءات المنفذة بأنها «إجراءات ناجحة». كما نقل إلى ألباريس بعض «القناعات» التي من شأنها أن تساعد إسبانيا على «تقليل تأثيرات الهجرة بشكل كبير»، بما في ذلك «الطرد الفوري للمهاجرين الذين يتخذون من الجرائم الجسيمة أسلوبًا لحياتهم».
« هل تعتقد أن وجود القوات المسلحة على الحدود سيكون من أجل قصف القوارب؟ (…) إن القول بأن حدودنا آمنة لا يتماشى مع الواقع، فحدودنا تعد ممراً سهلاً، والمسؤولية الرئيسية تقع على عاتق وزير الداخلية، ولكن لديك الكثير لتقوله والمزيد لتفعله بهذا الشأن»، هكذا خاطب فلوريس وزير الخارجية.
وقد رد ألباريس على هذه الكلمات بتعداد مهمات التعاون التي تقوم بها إسبانيا في جميع أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا.
وأكد الوزير مجددًا قائلاً: «نعمل من أجل هجرة منظمة، منتظمة، ولكن نعم، أيضًا آمنة وإنسانية»، مضيفًا أن الأمر يتعلق « بهجرة تستند إلى السيطرة على حدودنا، وتنمية تلك الدول، واحترام حقوق الإنسان، والنضال بلا هوادة ضد الاتجار بالبشر».
تسليط الضوء على التعاون مع المغرب
وفقًا لما أشارت إليه وكالة الأنباء «إيفي»، خلال النقاش، أعرب ألباريس أيضًا عن أسفه لاختيار حزب فوكس هذا اليوم لطرح علاقة إسبانيا بالمغرب، مشيرًا إلى أن «هذه الأيام، نرى» التعاون بين الشرطتين على السياج الحدودي في سبتة ومليلية.
وبهذا الصدد، أشاد بتعاون المغرب في هذا المجال، الذي ظهر جليًا في الأحداث الأخيرة في سبتة.
وقال: «ليس فقط أنكم تديرون ظهوركم لمن هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، ممن يعانون من الجوع والفقر والحرب والتغير المناخي، بل تتجاهلون أيضًا الشعور الساحق للأغلبية من الإسبان. الإسبان يدعمون هذا لأنه واضح للجميع، باستثناء التطرف الأعمى، أنه لا يمكن التعامل مع التحديات العالمية مثل ظاهرة الهجرة».
وأطلق وزير الشؤون الخارجية، والاتحاد الأوربي والتعاون، تحذيرًا بالنظر إلى المبادرات التي يقترحها حزب فوكس لمواجهة الهجرة غير النظامية. وأكد أنه إذا تم أخذ هذه المقترحات في الاعتبار، « ستكون إسبانيا غارقة في نزاعات مع الدول المجاورة».
وأضاف: « حدودنا ستكون أقل أمانًا بكثير، وسنكون في نزاع مع جيراننا الرئيسيين». وأوضح ألباريس أن اتباع ما يدعو إليه فوكس يعني أن التعاون مع موريتانيا، السنغال، غامبيا أو المغرب في مجال الأمن سيكون مستحيلاً.
وأصر الوزير على أنه « بفضل التعاون مع المغرب يتم منع دخول آلاف الأشخاص بشكل غير قانوني إلى إسبانيا»، ما دفع فلوريس للتساؤل: «ما هو ثمن هذا التعاون؟ لأن المغرب لا يقوم بأي شيء دون مقابل»، مؤكدًا أن «المغرب يستخدم الهجرة كسلاح ضغط».
مارلاسكا: «الهجرة غير النظامية تُدار بشكل مثالي »
أدلى وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، بتصريح حول هذه المسألة، وأكد أن «الهجرة غير النظامية مُدارة بشكل مثالي ».
وشدد الأربعاء، على أن «المشكلة ليست في الهجرة غير النظامية التي تديرها هذه الحكومة بشكل مثالي، بل في إدارة القُصّر».
وخلال جلسة المراقبة في الكونغرس، وفي رده على أسئلة حزب الشعب (PP)، أشار غراندي مارلاسكا إلى رحلة زعيم الحزب، ألبرتو نونيز فيخو، إلى اليونان، حيث «تم الاعتراف بأن إسبانيا تمثل مرجعًا في مكافحة الهجرة غير النظامية ».
وفقًا لتقرير وكالة الأنباء «أوربا بريس»، دعا مارلاسكا أيضًا إلى «التوقف عن تكرار خطاب اليمين المتطرف أو دعم الخطابات العنصرية الصريحة»، وذلك ردًا على تعليق أدلى به عمدة بادالونا، خافيير غارسيا ألبيول.
عندما حان دور النائبة عن حزب الشعب، صوفيا أسيدو، استخدمت مصطلح «التجاهل» لوصف تصرف الحكومة «أمام الهجرة غير المنضبطة في جزر الكناري ومع سبتة ومليلية».
وقالت النائبة من حزب الشعب: «كل شيء يفشل، لا شيء يعمل»، وانتقدت الحكومة على «رسائلها المتهورة» التي تشجع وصول المهاجرين غير النظاميين، بالإضافة إلى «رفضها لمساعدة فرونتكس» أو وصولها إلى «أدنى مستوى في تنفيذ عمليات العودة». وأشارت إلى أن «إسبانيا هي بوابة الدخول غير النظامية إلى أوربا».
وحذرت البرلمانية من حزب الشعب أيضًا قائلة: «يتم التحضير هذا الأحد لاقتحام جماعي لسبتة من قبل المغرب».
مع (إلفارو دي سوتا)
كلمات دلالية المغرب حدود سبتة لاجئون مدريد هجرة
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: المغرب حدود سبتة لاجئون مدريد هجرة الهجرة غیر النظامیة على الحدود أن الحکومة التعاون مع حزب الشعب فی سبتة مع سبتة الق ص ر إلى أن على أن
إقرأ أيضاً:
أوروبا ومخاطر الحرب المستعرة ضد المهاجرين
غداة انتخابه مستشارا لألمانيا، اعترف فريديريش ميرتس، في كلمته أمام البرلمان الألماني "البوندستاغ"، بأن بلاده لن يمكنها الصمود ليوم واحد في غياب المهاجرين الذين يعود لهم الفضل في تماسك المؤسسات الاقتصادية والصحية. لكنه تراجع خطوة إلى الوراء عقب مفاوضات تكوين الائتلاف الحكومي وتبنى مع حلفائه حزمة من القيود ضد المهاجرين وطالبي اللجوء.
وعلى مدى الأشهر الأولى لعام 2025 انتشرت حمى سياسات الترحيل، سواء في ألمانيا أو إيطاليا وفرنسا، وحتى دول العبور -التي تمثل الوجهة الأولى لحركة الهجرة في البحر المتوسط- لم تتخلف بدورها عن ركب الحملة المضادة للهجرة.
وفي شمال أفريقيا التي ينظَر لها كحدود متقدمة للاتحاد الأوروبي، تقوم السلطات الأمنية في ليبيا وتونس والجزائر بردّ المهاجرين على أعقابهم وسط البحر المتوسط حتى لا يصلوا إلى الحدود الأوروبية، وهو الطريق المصنف كأخطر مسار بحري على حياة المهاجرين.
وفي مشاهد يومية متكررة، يواصل خفر السواحل الليبي منع إبحار قوارب المهاجرين، وسط شكاوى حقوقية دولية من عمليات اختطاف منظمة لمهاجرين كرهائن.
وتشن تونس حملة أمنية لتفكيك خيام عشوائية تؤوي أكثر من 10 آلاف مهاجر في المناطق الريفية المحيطة بصفاقس على الساحل الشرقي، بينما رحّلت الجزائر في أبريل/نيسان وحده قرابة 5 آلاف مهاجر عبر الصحراء الى الحدود مع النيجر.
يشير آخر تحديث لبيانات منصة برنامج "مهاجرون مفقودون"، التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، إلى وفاة وفقدان 490 مهاجرا في البحر الأبيض المتوسط العام الجاري حتى يوم 26 أبريل/نيسان، من بينهم 307 ضحايا في وسط البحر المتوسط.
إعلانلا تتوقف المأساة عند موت ضحايا "الحدود القاتلة"، على حد وصف المنظمات المدافعة عن حرية التنقل في حوض المتوسط، بل تشمل أيضا من قضوا سنوات طويلة من حياتهم داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد حصلت الجزيرة نت على شهادات لمرحّلين من مركز "تراباني" جنوب إيطاليا توثق عمليات تعذيب ممنهجة، وجاء في شهادة المرحل التونسي وِسام، بعد إقامة استمرت لنحو 15 عاما، أن المرحلين المستعصين يخضعون إلى التخدير لتسهل السيطرة عليهم بجانب الضرب والرش بالمياه في مركز الترحيل، الذي شهد محاولات انتحار لموقوفين احتجاجا على قرارات الترحيل.
لا يخفي وسام -الذي ترك ابنة له في إيطاليا- صدمته مما شاهده من ممارسات في مركز "تراباني"، ومع ذلك، يعيش في تونس حالة إحباط شديدة حيث سيضطر للبدء من الصفر.
وعلى العكس من ذلك، اختار الشاب نبيل ترول، الذي التقته الجزيرة نت بضواحي العاصمة تونس، مسارا قضائيا لطلب العودة إلى ألمانيا بعد ترحيله رغم زواجه من ألمانية وإنجابه لطفلين.
ويشير العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخبير في قضايا الهجرة، رمضان بن عمر، للجزيرة نت إلى أن الاتحاد الأوروبي يتّبع سياسات تصدير الحدود وإعادة القبول كحل للتخلص من مهاجرين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في فضاء "شنغن"، دون الاكتراث بالتداعيات غير الإنسانية.
ويضيف بن عمر أن المرحلين يفتقدون دائما إلى الدعم القانوني الكافي الذي يسمح لهم بالطعن في قرارات الترحيل.
ووفق بيانات نشرها البرلمان الألماني (بوندستاغ)، رحّلت ألمانيا منذ عام 2018 أكثر من 1780 مهاجرا تونسيا عبر 74 رحلة. وهذا العام تنطلق رحلة منتظمة كل شهر من المطارات الألمانية نحو تونس تقل ما بين 20 و30 مهاجرا، وينسحب الأمر نفسه على دول أخرى مثل العراق وأفغانستان.
وقد بلغ إجمالي من تم ترحيلهم من ألمانيا في عام 2024 أكثر من 20 ألفا، مقابل ما يفوق 21 ألفا تم ترحيلهم من فرنسا، ما يمثل زيادة بنسبة 27% عن العام الذي سبقه، وفقا لبوندستاغ.
إعلان كلفة الأبواب المغلقةتقع دول الاتحاد الأوروبي تحت ضغط معالجة مشكلة الشيخوخة الديمغرافية ونقص العمالة الهيكلية، لكن هذه الضغوط تصطدم بأولوية السيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية التي تسهر على تنفيذها الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) منذ عام 2004 تحت ضغط قطاعات من الرأي العام ومن اليمين المتطرف، الذي يعتبر الهجرة تهديدا لمجتمعه وما تبقى من إنجازات دولة الرفاهية.
لكن سياسة الأبواب المغلقة كانت لها كلفة مباشرة، ففي عام 2024 أحصى الاتحاد الأوروبي نقصا في العمالة في نحو 40 مهنة، مشيرا إلى نقصٍ كذلك يناهز الثلثين لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة.
مع ذلك، غض قادة دول التكتل الطرف عن تلك البيانات وفضّلوا ركوب الموجة وفرض المزيد من القيود على حركة الهجرة، في ذروة تفشي خطاب اليمين المتطرف الذي رافق الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
وترجع الخبيرة في قضايا الهجرة بمجلس العلاقات الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي، كيلي بيتيليو، أسباب هذه الموجة المتزامنة إلى خلفيات سياسية ترتبط أساسا بصعود اليمين المتطرف في أرجاء أوروبا.
وتوضح بيتيليو ذلك في حديثها للجزيرة نت قائلة إن "الحكومات تحاول مواجهة اهتمام الناخبين المتزايد بأجندات هذه الأحزاب، بإعلان مواقف أكثر صرامة تجاه أزمة الهجرة، وإظهار قدرتها على التشدد في التعامل مع هذا الملف بهدف طمأنة الناخبين".
وتتابع كيلي بيتيليو في تعليقها للجزيرة نت: "حاولتْ دول الاتحاد الأوروبي معالجة هذا الأمر من خلال قمع هؤلاء الأشخاص وإظهار قدرتها على ترتيب أمورها الداخلية. لكن من جهة أخرى، هذه السياسة -أي حملات الترحيل- لا يمكن اعتبارها إستراتيجية إزاء معالجة نقص العمالة الموجود بالفعل في العديد من الدول الأوروبية".
تحولات ديمغرافية في الأفقفي الأثناء، أقرت الحكومة اليمينية في إيطاليا -الدولة الأوروبية الأكثر عرضة لتدفقات الهجرة عبر البحر المتوسط- بحاجة البلاد إلى قرابة 833 ألف عامل بين عامي 2023 و2025، لسد النقص في 37 مهنة من بينها بشكل خاص قطاعات الصحة والتمريض والرعاية الصحية.
إعلانكما تشير تقديرات صادرة عن "المعهد الألماني للتنمية والاستدامة"، إلى حاجة إيطاليا لـ280 ألف عامل أجنبي سنويا حتى عام 2050 لتلبية النقص في العمالة في قطاعات الزراعة والسياحة بجانب الرعاية الصحية.
أما بالنسبة لألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، فالوضع أكثر تعقيدا، حيث ذكرت الوكالة الاتحادية للعمل، أن البلاد بحاجة لنحو 400 ألف مهاجر سنويا في ظل المخاطر المتزايدة للانكماش السكاني.
وتوقعت دائرة الإحصاء المركزية الألمانية تراجع عدد سكان ألمانيا إلى أقل من 70 مليون نسمة عام 2060 إذا ما استمر التراجع الحاد لأعداد المواليد مقابل الزيادة الملحوظة للوفيات.
ويترافق ذلك مع تقديرات بتراجع أعداد السكان من الفئة العمرية بين 20 و64 عاما، التي تمثل الفئة القادرة على العمل، من حوالي 50 مليون نسمة حاليا إلى ما بين 34 مليون نسمة و38 مليون نسمة.
ويعتقد مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة في نيويورك، بار ليليرت، في تعليقه على نتائج تقرير صندوق النقد الدولي لـ"آفاق الاقتصاد العالمي عام 2025" أنه يتعين على الحكومات الراغبة في وضع سياسات هجرة فعالة أن تراعي الروابط بين التنقل والتنمية، محذرا من التحولات الديموغرافية الجذرية المتوقعة في العقود المقبلة، والتي قال إنها ستتطلب إستراتيجيات استباقية لسوق العمل.
ووفق الخبير، ستستحوذ 26 دولة فقط معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، خلال العقود القادمة، على نحو 90% من النمو السكاني في العالم، بينما ستشهد 76 دولة، من بينها أغلب الدول الأوروبية، انخفاضا في عدد السكان.
الهجرة حل وليست مشكلةعلى عكس السياسات الأوروبية المضيّقة على حركة الهجرة، تعرّف منظمة الأمم المتحدة الهجرة كجزء من الحل عندما يتعلق الأمر بتعزيز نتائج التنمية المستدامة للجميع، وهي ترى ارتباطا وثيقا لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 بحركة الهجرة في العالم اعتمادا على عدة اعتبارات وحقائق موضوعية من بينها:
إعلان أن المهاجرين يتكيفون مع أسواق العمل المتغيرة وطرق العمل الجديدة. وينعكس ذلك إيجابيا على الاتجاهات الديموغرافية داخل المناطق وعبرها. أن مسارات الهجرة المنتظمة التي تتم إدارتها بشكل جيد من شأنها أن تزيد من التمويلات الموجهة للتنمية من خلال التحويلات المالية ورأس مال الشتات. أن إعادة التوطين ولم الشمل والنقل تؤدي إلى نتائج إيجابية للأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية.بحسب آخر تحديث لبيانات المنظمة الدولية للهجرة صدر في شهر مارس/آذار، يبلغ تعداد المهاجرين في العالم 304 ملايين يلعبون دورا محوريا في تعزيز اقتصادات دول المقصد. في المقابل، يكشف الوجه القاتم لحركة الهجرة عن وفاة وفقدان أثر 8.7 ملايين شخص عبر مسارات الهجرة الدولية بسبب ما يعرف بـ"الحدود القاتلة".
ويوضح تقرير صندوق النقد الدولي في فصله الثالث، حول الآثار العالمية لسياسات الهجرة واللاجئين، كيف يمكن للتنقلات السكانية، عند إدارتها بشكل جيد، أن تعزز الاقتصادات وتدعم المجتمعات المضيفة.
وأكدت سيفانكا دانابالا، مديرة مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نيويورك، هذا المنحى عند تقديمها نتائج التقرير في منتصف أبريل/نيسان. وترى دانابالا أنه مع وضع السياسات المناسبة، يمكن للاجئين، في الواقع، المساهمة في الاقتصاد عبر تعزيز سوق العمل وزيادة الإيرادات الضريبية وبالتالي دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويشير التقرير في استنتاجاته إلى أنه في حين قد تواجه دول المقصد ضغوطا قصيرة الأجل على الخدمات العامة، فإن المكاسب طويلة الأجل -التي تشمل توسيع سوق العمل وزيادة الإيرادات الضريبية- يمكن أن تفوق بكثير التكاليف الأولية إذا ما تمت إدارة السياسات بفعالية.