ما الذي نعرفه عن انفجارات أجهزة اللاسلكي في لبنان.. 6 أسئلة تفسر ما جرى
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
أفاد مراسل الجزيرة بوقوع عشرات الانفجارات في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي عدد من المناطق اللبنانية، بعد يوم من وقوع هجمات واسعة عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية (بيجر) استهدفت الآلاف من عناصر حزب الله.
وفي حصيلة أولية تحدثت "الوكالة الوطنية للإعلام" في لبنان عن 9 قتلى في انفجار الأجهزة، بينما تحدث مصدر أمني عن مئات المصابين.
وقال مراسل الجزيرة إن الانفجارات التي جرت في مناطق بلبنان كانت على نطاق واسع لكن انفجار الأجهزة لم يكن كبيرا.
وأضاف المراسل أن الأجهزة التي جرى تفجيرها ليست من نوع بيجر وإنما أجهزة لاسلكية، مشيرا إلى أن الأجهزة التي جرى تفجيرها في مناطق بلبنان من نوع "ووكي توكي أيكوم".
ونحاول في النقاط التالية أن نقترب أكثر من المشهد ونفسر بعض جوانبه:
1- متى وقعت الانفجارات؟تأتي انفجارات الأربعاء بعد يوم من تفجيرات واسعة النطاق وغير مسبوقة استهدفت أجهزة البيجر التي يحملها عناصر من حزب الله أمس الثلاثاء.
وقال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض -اليوم الأربعاء- إن عدد القتلى ارتفع إلى 12 بينهم طفلان، وأن نحو 2800 جريح توافدوا إلى المستشفيات، وأن عدد الإصابات الخطرة بلغ نحو 300، بينهم أطفال ونساء وليس فقط عناصر حزب الله.
2- كيف وقعت الانفجارات؟نقل موقع أكسيوس عن مصدرين قولهما إن هجوم اليوم هو المرحلة الثانية من العملية الاستخباراتية الإسرائيلية ضد شبكة اتصالات حزب الله.
وذكر مراسل الجزيرة أن الانفجارات التي جرت في مناطق بلبنان كانت على نطاق واسع لكن انفجار الأجهزة لم يكن كبيرا.
وأفادت مصادر صحفية بوقوع الانفجارات أثناء تشييع جثمان نجل أحد نواب حزب الله. وأوضحت هذه المصادر أن الانفجارات استهدفت أجهزة اللاسلكي التي يحملها عناصر حزب الله، وبعضها في منازل سكنية.
وقال مصدر مقرب من حزب الله إن "عددا من أجهزة الاتصال اللاسلكية انفجرت في الضاحية الجنوبية لبيروت"، فيما أكدت هيئة اسعاف تابعة لحزب الله انفجار أجهزة اتصال في سيارتين في الضاحية الجنوبية. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام عن انفجار لأجهزة "بايجرز" وأجهزة اتصال لاسلكية في الضاحية وفي الجنوب وفي البقاع في شرق لبنان.
وقالت مصادر أمنية للجزيرة إن 5 انفجارات وقعت في مدينة صيدا ومحيطها جنوبي لبنان.
كما نقلت وكالة رويترز عن مصدر أمني وشاهد عيان أن أجهزة الاتصالات التي انفجرت بعدد من مناطق لبنان اليوم الأربعاء هي أجهزة لاسلكي محمولة ومختلفة عن أجهزة البيجر التي انفجرت أمس.
وذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن الموجة الثانية من تفجير أجهزة الاتصالات في لبنان استهدفت الشبكة البديلة للحزب بعد انفجار أجهزة الاستدعاء أمس.
كما ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية أن انفجارات وقعت بأنظمة الطاقة الشمسية في عدد من البيوت تزامنا مع انفجار الأجهزة اللاسلكية.
3- ما أجهزة الوكي توكي؟ ولماذا تستخدم؟
أفاد مراسل الجزيرة بأن الأجهزة التي جرى تفجيرها في مناطق بلبنان من نوع "ووكي توكي أيكوم".
وأجهزة اللاسلكي "أيكوم" هي مجموعة متنوعة من الأجهزة التي تستخدم تقنيات مختلفة للاتصال عبر الراديو. وتتنوع هذه الأجهزة لتلبية احتياجات مختلفة، بما في ذلك الاتصالات البحرية، والاتصالات في الطوارئ، والاتصالات المتنقلة.
وعند الضغط على زر "التحدث"، يتم تحويل الصوت إلى إشارة لاسلكية وإرسالها، ويمكن استقبال إشارة الصوت من الطرف المقابل في الحال.
وتعمل هذه الأجهزة على ترددات لاسلكية محددة، غالبا في نطاقات الترددات العالية جدا وهي "في إتش إف" ((VHF أو "يو إتش إف" (UHF)، لضمان اتصال واضح.
وتحتوي أجهزة الاتصال اللاسلكي على قنوات متعددة لتجنب التداخل، ويجب أن يكون المستخدمون على نفس القناة للتواصل.
ويعتمد المدى على العوامل البيئية مثل التضاريس والعقبات، وقوة إرسال الجهاز نفسه ومداه، وهو يعمل بنظام البطاريات التي يمكن إعادة شحنها أو استبدالها.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن مصدر أمني لبناني قوله إن الأجهزة اللاسلكية أقل استخداما من أجهزة البيجر وتم توزيعها على منظمي التجمعات.
ويعد البيجر والووكي توكي أكثر أمانا في التواصل من الخليوي والهواتف المحمولة.
لحظة انفجار جهاز اتصال لاسلكي خلال تشييع جنازة شهيد في #لبنان#حرب_غزة pic.twitter.com/1S9ad2BbPT
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 18, 2024
4- ما طرازها؟ والشركة المصنعة لها؟تشير التقارير إلى أن جهاز "ووكي توكي أيكوم" المستخدم من طراز "أيكوم في 82" (icom v82). وتعتبر هذه الأجهزة نسخة متطورة نسبيا من أجهزة "أيكوم"، وهي فعالة في المناطق المفتوحة وعلى مسافات طويلة.
ويوفر هذا الطراز قنوات متعددة، مما يسمح للمستخدمين بتبديل الترددات لتجنب التداخل والتواصل بوضوح.
كما يتمتع بإعدادات طاقة قابلة للتعديل، مما يتيح للمستخدمين الحفاظ على عمر البطارية أو توسيع النطاق حسب الحاجة.
وصُممت النسخة الجديدة لتكون قوية ومقاومة للعوامل الجوية، ومناسبا للاستخدام في الهواء الطلق، كما يساعد الهوائي الخارجي في إرسال واستقبال الإشارات بشكل أكثر فعالية.
ويمكن تشغيل هذا النوع من الأجهزة بدون استخدام اليدين، وذلك عبر اختيار نطاق التردد للقناة التي يعمل عليها الجهاز.
ومن المعروف أن بطارية هذا الجهاز ضخمة بما يسمح بوضع كمية متفجرات أكبر الأمر الذي يفسر دوي الانفجارات وسقوط عدد من الجرحى.
وقال مصدر أمني إن حزب الله اشترى أجهزة الاتصال اللاسلكي قبل 5 أشهر في الوقت نفسه تقريبا الذي اشترت فيه الجماعة أجهزة البيجر.
و"أيكوم" هي شركة تصنيع عالمية لمعدات الاتصالات المتقدمة، بما في ذلك أنظمة الراديو ثنائية الاتجاه، وإلكترونيات الطيران، وأنظمة الملاحة البحرية، والشبكات القائمة على بروتوكول الإنترنت.
وتأسست الشركة في أوساكا باليابان عام 1954. بدأت كمستورد للمعدات الإلكترونية الأميركية الصنع قبل أن تنتقل إلى التصنيع، وكان المنتج الأول عبارة عن مذبذب بلوري لأجهزة الراديو، وتوسعت خطوط الإنتاج لتشمل أجهزة الراديو البحرية والطيران، وأجهزة الراديو المتنقلة البرية للسلامة العامة والصناعات التجارية.
تغيطة صحفية | اندلاع حرائق في عدد كبير من المنازل والسيارات، عقب انفجار أجهزة الاتصالات اللاسلكية بعدة مناطق في لبنان pic.twitter.com/mV5l7pimwo
— شبكة رصد (@RassdNewsN) September 18, 2024
5- ما حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات؟لم يتضح حجم الخسائر البشرية والمادية بعد بشكل كامل، لكن وزارة الصحة اللبنانية أكدت مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 300 آخرين
وفي مؤشر على اتساع نطاق الحرائق، أعلن الدفاع المدني اللبناني أنه أخمد النيران في 60 منزلا ومتجرا نتيجة انفجار أجهزة اللاسلكي في النبطية جنوبي البلاد.
وأكدت مصادر أمنية للجزيرة وقوع 5 انفجارات في مدينة صيدا ومحيطها جنوبي لبنان.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بانفجار أجهزة "بايجر" وأجهزة اتصال لاسلكية في الضاحية وفي الجنوب وفي البقاع بشرق لبنان.
وقال مصدر طبي إن مستشفى في مدينة بعلبك استقبل 25 جريحا جراء انفجار أجهزة لاسلكية.
6- إلى أين تشير أصابع الاتهام؟
على الرغم من عدم تعليق إسرائيل على العملية المخابراتية التي أدت إلى وقوع انفجارات متزامنة -أمس واليوم- في الآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر، وأيكوم في 82) التي يستخدمها عناصر حزب الله، إلا أن مؤشرات عديدة تشير إلى مسؤولية تل أبيب عن التفجيرات.
وقبل قليل، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن "مركز الثقل ينتقل شمالا (لبنان) ونحن في بداية مرحلة جديدة في الحرب".
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصادر أمنية أن التعامل مع التصعيد مع حزب الله نوقش بدائرة محدودة دون إطلاع أعضاء المجلس الوزاري المصغر.
من جانبها، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مصادر مطلعة أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها ستنفذ عملية في لبنان، لكنها لم تقدم أي تفاصيل.
كما نقل موقع أكسيوس عن مصدرين تأكيدهما أن إسرائيل فجّرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها أعضاء حزب الله في لبنان.
وأمس الثلاثاء، اتهم حزب الله إسرائيل بالمسؤولية، وتوعدها بالرد. كما اتهمت إيران -على لسان الرئيس مسعود بزشكيان ومسؤولين آخرين- إسرائيل أيضا بالمسؤولية عن "المذبحة والقتل الجماعي".
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لوكالة رويترز إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع متفجرات داخل أجهزة البيجر التي استوردها حزب الله قبل أشهر من تفجيرات أمس الثلاثاء.
وقالت عدة مصادر لرويترز إن المخطط استغرق تحضيره على ما يبدو عدة أشهر.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر رفيعة أن الهدف الإستراتيجي "إعادة سكان الشمال وتكليف حزب الله ثمنا باهظا واستعادة الردع".
كما يسلط الهجوم الضوء على الوحدة 8200، وهي وحدة الحرب الإلكترونية السرية والمعروفة في إسرائيل باسمها بالأرقام العبرية "شموني ماتايم"، وهي جزء من شعبة المخابرات العسكرية.
ووحدة 8200 هي الوحدة الموازية أو الشبيهة بوكالة الأمن القومي الأميركية أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية، وهي أكبر وحدة عسكرية مفردة في الجيش الإسرائيلي. وتعود أصولها إلى الوحدات المبكرة لفك الرموز والشفرات ووحدات المخابرات التي تشكلت عند قيام دولة إسرائيل في 1948.
وغالبا ما تكون أنشطتها شديدة السرية وتتنوع من اعتراض الإشارات إلى تصنيف البيانات وفهم دلالاتها وهو ما يطلق عليه التنقيب في البيانات والهجمات التكنولوجية.
وتضمنت بعض العمليات التي يُقال إن الوحدة ضلعت فيها هجوم "ستاكس نت" الفيروسي بين عامي 2005 و2010 الذي عطل أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية، وهجوما إلكترونيا في 2017 على شركة الاتصالات المملوكة للبنان (أوجيرو)، وإحباط هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية على رحلة تابعة لشركة نقل جوي مدنية كانت متوجهة من أستراليا إلى الإمارات في 2018.
وقال قائد الوحدة العام الماضي في مؤتمر في تل أبيب إن الوحدة تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اختيار أهدافها من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وبالإضافة إلى بقية مؤسسات الدفاع والأمن، تأثرت سمعة الوحدة بسبب الإخفاق العسكري في منع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول (طوفان الأقصى) على إسرائيل قبل حدوثه، وأعلن قائد الوحدة هذا الشهر أنه سيستقيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أجهزة الاتصال اللاسلکی انفجار الأجهزة أجهزة اللاسلکی عناصر حزب الله مراسل الجزیرة الأجهزة التی انفجار أجهزة أجهزة البیجر فی الضاحیة وقال مصدر مصدر أمنی من أجهزة فی لبنان عن مصدر عدد من
إقرأ أيضاً:
تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.
كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.
وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.
حضور القضيةيقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.
إعلانغير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.
ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.
ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.
ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.
وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.
ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".
ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".
إعلانوفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".
وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.
ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.
"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.
يوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.
كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.
إعلانوكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".
يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.
وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.
ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.
وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.
يتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".
إعلانويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".
ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.
ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".
يرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.
فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.
وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.
إعلانويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".
يعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.
لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.
وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".