هيمنة الدولار الأمريكي سبب ونتيجة لنفوذ الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي
لم يكن الزعيم الصيني ماو زيدونج (ماو تسي تونج) مُنَظِّرًا ماليًّا، لكن تأملاته في القوة والنفوذ تُعِين على تفسير سبب استمرار الدور المهيمن للدولار الأمريكي.
قال ماو: «القدرة على الهيمنة تنبع من فوهة البندقية»، ويمكن للمرء أن يضيف «وقوة العملة كذلك»، على مدار التاريخ كثيرًا ما كانت العملة العالمية الأولى هي عملة القوة العسكرية المهيمنة، فالجنيه الإسترليني ساد عندما كانت بريطانيا إمبراطورية «لا تغيب عنها الشمس أبدًا»، وكذلك كان الديناريوس (الدينار) الفضي والآريوس الذهبي عندما سادت روما، فقوة العملة مشتقَّة من القوة الوطنية، وللبنادق دور في ذلك، لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن هيمنة الدولار ستفسح المجال على سبيل المثال لعملة الرينمينبي ببساطة؛ لأن الصين تراكم قوة نسبية مقارنة بقوة الولايات المتحدة.
توزيع قوة العملة العالمية (على العملات الوطنية) يتغير ببطء شديد جدًا جدًا بسبب ما يدعوه علماء الاقتصاد «آثار الشبكة»، فكلما اتسع نطاق استخدام الدولار (بمعنى كلما كبُرت شبكة مستخدميه) صار أكثر رسوخًا وزادت تكلفة عدم التعامل به لأي أحد.
أهمية الدولار للنظام المالي العالمي مثل أهمية اللغة الإنجليزية للتواصل العالمي، هذه المكانة تعززت بموثوقية النظام القانوني للولايات المتحدة وعمق سيولة أسواقها الرأسمالية والجاذبية العالمية لثقافتها.
ثمة عامل حاسم آخر يحافظ على وضع الدولار في القمة، إنه إمكانية تحويل قيمته على الفور إلى عملات أخرى والتي تجعل من اليسير وعلى نحو استثنائي استخدامه عالميًا.
وفي حين أن ضوابط رأس المال جزء مفتاحي من نظام «بريتون وودز» الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية واستمر حتى سبعينيات القرن الماضي إلا أن المعيار الذي لا يتزعزع للنظام النقدي العالمي الحالي هو قابلية كل عملة من العملات التي تعتمد عليها البلدان كمخزن للقيمة إلى التحويل التام (لهذه القيمة إلى عملة أخرى) فعملة الين واليورو والجنيه الإسترليني والعملات النظيرة الأصغر كالدولار الأسترالي والدولار الكندي متحررة أيضا من أية قيود رأسمالية تحِدُّ من استخدامها.
تساعد هذه العوامل على تفسير سبب تشكيل الدولار حوالي 60% من الاحتياطيات العالمية للنقد الأجنبي رغم أن الولايات المتحدة تساهم بحوالي 25% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للعالم ولماذا يُشترى الدولار أو يُباع في 90% تقريبًا من معاملات الصرف الأجنبي العالمية.
صحيح، فقد الدولار بعض بريقه في السنوات الأخيرة، فقبل 20 عامًا كان الدولار يشكل 67% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، لكن تجدر الإشارة الى أن العملات التي تخلّى الدولار لها عن بعض أدواره (أساسًا الدولار الكندي والدولار الأسترالي والين الياباني) قابلة للتحويل عموما ويطبعها حلفاء الولايات المتحدة.
في الأثناء تظل عملة الرينمينبي الصينية غير القابلة للتحويل بلا أهمية أساسًا كمخزن عالمي للقيمة، حيث تشكل 2% فقط من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية.
السؤال: باستثناء اندلاع حرب عالمية ثالثة تكون الولايات المتحدة على الجانب الخاسر فيها، هل هنالك أي شيء يمكن أن يقلب دور الدولار رأسًا على عقب؟
في الأجل الطويل جدًا ربما يمكن تصور تآكل مكانته أمام نمو العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية، وفي الأجل القريب يبرز خطران. أولهما نشوء فائض في العرض العالمي للدولار بحجمٍ قد يفقده ثقة باقي العالم؛ فاستمرار العجز الخارجي على مدى عقود أثقل كاهل الولايات المتحدة بالتزامات مالية كبيرة (عجز خارجي يعني أن الدولة تنفق على وارداتها من السلع والخدمات واستثماراتها في الخارج أكثر مما تحصل عليه من صادراتها السلعية والخدمية وما تجتذبه من استثمارات أجنبية - المترجم).
في أواخر الثمانينيات كانت الولايات المتحدة لا تزال دائنًا صافيًا لباقي العالم. لكن الآن ما تدين به للمقرضين الأجانب يفوق ما لديها من ديون على الأجانب بما يقرب من 20 تريليون دولار أو حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وإذا كان يتم تداول مثل هذه الكمية من الدولارات فعليًا ستثور الشكوك حول قيمتها وستترتب عن ذلك عواقب سلبية، لكن حتى مثل هذا التداول قد يشكل خطرًا أكبر على سعر صرف الدولار وليس على مكانته.
ثمة خطر آخر على الدولار ربما يتمثل في تزايد استخدامه كسلاح بواسطة الولايات المتحدة ضد البلدان التي تريد معاقبتها.
بالتأكيد كان تجميد احتياطيات النقد الأجنبي الروسية في فبراير 2022 الاستخدام الأشد ضراوة للدولار كسلاح حتى الآن، وذلك على نمط عقوبات أمريكية شبيهة وإن كانت أقل بكثير على البنوك المركزية لليبيا وإيران وفنزويلا وأفغانستان.
الفكرة هي أن توظيف الدولار كأداة للسياسة الخارجية والاستخدام المفرط لمثل هذه العقوبات قد يجعلان البلدان أكثر قلقًا من فقدان القدرة على الحصول على دولاراتها ويشجعانها على التخلي عن الدولار والاتجاه إلى بدائل أخرى.
ربما يكون ذلك (التحول عن الدولار) يسيرًا أولا: إذا كانت هنالك بدائل محترمة للدولار وثانيًا: إذا كان الاستثمار في العملات البديلة وسيلة معقولة لتقليل مخاطر العقوبات، الافتراض الأول صحيح لكن الثاني ليس كذلك. فالعقوبات على البنك المركزي الروسي انضم إليها تقريبا كل بلد يطبع عملة احتياط.
وإذ قلنا ما قلنا فإن الرينمينبي الصيني يحقق قليلًا من التقدم وإن لم يكن ذلك كمخزن للقيمة لكن على الأقل كوسيلة للتبادل، توضح البيانات الصينية أن 27% من إجمالي تجارة الصين في السلع ستتم تسويتها بالرينمينبي بحلول منتصف هذا العام، ارتفاعًا من 17% في أوائل 2022. هذا يعني أن الصين تستخدم عملتها الخاصة بها لتسوية ما يزيد قليلا عن 50 بليون دولار كل شهر مقارنة بما كانت تفعله في أوائل عام 2022.
لكن عمليًا كل تجارة روسيا مع الصين تتم تسويتها باستخدام الرينمينبي، وقد تضاعف حجم تلك التجارة في العامين الأخيرين إلى أكثر من 20 بليون دولار شهريًا، لذلك ما يقرب من نصف الارتفاع في الاستخدام العالمي للرينمينبي يعود الفضل فيه غالبا وببساطة إلى روسيا.
حتى الصين التي لديها أسباب عديدة لكي تشعر بالقلق من تحويل الدولار إلى سلاح لم تتخلَّ بعزم أكيد عنه، ففي عام 2018 بلغ إجمالي موجوداتها من الأوراق المالية المقومة بالدولار حوالي 50% من احتياطياتها من العملات الأجنبية، وفي حين أن نسبتها الحالية أدنى قليلا من 40% إلا أنها تشكل إجمالي أصول أمريكية تبلغ قيمتها 1.4 تريليون دولار، وهذا ليس بالشيء القليل.
على الرغم من أن هيمنة الدولار ليست مريحة لبلدان عديدة إلا أن القوة العسكرية للولايات المتحدة وهيكل تحالفاتها والإيقاع البطيء للتغير في توزيع القوة النقدية العالمية على مختلف العملات كلها عوامل ستحافظ على مكانة الدولار بوصفه العملة العالمية الأولى في المستقبل المنظور.
ديفيد لوبين زميل أبحاث أول لبرنامج الاقتصاد والتمويل الدوليين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس)
ترجمة خاصة لـ عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
تفاصيل أسعار الصرف في صنعاء وعدن اليوم: تراجع جنوني للريال
العملة اليمنية (وكالات)
تشهد أسواق العملات في اليمن تفاوتًا كبيرًا بين صنعاء و عدن، حيث يلاحظ اختلاف كبير في أسعار الصرف بالنسبة للعملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي و الريال السعودي.
في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل الأسعار في كلا المدينتين، مع تسليط الضوء على الفروقات بينهما.
اقرأ أيضاً زوجة أحمد الشرع في أول ظهور علني: ما الذي قاله عنها؟ (صورة) 29 يناير، 2025 أول رد روسي ناري على مناقشة محاولة اغتيال بوتين 29 يناير، 2025
أسعار الصرف في صنعاء:
في صنعاء، أسعار شراء العملات الأجنبية تبدو كما يلي:
الدولار الأمريكي: 534 ريال يمني
الريال السعودي: 139.8 ريال يمني
أما أسعار البيع فهي:
الدولار الأمريكي: 537 ريال يمني
الريال السعودي: 140.2 ريال يمني
تعتبر هذه الأسعار في صنعاء أقل بكثير من أسعار الصرف السائدة في عدن، مما يعكس بعض التباين في الوضع الاقتصادي بين المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وتلك التي تحت سيطرة الحوثيين.
أسعار الصرف في عدن:
أما في عدن، التي تحتفظ الحكومة اليمنية الموالية للتحالف بالسيطرة عليها، فقد شهدت أسعار الصرف ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بصنعاء. وتتمثل الأسعار في:
أسعار شراء العملات:
الدولار الأمريكي: 2187 ريال يمني
الريال السعودي: 573.5 ريال يمني
أما أسعار البيع فتتراوح حول:
الدولار الأمريكي: 2197 ريال يمني
الريال السعودي: 574.5 ريال يمني
هذا الفرق الكبير في الأسعار بين عدن وصنعاء يعكس التحديات الاقتصادية المتنوعة التي تواجهها كل من المدينتين، حيث يعكس الفارق الكبير في سعر الدولار الأمريكي تحديات التضخم و عدم الاستقرار الاقتصادي الذي تشهده البلاد بشكل عام.
التباين بين صنعاء وعدن
يلاحظ المتابعون للواقع الاقتصادي في اليمن أن هذا التباين في أسعار الصرف ليس مجرد فرق بسيط، بل يعكس اختلافات جذرية في الظروف الاقتصادية في كل من المناطق المحررة (عدن) و المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (صنعاء). وقد يكون هذا التفاوت ناتجًا عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك:
الاختلافات في السياسة النقدية: حيث تعتمد كل من الحكومة اليمنية في عدن والسلطات الحوثية في صنعاء على سياسات مختلفة فيما يتعلق بالعرض والطلب على العملات الأجنبية.
الظروف الاقتصادية المحيطة: يعاني كلا الجانبين من ظروف اقتصادية صعبة، ولكن الظروف في عدن قد تكون أكثر صعوبة نظرًا للأوضاع الأمنية المتقلبة والاقتصاد المعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية.
التأثيرات الإقليمية والدولية: تلعب العلاقات الدولية والحصار الاقتصادي دورًا كبيرًا في تحديد قيم العملات في كل من صنعاء وعدن، حيث تعتمد صنعاء بشكل أكبر على التجارة غير الرسمية، بينما تعتمد عدن بشكل أكبر على الاستيراد الرسمي والعملات الأجنبية من خلال القنوات المصرفية.