خليفة بن عبيد المشايخي

 khalifaalmashayiki@gmail.com

 

غدا عالمنا المعاصر يشهد اليوم تحولات جذرية في كل مفاصل الحياة، وباتت تلوح وتتسطر في الأفق مشاكل كثيرة متنوعة ومختلفة، ويعج واقعنا المعاش حتى اللحظة بمشاهد مخيفة ومرعبة، من حيث أن القادم بقدر ما سيكون أكثر رفاهية وراحة، وسيشهد تطورًا وتقدمًا هائلًا في الصناعات الرقمية والإلكترونية والتكنولوجيا، بقدر ما ستواجه المجتمعات والأسر المحافظة، صعوبات كثيرة.

وتتمثل هذه الصعوبات في عدم قدرتها النأي بأجيالها عن سيئات ومساوئ القادم، وتلك الثورات التكنولوجية، والأيام المنفتحة المقبلة علينا بخيرها وشرها، جنبنا الله تعالى كل الشرور والآفات. فالجيل الحالي والمقبل، سيواجه مشقة في تحمل مسؤولية المحافظة على نفسه من الأهواء والإغواء، ومن الانجرار وراء الشهوات والشبهات والملذات واللهو واللعب، والوقوع في الفساد والمحرمات وتفريغ الوقت فيما لا فائدة منه، والركون الى براثن تلك السلبيات والأخطاء والذنوب، التي ستفرخ تبعاتها هنا وهناك، وستكون السائدة آنذاك ونمط الحال والواقع، وستقودة تلك الإخفاقات والمعطيات، ليكون جيلا انهزاميا وضعيفا وهشا ومفلسا من كل الأخلاق الحسنة ومقومات الرجولة والشدة والعصامية.

قد يصل به الحال ليكون مُنسلخًا من هويته الإسلامية والدينية، وخاوٍ تماما من الوازع الديني الذي من الممكن أن يثبته على الاستقامة والصلاح والإصلاح.

وهنا يتوجب وسيتوجب على أولياء الأمور، تحصين أنفسهم وأولادهم بالدين والإيمان، والفرار إلى الله تعالى، والتمسك بتعاليمه وشرعه ومنهاجه. واذا ما تعهد الجيل الحالي بالتربية الحسنة، فتصرفاته وسلوكه تنزع إلى أمر خطير، وتنذر بشرر يتطاير وسيتطاير هنا وهناك. والصورة من جراء ما نجزم به ونتوقعه، أضحت مُقلقة الى حد التشاؤم من أن المستقبل قد يخبئ لنا الكثير من المفاجآت غير السارة.

نحتاج إلى تضافر الجهود؛ افرادا وجماعات ومؤسسات المجتمع المدني، لا سيما بيئات الدين والإيمان التي يجب على الرجال أن يهبوا إليها، ويصبروا أنفسهم فيها ويفرغوا جهدهم ووقتهم الحلال من أجلها، وفي أن يستخدمنا الله تعالى لخدمة ونصرة دينه، وأن لا يستبدلنا بقوم آخرين.

بعض شبابنا اليوم يرون الغث والسمين، والصالح والطالح، ويتابعون من خلال الشاشات والجوالات المشهورين على اختلاف فئاتهم وأنواعهم، وصار تعلقهم بالممثل الفلاني ولاعب كرة القدم العلاني، يستحوذ على معظم أوقاتهم وطاقاتهم، التي يفرغونها في اللعب وعلى الأجهزة اللوحية والرقمية والمحمولة.

حقيقة ما جعلني أهوي على كتابة هذا المقال الذي سطرت كلماته ونحت أحرفه من حرقة وضيق أصابني، حينما رأيت طفلة في مقطع فيديو، تبكي لأنها لم تتمكن من التقاط صورة مع (سون) وهو لاعب المنتخب الكوري. وأقول يا لها من مصيبة إن كنَّا وصلنا إلى هكذا أمور. ولو حللنا الأسباب التي أدت بتلك الطفلة كالتي شاهدناها وعمرها أقل من عشر سنوات تبكي على (سون) لوجدنا أن الأسرة والوالدين يتحملون وزر ذلك. فماذا عسانا نقول عنها وعن والديها وأسرتها والجو الذي كانت تعيشه، غير أن نسأل الله الهداية والصلاح لكل المسلمين.

علينا أن نحاسِب أنفسنا قبل أن نحاسَب، ونزن أعمالنا قبل أن توزن علينا، ووالله سنقف بين يدي الله وسيحاسبنا على تقصيرنا في تربية أنفسنا وأبنائنا، وفي تفويتنا للاستقامة والصلاح، والله تعالى يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾؛ فالله الله في طلب الصلاح والاستقامة.. الله الله في أن نكون قدوة صالحة لأبنائنا وأهلنا، الله الله في تربية النشء تربية حسنة، فإنهم مستقبل الأوطان وعمادها وسلاحها، والله نسأل الهداية والصلاح والعمل بما يرتضيه.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: لفظ الجلالة الاسم الأعظم وهو أعلى مرتبةً من سائر أسماء الله الحسنى

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله سبحانه وتعالى أرشدنا في كتابه الكريم أن ندعوه بأسمائه الحسنى فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180]، وقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء: 110]، وقال: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [طه: 8]، وقال: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الحشر: 24]. والحسنى مؤنث الأحسن؛ أي لله تعالى أحسن الأسماء وأجلها وأعظمها وأشرفها لاشتمالها على معاني التقديس والتعظيم والتمجيد، وهي أحسن المعاني وأشرفها، وعلى صفات الجلال والكمال لله رب العالمين.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن أسماء الله الحسنى كثيرة، ولفظ الجلالة "الله" هو الاسم الأعظم، وهو أعلى مرتبةً من سائر الأسماء؛ قال تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45]. ومن هذه الأسماء تسعة وتسعون اسمًا من حفظها دخل الجنة، لقوله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة» [البخاري]. وقيل: من أحسن مراعاتها والمحافظة على ما تقتضيه، وصدق بمعانيها وعمل بمقتضاها. وقيل: من أخطر بباله عند ذكرها بلسانه معانيها وتفكر في مدلولاتها متدبرًا ذاكرًا راغبًا راهبًا معظِّمًا لها ولمسمياتها، مقدِّسًا للذات العلية، مستحضرًا بباله عند ذكر كل اسم المعنى الدال عليه.

دعاء الصباح لك ولمن تحب.. 10 كلمات تخلصكم من الذنوب والهمومأدعية الصباح للرزق والفرج.. رددها الآن وابدأ يومك بها

ولا يُفهم من قوله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا» أن الأسماء محصورة في العدد المذكور فقط؛ لأن أسماء الله تعالى لا يمكن أن يحصيها العد، إذ لا يمكن لأحد من الخلق أن يحيط بكنهه تعالى. فقد قال سبحانه في وصف كلماته: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27].

وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك الإمام النووي فقال: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى؛ فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة؛ فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء" [شرح صحيح مسلم].

وأسماء الله سبحانه وتعالى منها ما هو أسماء جمال، ومنها أسماء جلال، ومنها أسماء كمال. فأسماء الكمال كالأول والآخر والمحيي والمميت والضار والنافع، وأسماء الجمال مثل: الرحمن والرحيم والعفو والغفور، وأسماء الجلال كالمنتقم والجبار والمتكبر.

ومن أسمائه ما لا يجوز إطلاقه على غيره سبحانه كـ"الله والرحمن"، ومنها ما يجوز كـ"الرحيم والكريم". ومنها ما يُباح ذكره وحده كأكثرها، ومنها ما لا يُباح ذكره وحده كـ"المميت والضار"؛ فلا يقال: يا مميت ويا ضار، بل يقال: يا محيي يا مميت، ويا نافع يا ضار؛ وذلك تأدبًا في حقه تعالى وتفاديًا من إيهام ما لا يليق بجلاله تعالى.

ومثل صفاته تعالى وأفعاله يجب تنزيه أسمائه سبحانه عما لا يليق بعظمته وجلاله، ويجب تنزيه سائر أسمائه عن تفسيرها بما يوهم نقصًا في حقه تعالى وينافي كماله، كتفسير الرحيم برقيق القلب لاستحالة ذلك عليه تعالى. قال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى: 1-2]، أي: نزِّه اسمه تعالى عن كل ما لا يليق به.

ومذهب جمهور أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية أن أسماءه تعالى توقيفية كصفاته؛ فلا يُثبت له اسم ولا صفة إلا إذا ورد ذلك في النصوص الشرعية أو ثبت بالإجماع.

ومن حكمة الله في ذكر أسمائه وصفاته أن نتخلَّق بها كما ورد في الأثر: (تخلَّقوا بأخلاق الله)، فنتخلَّق من الرحيم بالرحمة، ومن الكريم بالكرم، ومن الحليم بالحلم... وهكذا؛ فإن جميع الأسماء للتخلُّق إلا اسمه تعالى "الله" فإنه للتعلُّق.

ولأهمية أسمائه تعالى في الإيمان به وأمره عباده بالتخلُّق بها، ختم سبحانه وتعالى كثيرًا من الآيات في كتابه الكريم بالأسماء الحسنى؛ فلا تكاد تجد صفحة من المصحف إلا وقد ختمت كثير من الآيات فيها باسم أو اسمين من أسمائه تعالى، وما ذلك إلا لأمرين اثنين:

الأمر الأول: دلالة هذه الأسماء على معانٍ عظيمة.

الأمر الثاني: الدلالة على أن الطريق إليه تعالى لا يتأتى إلا عبر المرور من باب معرفة أسمائه سبحانه وتعالى والتعبد بها.

إن أسماء الله سبحانه وتعالى مليئة بالحِكَم والأسرار التي يعرفها أهل الله الذاكرون السائرون في طريقه، فعلى كل مسلم أن يذكر الله سبحانه في كل حال بما يحب من أسمائه، ويجتهد في التخلق بهذه الأسماء ومراعاتها في حياته كلها، ليفتح له أبواب أسرارها.

مقالات مشابهة

  • "الأرصاد": أمطار متوسطة ورياح شديدة على الباحة ونجران وجازان
  • عبادة إذا فعلتها يديم الله عليك نعمه.. الإفتاء توضحها
  • حكم الاستمناء باليد وعمل العادة السرية خوفًا من الزنا
  • يتأخر عن عمله نصف ساعة فهل لراتبه تأثير في الشرع الشريف
  • الجامع الأزهر يطلق الدورة الأولى لتأهيل خريجيه للعمل بالرواق
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بـ3 مقيمين لتهريبهم الهيروين إلى المملكة
  • علي جمعة: لفظ الجلالة الاسم الأعظم وهو أعلى مرتبةً من سائر أسماء الله الحسنى
  • هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون
  • حكم قطع صلة الرحم مع الأقارب الذين يكثرون من الإساءة إلي ولأسرتي؟.. الأزهر يجيب
  • وداعاً لآلام الرقبة والمفاصل!.. طرق بسيطة تحميك من هشاشة العظام قبل فوات الأوان