إسرائيل ورَفْسَة المُحتضِر
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
حمد الناصري
فيما كانت الحرب على غزّة تُشغل بال الحُكماء والعُقلاء والمُنصفين والعاملين على عدالة الإنسانية، اشْتعلت المَنابر والمنصّات بالحوارات والجدالات على موضوع الرئاسة الامريكية بين مُرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس ومُرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وفي المُناظرة الأولى التي تبادل فيها الحِزبان الاتهامات في عدد من القضايا الدولية وكثير من الملفات الشائكة اقتصادية وسياسية وأخرى اجتماعية والتي طُرحت مَوضوعاتها بكل حِماس ومصداقية، أبْرزها قضايا الإجهاض والمَثلية وعلى الصَعيد السياسي، الحرب الجائرة على غزة ودعم الغرب لأوكرانيا.
وفي تلك المُناظرة الكبيرة، حذر ترامب من زوال إسرائيل ونهاية الولايات المتحدة الامريكية إذا أصْبحت مُنافسته هاريس رئيسة للولايات المُتحدة الامريكية! مُتهمًا إيّاها بأنها تكره إسرائيل.. وكان ردّ مرشحة الحزب الديمقراطي هاريس أنا لم أكره إسرائيل وطول حياتي ومَسيرتي في الحزب وانا داعمة لإسرائيل، ولكن هناك أبرياء فلسطينيين كُثر وبأعداد كبيرة قُتِلوا، منهم أطفال وعجزة ونساء ومدنيين، ما أعرفه أنّ هذه الحرب يجب أنْ تتوقف باتفاق إطلاق النار، وأنْ تنتهي فورًا، بالأفراج عن الرهائن وسنعمل على مدار الساعة لتحقيق ذلك، ويجب أنْ نرسم الطريق لحلّ الدولتين وأنْ يكون هذا الطريق آمن للشعب الإسرائيلي وبالدرجة ذاتها للشعب الفلسطيني.
وقد قرأت في وقت سابق مقالًا رائعًا في صحيفة الرأي الكويتية للكاتب محمد خروب، يتحدّث فيه عن نُبوءة كيسينجر الأخيرة قبل 12 سنة تقريبًا، حول مصير إسرائيل، فهل تتحقق؟ علمًا أنّ كينسجر كان يُعرف بأنه المُنَظِّر الأول للسياسة الامريكية وهو مَعروف بأنه يهودي ألْماني الأصل وصَهيوني الانتماء!! وأشار الكاتب إلى سردية الباحث السياسي الروسي كامران غسانوف. الذي عَبّر عن نظرة مُظلمة لمستقبل دولة إسرائيل.
وكيسنجر قد ذكر في مَقاله، حول مصير إسرائيل أنه "مع التصعيد المُتزايد والتهديد المُحتمل بإحتلال غزة ورُبما بقية فلسطين، قد تَفْقُد الولايات المتحدة مِصداقيّتها تمامًا في المنطقة، وقد تجد إسرائيل نفسها معزولة تماما".
وإدراكًا لهذه الحقيقة القاسية، قال كيسنجر الذي توفي عن عمر ناهز 100 عام للصحفي الأمريكي الشهير فريد زكريا في مُقابلة إنه " قلق بشأن قُدرة إسرائيل على البقاء على المدى الطويل".
ونعود إلى مقال خروب الذي ذكر أنّ تصريحات كيسينجر، والتي يَعترف من خلالها بتعمُّد إسرائيل التصعيد في كل الحروب السابقة والحالية، ولا يُمكن إلقاء اللوم على الفلسطينيين وَحْدهم، وأنّ الغَرب، ارتكب ذنبًا، في خَلق سياسة الصّمت تجاه جرائم إسرائيل.
ويقول الكاتب السياسي الروسي غسانوف- وهو أيضًا خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية- في ذلك الصدد: "إذا كان السلام قد تحقق في ذلك الوقت أي عام 1973، بفضل جهود الرئيس المصري، أنور السادات، فقد لا تكون إسرائيل محظوظة هذه المرة"!
لافِتًا الانظار إلى أحداث 2012 ومُنوهًا إلى تصريح كيسنجر بأنّ إسرائيل "قد لا تكون على خريطة العالم خلال عشر سنوات".
وقد صدر كتاب في أوروبا تحت عنوان: " الجريمة الغربية Le Crime Occidental" وتناول حتمية اليوم الاسود للكاتبة الفرنسية ڤيڤيان فورستييه تختم الكاتبة كتابها قائلة: "رُدّوهم إلى أوروبا، وابْحثوا عن مَحارق اليهود وأفران الغاز في أوروبا وليس في فلسطين".
ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالًا تحت عنوان "الهجرة المُعاكسة وشراء شقق خارج إسرائيل تحسبًا لليوم الأسود".
ولو تابعنا كل ما قِيْل ويُقال وربطناه بالحرب الدموية الاجرامية التي تَشُنّها اسرائيل ضِد الشعب الفلسطيني لأدركنا أنّ نتانياهو وأعوانه يُحاولون تغيير مَجرى التأريخ بأيّ ثَمن وهُم يَعون جيدًا أنّ عُمر دولتهم المزعومة الافتراضي قد شارف على النهاية وأنّ كل الجرائم التي ارتكبوها وما زالوا إنّما هيَ رَفْسَة مُحتضر.
خُلاصة القول.. إنّ امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية لا ولنْ يَمنحها صكّ البقاء فقد أثبتت مَعركة طوفان الاقصى أنّ ما يُسمى بالمجتمع الاسرائيلي يتآكل داخليًا ويَؤول إلى الانهيار والتفكك مِمّا يُنذر بصراع اسرائيلي- اسرائيلي، سيكون بداية النهاية لتلك الدولة المَسْخ.
وأتّفق مع ما يَراه الكاتب محمد خروب، إنّ أطروحتيْ كيسنيجر "حظر وجود إسرائيل" و"تدمير فلسطين" تتعارضان بشكل مُباشر مع بعضهما البعض.. أمّا الجواب المطروح للأطروحتين، إنّ دول الغرب بسياساتها المُتحيزة واللاعقلانية خَلقت الوَضْع الشاذ الذي بسببه أصبحت إسرائيل دولة ومِن ثمّ أصْبحت مُهددة بالانقراض؟ حتى لو لم يُصرح بذلك كيسينجر لأسباب دينية.
الظُلم إذا دام دَمّر وظُلم الصّهاينة تجاوز كل الحُدود والأفعى الصَهيونية بدأت بابْتلاع ذيْلَها وقريبًا سَتقتل نفسها بنفسها وبأيدي المُؤمنين وإنّما جرائمها الحالية ليست إلاّ رفسة مُحتضِر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وقائعُ المعركة وحقيقةُ حزب الله
ريما فارس
على مدى العقود الماضية، شكّل حزب الله حالة استثنائية في تاريخ المقاومة، ليس فقط في لبنان، بل في الإقليم بأسره. فمنذ نشأته، حمل راية الدفاع عن الأرض والشعب، مستندًا إلى رؤية واضحة وعقيدة ثابتة لا تتبدل وفق المصالح السياسية. مع اندلاع الأزمة السورية، وجد نفسه أمام معادلة معقدة فرضتها طبيعة الصراع وتشابكاته الإقليمية.
لم يكن السيد حسن نصر الله رجل سياسة بالمعنى التقليدي، حَيثُ تتداخل الحسابات وتتناقض المواقف. تميّز خطابه بالوضوح والشفافية، لم يُعرف عنه الكذب أَو التلاعب بالحقائق، بل ظل صادقًا في وعوده، أمينا على الدماء، واعيًا لحجم المسؤولية.
مع تصاعد الأزمة السورية، انقسمت الآراء حول طبيعة الصراع. البعض رآه ثورة شعبيّة، بينما اعتبره آخرون مخطّطا لإسقاط محور المقاومة. لم يكن موقف الحزب وليد اللحظة، بل جاء استجابة لخطر متنامٍ فرضه تمدد الجماعات التكفيرية. لم يكن تدخله موجّهًا ضد الشعب السوري، بل ضد “داعش” و”جبهة النصرة”، التنظيمات التي ارتكبت المجازر وانتهكت الحرمات. كان نصر الله واضحًا في خطابه، مؤكّـدًا أن المواجهة ليست مع السوريين، بل مع من اختطفوا الثورة وحوّلوها إلى مشروع دموي.
واجه الحزبُ اتّهاماتٍ كثيرة، بعضها استند إلى دعايات إعلامية، وبعضها الآخر كان جزءًا من حملة سياسية لتشويه صورته.
من أبرز ما وُجّه إليه أنه شارك في قتل المدنيين، بينما أظهرت الوقائعُ أن معاركه كانت محصورة ضد التنظيمات المتطرفة، لا في استهداف الشعب السوري.
المعارك الأخيرة أثبتت أنه لم يكن أدَاة بيد النظام، بل صاحب قرار مستقل، يتدخل وفق الضرورة، وينسحب متى انتفى الخطر. حتى في مواقفه السياسية، لم يكن داعمًا لكل سياسات دمشق، بل تعامل وفق ما يخدم الاستقرار العام.
عندما أعلن الحزب تدخله، لم يكن ذلك مدفوعًا بمصلحة حزبية، بل التزامٌ بتكليف شرعي لحماية لبنان ومنع سقوط المنطقة في قبضة الإرهاب. لو لم يكن هناك، لكانت المعركة انتقلت إلى الداخل اللبناني، ولشهدت بيروت والبقاع ما عرفته مدن العراق وسوريا من فظائع.
اليوم، وبعد سنوات من تلك الحرب، تبدو الحقيقة أكثر وضوحًا. لم يسعَ الحزب إلى فرض نفوذ، بل أَدَّى واجبًا فرضته المعطيات. ويبقى الحكم للتاريخ، الذي لا يُكتب بالصخب الإعلامي، بل بالحقائق التي تثبتها الأيّام.