سلطان بن محمد القاسمي
في كل يوم نواجه مواقف متنوعة، بعضها بسيط وبعضها معقد، وفي خضم هذه المواقف، نجد أنفسنا أحيانًا مشغولين بتفاصيل صغيرة لا تستحق كل هذا العناء، ومؤخرًا، كنت أقرأ في كتاب "كبَّر دماغك" للدكتور خالد المنيف، ولفتتني فكرة تجاوز الأمور الصغيرة والتركيز على ما هو أكثر أهمية. ومن هنا، تأتي أهمية الحكمة في تجاوز ما لا يفيدنا، واختيار التركيز على الأمور الأعمق، لأن حياتنا أثمن من أن تستهلكها صغائر الأمور.
ومن هذا المنطلق، نجد أن القرآن الكريم يشير إلى أهمية التسامح والتجاوز عن الصغائر، في قوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (فصلت: 34)، وهذه الآية الكريمة تدعونا للتعامل بحكمة وهدوء، وتجاوز الإساءة بعمل الخير، مما يعزز مفهوم السلام الداخلي الذي نحاول الوصول إليه من خلال التفكير العميق والابتعاد عن صغائر الأمور.
في البداية، لنطرح على أنفسنا هذا السؤال البسيط: هل يستحق كل ما نمر به أن ننفق عليه مشاعرنا وطاقتنا؟ الحقيقة أن أغلب ما نشغل به أذهاننا هو من الزائل. لذلك، تعلم أن تضع نفسك فوق كل ما يثير قلقك اليوم، وستكتشف أن معظم ما يشغل بالك لن يكون له أي أثر في الغد. وبذلك، ستتمكن من تحرير نفسك من تلك القيود الصغيرة التي تثقل روحك. وبالتالي، كل ما نحتاجه هو أن نختار بعناية ما نركز عليه، لأن الحياة أغلى من أن تستهلكها تفاصيل عابرة.
على سبيل المثال، تأمل قصة العامل الذي كان يواجه زميلًا دائم الانتقاد. في البداية، كان يستجيب لكل تعليق، يحاول الدفاع عن نفسه، وكان هذا يرهقه ويستنزف طاقته. ولكنه بعد تفكير، اختار أن يركز على عمله وألا يستجيب للاستفزازات. ومن هنا، تكمن القوة في قدرتنا على اختيار السلام على الجدال، لأن الحياة في هدوئها وبركتها أكبر من أن تُستهلك في صراعات لا طائل منها. ومع مرور الوقت، اختفى الإزعاج، وازدادت إنتاجيته. وفي النهاية، ازداد العامل هدوءًا ونجاحًا، لأن روحه اختارت الطمأنينة والسكينة.
ومثلما يحدث في العمل، تتكرر الأمور في العلاقات الشخصية. ففي الواقع، هناك دائمًا مساحة للصراعات الصغيرة، ولكن هناك دائمًا قرارٌ بترك ما لا ينفع. وحينما تختار الصفاء على المشاحنات، تجد أن حياتك تصبح أسهل وأكثر بهاءً. تأمل في قصة الصديقين، اللذين كانا يخوضان جدالات طويلة حول أمور بسيطة. ولكن، عندما قرر أحدهما أن يبتعد عن هذه الجدالات، وبدأ يركز على ما يجمعهما من مودة وصداقة. وما هي إلا أيام قليلة، حتى بدأت علاقتهما تتوطد من جديد، لأن النفوس الكبيرة دائمًا تسعى للصفاء.
إن علاقتك مع نفسك، هي الأساس في رحلتك نحو السكينة. وبالتالي، كم من مرة استيقظنا في منتصف الليل نتأمل أخطاء الماضي، نعيد التفكير في قرارات اتخذناها. ولكن ما أجمل أن نسامح أنفسنا! أن ندرك أن كل لحظة مررنا بها كانت درسًا، وكل موقف كان له حكمة، حتى وإن لم نفهمها حينها. تأمل هنا قصة الأم التي كانت تتدخل في كل صراع بين أبنائها، إلى أن شعرت بأن إرهاقها لا يأتي بنتائج إيجابية. ولكن عندما اختارت الهدوء، وبدأت تترك بعض الأمور تمر، وجدت أن أبناءها تعلموا كيف يحلون خلافاتهم بأنفسهم، وامتلأ المنزل بالسلام. ومن هنا، تجد أن الحياة حين نمنحها الفرصة لتعلمنا، نجد أن الخير دائمًا موجود.
وعلى صعيد العمل، النجاح ليس فقط في إتمام المهام، بل في اختيار معاركك بحكمة. في بعض الأحيان، هناك من سيحاول أن يجعلك تنشغل بالتفاصيل، وهناك من سيضعك في مواقف محرجة. لكن تذكر دائمًا، أن النجاح الحقيقي يكمن في قدرتك على رؤية الصورة الكبرى، وعدم الوقوع في فخ الصغائر. خذ مثلاً القائد الذي واجه موظفًا معارضًا دائمًا، فبدلاً من الدخول في صراع، اختار أن يركز على تحسين بيئة العمل. وبفضل هذا القرار الذكي، تحسنت أجواء العمل وتقدمت المؤسسة. وهكذا، ترى أن الشخص الذي يحمل رؤية أوسع دائمًا ما يجد النجاح ينتظره، لأن طاقته موجهة نحو الأهداف الحقيقية.
وفي حياتنا اليومية، هناك دائمًا من يحاول تقليدك أو منافستك. وفي كثير من الأحيان، قد تشعر في البداية بالضيق، لكن الحقيقة أن هذا التقليد ليس سوى إشارة إلى أنك تسير في الطريق الصحيح. فما أجمل أن تترك الأمور الصغيرة تمر، وأن تركز على تطوير نفسك. تمامًا كما فعل الشخص الناجح الذي قرر ألا ينشغل بمنافسه، بل استمر في ابتكار أفكار جديدة، وترك منافسه خلفه. ومن هنا، نجد أن النجاح الحقيقي يكمن في قدرتك على السير إلى الأمام دون أن تلتفت لما يعرقلك.
وفي هذا الإطار، يحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التعامل بحلم ولطف وتجاوز ما لا يستحق، حيث قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (رواه البخاري ومسلم). فهذا الحديث الشريف يؤكد أن القوة الحقيقية لا تكمن في السيطرة المادية أو الجدال، بل في التحكم بالنفس وتجنب الغضب، وهو ما يتماشى مع فكرة تجاوز الصغائر.
وفي الختام.. الحياة أعظم من أن نستهلكها في التفاصيل التي لا تضيف شيئًا لروحنا. وبالتالي، عندما تختار التركيز على الأمور العميقة، تجد أن السلام والراحة يسكنان قلبك، وأن الطاقة التي كانت تستنزفك أصبحت الآن وسيلة لتحقيق طموحاتك. لذا، اختر أن تعيش بسلام، أن تترك الأمور الصغيرة تمر، لأن السكينة والطمأنينة هما أثمن ما يمكن أن تحظى به في رحلتك. وما أجمل أن تكون روحك في سلام، لتمنح نفسك ولمن حولك حياة مليئة بالرضا والفرح.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
افتتاح معرض دائم بميدان الساعة بـ قنا لتوفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين
في إطار توجيهات الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، بإقامة معارض وأسواق لتوفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين، افتتح اليوم الدكتور خالد عبدالحليم، محافظ قنا، المعرض الدائم بميدان الساعة بعاصمة المحافظة
شهد الافتتاح اللواء حسام حمودة، السكرتير العام لمحافظة قنا، والعميد تامر النجار، رئيس مباحث التموين، وحسن القط، وكيل وزارة التموين والتجارة الداخلية، وأمير الشيخ، رئيس الغرفة التجارية بمحافظة قنا
أكد الدكتور شريف فاروق أن إقامة المعارض الدائمة تأتي في إطار خطة الوزارة لدعم المواطنين وتخفيف الأعباء الاقتصادية عنهم. وأوضح أن هذه المعارض تُوفر جميع احتياجات الأسر من السلع الغذائية وغير الغذائية بجودة عالية وأسعار مخفضة تصل إلى 30%. كما أشار إلى أن هذه الجهود تعكس التعاون المثمر بين الوزارة والمحافظات لتعزيز الاستقرار في الأسواق
الهيئة العامة للإحصاء السعودية: الصادرات غير النفطية ارتفعت 19.7% في نوفمبر 2024تعرف على سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الخميس 23-1-2025ومن جانبه، أوضح حسن القط، وكيل وزارة التموين بمحافظة قنا، أن المعرض يضم أقساماً متعددة تشمل السلع الأساسية مثل اللحوم، الزيوت، السكر، الأرز، المكرونة، البقوليات، الخضروات، الفواكه، الملابس، والأحذية، بالإضافة إلى منتجات أخرى. وأكد أن المعرض يهدف إلى تعزيز الاستقرار في الأسواق المحلية والتخفيف من الضغوط الاقتصادية على المواطنين، خاصة الفئات الأكثر احتياجاً
يضم المعرض مجموعة كبيرة من السلع الغذائية وغير الغذائية بتخفيضات تنافسية تلبي احتياجات المواطنين، وسط إشادة واسعة من الأهالي بجودة المنتجات والأسعار المخفضة. وأكد المواطنون أن هذه المبادرات تمثل اهتمام الدولة برفع العبء عن محدودي الدخل وتحسين مستوى معيشتهم، معربين عن أملهم في استمرار هذه الجهود لتشمل مزيداً من المناطق.