لماذا تأخّر تدشين أول محطة نووية في تركيا.. ماذا عن دور الصين؟
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
أنقرة- كشف وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، الأسبوع الماضي، أن تأخير افتتاح أول محطة للطاقة النووية في تركيا جاء نتيجة قيام شركة "سيمنس إنرجي" الألمانية بحجب مكونات أساسية، موضحا أن هذا التعطيل دفع شركة "روساتوم" الروسية، التي تتولى بناء وتشغيل المحطة، للجوء إلى الصين لتأمين هذه الأجزاء.
كانت تركيا وضعت خططا مبدئية لتشغيل المفاعل الأول في محطة "آق قويو" النووية بحلول عام 2023، إلا أن التأخيرات التي شهدها المشروع أدت إلى تأجيل هذا الموعد إلى العام التالي.
ومن المقرر أن تدخل باقي المفاعلات في الخدمة تدريجيا، مع استكمال تشغيلها بالكامل بحلول نهاية عام 2028.
وأكد الوزير أن التأخير قد يؤدي إلى إرجاء تشغيل أول مفاعل في محطة "آق قويو" النووية لعدة أشهر، موضحا أن القرار يحمل طابعا سياسيا، وأن السلطات التركية تلقت إشعارا رسميا بشأنه في وقت سابق.
بيرقدار: تركيا قد تفكر في فرض غرامات على سيمنس إنرجي نتيجة لهذا التأخير
وقال بيرقدار إن أكثر من 90% من أعمال البناء في المفاعل الأول قد اكتملت، لكنه لفت إلى أن المشروع يواجه تحديات تقنية متعلقة بطبيعة الطاقة النووية، فضلا عن عقبات ناتجة عن عوامل خارجية.
وفي إطار البحث عن حلول بديلة، أكد بيرقدار أن شركة "روساتوم" الروسية، المسؤولة عن بناء المحطة، أبرمت صفقات مع شركات صينية لتأمين الأجزاء المطلوبة، من دون الإفصاح عن أسماء هذه الشركات، وأوضح أن البدائل جاهزة، وأن الأجزاء ستصل من الصين.
كما أشار إلى أن تركيا قد تفكر في فرض غرامات على "سيمنس إنرجي" نتيجة لهذا التأخير، رغم تاريخ التعاون الطويل بين البلدين في مشاريع متعددة.
وفي تصريح سابق، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استياءه من تأخر ألمانيا في تصدير بعض الأجزاء الضرورية لمحطة "آق قويو"، ما تسبب في احتجازها لفترات طويلة في الجمارك.
وأوضح أردوغان أنه أثار هذه القضية مع المستشار الألماني أولاف شولتس خلال لقائهما على هامش قمة الناتو في واشنطن، مؤكدا أن الأمر كان مصدر إزعاج كبيرا للحكومة التركية.
"روساتوم" الروسية لجأت إلى طلب المعدات من شركات صينية لضمان الالتزام بالجدول الزمني المحدد للمشروع (رويترز) سيمنس توضحوحسب رويترز، أكد متحدث باسم "سيمنس إنرجي" أن عدم تسليم بعض الأجزاء إلى تركيا يعود إلى القيود المفروضة بموجب اللوائح الألمانية على الصادرات.
وقال "تم تسليم بعض الأجزاء منذ فترة طويلة، لكن لم يتم تسليم أي شحنات خلال العام الماضي، بسبب عدم إصدار تراخيص التصدير والجمارك اللازمة، ونحن ملتزمون تماما بالامتثال للوائح التصدير".
وأفادت شركة "آق قويو نوكلير"، التابعة لـ"روساتوم"، بأن المحاولات المستمرة لتأمين تسليم المعدات المطلوبة باءت بالفشل، لذا لجأت "روساتوم" إلى طلب المعدات من شركات صينية لضمان الالتزام بالجدول الزمني المحدد للمشروع.
وتتولى شركة روساتوم الروسية بناء محطة "آق قويو" النووية في محافظة مرسين التركية المطلة على البحر المتوسط، ويُعد المشروع -الذي تقدر قيمته بـ20 مليار دولار، ويضم 4 مفاعلات بقدرة إجمالية تصل إلى 4800 ميغاوات- خطوة محورية لدخول تركيا إلى نادي الدول التي تمتلك الطاقة النووية المدنية.
كانت تركيا وروسيا وقّعتا الاتفاق الحكومي بشأن محطة "آق قويو" عام 2010، في حين بدأ البناء الفعلي عام 2013، وشهد المشروع تسارعا ملحوظا عام 2018، وينص الاتفاق على تحديد ملكية تركيا للمحطة بنسبة 49%، مع الالتزام بتشغيل أول مفاعل بحلول عام 2025، إلى جانب اتفاقية لشراء الطاقة بسعر مضمون.
لماذا تهتم تركيا بالطاقة النووية؟لفت الباحث الأكاديمي جنك سراج أوغلو، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن تركيا تسعى جاهدة لتعزيز أمنها الطاقي وتنويع مصادر الطاقة، وذلك من خلال إدخال الطاقة النووية كجزء محوري من خطتها الوطنية للطاقة.
ويرى أن هذا التوجه يتماشى مع أهداف الحكومة التركية بجعل الكهرباء المولدة من المحطات النووية تمثل 11.1% من إجمالي الإنتاج بحلول عام 2030، مما سيسهم في تعزيز استقلال تركيا الطاقي، ودعم تحولها نحو نظام طاقة مستدام.
وأوضح أن تركيا تعتمد على شراكات إستراتيجية وتطورات تنظيمية لتوسيع قدراتها النووية بحلول عام 2050، بما يشمل محطات تقليدية ومفاعلات صغيرة ومتوسطة.
ومن بين هذه المشاريع تأتي محطة "آق قويو"، التي أشار إلى أن فترة تشغيلها قد تمتد لـ60 عاما قابلة للتمديد، حيث ستسهم في منع انبعاث 2.1 مليار طن من الكربون، ما يدعم التزام تركيا بتحقيق صافي الانبعاثات بحلول عام 2053.
"روساتوم" ستستعين بالصين لإكمال المفاعل التركي الأول (الفرنسية)وفي إطار خطط تركيا لتوسيع البنية التحتية للطاقة النووية، يرى سراج أوغلو أن المحادثات الجارية بين تركيا وروسيا وكوريا الجنوبية لإنشاء محطة ثانية في ولاية سينوب، وكذلك مع الصين لبناء محطة ثالثة في منطقة تراقيا، ستعزز توجه البلاد نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.
هل تعوّض الصين غياب ألمانيا؟في السياق، أوضح الباحث الاقتصادي بجامعة حجي بيرم حقي إيرول جون، في حديث للجزيرة نت، أن قرار الشركة الألمانية يأتي في سياق سياسي، موضحا أن تركيا قدّمت العديد من الشكاوى للحكومة الألمانية لحثها على تسريع إرسال المكونات المطلوبة والمتفق عليها.
ويرى أن هذا المنع مرتبط بالعقوبات المفروضة على روسيا، لكنه يؤثر بشكل مباشر على تركيا رغم أنها ليست طرفا في النزاع، ومع ذلك، يعتقد أن هذه العقبات قد تؤدي إلى تأخير إطلاق المشروع، لكنها لن تعيق استكماله بشكل كامل، إذ تمتلك تركيا بدائل للاستيراد، مثل الصين وكوريا الجنوبية، اللتين تربطهما علاقات وثيقة مع تركيا في مجال الطاقة النووية.
ويضيف إيرول جون أن الصين قد تكون شريكا محتملا لبناء المحطة النووية الثالثة في تركيا، وهو ما يعزز قدرات البلاد النووية ويقلل اعتمادها على الموردين التقليديين الذين قد يتأثرون بالضغوط السياسية.
وينوه بأن الصين أبدت رغبة واضحة في الانضمام إلى تركيا في هذا المجال منذ البداية، حيث ترى في التعاون مع أنقرة فرصة لتعزيز وجودها في السوق النووية العالمية، خصوصا مع تزايد الطلب على الطاقة النظيفة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الطاقة النوویة بحلول عام أن ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
ماذا تعني عودة ترامب بالنسبة إلى تركيا؟
يثير الإنتصار الساحق لدونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت مؤخراً ردود أفعال مختلفة حول العالم، لا سيما إزاء التداعيات المحتملة لوصوله الى البيت الأبيض. وبخلاف الفترة السابقة التي تولى فيها السنوات الأربع من 2017 إلى 2021، يتمتع ترامب هذه المرّة بأغلبية في مجلس الشيوخ والنواب أيضاً، ما يعني أنّه سيكون مطلق اليدين لتنفيذ ما يراه من سياسات مناسبة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
المفارقة الأخرى التي يجب أن نذكرها هي أنّ التعيينات الأوّلية لترامب تبدو متطرفة للغاية حتى مقارنة مع تعييناته السابقة في الفترة التي خدم فيها كرئيس للولايات المتّحدة. هذا التطرف في غالبه موالٍ لإسرائيل. ومع عدم وجود خلاف حول حقيقة أنّ كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدعمان إسرائيل، إلاّ أنّ أحداً لم يحقق لإسرائيل ما حققه ترامب لها خلال الفترة السابقة لحكمه، ولذلك فإنّ مثل هذه التعيينات يجب أن يكون مؤشراً خطيراً إزاء الترتيبات الإقليمية القادمة.
وبغض النظر عن هذه النقطة بالتحديد، هناك تفاؤل حذر في أنقرة إزاء عودة ترامب إلى الرئاسة. المناخ العام في تركيا هو أنّه سيكون بالإمكان الاستفادة من إدارة ترامب خاصّة إذا ما استطاع الرئيس أردوغان إقناعه شخصياً بأهمّية التعاون التركي ـ الأمريكي في المنطقة وحل المشاكل الإقليمية والدولية، لما ينطوي على ذلك من مصلحة مشتركة ومنافع مشتركة. الجانب التركي يعتقد أنّ وعود ترامب ورغبته في إنهاء الحروب الإقليمية والدولية ـ بما يتيح لواشنطن التفرّغ للصين ـ قد تساعد أنقرة بشكل كبير على تحقيق مصالحها من خلال ما تمثّله من تقاطعات.
تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها.وبناءً عليه، فقد كان الرئيس التركي أردوغان من أوائل أولئك الذين هنّؤوا ترامب بفوزه بالرئاسة، ووصف أردوغان ترامب بأنه "صديق"، معرباً عن رغبته في تعزيز التعاون معه، وحثّه على الوفاء بتعهده بإنهاء حروب إسرائيل على غزة ولبنان، وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا. وبالرغم من أنّ ولاية ترامب السابقة (2017 ـ 2021) شهدت قيام الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا أدّت إلى التأثير سلباً على الاقتصادي التركي، إلاّ أنّ التفاهم الذي جرى بعد ذلك بين الرجلين جعل ترامب يقول إنّه من أشد المعجبين بأردوغان وأن يكرر أنه يشرفه استضافته في البيت الأبيض.
يدعو الرئيس التركي اليوم ترامب إلى زيارة أنقرة وإلى الإيفاء بتعهّداته التي قطعها إبّان ترشحّه للرئاسة وسط تفاؤل حذر حول هذا الأمر. هناك بعض الملفات ذات الطابع الثنائي بين تركيا وأمريكا كتواجد القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا لحماية الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني أو ملف المقاتلات الأمريكية (أف ـ 35) او نظام الدفاع الصاروخي الروسي (اس-400)، وهناك ملّفات ذات طابع إقليمي كالتصعيد الإسرائيلي ـ الإيراني في المنطقة، وهناك ملفات ذات طابع دولي كالحرب الروسيّة ـ الأوكرانيّة.
وفي هذا السياق، هناك تصوّر تركي أنّ إدارة ترامب الأمريكية ستسحب قواتها من شمال شرق سوريا وتتيح التوصل إلى إتفاق مع تركيا بخصوص الوضع المستقبلي لسوريا. يدعم هذا التفاؤل أيضاً بعض التصريحات لمسؤولين أمريكيين سابقيين من بينهم جيمس جيفري، سفير أمريكا السابق لتركيا، وروبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا.
وفي ملف التصعيد الإسرائيلي، نقلت تقارير سابقة أنّ ترامب طالب نتنياهو قبيل فوزه أن يقوم بالانتهاء من غاياته وأهدافه في الحرب التي يشنها على غزة ولبنان مع نهاية العام، أي قبل وصول ترامب الى السلطة. طبعا، مثل هذا الامر ـ إن تمّ ـ من الممكن أن يساعد الجانب التركي على استعادة دوره الإقليمي سياسيا وعسكرياً بشكل أكبر. كما قد يتيح له كذلك لعب دور رئيسي في عمليات إعادة الإعمار في المنطقة ممّا يساعد على تحسين وضعه الاقتصادي.
وفيما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، فالسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم إدارة ترامب بلقاء الرئيسين، وبإجبار الجانب الأوكراني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات تحت طائلة إيقاف الدعم الأمريكي المقدّم إلى كييف في مواجهة روسيا، الأمر الذي إن حصل، سيجعل من أوكرانيا لقمة سائغة لموسكو بعد أن أصبح اعتمادها على واشنطن شبه كلّي في الحرب الدائرة مع روسيا اليوم. وبغض النظر عن ذلك، فإنّ انتهاء الحرب يعدّ أمراً جيداً لتركيا ويثبت بالإضافة إلى باقي الأمور ـ إن تحقّقت ـ أنّ موقفها السياسي كان على صواب فيما يتعلق بهذه الملفات وأنّه قد حان الوقت لتحقيق الاستقرار والتركيز على تحقيق الامن والسلام والازدهار.
لكن مثل هذا التصوّر للفرص التي قد تتيحها عودة ترامب قد لا يكون واقعياً بشكل كامل ودونه عقبات وتحدّيات كبرى بطبيعة الحال خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ثلاثة أمور. أولاً، ترامب شخص غير مستقر، وحقيقة انّه فرض عقوبات على تركيا عندما كان رئيسياً وجعل انقرة تعاني إقتصادياً يعني انّه بالإمكان ـ ولو نظرياً ـ إعادة فعل ذلك اذا تعارضت السياسية التركيّة مع تلك الأمريكية بشدّة في بعض الملفّات المتعلقة بالمصلحة الأمريكية، وهذا أمر لا يمكن استبعاده بشكل كلّي.
ثانياً، تعيينات ترامب التي تمّت خلال الأيام القليلة الماضية لشغر المواقع الرئيسية في إدارته تشير إلى أنّها ستكون الإدارة الأكثر موالاة لإسرائيل في التاريخ. فهي إدارة مليئة بمتطرفي الصهاينة واليمين المسيحي، وهذا يطرح تساؤلات حول مدى جدّية ترامب في إيقاف الحروب الإسرائيلية في ظل إدارة من هذا النوع، وعمّا اذا كان يريد توسيع الحرب بدلاً من إيقافها. من غير المعروف كذلك إذا كان ترامب سيقوم بموازنة هذه الشخصيات في ادارته بشخصيّته هو لتحقيق التوازن الخارجي، أم أنّه سيطلق العنان لهم ولخطّهم في إدارة سياساته. من شأن الخيار الثاني أن يؤدي حكماً الى تصادم مع تركيا في عديد من الملفات لاسيما فيما يتعلق بإسرائيل وسياساتها في المنطقة.
ثالثا، للكونغرس كلمته هو الآخر. غالباً ما كان الأخير هو العنصر الأكثر إشكالية في العلاقات الامريكية- التركية، وليس الرئيس الأمريكي. يمتلك الكونغرس العديد من الصلاحيات التي يستطيع من خلالها تعطيل التوافق الأمريكي ـ التركي وإختلاق المشاكل لأنقرة والتسبب بكثير من المتاعب بما في ذلك مسألة العقوبات والتعاون السياسي والأمني والدفاعي بين الطرفين. والمؤشرات الأولى تقول أنّ الكونغرس ليس إيجابياً تجاه أنقرة لكن ربما يُحدث ترامب التوازن المطلوب معه، أو ربما يوظّفه في توازنات يكون المقصود منها دفع أنقرة الى تقديم تنازلات تحت سقف التفاهم المنشود.
لا شك بأنّ عودة ترامب قد تفتح باب الفرص بالنسبة إلى تركيا في بعض الملفات، لكنّها أيضا قد تخلق نوعا جديداً من التحدّيات في ملفات أخرى. وعليه، سنرى في أي اتجاه ستسير الأمور لاحقاً.