هل يفعلها التونسيون مرة أخرى؟!
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
كان لشعب تونس شرف السبق في إيقاظ الشعور الثوري لدى الشعوب العربية وفي إحياء موات الجماهير، بعد التصالح الطويل الذي عاشته عقودا متعاقبة ترزح تحت نير القهر والإذلال، ذلك الموات الذي راهنت عليه الجوارح المتربصة بنهش الجسد العليل للأمة مع حرصها على بقائه ميتا لا حراك فيه! ولقد انتفضت الشعوب من أجل كرامتها وعزتها، وكانت كلمة السر في غضبة الشاب "محمد البوعزيزي" الذي أشعل النار في جسده كردة فعل لما لاقاه من إذلال وإهانة، فانتفض له أهله من شعب تونس الكريم وتبعته الشعوب العربية شرقا وجنوبا.
لكنه وفي غفلة من تلك الشعوب ومع غياب النضج الثوري وعدم المعرفة الواجبة لحقيقة المؤامرات التي تحاك في الإقليم الذي يضم أمراء المكر والسوء ممن ابتليت بهم أمتنا، الذين يجودون بفتح خزائنهم من أجل إجهاض رغبة الشعوب في العيش بكرامتهم مثلما تعيش الشعوب الحرة في كل بلاد الدنيا، وفي غفلة شعوب المنطقة العربية عن المؤامرات التي تولت كِبْرها تلك الإمارة! وفي غفلةٍ كذلك عن المؤسسات -التي تمتلك القوة في بلادنا- الكارهة للمساواة والحرية اللتان يهددان بقاء مصالحها..
عادت الدولة العميقة الموالية للاستبداد والدكتاتورية على مقاس الأمير الخليجي للحكم في تونس مرة أخرى، مستغلة أدوات العملية الديمقراطية ومستفيدة من حالة الميوعة التي اتسمت بها حركة النهضة، ومستغلة حالة التسامح البلهاء من عدم الحزم في إزاحة بقايا الأنظمة البالية من سدنة الحكم السابقين
جرى التنسيق بين مايسترو الثورات المضادة في المنطقة العربية وبين حائزي القوة في الدولة التونسية ممن فقدوا شرفهم وحنثوا في القَسم الذي أقسموه بالولاء والطاعة لإرادة الشعب -صاحب الحق الوحيد في إدارة شئون البلاد- وفي سرية تامة دُبر الاتفاق المشئوم لإعادة الأمور في تونس إلى ما كانت عليه قبل الربيع العربي، مدعوما برعاية سياسية من إحدى الدول الأوروبية -فرنسا- التي عُرفت بحقدها والتخطيط لمصالحها التي لا تتفق مع شيوع الديمقراطية في القرن الأفريقي والمنطقة العربية، وحظي الاتفاق كذلك بالرعاية المالية من الإمارة الخليجية التي تكلمنا عنها، وبالمساعدات الاستخباراتية من مرتزقة أحد الأنظمة في المنطقة العربية..
وفي ظل سذاجة مفرطة لأحد أكبر التنظيمات العاملة في تونس -حركة النهضة- فقد ساعدوا في تسليم البلاد لذلك الذي قدم إليهم من جُحر الدولة العميقة، بعدما أداروا ظهرهم لأحد المؤمنين والمنظّرين للديمقراطية في بلاد القيروان، الرئيس الأسبق لتونس د. المنصف المرزوقي، وبسبب شؤم المواءمات السياسية التي اعتادته التنظيمات، فقد تواءمت "حركة النهضة" مع المرشح الغامض "قيس سعيد" ولربما نلتمس العذر للحركة! فقد جرى تقديم "قيس" بطريقة لا تخلو من المكر والدهاء، وظهر مصطفّا مع حركة النهضة في خلفيتها الثقافية والدينية، وجاءت تصريحاته وتغريداته حول فلسطين والقدس وغيرها في ميدان واحد مع الحركة!
والحقيقة أن المحرك الرئيس لتنظيم النهضة في تلك المواءمات كانت مصالحها الانتخابية والشعبوية وليس تطابقها الفكري مع قيس! وهذا ما حملها على الموقف السلبي تجاه الرئيس الأسبق "المنصف المرزوقي"..
وعادت الدولة العميقة الموالية للاستبداد والدكتاتورية على مقاس الأمير الخليجي للحكم في تونس مرة أخرى، مستغلة أدوات العملية الديمقراطية ومستفيدة من حالة الميوعة التي اتسمت بها حركة النهضة، ومستغلة حالة التسامح البلهاء من عدم الحزم في إزاحة بقايا الأنظمة البالية من سدنة الحكم السابقين، تماما كما حدث في البلدان العربية المجاورة!
وظهر "قيس سعيد" على حقيقته لجميع القوى الثورية، مستغلا حالة التطاحن التي قادتها بعض الأحزاب العلمانية واليسارية الكارهة للنهضة والمضحية بالديمقراطية والثورة من أجل النكاية بالحركة الحاكمة! وانضمت المؤسسات القضائية والعسكرية والشرطية -الرافضة للثورات!- جنبا إلى جنب مع رغبة "قيس سعيد" بالانقلاب على الديمقراطية وإعادة الأمور كما كانت قبل إزاحة الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي"، وصار الحال في تونس كما حدث في غيره من الأقطار العربية التي عادت إلى الوراء ودفعت ثمن الحلم بالحرية والكرامة..
تحركت جماهير الشعب التونسي مرة أخرى حينما لوّح "قيس سعيد" برغبته في الترشح لولاية ثانية -لا يوجد ديكتاتور يزهد في الحكم!- خاصة وقد افتضح أمره بعد سنوات كئيبة من حكمه؛ قام فيها بحل البرلمان (السلطة التشريعية في البلاد) واعتدى على السلطة القضائية من أجل تقزيم استقلاليتها وسجن الناشطين
وتواصلت حالة الجزر لثورات الربيع العربي في ظل انتعاش عملية التطبيع مع الاحتلال الصهيوني حتى جاءت "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والتي قضت بدورها على رغبات التطبيع الحثيثة، وأصابت بالخسران مروجيها من كُهّان الإعلام وبطانة الأنظمة الحاكمة في المنطقة..
وتحركت جماهير الشعب التونسي مرة أخرى حينما لوّح "قيس سعيد" برغبته في الترشح لولاية ثانية -لا يوجد ديكتاتور يزهد في الحكم!- خاصة وقد افتضح أمره بعد سنوات كئيبة من حكمه؛ قام فيها بحل البرلمان (السلطة التشريعية في البلاد) واعتدى على السلطة القضائية من أجل تقزيم استقلاليتها وسجن الناشطين، وأشهرهم رئيس مجلس نواب الشعب "راشد الغنوشي"، ولم يبق لقيس سعيد سوى أسلوبه السمج في الحديث عن المؤامرات الخارجية التي تستهدف تونس!
وختاما نرجو الله أن يبارك في حشود الشارع التونسي وأن يُحْيي بهم موات الشعوب العربية كما فعلت في ثورة الياسمين 2010، وكما قدر لها أن تكون أداة إلهام لجيرانها من شعوب المنطقة العربية، وأن تصبح مصدر إلهام لعودة الحياة إلى جسد الأمة العربية الذي نالت منه جوارح الثورة المضادة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس الديمقراطية قيس سعيد الثورة انقلاب تونس الثورة الديمقراطية قيس سعيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة رياضة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المنطقة العربیة حرکة النهضة قیس سعید مرة أخرى فی تونس من أجل
إقرأ أيضاً:
حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: نشيد ونشكر دولة روسيا الاتحادية ودبلوماسيتها على وقفتها مع الشعب السوداني
قالت حركة المستقبل للإصلاح والتنمية بإننا نشيد ونشكر دولة روسيا الاتحادية ودبلوماسيتها على وقفتها مع الشعب السوداني وتضامنها مع وحدة وسيادة السودان. – ندعو الحكومة السودانية لأن تمضي بكل ثبات وبدون تردد نحو ترسيخ “تحالفات استراتيجية” مع الجهات التي تحترم سيادة الدول وإرادة الشعوب مثل روسيا والصين. – في مثل هذه القضايا لا نعرف الحياد بل ننحاز لكرامة الشعوب وإرادة الدول الساعية نحو كمال تحررها وسيادتها ونؤكد أن العمل الإنساني يحب أن يتحرر من التسييس والأجندة. الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب