أخبارنا المغربية - بدر هيكل

يعتبر المغرب من أكثر الدول العربية والإسلامية احتضانا للأضرحة، ولا تكاد تخلو قرية أو مدينة من ضريح، وبلغت زيارة الأولياء والتبرك بهم درجة كبيرة من الانتشار في المجتمع المغربي حتى قيل عنه أن أرضه تنبت الصالحين والأولياء كما تنبت الأرض الكلأ (النبات).

بين ضريح وضريح يوجد ضريح

في تصريح للدكتور إدريس الكنبوري، الخبير في الشأن الديني : "المغرب معروف بأنه بلد الأولياء والصالحين، وأن الأسر التي حكمت المغرب كلها كان لديها امتداد في النسب الشريف وانتماء إلى زوايا أو عائلات صوفية".

فمنذ القدم، يتداول المغاربة مقولة أن المغرب بلد الأولياء والمشرق بلد الأنبياء. ويكمن سّر هذه المقولة في ما أشار إليه الباحث المغربي عبد الغني منديب، في كتابه "الأضرحة بالمجتمع القروي: آليات الوجود والاستمرار"، بأنّ المغرب يتميّز بتبجيله أكبر عدد من الأولياء حتى استحق لقب بلد المئة ألف ولي.

وعندما ردد المغاربة مقولة أنه “بين كل ضريحين يوجد ضريح في المغرب"، فذلك ليس مبالغة أو تهويلاً، لكنها على أية حال تعبر عن وفرة أعداد الأضرحة في بلد يُعرف بكونه “بلد الأولياء”، إذ يصل عددها الى 7000 ضريحاً وزاوية، وفق آخر معطيات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.

ويواصل المغرب العناية بالأضرحة والزوايا، من خلال تخصيص ميزانيات مالية كبيرة لها كل سنة، سواء من ميزانية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو عبر هبات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إذ عدى الإنفاق عليها خلال السنة الماضية 146 مليون درهم مغربي، من أجل تجديدها وترميمها والمساعدة في أداء مهامها الدينية.

الاضرحة وحلم قضاء الحاجات

في وقت سابق، اعتبر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أن المغاربة كانوا يبحثون دائماً عن نماذج إنسانية وبشرية استثنائية من حيث القيم، ويقيمون لها ضريحاً بعد الوفاة.

كما أكد الوزير أن الأضرحة الموجودة في المغرب تندرج ضمن أولويات الوزارة من حيث الحفاظ عليها وترميمها، لكن الأمر يأتي في المرتبة الثانية بعد المساجد، يضيف التوفيق. 

وقد اشتهرت العديد من الأضرحة في المغرب بكونها تحولت إلى مقصدا لآلاف المرضى والراغبين في قضاء حاجيات دنيوية من زواج وخصوبة وولادة وذرية صالحة، أشهرها ضريح الرداد قرب مدينة أزمور، المخصص "لعلاج" النساء العقيمات، وضريح عائشة البحرية المخصص في تزويج العانسات، وفق اعتقادات مرتاداته، وضريح الولي يحيى بن يونس، ثم ضريح بويا عمر الذي أغلقته الحكومة بعد ثبوت ممارسات مخلة بكرامة الإنسان، لمرضى عقليين داخله.

وفي ذات الوقت الذي يرتجي كثيرون من زياراتهم تحقق غاياتهم وأمانيهم، يبدو أن البعض استشعر أن "الاموات" لا يحققون الأماني، وهكذا أقدمت امرأة مغربية، على إضرام النيران، في واحد من أشهر الأضرحة في المغرب، في حادثة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء إِشعال النيران في الضريح بعد تردد المرأة عليه لفترة طويلة، إلا أن السيدة "يئست بعد ذلك من تحقيق أمانيها من قبل والي الضريح" حسب إفادتها في تحقيقات الشرطة عقب إلقاء القبض عليها.

 استمرار التدين الشعبي

تتفق شهادات عدد من المواطنين على أنّ زيارة الأضرحة هي شرك بالله، في الوقت الذي يبرر عدد منهم زيارته لها بـالتبرك، رغم ما عرفه المجتمع المغربي من تحولات وتطورات.

 وكان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، صرح في سياق متصل، بأن زيارة الأضرحة ليست شركا بالله، مضيفا أن المدفونين في هذه الأضرحة كان لهم منافع على الناس ولذلك يقول المغاربة “قراب لله وكنترجو براكتهم”.

وأضاف التوفيق أن الغزو السلفي المعقد للمغرب، كان يحارب الأضرحة، مضيفا أن المغاربة مهتمون بالأضرحة لأن المدفونين فيها “تميزوا بصفات في خدمة الناس والجماعة، وكانوا يحرصون على الأمن وأمور أخرى”.

والى جانب تصريحات وزير الاوقاف، هناك بالفعل جدل حول هذه المعتقدات والممارسات المرتبطة بها من الناحية الدينية، تقول الأستاذة ليلى عسراوي باحثة في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، "إذ أن هناك بالفعل بعض الفقهاء الرافضين لهذه الظاهرة، الذين يرون فيها مجرد بدع لا تمت بأية صلة" للإسلام الصحيح"، وعليه ينبغي منعها وتحريمها. في حين يرى فيها آخرون جزء من التصوف المغربي الذي يمكن اعتباره تراثا لا ماديا". وهو النقاش الذي يستمر ويبرز مع كل مناسبة وموسم رغم ما يعرفه المغرب من تحولات وتطورات.

هذا، ويؤكد هشام عميري، الباحث بجامعة أبي شعيب الدكالي، في دراسة نشرت ضمن ”مجلة العلوم السياسية والقانون”، على أن التحولات التي عرفها المغرب لم تحد من هذه الظاهرة، ذلك أن “التدين الشعبي لدى الشباب والإيمان بمعتقدات عديدة لا يزال مستمرا.. وأن التطور السياسي والاجتماعي والرقمي الذي يعرفه المغرب لم يحد من ظاهرة استمرارية ثقافة الأضرحة، التي ربطها بالترويج الإعلامي والتنشئة الأسرية”.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: الأوقاف والشؤون الإسلامیة الأضرحة فی فی المغرب

إقرأ أيضاً:

جدلية الصدفة والمنطق في الطب الشعبي «2»

المرحلة الأولى: الفكرة المجردة في أحد المجتمعات المحلية في سلطنة عمان، تنتشر ممارسة شعبية في علاج صداع الرأس، التي تتطلب وجود توأمين ذكر أو أنثى، وبعض المجتمعات تعتبر أنثى التوأم غير جيد لأسباب وأفكار متعددة. يقوم أحد التوأمين بالتدليك أو الضغط على مكان الألم بالرأس باستخدام القدم عادة، ويشفى المريض من الصداع بعد فترة وجيزة من ذلك. ما الذي أدى لهذه الممارسة؟ بداية كانت هذه الممارسة عبارة عن فكرة مجردة، فعند ولادة التوأمين، يتبادر إلى ذهن الأبوين أو الأفراد في تلك البيئة، مجموعة من الأفكار حول هذا الحدث. من بينها الاعتقاد بأن هذا الحدث أمر خارج عن المألوف، وهو كذلك في حالة إن كانت ولادة التوأم لأول مرة، مما يضفي على ذلك أنه شيء مُبارك، ويتم ربطها بمختلف الجوانب، كالطبيعة، ويوم محدد، ووقت محدد، أو حتى أنها مشيئة الإله، فهي إذا مباركة، وغيرها الكثير والكثير من الأفكار المختلفة باختلاف طبيعة المجتمعات آنذاك. بعدما تبادرت هذه الأفكار للناس، احتاجوا لنوع من إضفاء جانب إمبريقي عليها في أرض الواقع، أي كأنك تأتي بفرضية وتريد تجربتها. غير أن الفرق في الأولى فقط أنها ليست على أساس علمي، وإنما أقرب ما يكون للسريالية أو الميثولوجيا. وهنا ستأتي المرحلة الثانية، ألا وهي إضفاء معنى ملموس على الفكرة، بعدما كانت فكرة مجردة.

المرحلة الثانية: إضفاء المعنى الملموس للفكرة وفي هذه المرحلة، تتم محاولة تجربة الفكرة على الواقع، ولكن عادة ما يتم ربط مثل هذه الأفكار في المرحلة الأولى بالعلاج، لعدم وجود مستشفيات آنذاك، والمعرفة كانت قليلة في الطب بداية، فيلجأ الناس للتجربة، سواء كانت من خلال بعض الطقوس، والنباتات، والمياه... إلخ، وبمختلف الطرق والأساليب. لو أتينا لمثال التوأم، فعند إصابة أحد الأشخاص بالصداع، يتم ربط الأفكار المرتبطة بولادة التوأم بالعلاج، ولكن ليس بشكل يقيني، بمعنى أن لجوء المريض للتوأم في البداية، أو حثه من قبل الناس من حوله بذلك، هو فقط نتيجة انعدام السبل الأخرى للعلاج، أو حتى لتخفيف الألم، كمثل من يلجأ للكي إذا لم تُفده المستشفيات، وليست بمعرفة قدرة أحد التوأمين على تخفيف الألم بطريقة أو بأخرى. وفي أحيانٍ أخرى، تكون الصدفة هي التي تأتي قبل ربط التوأم بأي أفكار ميثولوجيه، فعلى سبيل المثال، يأمر الشخص المصاب بالصداع أحد أفراد عائلته بتدليك رأسه، غير أنه لم يشعر بأن الألم قد خفَ، فيأتي أحد التوأمين تاليا في الوقت نفسه أو حتى في وقت آخر، ويقومان بالتدليك، فهنا يبدأ المريض بالشعور بنوع من الراحة، وتدريجيا يختفي الألم. بعدها يقوم الشخص المريض بنفسه بالربط بين ولادة التوأم، ووجود قدرة غير طبيعية في العلاج على الأقل لدى كل من يُولد توأم. ولكن الصدفة هنا ليست كالصدفة في المرحلة الثالثة، فالصدفة في هذه المرحلة هي لحظة اكتشاف قدرة التوأم على العلاج، أما الصدفة في المرحلة الثالثة فهي لحظة حدوث الأثر الإيجابي من الممارسة، أيًا كانت هذه الممارسة.

المرحلة الثالثة: الصدفة هذه المرحلة تكون غالبا هي لحظة الحسم، بمعنى أنها هي التي تحدد إما استمرارية الممارسة، وإما توقفها عند المرحلة السابقة. لنأخذ مثالا آخر لإحدى الممارسات الشعبية في الطب الشعبي، المرتبطة بمتغيري العمر والجنس كلاهما، تنتشر ممارسة في المجتمع العماني متعلقة بـ «البكر» (سأستخدم المصطلح في الشرح)، وهي الابنة الكبرى. هذا المثال شبيه بمثال التوأم، لذلك لن نعيد تطبيقها على المراحل السابقة، عندما تقوم البكر بعملية التدليك، تبين أن لها مفعولا يُشعر بالراحة ويبدأ الألم بالانحسار، وهنا ستدخل الصدفة في البداية، التي ما إن نسمع بها في الحديث عن الممارسات الشعبية في الوقت الحاضر، يتبادر إلى ذهن الباحث سؤال مهم، ذكرنا أن هذه المرحلة هي التي تحدد استمرارية الممارسة أو العادة الشعبية من توقفها، إذا في حالة أن البكر قامت بالتدليك ولم تعط أية نتيجة إيجابية، فما هو السبب في استمرارية عمل شيء لا يعطي نتيجة حتى وقتنا الحاضر؟؟ أو كما يقول المثل الدارج: «كنك، أي كأنك تغبر سمة»، والسمة هي نوع من الصناعات السعفية. لا أقول بأن قدرات البكر مثلا أو التوأم في العلاج تشكل ما نسبته 90% من العلاج في طول فترة حياة الإنسان وحتى وقتنا الحالي، غير أننا نستنطق الواقع بما ينطق، فمن خلال المقابلات التي أجريتها مع بعض الأفراد الذين ما زالوا يمارسون هذه الممارسات الشعبية، التي كانت حول ما إذا كانت هناك نتيجة إيجابية لهذه الممارسات، أجاب غالبية المبحوثين بوجود فائدة، وقد كانت نسبتها متفاوتة بين المتوسطة والعالية في درجة الأثر الإيجابي، وهذا يختلف حسب طبيعة الألم وعوامل أخرى كنفسية المريض واستجابته النفسية من هذه الممارسة. للحديث بقية..

مقالات مشابهة

  • جحر الضب العلماني وأسر التقليد للماضي.. مشاتل التغيير (12)
  • تقرير رسمي: المغاربة ثالث أكثر الأجانب المعنيين بالترحيل من الاتحاد الأوربي
  • جدلية الصدفة والمنطق في الطب الشعبي «2»
  • مظاهرة في المغرب تنديداً بحرب الإبادة الصهيونية على غزة
  • هل تشمل المغرب؟ ترامب يعلن زيارة عدد من الدول العربية الشهر المقبل
  • حزب المؤتمر الشعبي يزور منطقة الشجرة العسكرية
  • حاكم سبتة المحتلة يحتفل مع المغاربة بعيد الفطر
  • المغاربة يؤدون صلاة عيد الفطر في أجواء التآزر والتآخي (صور)
  • الآلاف يتوافدون على الساحة الأحمدية بطنطا لأداء صلاة عيد الفطر وسط أجواء احتفالية ودعوات لدعم القضية الفلسطينية
  • الدمج بعد العيد.. اتفاق وشيك على انخراط الفصائل بالحشد الشعبي