نميرة نجم في ندوة مقاومة الظلم بمنتدى الحوار الدولي بفيينا
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
أثنت السفيرة الدكتورة نميرة نجم، خبير القانون الدولي ومديرة المرصد الإفريقي للهجرة، على الكاتب والصحفي والمحرر اليهودي الأمريكي آدم شاتز وموقفه بشان ما يحدث في قطاع غزة الآن، خاصة وأنه يبدو لا أحد مهتم بجدية في هذا الصراع بسقوط المدنيين من الجانبين ،مؤكدة على ما أشار إليه الكاتب بأن ما حدث فى ٧ أكتوبر لا يبرر التدمير والقتل ضد المدنيين في غزة.
وأوضحت السفيرة أن الكاتب الأمريكي استطاع أن يضع الأمور في نصابها الصحيح مذكرًا بأن قطاع غزة تحت الحصار منذ أكثر من ١٧ عاما، وان القتل العشوائي للفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية لن يؤدى إلى السلام.
وأكدت السفيرة على أهمية الاستجابة إلى نداءات وقف اطلاق النار الفوري ، والعودة لمائدة التفاوض بجدية لانهاء هذا الصراع الدموي وإطلاق المحتجزين من الجانبين، والإحلال السلام الدائم بالتفاوض النهائي والناجز لإقامة الدولتين ، لحماية الشرق الاوسط من كوارث أعظم واشتعال حروب إقليمية أكبر ستؤثر على مستقبل المنطقة و العالم.
وأشارت السفيرة إلى أن غزة والضفة الغربية مازالت مناطق تقع تحت الاحتلال الاسرائيلي و ان مسؤولية حماية المدنيين فيها طبقا للقانون الدولي تقع علي عاتق سلطة الاحتلال كما اقرته محكمة العدل الدولية فى رايها الأخير بعدم شرعية الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.
جاء ذلك أثناء مشاركة السفيرة في ندوة بعنوان "مقاومة الظلم (من فرانتز فانون إلى معسكرات التضامن في الجامعات الأمريكية) دروس نتعلمها من الحركات الاحتجاجية"، بدعوة من "سابين كروسنبرونر" الوزير المفوض بوزارة الخارجية النمساوية وأمين عام منتدى "برونو كرايسكي " للحوار الدولي بفيينا والذي نظم الندوة لمناقشة كتاب "عيادة المتمردين " للكاتب آدم شاتز، المحرر الأمريكي لمجلة لندن ريفيو أوف بوكس ،و والمساهم في مجلة نيويورك تايمز، ومجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، ومجلة نيويوركر، والأستاذ الزائر في كلية بارد ، وأمضى القسم الأعظم من حياته المهنية في سرد القصص الغامضة غالبًا لمفكرين وفنانين متمردين مثل إدوارد سعيد ونينا سيمون وميشيل هويليبيك وسونيك يوث.
ويقول منتدى "برونو كرايسكي " للحوار الدولي بالنمسا في تقديمه للندوة عندما قام الكاتب آدم شاتز، بالبحث في سيرة حياة "فرانتز فانون " في كتابه بعنوان "عيادة المتمردين"، لم يكن بإمكانه أن يعرف مدى أهمية استكشاف تفكير المتمردين في عام 2024.
كان فرانتز فانون الطبيب النفسي والفيلسوف السياسي مناضل معارض للحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر ، موضوع حساس للغاية في ظل الجدل المحتدم في الجامعات الغربية حول السابع من أكتوبر والحرب في غزة.
توفي فرانتز فانون مبكرا عن عمر يناهز 36 عاما بمرض سرطان الدم ، لكن دعوته لتحقيق العدالة لمظلومي القوى الاستعمارية في كتابه «المعذبون في الأرض» مع مقدمة بول جول سارتر لا تزال مسموعة، كلما طرح السؤال: كيف نقاوم الظلم؟
ليس بأسلوب العنف الذي تمارسه حماس، بالطبع ،هناك أشكال أخرى قوية من الاحتجاج.
وقد كتب آدم شاتز في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس في مقالته الأخيرة "انحدار إسرائيل"، فإننا نرى الآن حركة احتجاجية جديدة قد تكون موجة المقاومة الأكثر أهمية حتى الآن، كما تحدث في وسط المجتمع الغربي: بين الطلاب هم العديد من الشباب اليهود الذين لا يريدون الارتباط بدولة غير ليبرالية بشكل واضح مثل إسرائيل.
وفي حين أن "آدم شاتز " يدرك خطر التطرف بين المتظاهرين، فإنه يقول: "إن ولادة حركة عالمية معارضة للحرب الإسرائيلية في غزة وللدفاع عن حقوق الفلسطينيين، هي، إن لم يكن أي شيء آخر، علامة على أن إسرائيل فقدت الحق" في حرب أخلاقية بين أصحاب الضمائر”.
وقال شاتز إن الاستعمار "نظام من العلاقات المرضية المتخفية في هيئة طبيعية"، وكان "فرانتز فانون" يعتقد أن العلاج الوحيد للمرض الجزائري هو الثورة. وكان من أنصار العنف، ليس فقط في الممارسة العملية بل وفي النظرية أيضاً. وفي رأيه، كان العنف المناهض للاستعمار "نوعاً من الدواء، يعيد إحياء الشعور بالقوة والسيطرة على الذات" الذي يسمح للمستعمرين باستعادة كرامتهم من خلال تأكيد الذات.
كان فانون كان يعامل المستعمرين، بل وحتى الجلادين، في ممارساته. ويقول شاتز: "أنه لم يميز بين الجزائريين والأوروبيين: فكلهم، في نظره، يستحقون التعاطف والرعاية". وكانوا جميعاً ضحايا لما أسماه فانون "الاضطرابات العقلية الناجمة عن الحرب الاستعمارية"، والتي أزعجته بنفس القدر.
وعلى الرغم من كآبة بعض كتاباته، يظل فانون متفائلاً متحدياً"، كما يقول شاتز. "إنه يؤمن ليس فقط بفكرة التغلب على الاستعمار، بل وأيضاً بإمكانية خلق ما يسميه "إنسانا جديدا". لقد شعر أن العالم الذي نعيش فيه قد صنعه البشر، وبالتالي يمكن أن يدمروه أيضا".
اندلعت الحرب الاستقلال في الجزائر في عام 1954، انحاز فانون إلى جبهة التحرير الوطني. وفي البداية، كان يعالج المتمردين سراً في مستشفاه، ولكن بعد فترة وجيزة، أصبح الأعضاء يعقدون اجتماعات في المرافق بشكل منتظم. ولم يتمكن فانون من الانضمام إلى المنظمة علناً إلا بعد فراره إلى تونس في عام 1956. وعلى مدى السنوات القليلة التالية.
ولقد كان لهذا الاكتشاف تداعيات أخرى. فقد كان فانون من بين أوائل من تبنوا ما وصفه شاتز بأنه "نهج جماعي للرعاية يدمج بين رؤى فرويد وماركس، ويحطم التسلسل الهرمي الذي يفصل بين المرضى والعاملين الطبيين، ويعطي المرضى العقليين شعوراً جديداً بالسلطة على حياتهم". ولكن حتى أكثر التقنيات السريرية ابتكاراً لم تذهب بعيداً بما يكفي بالنسبة لفانون، الذي كان يعلم أن الحلول السياسية هي العلاج الوحيد الطويل الأمد للأمراض السياسية. ويكتب شاتز ببلاغة أن الاستعمار "نظام من العلاقات المرضية المتخفية في هيئة طبيعية"، وكان فانون يعتقد أن العلاج الوحيد للمرض الجزائري هو الثورة. وكان من أنصار العنف، ليس فقط في الممارسة العملية بل وفي النظرية أيضاً. وفي رأيه، كان العنف المناهض للاستعمار "نوعاً من الدواء، يعيد إحياء الشعور بالقوة والسيطرة على الذات" الذي يسمح للمستعمرين باستعادة كرامتهم من خلال تأكيد الذات.
وعلى الرغم من كآبة بعض كتاباته، يظل فانون متفائلاً متحدياً"، كما يقول شاتز. "إنه يؤمن ليس فقط بفكرة التغلب على الاستعمار، بل وأيضاً بإمكانية خلق ما يسميه "إنساناً جديداً" ، لقد شعر أن العالم الذي نعيش فيه قد صنعه البشر، وبالتالي يمكن أن يدمروه أيضا".
ويضيف شاتز: "لا يزال فانون شخصية أيقونية، وهذا يعني أن هناك كل أنواع الأفكار المختلفة التي تحيط به والتي تتطلب القطع من أجل فهمه بأي قدر من الوضوح".
ويقول شاتز، إن التناقضات في كتابات فانون السياسية وقصة حياته هي التي تجعله شخصية مقنعة للغاية، بعد أكثر من 60 عاما من وفاته
ولعل التناقض الأكثر وضوحاً في حياة فانون هو التناقض بين "ممارسته كمعالج"، على حد قول شاتز، "وممارسته كمقاتل أو كشخص يدافع عن العنف كنوع من العلاج للمضطهدين".
وما زال اسم كرايسكي محفوظاً فى الذاكرة الإنسانية والعربية والمصرية كزعيم يحظى بكل احترام وتقدير وتم تخليد اسمه من خلال جائزة كرايسكي لحقوق الإنسان التي فازت بها أكثر من شخصية فلسطينية ومركز كرايسكي للحوار العالمي.
يشار إلى أن برونو كرايسكي هو المستشار النمساوي السابق (1911-1990) المولود في فيينا وينحدر من عائلة يهودية، والذي تولى منصب المستشار بين عامي 1970 و1983 ، وقد تحول منزله الي مقر منتدى كرايسكي للحوار الدولي الذي تأسس عام 1991 في فيينا بعد وفاته بعام والرئيس الفخري للمنتدى هو فرانس فرانتسكي المستشار النمساوي السابق .
ويحظى كرايسكي المعروف بدعمه للعدالة الاجتماعية والتسامح بتقدير واحترام كبيرين في العالم العربي نظراً لمواقفه المتوازنة والداعمة للقضايا العربية ولاسيما القضية الفلسطينية، حيث كان من المناصرين لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والداعمين للحوار بين الشمال والجنوب ، وانتقد كرايسكي الصهيونية بشجاعة عندما أعلن أن اليهودية عقيدة وليست انتماء عرقياً، وقام بوساطات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في أزمات عديدة.
وجاء تأسيس المنتدى باعتباره مؤسسة فكرية أوروبية غير حكومية ومنظمة لاتهدف للربح ، ويعمل المنتدى كمركز للحوار حيث يمكن للسياسيين والعلماء والمثقفين من جميع أنحاء العالم أن يجتمعوا لتبادل أفكارهم ووجهات نظرهم، وتحليل القضايا والمشاكل الدولية المعقدة، ووضع نهج للحلول العالمية واتخاذ موقف عام بشأن الأحداث السياسية - وخاصة المواجهات والصراعات المسلحة ، وقد زارها أشهر القادة السياسيين في العالم.
الجدير بالذكر أن فرانتز فانون الذي صدر عن قصة حياته الكتاب ولد عام 1925، في جزر الهند الغربية في مارتينيك البحر الكاريبي التابعة للاستعمار الفرنسي ،ونشأ كوطني فرنسي متحمس قاتل ضد النازيين في صفوف قوات فرنسا الحرة بقيادة شارل ديجول في شمال أفريقيا وأوروبا قبل أن يستقر في فرنسا لدراسة الطب النفسي ،وسافر فانون لمواصلة عمله في الطب النفسي في الجزائر الفرنسية عشية الثورة، التي اندلعت في عام 1954، وانضم في النهاية إلى نضال جبهة التحرير الوطني ضد نفس البلد الذي حارب من أجله قبل عقد من الزمان فقط حول المستشفى الذي أداره إلى مخبأ للمقاتلين المناهضين لفرنسا بالإضافة إلى مركز علاج لجميع مناحي الجزائر الاستعمارية، بما في ذلك مقاتلي جبهة التحرير الوطني والمدنيين والجنود الفرنسيين والمستوطنين ، و نفته فرنسا إلى تونس في عام 1957، حيث أصبح المتحدث باسم الجبهة تحرير الجزائر ، حيث كان يحرر صحيفة المجاهد، ثم سفيراً للحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا.
وفي كتابه "المعذبون في الأرض " (1961 )، الذي نُشر قبل وفاته بسنة ، دافع فانون عن حق الشعوب المستعمرة في استخدام العنف للحصول على الاستقلال. و الذي كتب مقدمته الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ، بعد مرور سبع سنوات على القمع الوحشي الذي مارسته فرنسا على حركة الاستقلال الجزائرية قائلا : "إن قتل أوروبي هو ضرب عصفورين بحجر واحد". ففي نهاية المطاف، فإن مثل هذا القتل يقضي على "الظالم والمظلوم دفعة واحدة: ويترك رجلاً ميتاً والآخر حراً" "أنتم الليبراليون جدًا، والإنسانيون جدًا، الذين تأخذون حب الثقافة إلى حد المودة، أنتم تتظاهرون بنسيان أن لديكم مستعمرات ترتكب فيها المجازر باسمكم".
إن الأشكال التي يتخذها المرض العقلي داخل مجتمع معين تشكل أدلة جيدة على عصابه، وكان فانون يدرك تمام الإدراك أن الرهاب والخيالات العنصرية التي يتبناها مرضاه الأوروبيون تعمل كنوافذ على العالم الذي خلقه الاستعمار. ولم يكن من الممكن أن تشق التوترات بين المسلمين والأوروبيين خارج العيادة، حيث كانت اللافتات على الشواطئ تحذر من "منع دخول الكلاب والعرب"، طريقها إلى الداخل.
ومنذ السابع من أكتوبر، أصبح الطبيب النفسي، والذي أصبح مقاتلاً في الثورة الجزائرية، أكثر شعبية من أي وقت مضى ، بعد أن اندفع مسلحو حماس من غزة وقتلوا 1200 إسرائيلي، أصبح فانون محل اقتباس وتحليل ومناقشة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل منتظم في محاولة لشرح ماحد ث في ٧ أكتوبر الماضي والقصف الإسرائيلي الذي أعقب ذلك للمنطقة المحاصرة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ٤٠ ألف فلسطيني ، ولقد سعت سلسلة من التصريحات والمقالات الفكرية إلى التعامل مع كيفية تطبيق نظريات فانون المثيرة للجدال حول العنف وإنهاء الاستعمار على هجمات حماس وففي بيان صدر في التاسع من أكتوبر بعنوان "القمع يولد المقاومة"، استشهدت مجموعات طلابية في جامعة كولومبيا بفانون: "عندما نثور، لا يكون ذلك من أجل ثقافة معينة. فنحن نثور ببساطة لأننا، لأسباب عديدة، لم نعد قادرين على التنفس". واختتم مقالة رأي في ميدل ايست في نوفمبر الماضي باقتباس آخر: "بالنسبة للفلسطينيين في غزة وخارجها، وللبؤساء على أرضنا المشتركة، كما بالنسبة لفانون، فإن "القتال هو الحل الوحيد".
وعقب الندوة اصطحبت سابين كروسنبرونر أمين عام منتدى "برونو كرايسكي السفير د.نميرة نجم لتفقد مقر المنتدي و والأنشطة التي يقوم بها ، و أوضحت للسفيرة نجم ان مقر المنتدي قد زاره وعقد فيها اجتماعات ومؤتمرات عدد من رؤساء الدول والقادة العالميين ،عندما كان مازال بيتا للرئيس النمساوي الراحل برونو كرايسكي منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ، و الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
IMG-20240918-WA0061 IMG-20240918-WA0062 IMG-20240918-WA0059 IMG-20240918-WA0058 IMG-20240918-WA0054 IMG-20240918-WA0050المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خبير القانون الدولي مديرة المرصد الأفريقي للهجرة قطاع غزة الكاتب الأمريكي لیس فقط أکثر من IMG 20240918 فی غزة فی عام
إقرأ أيضاً:
تعثر الحوار بين فتح وحماس ... لماذا يتجدد ؟
ليس من المبالغة في شيء القول إن المشاحنات والمناكفات والمناورات السياسية وغير السياسية بين حركة فتح وحركة حماس الفلسطينيتين وبعض الفصائل الأخرى مثل: حركة الجهاد والجبهة الشعبية على سبيل المثال شكلت منذ الانتخابات الفلسطينية الأخيرة عام 2007 نموذجا فلسطينيا للممارسة السياسية التي اختلطت فيها المناورة بالهزل، وافتقدت إلى الجدية برغم الانعقاد المتكرر لمحادثات ومشاورات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وبمشاركة أطراف عربية وغير عربية، ضمانا للجدية وأملا في التغلب على مشكلات كانت تطرح نفسها في كل جولة وتؤدي إلى عرقلة الحوار أو على الأقل اصطدامه بما يوقف مسيرته لفترة تختلف في مداها وأسبابها وما يترتب عليها حسب الظروف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية.
وقد أدت المحاولات المتكررة للحوار وما يطرح في كل مرة من جدية أو أمل في جدية لا تلبث أن تتبخر إلى افتقاد وتآكل الثقة بين الأطراف والأشخاص المعنية مباشرة بالحوار، وهو ما انعكس في الواقع على موقف الأطراف المختلفة من الحوار في كل مرة بكل السلبيات المترتبة على ذلك بشكل مباشر وغير مباشر.
وما يحدث على مستوى الحوار الفلسطيني يتكرر للأسف في حالات عديدة ولأسباب مختلفة في مواجهات وخلافات تتكرر كثيرًا على المستوى العربي للأسف لتظل القضايا مفتوحة ودون حلول ولتتفاقم وتتسع بشكل ملحوظ واسع الخلافات وتزداد الخسائر العربية بشكل صعب ومؤثر في النهاية، وفي غير صالح الأوضاع والمشكلات العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تظل قائمة والمؤكد أن ذلك أصبح يشكل سمة لعدد من المشكلات العربية القائمة والمستمرة منذ سنوات بغض النظر عن تقييم الأطراف المختلفة لما يجري وأسبابه في كل مرة أو في كل حالة على حدة.
وإذا كان من المعروف أن اتفاقًا عامًا بين الأطراف الفلسطينية وحتى غير الفلسطينية قد تبلور منذ وقت مبكر حول الحاجة الشديدة لجمع الجهود والإمكانيات الفلسطينية على صعيد واحد والعمل على دعمها وربطها معًا لزيادة فعاليتها وتماسكها معا، وهو أمر لا خلاف عليه في الواقع، فإن المشكلات والصعوبات العملية تظهر في الواقع مع الانتقال من الإطار النظري إلى الإطار العملي الذي يطرح فيه كل جانب تصوره لتحقيق الهدف الوطني المنشود على الصعيد الفلسطيني.
وهنا فإن كل طرف يجتهد وبطرق مختلفة لكي يلقي اللوم والمسؤولية على الطرف الآخر وليحمله مسؤولية الفشل وعرقلة تحقيق الهدف الوطني الفلسطيني الذي عاشت وتعيش وتتربى عليه الأجيال الفلسطينية جيلًا بعد جيل، وإذا كانت تضحيات الأجيال المتعاقبة من الشباب الفلسطيني قد تضاعفت كثيرا بحكم تطور تقنيات التسليح والزيادة المطردة في الخسائر في الأرواح وأعداد الجرحى على نحو لا يقارن بالخسائر البشرية في السنوات الماضية، فإنه من المؤسف أن قيادات فلسطينية من فصائل محددة قد عمدت إلى التقليل المتعمد من قيمة وأهمية خسائر العمليات في الميدان خاصة في الأشهر السابقة منذ حرب حماس ضد إسرائيل في أكتوبر 2013 وحتى الآن.
وإذا كان قد طرح أسلوب المقاومة المدنية ضد الجيش الإسرائيلي للرد على الأعمال الهمجية والإبادة الجماعية التي تشنها القوات الإسرائيلة سلاحًا له في غزة ورفح والضفة الغربية، فإن المقاومة تظل في النهاية سلاحًا فعالًا في معركة لها قواعدها ومتطلباتها المشروعة التي ينبغي العمل بكل السبل على توفيرها في أقرب وقت ممكن قدر الإمكان، على الأقل من أجل الحد من الخسائر الفلسطينية والحد من النزيف الفلسطيني.
من جانب آخر، فإنه من المعروف أن الخلافات بين فتح وحماس هي خلافات سياسية وتتعلق بكيفية إدارة قطاع غزة، وإذا كان قد حدث جدل بين حماس وفتح حول إمكانية التخلي عن حكم قطاع غزة من جانب حماس في الأسابيع الأخيرة حتى لا تجد إسرائيل ذرائع في استمرار سيطرتها على القطاع بشكل أو بآخر وهو ما أكد عليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرًا، فإنه يمكن القول في النهاية أن الاطماع السياسية في السيطرة على قطاع غزة تحرك الكثيرين للانضمام من جانب حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية على الجانبين، أي في جانب حماس وجانب فتح وأن الخلافات بين الجانبين حول الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية لا تلبث أن تطل برأسها بين الجانبين وتزيد من الخلافات بينهما، وقد ظهرت هذه الخلافات؛ لأن حماس لا تريد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني منذ عام 1974 وتريد تعديل مواثيق المنظمة بشكل أو بآخر حتى تنضم إليها في النهاية حسبما تراه هي مناسبا لها وهو ما لا يتفق مع توجهات المنظمة ومواثيقها وهو موضع خلاف حاد اليوم وغدًا وبعد غد بين الرئيس الفلسطيني وحماس يضاف إلى ذلك أن مشكلة الاستئثار بحكم غزة بالنسبة لحماس، والاستئثار بحكم الضفة الغربية بالنسبة للرئيس الفلسطيني يطرح في الواقع مشكلة الوحدة الفلسطينية بين غزة والضفة الغربية، كما كانت في السابق ومن ثم استعادة الوضع السابق بين الضفة وغزة وعلى نحو سيكون مفيدًا لفلسطين وللدولة الفلسطينية في المستقبل،
جدير بالذكر أنه طرحت في الآونة الأخيرة صيغة من جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتحقيق الوحدة بين فتح وحماس ووفق الأطر السياسية لمقررات الأمم المتحدة برغم أن فتح وحماس شكلتا والفصائل الفلسطينية الأخرى الدولة الفلسطينية قبل قيام إسرائيل وبعدها حتى انتخابات 2007.
ومن المعروف أن الرئيس الفلسطيني أعلن يوم الخميس الماضي 24 إبريل الجاري استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير كمنصب جديد ضمن التعديلات التي تم إدخالها على منظمة التحرير الفلسطينية وبالطبع عارضت حركة حماس هذا القرار الذي يسعى إلى تطوير الأداء وهو ما يعني مطلب تطوير عمل المنظمة وهو مطلب فلسطيني وعربي ودولي خاصة في هذه المرحلة التي شهدت تحركات داخل غزة تعرب عن معارضتها لاستمرار حماس في حكم غزة، وتدعو إلى عدم حكم حماس للقطاع بعد انتهاء الحرب.
وعلى أية حال فإن حماس غيرت موقفها وأعربت أكثر من مرة عن الاستعداد للتخلي عن حكم القطاع تارة وعن استعدادها للابتعاد عن الأطر السياسية لحكم غزة في المستقبل تارة أخرى حتى تنزع من يد إسرائيل أية ذرائع لاستمرار السيطرة على غزة، ولكن عندما طالبها عباس قبل أيام بالتخلي عن حكم غزة وعن سلاحها فُتحت الخلافات مجددًا ودعت الحركة إلى وقف التعاون الأمني مع إسرائيل وقطع العلاقات معها.
وعلى أية حال فإن الخلافات الحالية ستستمر بين فتح وحماس، وسيساعد على ذلك أن قيادات فلسطينية عديدة رحلت مما يفاقم الخلافات بين فتح وحماس، ويزيد من شقة الخلافات بين الفصائل الفلسطينية حتى ينتهي هذا الجيل أو تظهر قيادات قادرة على حمل شعلة النضال الفلسطيني على نحو يستطيع تحقيق الآمال الفلسطينية فهل يتمكن مروان البرغوثي من تحقيق ذلك إذا أتيحت له الفرصة بما يتناسب مع آمال الشعب الفلسطيني الشقيق؟