وفد روسي في السودان لبحث استخدام التكنولوجيا بمجالات التعدين
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
التقى وزير المعادن السوداني محمد بشير أبو نمو، أمس الثلاثاء في بورتسودان، وفدا روسيًّا يضم ممثلين لغرفة التجارة والصناعة الروسية برئاسة فيكتور تشيمودانوف رئيس مجلس الأعمال الروسي السوداني.
وقال الوزير -على صفحته بفيسبوك- إن الجانبين ناقشا سبل تطوير التعـاون الثنائي الاقتصادي بين السودان وروسيا، وسُبل انفتاح فرص الاستثمار بيـن البلدين، فضلا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجالات التعدين المختلفة.
وشارك في اللقاء وكيل وزارة المعادن محمد سعيد زين العابدين، والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحـدودة محمد طاهر عمر، والمدير العام للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية المكلف أحمد هارون التوم.
ورأى الوزير السوداني أن الزيارة ستسهم إسهاما كبيرا في دفع العلاقات التجارية بين السودان وروسيا، وتعهد الوزير بمضاعفة الجهود والعمل على دفع تطلعات قيادة البلدين لخلق بيئة استثمارية جاذبة عبر اللجنة الوزارية السودانية الروسية المشتركة من أجل تعظيم سبل التعاون المشترك بين البلدين وتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص المتاحة للاستثمار.
من جانبه، أوضح أعضاء الوفد الضيف أن الزيارة تهدف إلى الإسهام في تطوير العلاقات بين البلدين، مشيرين إلى أن الوفد يحمل العديد من البرامج والخطط لمناقشتها مع الجانب السوداني.
السودان والصين والتعدين
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشفت الشركة السودانية للموارد المعدنية عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجال التعدين مع شركات صينية، واستئناف وبحث ترتيبات عودة شركة “نورينكو” الصينية للتعدين للعمل في 8 مربعات لإنتاج الذهب والنحاس في السودان.
وقال مدير الشركة محمد طاهر عمر -للجزيرة نت- إنه تم الاتفاق مع الشركة على استئناف نشاطها في السودان حيث تتجاوز استثماراتها ملياري دولار، وستكون مزاولة العمل في مربعين لإنتاج الذهب بين ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، ومن المتوقع أن تنتج في العام نحو 7 أطنان من الذهب.
وأوضح أنه تم تفاهم آخر للتعدين في النحاس مع الشركة بلغ مراحله الأخيرة، وستوقَّع الاتفاقية في السودان بعد تكوين فريق فني مشترك لدراسة الجوانب الفنية وإكمالها.
وقلّصت الحرب المشتعلة في السودان منذ أبريل/نيسان 2023 من دائرة إنتاج الذهب في البلاد من 14 إلى 6 ولايات، المتحدث محمد قال إنها تمثل 80% من إنتاج الذهب، في حين توقف نشاط التعدين في دارفور وكردفان.
وحسب المصدر ذاته، تتمثل هذه الولايات الست في: نهر النيل، والشمالية، والبحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، والنيل الأزرق، ولم تتأثر لأنها خارج دائرة الحرب، لافتا إلى أن عددا من رؤوس الأموال وجهت نشاطها للتعدين بعد توقفه في مجالات أخرى.
وأشار مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية إلى أن عائد صادرات الذهب خلال الأشهر التسعة الأخيرة تجاوز مليارًا و300 مليون دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى مليار ونصف المليار دولار بنهاية العام الحالي.
وكشف عن خطط وسياسات مرتقبة في قطاع التعدين التقليدي في إطار زيادة الإنتاج والإيرادات واستفادة الدولة في هذا المجال.
يُذكر أن السودان وقع على عدد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة الشمسية والتعدين وخطوط النقل خلال أعمال المنتدى الصيني الأفريقي.
وقال إعلام مجلس السيادة إنه تم توقيع مذكرات تفاهم في مجال التعدين لاستخلاص المعادن النفيسة عبر شراكات إستراتيجية مع مؤسسات صينية حيث تم التركيز على خام الحديد. وتبلغ قيمة الاتفاقيات 30 مليون دولار.
الجزيرة
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.
لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.
بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.
لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.
في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.
وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.
حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.
لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟
إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.
هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.
لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.
عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟
لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.
zoolsaay@yahoo.com