وجهت محكمة ماليزية، اليوم الأربعاء، اتهاماً لرجل ماليزي بارتكاب التهديد الجنائي، وتقول السلطات إنه على صلة بمجموعة أعمال إسلامية كبيرة متهمة بإدارة دور خيرية، يُقال إن الأطفال يتعرضون فيها لانتهاكات.

وأظهرت لائحة الاتهامات وأكدها محقق من الشرطة، أن محمد رضا مكار، البالغ 39 عاماً، دفع ببراءته، فيما يقال إنه تهديد امرأة كانت تعمل في المجموعة للتنازل عن بلاغ قدمته للشرطة.

وذكرت وكالة "برناما" للأنباء، أن محمد رضا، وهو رجل أعمال ولديه 3 زوجات و10 أطفال، أُفرج عنه بكفالة بلغت 10 آلاف رنجيت (2360 دولاراً). وإذا ثبتت إدانته في تهمة التهديد الجنائي، فقد يواجه عقوبة بالسجن لما يصل إلى عامين، أو دفع غرامة، أو كليهما.

https://t.co/SMmTyixqTx

— BernamaSeithigal (@BNCseithigal) September 18, 2024

ولم يتسن التواصل بعد مع محمد رضا ومحاميه للتعليق بعد الجلسة، ولم يرد ممثل عن مجموعة جلوبال إخوان للخدمات والأعمال على طلب للتعليق.

وأنقذت الشرطة في الأسبوع الماضي أكثر من 400 طفل، خلال مداهمات على 20 داراً خيرية تقول السلطات إنها مملوكة للمجموعة، وقالت الشرطة إن أطفالاً كثيرين ظهرت عليهم علامات على التعرض للاعتداء الجنسي والإهمال.

وتقول المجموعة إنها لا تدير الملاجئ، وتنفي الاتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، لكن رئيسها التنفيذي أقر يوم السبت الماضي، بوقوع "حالة أو حالتي" لواط في الدور.

ومحمد رضا هو ثاني شخصية مرتبطة بالتحقيق في قضية "مجموعة جلوبال إخوان" للخدمات والأعمال، يتم توجيه اتهام لها في المحكمة. وذكرت وكالة برناما أن فتاة تبلغ من العمر 19 عاماً وجهت لها اتهامات الأسبوع الماضي، بإساءة معاملة الأطفال فيما يتعلق بالقضية.

وتم ربط مجموعة جلوبال إخوان للخدمات والأعمال بجماعة الأرقم، وهي طائفة دينية حظرتها الحكومة في عام 1994، واعترفت المجموعة بهذه الصلة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية لائحة الاتهامات ماليزيا تنظيم الإخوان

إقرأ أيضاً:

الكثافة الأنثوية في مجموعة «شبابيك زيانة» لبشاير حبراس

لا أحسب أن القارئ سيختلف معي في أن نصوص مجموعة «شبابيك زيانة» لبشاير حبراس هي «قصص قصيرة جدا»، وليس ذاك بسبب أن الكاتبة صنَّفتها بنفسها على غلاف الكتاب (تحت العنوان الرئيس مباشرة) فحسب، بل لأن معظم تلكم النصوص تنطبق عليها سمات القصص القصيرة جدا، وخصائصها التي يتفق عليها معظم النقاد والباحثين والمؤصلين لهذا النوع الأدبي؛ ولذا سيصبح من العبث النقدي تتبع نصوص المجموعة لنثبت ما هو ثابت حقا، أو لنقول: انظروا هنا يوجد تكثيف وإيجاز، وهناك مفارقة وإيحاء، وهنالك إسقاط ونهاية مفتوحة، فلست أسعى إلى تلمّس خصائص القصة القصيرة جدا، أو تتبع تجلياتها في نصوص المجموعة -وهي لا شك عملية نقدية مهمة في إطار بنيوية الخطاب السردي لنصوص المجموعة.

ما يشغلني حقا في قصص (شبابيك زيانة)، هو ما تضمره نصوصها مجتمعة، أو النسق الدلالي الناظم لها. يمكننا ابتداء أن نسبر أغوار القصص لنصل إلى البؤرة الدلالية المتوهجة التي تدور حولها، ومن ثم لا مناص من قراءة النصوص في بنيتها العميقة ونسقها المضمر، والبحث عن الإشارات والعلامات التي ستتيح لنا الوصول إلى القطب الدلالي الذي تنشدّ إليه معظم قصص المجموعة.

إذا كان الأمر كذلك فدعونا نتتبع الإشارات والعلامات الدالة على ذلكم القطب الدلالي من خلال القصص القصيرة جدا ذاتها إن في عتباتها أو في دلالاتها وثيماتها ومضامينها. ولنبدأ بالعتبة الرئيسة (شبابيك زيانة)، إنه يشير إلى امرأة مخصوصة تُدعى زيانة، لكننا لا نكاد نعرف أكثر من ذلك، صحيح أن هذا الاسم من الأسماء المعروفة والمنتشرة في ربوع عُمان، لكن لا شيء في العنوان غير ذلك، وغير الشبابيك طبعا التي أضيفت إلى الاسم الأنثوي. إذن لا يمكن أن نخرج من العتبة الرئيسة سوى أنها تشير إلى (المرأة)، وهذا كافٍ ابتداء لندخل إلى نصوص المجموعة من خلال عناوينها.

نلاحظ في عناوين القصص الداخلية أنها تتضمن أسماء نساء غير (زيانة)، فهناك (ليلى)، في (كوميدينة ليلى)، وهناك (فريدا)، وهنالك (سعدة) في (سيارة سعدة)، وأخيرا (أماندا) في (زهور أماندا)، بالإضافة إلى ذلك سنجد صورا من مراحل حياة المرأة تصرّح به عناوين القصص، فهنالك (البنات)، و(الفتاة)، و(الأم)، و(العجوز)، مع ملاحظة تكرار صورة الأم في عناوين ثلاث قصص على الأقل هي (الأم- أم صغيرة- أمي تكذب)، عدا ذلك سنلاحظ وفرة في ذكر المتعلقات الخاصة بالنساء في عناوين القصص مثل: (الضفيرة، شعر البنات، أحمر، مانيكان، الشال)، ثم إن هناك عناوين تظهر فيها المرأة بصفة مباشرة من خلال الوصف مثل: (القصير والطويلة)، أو تحضر بطريقة غير مباشرة نستطيع تبينها من خلال أحد طرفي النداء، أي المنادي المتواري خلف أسلوب النداء في عنوان قصة: (ضاق خلقي يا صبي)، وهو عنوان مقتبس من أغنية شهيرة لفيروز.

ثم يمكننا أن نقول: إن الأنثى حاضرة أيضا في عناوين بعض نصوص المجموعة من خلال اللفظة المؤنثة تأنيثا مجازيا مثل: (كعبة للبحر)، و(الفزاعة)، أو تأنيثا حقيقيا من خلال عناوين القصص التي تشير لبعض الكائنات من عالم الحيوان مثل: (دجاجتان)، و (فراشات)، وهي على أية حال أبطالها من النساء.

ما الذي يمكننا أن نستخلصه من تلك الإشارات، وذلك التتبع المعجمي لحقل الإناث في عناوين القصص داخل المجموعة؟ ألا يشير ذلك إلى أن بؤرة متوهجة للمرأة تكمن في البنية العميقة لنصوص المجموعة؟ صحيح وهذا مما لا جدال فيه، أن الرجل حاضر أيضا في بعض عناوين القصص مثل: (رجل واحد)، وهي القصة الأولى في المجموعة، و(صبي في الإطار)، و(كتف أبي)، إضافة إلى صفة الرجل في (القصير والطويلة)، وحضور الصبي في عنوان أغنية فيروز: (ضاق خلقي يا صبي) التي أشرنا إليها آنفا، ومع ذلك فإن كثافة أنثوية تشيع في العنوان الرئيس، والعناوين الداخلية للقصص لا تكاد تخطئها العين، ولا ينكرها الحس النقدي للقارئ، بيد أننا لن نتعجل في استنتاج أي شيء ما لم نسبر معظم نصوص المجموعة لنصل إلى الخلاصة النهائية لمعرفة القطب الدلالي الذي تدور حوله القصص، وتأكيد حضوره في نصوص المجموعة، مما نفترضه الآن افتراضا.

لنبدأ بالقصة التي اختيرت عنوانا للمجموعة: (شبابيك زيانة)، وهي تقع في منتصف الكتاب تقريبا. تتحدث القصة عن امرأة اسمها زيانة بنت المظفر، تضع لها المؤلفة هامشا تعريفيا بوصفها «مذيعة سابقة لنشرة الأحوال الجوية في تلفزيون سلطنة عمان»، إذن نحن أمام شخصية حقيقية من لحم ودم، تستعيرها الكاتبة لتصنع منها شخصية متخيلة في إطار الحكاية التي ينسجها السرد القصصي، ومن منا لا يعرف زيانة بنت المظفر التي اشتهرت بشخصيتها، وأسلوبها، وطريقة مشيتها، وحديثها في النشرات الجوية؟

لكن ما تلكم الشبابيك التي أضيفت لها؟ سرعان ما نعرف بعد قراءة القصة أنها صور شبابيك قميصها الأبيض وهي تقدم النشرة الجوية. ستنبّه زيانة المشاهدين إلى ضرورة إغلاق الشبابيك بإحكام؛ لأن عاصفة تقترب، ثم تأتي القفلة الختامية للقصة لتحدث المفارقة المطلوبة في هكذا قصص: «لكن أحدا لم يفكر بشبابيه تلك الليلة». ما الذي ترومه القصة؟ أو بالأحرى ما الذي تلمّح إليه؟

تصبح زيانة بقميصها وشبابيكه المرسومة عليه هي الشغل الشاغل للمشاهدين، وهي محور اهتمامهم وتركيزهم بدل الانصراف إلى إغلاق شبابيك المنزل الحقيقية. وبدل الاهتمام بالعاصفة القادمة، تصبح زيانة المرأة هي العاصفة الحقيقية التي تدور معها رؤوس المشاهدين. إن ما تريد القصة أن تقوله فيما نحسب إن المرأة هي المركز الذي تهفو إليه النفوس، وتدور حوله العيون، باختصار شديد: هي القطب الذي يلتف حوله الجميع.

إذا كنا نتفق أن هذا ما تضمره القصة فهل نجد له معادلا موضوعيا في قصص أخرى يؤكد ما افترضناه سابقا، ويسمح لنا بالتالي بالعثور على البؤرة المركزية للنصوص مجتمعة؟ لنبحث عن ذلك في عناوين مقاربة، ولن نجد أقرب من عنوان قصة (كعبة للبحر)، فالكعبة في مدلولاتها المضمرة تدل على القطب والمركز الذي تدور حوله الأشياء. تدور هذه القصة حول فتاة تحضر دورة تدريبية في التنمية البشرية. يطلب منهم المدرب أن يتخيلوا أنفسهم يتنزهون على شاطئ البحر؛ ليجدوا الكعبة أمامهم؛ فيطوفوا حولها سبعة أشواط. تفشل الفتاة في تخيّل نفسها مستترة بالحجاب -كما ينبغي أن تكون عليه المرأة أثناء الطواف- وبدلا من ذلك يرفض خيالها مطاوعتها إلا أن تكون بفستان قصير، وشعر مسدول وهي في حضرة البحر. ما الذي يمكن أن يحدث إذا تعارض خيالان في عقل فتاة في مكانين لا ينبغي أن يلتقيا في فضاء واحد؟ قفلة الختام في القصة تجيبنا عن هذا التساؤل على لسان البطلة: «طاف الجميع حول الكعبة بينما رحت أستتر بماء البحر فطاف بي دون أن أحرك ساقي»، أي أن الفتاة التي من المفترض أن تتخيل الكعبة، تصبح في النهاية هي الكعبة ذاتها بالمعنى المجازي، وبدلا من أن تستتر بالحجاب كما ينبغي لخيالها أن يرشدها تستتر بالبحر الذي سيطوف حولها. المرأة الكعبة أو القطب الذي يطوف حوله الماء، أي محور مركزي للمرأة تنبئنا به هذه القصة؟ إنها تأكيد للقصة السابقة في بنيتها العميقة: المرأة تصبح مركزا كونيا للأشياء حولها، وهذا ما يشكل النسق المضمر لمركزية المرأة الذي تنتظم حوله بقية القصص.

في قصة (كوميدينة ليلى) تظهر مركزية المرأة بشكل واضح في مفتتح القصة: صورة لفتاة تدعى ليلى وهي تسبح في البحر، يظهر رأس ليلى في منتصف الصورة تماما على خط الأفق بين السماء والماء، أي في المركز الأرضي بالضبط. يحدث أن يدخل الهواء غاضبا؛ فيُسْقِط الصورة، وتنكسر، ويتدفق منها الماء. ينكشف جسد ليلى فجأة أو هكذا يمكن أن نتخيل؛ فيضطرها ذلك إلى إخفاء صورتها في درج الكوميدينة؛ لأنها لم تكن تلبس سوى البحر. مرة أخرى يحيط البحر بعظمته وجبروته بالمرأة فمرة يطوف حولها، ومرة تتخذه لباسا، أليست المرأة بمعنى من المعاني محورا مركزيا في الكون؟ كيف لا وهي تتوسط بين السماء والأرض حتى في الصور.

إذا كنا نفترض إلى الآن أن هنالك كثافة أنثوية في مجموع القصص القصيرة جدا، وأن هنالك نسقا دلاليا مضمرا تنتظم حوله النصوص يشير إلى مركزية المرأة في بعض القصص على الأقل، فإلى أي حد يمكن أن يكون ذلك صحيحا في القصص الأخرى؟ وإلى أي مدى يمكن أن تلامس هذه الفرضية صورا وثيمات ومضامين تدور حول المرأة.

سنبدأ باختبار الفرضية السابقة بتتبع صورة المرأة في قصص المجموعة مما يسمح لنا بتأكيد الظاهرة أو نفيها؛ وبناء على هذا فإننا نحاول أولا رصد تجليات تلكم الصور في نسيج القصص سواء كانت عائلية أم اجتماعية أم مهنية، ومن ثم ننتقل إلى تتبع الثيمات التي تفرزها دلالات النصوص، لنصل أخيرا إلى استكناه أبرز المضامين التي ينتجها الخطاب السردي للقصص، ونحن نهدف من خلال هذه العملية إلى تأكيد ظاهرة الكثافة الأنثوية في نصوص المجموعة الموصلة بدورها إلى تصدر المرأة مركزية الخطاب السردي للقصص.

تتمظهر صورة المرأة في نصوص المجموعة في ثلاثة مظاهر متداخلة: عائلية واجتماعية ومهنية، فمن ناحية المنزلة العائلية للمرأة تعرض لنا قصة (الثقب) صورة البنت والأخوات بشكل مباشر، وفي قصة (رؤوس) و(البقعة الصفراء) تحضر الأم الحامل بالأطفال، والأم المربية على الترتيب، وفي قصة (الضفيرة) هنالك صورة الزوجة التي سرق العمل منها زوجها، وفي قصة (شعر البنات) تحضر نسوة الحي، والبنات اللواتي فقدن أمهن، وأصبحن في رعاية الأب، وفي قصة (أحمر) نتعرف على الفتاة وهي تمرّ بمرحلة البلوغ، وفي قصة (كتف أبي) تضمر الحكاية صورة زوجة الأب الغيورة من الأم الراحلة، وفي قصة (توين فيللا) تحضر المرأة الجارة، وهكذا في بقية القصص يمكننا أن نلمح صورا من مراحل المرأة العمرية، ومنزلتها في العائلة.

أما من الناحية الاجتماعية، فهنالك المرأة العانس في قصة (رجل واحد)، وهنالك المرأة العروس في قصة (القصير والطويلة)، وهنالك المرأة الأرملة في قصة (الصورة)، وفي قصة (خيانة) أيضا، وهنالك البنت اليتيمة في قصة (شعر البنات)، وهنالك المرأة الثكلى في قصة (صبي في الإطار)، بالإضافة إلى صورة المرأة المطلقة في قصة (الصورة الملعونة) كما يمكن أن تفهم. وهنالك صور اجتماعية أخرى يمكن للقارئ أن يستنتجها من القصص نفسها.

ومن الناحية المهنية نجد في تلافيف القصص صورة المرأة مربية الأيتام كما في قصة (الأم)، والمرأة الموظفة كما في قصة (الصورة)، وهنالك المرأة المتدربة كما في قصة (كعبة للبحر)، والمرأة عاملة المنزل كما في قصة (غرق)، وهنالك أيضا المرأة الممثلة في قصة (العجوز)، والمرأة الرسامة في قصة (رؤوس)، والمرأة المذيعة في قصة (شبابيك زيانة)، والمرأة ربة البيت في قصة (البقعة الصفراء)، والمرأة عارضة الأزياء في قصة (فريدا)، والمرأة المعلمة والتلميذة في قصة (سيارة سعدة).

أليس في هذا مدعاة لأن نؤكد فرضية الكثافة الأنثوية في قصص المجموعة التي تسمح بدورها بتصدر المرأة مركزية السرد؟ ومع كل ذلك يمكننا الاستمرار في تتبع ثيمات ومضامين النصوص القصصية التي تؤكد فرضيتنا السابقة.

فيما يخصّ الثيمات التي يتوارد انتشارها فوق بنى القصص السطحية نلاحظ تكرارا لثيمة (الموت) في عدد من قصص المجموعة، وفي جميع تلكم القصص يكون حضور المرأة فيها مركزيا، ففي قصة (الثقب) يصبح موت الأخت الكبرى المصيبة الكبرى التي تحلّ على الأخوات مخافة أن يفقدن الأب الذي بدأ يصغر حجمه ما إن ماتت ابنته. وفي قصة (الصيصان) تموت الدجاجة الأم بعد ذبحها من قبل أم الفتاة للعشاء، وتصبح الفتاة هي الأم البديلة للصيصان. وفي قصة (خيانة) لا يصبح سرير الزوج المتوفى عبئا ثقيلا للمرأة الأرملة فحسب، بل مكانا للخيانة الزوجية فلا حلّ سوى تكسيره؛ ليموت الزوج مرتين، وتهرب روحه للأبد. وفي قصة (شعر البنات) لا ينجح الأب مطلقا في صنع جدائل لابنتيه بعد رحيل الأم؛ لأن الأم فيما تضمره القصة هي الوحيدة القادرة على ذلك؛ «فشعر البنات يُعرف من رحيل الأم»، وفي قصة (أمي تكذب) تتواطأ الأم مع الأب الميت الذي طالما كان يكذب على ابنته حتى لا تخاف، فلا حلّ عندها سوى الاستمرار في حيلة الأب بعد رحيله. ومع ذلك فهناك استثناءات لهذه الثيمة ومركزية المرأة فيها، ففي قصة (المسمار) يصبح رفض الأب الانضمام لعائلته في الصور الجماعية -بوصفه مسمارا لها- ضروريا ومركزيا فقط حين يموت؛ فتتساقط كل الصور عن الجدران في مفارقة واضحة لما سبق، وعلى أية حال فهذه الحالة نادرة جدا، ولا تحضر برأيي إلا لتؤكد ما قلناه سابقا.

هنالك ثيمة أخرى تبرز على أسطح القصص، لا يتعلق الأمر بثيمة (الحب) وارتباطها الحتمي بالمرأة فحسب، بل تصبح هذه الثيمة محورا لبروز المرأة، واكتساحها المشهد القصصي ما يجعلها في بؤرة الحدث، ويسلط الضوء عل المكانة الكبيرة التي تحتلها في الخطاب الذي تنتجه النصوص. في قصة (رجل واحد) مثلا تضحي الصديقتان بأخطر ما يهدد علاقة المرأة بالرجل، وهي الشراكة في الزواج برجل واحد، لا يحدث مثل ذلك في الحياة الواقعية إلا فيما ندر؛ إذ تعد المرأة التعدد في الزوجات طعنة في الظهر، لكن القصة تمر بسيناريو آخر حين تصل الصديقتان إلى مرحلة العنوسة دون زواج، والزمن هو زمن الحرب الذي يقلّ فيه الرجال. ذانك سببان كافيان لأن تتفق الصديقتان على الزواج بأول جندي يعود من الحرب. يعود الجندي لكنه بلا يدين، وذلك سبب آخر للحب فهما ستكونان يديه اللتين فقدهما. تصبح التضحية بأهم ما تبحث عنه المرأة في الرجل سببا للحب، وبدل أن يكون (الرجل الواحد) في بؤرة الحدث القصصي تحتل المرأة المتعددة المضحية مشهدية الحدث. وفي قصة (الأم) يفيض الحب من الأم المربية في ملجأ الأيتام على الجميع «فتدعو الله ألا يخسر أحد» حين ينقسم الأيتام إلى فريقين للعب كرة القدم، حتى حين يصبح الأمر متعلقا بفوز طرف وخسارة آخر ما تفرضه المسابقات الرياضية. لا يحدث ذلك كما يهجس السرد؛ لأن الحب الكبير الذي توزعه الأم على الجميع بالتساوي يفرض دائما العدالة والتعادل بدل حسابات الفوز والخسارة.

وأما ثيمة (الفقر) فهي الأخرى ترتبط بمركزية المرأة سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة، ففي قصة (مانيكان) تضطر الأم لغسل أبنائها بثيابهم الوحيدة التي يملكونها كل مساء، ومن ثم تعلّقهم على حبل الغسيل ليجفوا، لكن الريح العاتية كان لها رأي آخر، فكان أن طيرتهم إلى جهات مختلفة، فأما بطلة القصة فاصطدمت بواجهة محلٍّ للملابس، فما كان من أصحابه إلا أن اتخذوها مانيكانا مقابل أن يلبسوها فستانا جميلا غاليا. ما تضمره القصة يبدو مفارقا لكنه يؤكد أنه حتى في الفقر تصبح المرأة واجهة مركزية في محلات الملابس، وإن بدت في هيئة مانيكان. وفي قصة (الفزاعة) لا تشعر الفزاعة بالخجل من الفقر البادي عليها سواء من حالتها الرثة أم من الملابس البالية التي توضع عليها عادة، ما سيحدث بعد مجيء البرد، واضطرار الفلاح للبس ثيابها البالية من شدة فقره كما يمكن أن نفهم من سرد الأحداث، ما سيحدث حقا سيحدث مفارقة على مستوى الحدث السردي، فبدلا من أن يكون وضع الفزاعة مخيفا للطيور والعصافير من العبث بالثمار تصبح هي الخائفة من رؤيتها عارية، وعليه فإن الفزاعة -ويا للمفارقة المضحكة- تفزع من نفسها.

هذا من حيث ثيمات القصص، أما من حيث مضامينها، وارتباط ذلك بشكل واضح بالمرأة، فيمكن أن نقف عند قضية (الخيانة الزوجية) بوصفها أحد المضامين التي تكررت في أكثر من قصة. على سبيل المثال فإن قصة (خيانة) تشهد بتموضع المرأة في المركز من الحدث مزيحة الرجل أو أي أثر له من المشهد القصصي، لا شيء في أحداث القصة ينبئ عن خيانة اقترفها الرجل بحق زوجته، إذ كانت وفاته بسبب حادث سير قد لا يكون له دخل فيه، لكن الزوجة تخلصت من كل ما يمكن أن يذكرها به، حتى سريرهما المزدوج الذي رمته أمام حاوية القمامة، والذي أخذته جارتها لم يسلم من التحطيم، بعد أن أسرّت لها جارتها بإعجابها به؛ فتضطرّ لاقتحام بيت جارتها بمطرقة كبيرة لتحطّم السرير؛ وليهرب معه طيف زوجها إلى الأبد، وتظل هي الوحيدة الباقية بلا أثر للرجل في حياتها. وفي قصة (كتف أبي) لا تصبر زوجة الأب الجديدة على صورة واحدة للزوجة السابقة المتوفاة لزوجها، إنها تستشيط غضبا من تلك الصورة التي تسند فيها الأم (الزوجة السابقة) رأسها على كتف الأب (زوج المرأة الجديدة)، لم يكن هناك من حلٍّ لتتخلّص مما يثير غيرتها وحنقها سوى تمزيق الصورة؛ لتظهر الأم -كما يروي ولدها – بعنق ملتوٍ بينما كان الأب في الصورة بلا كتف. تبرز القصة السابقة المرأة وبيدها زمام الحدث، وفي مقدورها تغيير صورة المشهد القصصي.

أما في قصة (الصورة الملعونة) فإن أقصى ما تريده الأم هو الانتقام من الأب المتوفى أو المطلق فلا إشارة توحي بأيٍّ منهما، لا تصرح القصة أيضا بالسبب الذي تسعى فيه الأم للانتقام من صورة الأب، وهل هو زوجها السابق أم أنه أبو أولادها فحسب، على أية حال تسعى الأم بمجموعة من الخطط أن تنتصر على صورة الأب؛ فترفض تنظيف صورته من الغبار، ثم تطلب من أبنائها تشذيب لحيته الكثة، ثم تعصب عيني الأب في الصورة، وتضع شريطا لاصقا على فمه؛ بادعاء خياناته المتكررة مع جاراتها ثم مع عاملة المنزل، ثم يصل بها الحال لأن تنتقم منه بطريقة لا يتصورها عقل، إذ تخونه مع بستاني البيت أمام مرأى عينيه لتشعر بلذة الانتصار. أي حقد تحمله هذه المرأة لزوجها؟ انتقام المرأة من صورة الأب يبقيها في صدارة الأحداث، إذ تطلب من البستاني أن يحضر دلوا؛ «لأن الأرباب سيبكي كثيرا اليوم» بعد أن تخونه بتقبيل البستاني وهي مواجهة له، ومن ثم تطلب من البستاني أن يغسل بتلك الدموع المتجمعة في الدلو أرض الدار!

ثمة قضايا ومواقف أخرى تنتصر فيها المرأة على الرجل، يتعلق الأمر بمواجهات تنشب بينهما في مضامين بعض القصص، لتكون النتيجة الحتمية للصراع والمواجهة هو تصدر المرأة للمشهد القصصي، واختفاء الرجل أو انسحابه جزئيا. في قصة (البقعة الصفراء) يختفي الرجل تماما بعد أن تنظف له زوجته بقعة صفراء في قميصه، يتحول الرجل إلى مجموعة كبيرة من الأطفال يعيشون في شال المرأة الذي «كلما نفضته اسّاقطوا وتراكضوا في الأزقة». لا صورة تبقى للرجل إلا في أبنائه لتبقى المرأة في مركز الحدث مكرّسة وجودها بانمحاء الرجل واختفائه من المشهد.

وفي قصة (تأخرت) ينقلب الواقع رأسا على عقب، فيصبح الرجل ثرثارا حين تركن المرأة إلى الصمت. تُلمّح القصة إلى أن الفتى طوال الوقت كان يتحدث عن نفسه في حين أن الفتاة ظلت منصتة له، وحين بالكاد صمت لدقيقة تسنّى لها أن تخبره أنها تأخرت في العودة إلى البيت؛ لتنتصر المرأة بالصمت في حين يتوارى الرجل الملوث بالكلام الذي لا قيمة له. وفي قصة (الشال) تخاصم الفتاة ابن جيرانها الذي نظّف سيارته المتسخة بشالها المفضل، وبدل أن تلوم الفتاة نفسها؛ لأنها لم تضع مشبكا على شالها، وهو على حبل الغسيل فطار إلى بيت الجيران من سطح المنزل، يصبح ابن الجيران هو الملام الأول، كما يصبح الشال خائنا بفعلته تلك. وتصبح الفتاة خارج دائرة الذنب الذي يتحمّله الفتى والشال فقط.

أما قصة (تبدد) فتعادل قصة (البقعة الصفراء) من حيث اختفاء الرجل تماما من الصورة. تنتصر المرأة هنا أيضا على الرجل حين تقف الأم حائلا بين ابنتها، والشاب الذي تحبه حالما يظهر خلف زجاج النافذة، ترشّ الأم الزجاج بمحلول التنظيف؛ فتتبعثر صورة الرجل، ثم تدعك الزجاج بالمنديل؛ «فتتبدّد (صورة الشاب) للأبد»، لا أثر يبقى للرجل حين تحضر المرأة؛ لترسّخ سيطرتها وحضورها القوي في مشهدية القصة.

وعلى هذا المنوال يمكننا تتبع كثافة الحضور الأنثوي في صور وثيمات ومضامين أخرى متفرقة في القصص القصيرة جدا لهذه المجموعة، لكننا نكتفي بما أوردنا سابقا لنؤكّد على الفرضية التي قدّمناها في مستهل حديثنا: وهي أن الكثافة الأنثوية التي تسيطر على معظم قصص المجموعة أدت في نهاية المطاف إلى بروز مركزية المرأة بوصفها بؤرة الحدث القصصي، والقطب الدلالي لمعظم قصص المجموعة، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن سيطرة المرأة على قصص المجموعة هي سيطرة مطلقة، فهنالك قصص لا علاقة لها بالمرأة من قريب أو بعيد مثل قصة (أين الوطن؟)، كما أن هنالك قصصا أخرى تنتصر للرجل مثل قصة (رؤوس)، أو يستحوذ فيها الرجل على سلطة تمكّنه من قلب مجرى الأحداث، كما في قفلة الختام لقصة (قُبلٌ في البيت). ومع ذلك تظل تلك الأمثلة استثناءات قليلة في مقابل ما عرضناه آنفا بل هي تؤكد سطوة المرأة، وكثافة حضورها في بقية القصص، ومن ثمَّ ترسخ في وعي المتلقي الهالة القطبية التي تحتلها المرأة في نسيج قصص المجموعة، وتصدرها مركزية الخطاب السردي.

أحمد الحجري كاتب وقاص عماني

قراءة قُدّمت في ندوة «القصة القصيرة جدا في عُمان: المفهوم وجمالية التشكيل» التي نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بمقر الجمعية بتاريخ 19 فبراير 2025.

مقالات مشابهة

  • مستشار الأمن القومي الأمريكي يتحمل مسؤولية "فضيحة أتلانتيك"
  • الكثافة الأنثوية في مجموعة «شبابيك زيانة» لبشاير حبراس
  • ثنائيّة الحضور والغياب في مجموعة «موناليزا الموصل»
  • "خرق للأمن القومي الأمريكي".. فضيحة جديدة تلاحق إدارة ترامب تتعلق بضرب اليمن
  • مستشار الأمن القومي الأميركي يخرج عن صمته بعد فضيحة "سيغنال"
  • مجموعة توثّق انتهاكات الحرب تتهم الجيش السوداني بتنفيذ قصف دام على إقليم دارفور  
  • فضيحة أمنية.. خطط عسكرية أمريكية ضد الحوثيين تصل إلى صحفي من "ذي أتلانتيك" عن طريق الخطأ
  • فضيحة في البيت الأبيض.. إفشاء غير مقصود لخطط عسكرية باليمن
  • فضيحة "أتلانتيك".. لماذا ورد اسم مصر في "المحادثة السرية"؟
  • ترتيب مجموعة الزمالك في كأس عاصمة مصر قبل مواجهة بتروجيت