سودانايل:
2025-04-30@20:01:02 GMT

العلوم كأهل السماء.. لا لسان لها

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

ناجي شريف بابكر

العلوم تتطور عبر الحضارات وليس بمعزل عنها.. الحضارات كما قال عنها ابن خلدون تنمو وتنضج ثم تتعاظم ثم تنهار في دورات قوامها عدة قرون وعقود من الأزمنة..هذا بينما العلوم تبقى حية عبر القرون تتناقلها المخطوطات والوثائق والروايات..
لذلك فإن العلوم تتبع الحضارات وتسافر عبرها.. تتلون بألوانها وتتحدث بألسنتها حتى حين.

. وان اللغات التي تتبناها الحضارات تصبح بالضرورة ألسنة علمائها وكتابها والناشرين فيها..
إن تتمسك بعض الشعوب لدواعي دينية وعصبية بلغاتها ولهجاتها المحلية وأن تحاول فرض تلك اللغات واللهجات على مناهج المعاهد والجامعات فيها إنما هو فرض للركود والردة، وإفراط في حرمان الأجيال من التواصل العلمي في عزلها عن مواكبة المستجدات اليومية التي تشهدها ميادين المعرفة بصفة متسارعة ومتراكمة.. إن الإنسان لا يتطور إذا ماظل أسيرا لإدراك جامدٍ وإجتراري..
العلوم الإنسانية ليست حكرا على حضارة دون أخرى، ولا لدين دون سواه، إنما هي أمانة تؤديها وتتناقلها الأجيال.. فالإنسانية شئ والعقائد شئ آخر.. إن علماء الشرق والعالم الأسلامي كانوا قد ورثوا الفلسفة وعلوم الفلك واللاهوت من الحضارة اليونانية الوثنية عبر مخطوطات نسخت باللغة الآرامية القديمة. وفي عصر النهضة وعصور التنوير، استندت الثورة العلمية والفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات في أوروبا المسيحية على إرث الحضارة الإسلامية.. ففي كل عصر من العصور كانت العلوم تتخذ ألسنة الحضارات السائدة وخطابها.. بل وتتعارك أحيانا وتحتك مع عقائدها ومسلماتها الروحية، مثالا لذلك ما حدث من صدام مابين هيباتيا عالمة الفلسفة والرياضيات ومتشددي كنيسة الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي، وما حدث في وقت متأخر في روما للفيلسوف وعالم الفلك جاليلو في بواكير القرن السابع عشر الميلادي في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية.. لكن العلوم قد أفلحت رغم ذلك بقدر كافٍ في أن تحافظ على تراكمها عبر تلك الحضارات والتحديات على اختلافها وتواترها..
كل حضارة يدين لها العالم دهرا.. تُسَخّرُ إبانه مواردها لترجمة العلوم وتطويرها وطباعتها ونشرها كجزء من عملية التنوير والحراك الثقافي.. لذلك فإن مواكبة الشعوب لتلك العلوم من خلال الدراية الكافية بألسنتها وثقافاتها أمر حتمي لا مناص منه.. وان التخندق وراء الإلسن واللهجات المحلية، إنما هو شكل من أشكال التعنصر والعزلة واستئثار بالوسائل على حساب الغايات.. ظواهر تتسبب آخر الأمر في إنغلاق المجتمعات وتعثر عمليات التحول والإرتقاء فيها للحاق بركب الحضارات وربما التهيؤ للتفوق عليها ووراثتها.
إن التعريب القسري الذي فرضه يوما سياسيون متشددون على معاهدنا وجامعتنا من منطلقات عقدية لا حكمة فيه ولا مرجعية.. سوى انه وصاية وإفراط أعمى في العزلة.. إن الطلاب الأفارقة الذين تستجلبهم وزارة التعليم العالي السودانية وتلقنهم العلوم بالعربية ثم تعيدهم إلى ديارهم بحسبانهم سفراء للدعوة والتغيير إنما تسهم في تعميق عزلتهم المتمثلة في تعثر التواصل بمجتمعاتهم، لافتقارهم المقدرة على التعبير والتخاطب التقني باللغات السائدة في الدوواوين والمؤسسات الحكومية في بلدانهم، مما يدفع بأكثرهم للتخلي عن شهاداته ودرجاته العلمية، والانخراط في التلقين الديني بالخلاوى.. أو الإنتماء لمنظمات خيرية أو أخرى مناهضة لشعوبها..
لا تمنع العقائد أتباعها عن إجادة وسائل التواصل وتبنيها فيما بين الشعوب المختلفة، وما اللغات إلا أدناها..فمن يمتنع منهم إنما هم أنفسهم يظلمون.. فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم.. إن أهل السماء لا يتحدثون لغة بعينها ويتجاهلون أخرى..لأن السماء لا تعبأ بالألسن والألوان.. هذه الأوهام والأباطيل التي نحن فيها تحكم بخناقنا وترهقنا في عزلة سرمدية.
إنتهى..

nagibabiker@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

نظافة بربر من البروس وحباب النازلة من السماء!!

أجزم بأن غالب سكان مدينة بربر لم يروا موقع محطة الكهرباء التحويلية فيها وان بعضهم لم يكن يعرف أن بالمدينة العريقة محطة تحويلية تغذيها بالكهرباء من أساسه هى ومناطق حولها ولكن مليشيا الجنجويد من حيث لا يدري أحد علمت بوجود محطة تحويلية في بربر وعرفت مكانها بالدقة والتفصيل و ضربتها بشكل مباشر مثلما فعلت من قبل مع محول الولاية الشمالية وكما ضربت لثلاث مرات متتالية محطة المقرن التحويلية بالدامر والتى تغذي ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر بالكهرباء!!

حرب المسيرات سوف تنتهى كما قال الرئيس البرهان أمس ومسيرة النصر قاصدة حتى آخر موقع للجنجويد في السودان وحتى ذاك حباب النازلة من السماء ولكن علينا نظافة الأرض من البروس في بربر وكل مدن السودان!!

بكرى المدنى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الشيباني من الأمم المتحدة: لن نعيق استقرار المنطقة بما فيها إسرائيل
  • السماء ملبدة بالغيوم.. هطول أمطار على المدينة المنورة
  • دولت بهتشلي يشن هجوما لاذعا على خبير الزلازل التركي جلال شنغور
  • "التعليم" تبث حل النموذج الاسترشادي لكيمياء اللغات عبر "مدرستنا 3" الليلة
  • العمل ركيزة جوهرية في بناء الحضارات.. وزير الداخلية يهنئ جبران بعيد العمال
  • علماء الفلك يحلون سر أضخم تراكم مجري في الكون!
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب
  • مركز الفلك ينشر صورة لهلال شهر ذو القعدة
  • نظافة بربر من البروس وحباب النازلة من السماء!!
  • أرض الحضارات، قادر على إعادة بناء المتاحف في أي بقعة.. انطلاق المهرجان الثقافي الثاني بمدينة كادقلي