سودانايل:
2025-01-22@06:50:46 GMT

الأعراس الباذخة.. الغواية في زمن الحرب

تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد

لن يكون المرء سوداويا بحيث يطالب الآخرين بأن يوقفوا سير الحياة المعتاد من أعراس وعزاءات وميلاد وختان وغيرها من المناسبات الإجتماعية بذريعة الحرب.. فذلك أمر لا تقبله طبيعة الأشياء، فالحياة سمتها المسير ولن ترتهن بحالة حرب أو فوضى شاملة.
من الطبيعي والحالة هكذا أن تعتري الإنسان أطوار الحياة من فرح وكآبة.

وقد يكون مفهوما أيضاً أن يكون الفرح مباحاً بليلة الفرح، ولن يكون من الشذوذ - مع رهق الحياة الدائم - أن يتكأ الإنسان على لحيظات ينشد فيها حظه من السعادة والفكاك من أسر عقابيل الحياة الثِقال... غير أن الأمر في كثير من الأحيان قد يختلط بالغواية وهذه الأخيرة هي ما تزينه النفس بأن ما يفعله هو ممارسة "السعادة" في حين أنها وهم أو مجرد أمنيات مخادعة لحاجات تحيك في النفس تكشف عن عقد راسخة في الأغوار، أو تستجيب لمُركبات نقص حاقت بالنفس في الطفولة الباكرة. أو ربما إتجاه تعويضي نحو تأكيد ذات إستعصت عليها مهمة إبراز قدرات فذة مما تجود به الطبيعة من ذكاء أو معارف للنفع العام.
ليس من الظلم بأي حال إذا زعم المرء أن المرأة التي تُحظى بالزواج من رجل ثري، قد تكون فريسة للغواية عندما تعتقد أنها حققت السعادة أو مهدت الطريق إليها بإقامة فرح باذخ، فذلك ضرب من ضروب الخداع الناجم عن الغواية.. وقد يكون الأمر نفسه منطبق على عريس يخادع نفسه بأنه قد ظفر "بالعروس الحسناء" لإتخاذها ذريعة إما لمجد مستعصي أو تتويجاً لثراء ناله في غفلة من الزمان. وفي كلٍ تتجلى الغواية في أتم تمظهراتها عندما يعتقد العرسان أنهم قد حققوا سعادتهم بإجراء مراسم عرس يظل حديث المجتمع لحين مقدر من الدهر، ويزاحم ما عداه من الأخبار في وسائط التواصل الاجتماعي بإعتبار ما أُنفِق فيه من أموال، أو مَن حضره مِن معازيم، أو مَن أحياه مِن المغنين. بينما الحقيقة التي لا مراء فيها أن كل حدث من هذا النوع ستجرفه تيارات النسيان في محيط الحياة اللجب.. لتظل أوهام السعادة منصوبة على أعواد الخيال المخادع، فكما يقول الأديب العالمي تلستوي(إن ميولنا نحو السعادة الإيجابية ليست مغروسةٌ في نفوسنا إلا لتبقى غير مُشبَعة وبالتالي لتعذبنا).. والحق أن السعادة لا تُدرك إلا في ظرف ينتفي فيه الحرمان عن الآخرين المحرومين من السعادة أو من أسبابها.
ففي واقع الحرب عادةً لا تُدرك السعادة الحقيقية، إلا بتقاسم هموم الآخرين الذين لم تبقِ لهم الحرب إلا شعرة بينهم وبين الجنون. إن أؤلئك التعساء - ضحايا الحرب- للمفارقة المحزنة ليسوا من الذين قضت عليه الحياة في إنتخابها الطبيعي فدمغتهم بميسمها المُسمى ب (الفقر). وإنما هم أناس من ذات مشرب مثل هؤلاء العِرسان المصابون بالغواية. أو إنهم بالأحرى أبناء نفس الطبقة من بُرجوازيي المُدن الذين صارت أسمى غايات سعادتهم في ظل الحرب تكمن في كسرة خبز، و جرعة ماء، أو لحاف للنوم، أو حبة دواء، أو سقف منزل آمن أو حتى ريح وطن كانوا في نعمائه فاكهين. فقد كان يعتقد أؤلئك البؤساء (برجوازية المُدن وأشباههم) من قبل أن سير الحياة الرُخاء لن تكدره حادثات الزمان مهما جارت عليهم، لأن تسهيلاتها كانت بالنسبة لهم في حكم المضمونة، وأن حريتهم كلها كانت رهينة بتلك التسهيلات.. فإذا بالحرب تعصف بتلك الأحلام البرجوزاية. ولذلك فإن إعجاز الناس بإقامة حفل عرس "إسطوري" يكشف عن كيفية تفكير لم يعِ الدرس مما حاق بأبناء طبقتهم الأقرب، وينم عن فهم عميق الضحالة، ونفسية منخلعة خبرت الثراء السريع كما خبر أبناء طبقتهم الفقر السريع.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هل يصنع المال السعادة؟!

تأثير المال على السعادة الشخصية
المال يُعتبر من أهم الموارد في حياتنا اليومية، فهو يوفر لنا القدرة على تلبية احتياجاتنا الأساسية وتحقيق أهدافنا الشخصية. ولكن هل يؤثر المال حقًا على مدى سعادتنا ورفاهيتنا؟ يصعب الإجابة على هذا السؤال بدقة، ولكن هناك عوامل متعددة يمكن أن تسلط الضوء على هذه العلاقة.

المال والاحتياجات الأساسية
لا شك أن المال يمكن أن يسهم في تلبية الاحتياجات الأساسية مثل السكن، الطعام، والتعليم، والرعاية الصحية. عندما تكون هذه الاحتياجات ملباة، تنخفض مستويات التوتر والقلق مما يساعد الأفراد على العيش حياة أكثر راحة واستقرارًا. في هذا السياق، يلعب المال دورًا أساسيًا في توفير السعادة والراحة.

المال والرفاهية
الرفاهية تتخطى مجرد تلبية الاحتياجات الأساسية لتشمل أيضًا القدرة على التمتع بتجارب الحياة والمغامرات. يمكن للمال أن يتيح الفرصة للسفر والاستمتاع بالأنشطة الثقافية والترفيهية. في حين أن هذه التجارب قد تُحَسِّن من نوعية الحياة وتزيد من السعادة الشخصية، إلا أن التعود على مستوى معين من الرفاهية قد يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا إذا انخفض المستوى الاقتصادي.

العلاقات الاجتماعية والروحانية
العلاقات الاجتماعية الجيدة والروحانية قد تلعب دورًا أكبر في تحقيق السعادة مقارنة بالمال. يمكن أن يساعد المال في تعزيز العلاقات من خلال توفير الأنشطة المشتركة والهدايا، ولكنه لا يمكن أن يشتري الحب والاحترام والقبول. تشير الدراسات إلى أن جودة العلاقات الإنسانية لها تأثير أكثر ديمومة على السعادة مقارنة بالمال.

هل المال هو مفتاح السعادة الحقيقية؟
في النهاية، المال جزء لا يتجزأ من حياتنا وله تأثير واضح على مستوى راحتنا ورفاهيتنا. ومع ذلك، هناك العديد من الجوانب الأخرى للسعادة التي قد لا تُحقق بمجرد وجود المزيد من المال. يعتمد تحقيق السعادة الحقيقية على التوازن بين المال، العلاقات الإنسانية، والرغبات الشخصية.

تلبية الاحتياجات الأساسية والرفاهية
الاستثمار في العلاقات الاجتماعية
الحفاظ على التوازن الداخلي والروحاني
عندما ندرك أهمية هذه العناصر مجتمعة، يمكن أن نقترب من تحقيق نوعٍ من الرضا الذي قد يُعَد الشكل الأعمق للسعادة.

الامارات نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • 3 أبراج تفضل العزلة عند الخذلان.. لا تحب إظهار ضعفها أمام الآخرين
  • عبد الله أبو قردة: لا يحق لأي شخص أخذ القانون بيده أو الاعتداء على الآخرين
  • قصة عائلة مصرية احترفت الخط العربي على مدى قرنين من الزمان
  • الحياة تعود إلى «غزة» في اليوم التالي لسريان اتفاق وقف إطلاق النار
  • عضو «الأزهر العالمي»: الاستئذان في الإسلام ضرورة احتراما لخصوصية الآخرين
  • 5 أبراج فلكية تحب التنظير على الآخرين في كل شيء.. «بيحبوا السيطرة»
  • هل يصنع المال السعادة؟!
  • غزة بعد الحرب| بين أنقاض الدمار وتحديات إعادة الحياة وسط الألم
  • مصر تمنح غزة الحياة| أفراح في القطاع لوقف الحرب.. وخبير يكشف كواليس المفاوضات
  • هل هي مشروع فتنة جديدة؟؟