هل يمهد استهداف شبكة اتصالات حزب الله لحرب أوسع ضده؟
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
تعرض حزب الله الثلاثاء لأكبر خرق أمني في تاريخه، عندما انفجرت بتوقيت متزامن أجهزة اتصال من نوع "بيجر" يستخدمها عناصره على نطاق واسع في مختلف المناطق اللبنانية، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى. وقد سارع الحزب إلى اتهام إسرائيل بالضلوع في الهجوم وتوعّدها بالرد.
إن تجنب تل أبيب – حتى لحظة كتابة هذه السطور – إقرار أو نفي مسؤوليتها عن الحادث يعزز الاعتقاد بضلوعها فيه؛ لأن الأخيرة عادة ما تلجأ إلى التزام الصمت في هجمات كبيرة من هذا النوع ضد حزب الله وإيران، خصوصًا بعد حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إما لدافع حماية أدواتها الاستخباراتية، أو لدافع إبقاء نفسها في الظل لتجنّب منح مشروعية لرد فعل قوي من جانب طهران وحلفائها الإقليميين، ولإخفاء لعبتها الهادفة إلى نشر الحرب في الشرق الأوسط بشكل أكبر أو كلا الأمرين معًا.
لا يمكن الخروج على الفور باستنتاج واضح لطبيعة هجوم الثلاثاء. لكن بعض السيناريوهات الواقعية تنحصر في فرضيتين. الأولى، ما كشفه مصدر أمني لبناني للجزيرة عن أن أجهزة الاتصال كانت مفخخة بشكل مسبق قبل أن يستوردها الحزب قبل خمسة أشهر، وهو يفتح الباب أمام تساؤل آخر يتعلق بالكيفية التي تم بها تفخيخ الأجهزة من المصدر.
وتتشابه هذه الفرضية مع حادثة اغتيال يحيى عياش، القيادي في كتائب القسام عام 1996. والفرضية الثانية أن تكون برمجيات خبيثة تسببت في ارتفاع درجة حرارة بطاريات أجهزة الاستدعاء وانفجارها. وسواء كان الحادث نتيجة لتفخيخ الأجهزة أم لبرمجيات خبيثة، فإن العملية تتطلب عملًا استخباراتيًا مكثفًا لاستهداف الأجهزة الصحيحة. وهذا يشمل رسم خرائط لمستخدمي شبكة اتصالات الحزب، وتحديد نقاط الضعف وتصميم الهجوم وفقًا لذلك.
والثابت في كلتا الفرضيتين أن حجم الاختراق الاستخباراتي لحزب الله وصل إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصًا أنه ليس الأول من نوعه. يُعتقد على نطاق واسع أن اعتراض إسرائيل لمكالمة هاتفية للقائد الكبير في الحزب فؤاد شُكر نهاية يوليو/تموز الماضي ساهم في اغتياله. كما أن خرق شبكة اتصالات الحزب لعب على الأرجح دورًا رئيسيًا في اكتشاف إسرائيل مسبقًا توقيت الرد العسكري للحزب على اغتيال شُكر في أغسطس/آب الماضي، وشن هجوم استباقي ضده.
مع ذلك، فإن عامل الخرق الاستخباراتي، وعلى الرغم من أهميته، ليس السبب الوحيد لشن إسرائيل هجمات عالية المخاطر على حزب الله، وفي مناطق أخرى. بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول، تبنت إسرائيل عمليات اغتيال كبيرة في لبنان، مثل اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي، ثم اغتيال فؤاد شُكر بعد ذلك.
وكان اغتيال العاروري جزءًا من إستراتيجية إسرائيل المُعلنة باستهداف قادة حماس في الخارج، بينما كان اغتيال شُكر مُصممًا للرد على الهجوم الصاروخي على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل في 27 يوليو/تموز.
لكن استهداف شبكة اتصالات حزب الله يُعتبر أكبر تصعيد جديد في السياق الإقليمي للحرب منذ الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان الماضي، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/تموز الماضي، والهجوم الذي استهدف مواقع في محيط مدينة مصياف السورية هذا الشهر.
يظهر رابطان مشتركان بين هجوم أجهزة الاتصالk والهجمات الكبيرة الأخرى المذكورة:
الأول، أن جميعها تتشابه في كونها مُصممة لرفع التكاليف على انخراط حزب الله في الحرب، وعلى انخراط إيران بالوكالة فيها. كما أنها مُصممة إسرائيليًا لتوريط إيران مباشرة في الحرب، ولتعميق تورط حزب الله في الصراع.
أما الثاني فيتمثل في أن إسرائيل تجنّبت تبنّي أو نفي المسؤولية عنها للدواعي المذكورة سابقًا. مع ذلك، فإن هذا التكتيك، الذي تنتهجه إسرائيل، لا يُخفي حقيقة أنها أصبحت أكثر جرأة من أي وقت مضى في تصعيد صراعها مع حزب الله وإيران؛ لأنها تشعر على نحو متزايد أن التكاليف المُترتبة على اندفاعاتها محدودة.
على سبيل المثال، لم تمتلك إسرائيل الجرأة في اغتيال هنية (كان مُصممًا لدفع إيران لردّ فعل قوي) لولا أن طهران أظهرت أن أولويتها الرئيسية بعد الهجوم على قنصليتها في دمشق عدم التورط المباشر في الحرب.
وفي حالة حزب الله، فإن حرصه على غلق دائرة الانتقام مع إسرائيل بعد اغتيال شُكر لتجنب تصعيد أكبر للصراع، عمل في الواقع كمُحفز إضافي قوي لإسرائيل لتصعيد هجماتها عليه منذ تلك الفترة.
لدى إسرائيل الكثير من الأسباب التي تدفعها لتصعيد المواجهة مع حزب الله. وتُشير خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي يُعارض شن هجوم كبير على الحزب، إلى وجود نوايا لدى نتنياهو بتوسيع نطاق وأهداف الحرب على الجبهة الشمالية. وقد يكون استهداف شبكة اتصالات الحزب مُصممًا لإضعاف قدرته على إدارة آمنة للتواصل بين قادته الكبار؛ تمهيدًا لهجوم إسرائيلي واسع مُحتمل ضده.
إن إشارات الضعف، التي يُرسلها حزب الله، وقلق إيران من التورط المباشر في الحرب، وانشغال الإدارة الأميركية الحالية بالانتخابات الرئاسية المقبلة، توفر الظروف المطلوبة إسرائيليًا للذهاب بعيدًا في إستراتيجية الضغط العسكري على الحزب؛ لإزالة التهديد الذي يُشكله لإسرائيل في الشمال.
وقبل أن يكتشف الحزب أسباب الخرق الاستخباراتي الكبير الذي تعرّض له، والتخطيط للرد الانتقامي، فإنه سيتعين عليه الاستعداد للتعامل مع السيناريوهات الأكثر تكلفة، والتي سعى لتجنبها منذ بداية انخراطه في الحرب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات شبکة اتصالات حزب الله فی الحرب
إقرأ أيضاً:
كارثة إنسانية غير مسبوقة.. تقرير يرصد الدمار الذي خلفته الحرب في العاصمة السودانية
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للصحفية نسرين مالك، قالت فيه إنّ: "عاصمة السودان أُفرغت من مضمونها وجُرّدت أجزاء منها، ودُهس شعبها تحت وطأة صراع لم ينتهِ بعد"، موضحة: "قبل عشرة أيام، وفي نقطة تحوّل رئيسية في حرب دامت قرابة عامين، استعاد الجيش السوداني العاصمة من جماعة "قوات الدعم السريع" التي استولت عليها عام 2023".
وتابع المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "ما نعرفه حتى الآن يرسم صورة لمدينة مزّقتها فظائع لا تُصدق؛ حيث أدّت الحرب لانزلاق السودان نحو أكبر كارثة إنسانية في العالم، متسببة في إبادة جماعية في غرب البلاد، ومجاعة هناك وفي مناطق أخرى".
وأضاف: "خاضت قوات الدعم السريع -التي تشكّلت رسميا ووُسّع نطاقها من بقايا الجنجويد- والجيش السوداني، الحليفان السابقان في السلطة، الحرب عندما انهارت شراكتهما. وكان الضحايا هم الشعب السوداني، الذي دُهست حياته تحت وطأة الحرب".
"إن مركزية الخرطوم في الحرب، سواء من حيث ازدهارها أو ما تمثله لقوات الدعم السريع كمقر للسلطة، قد جعلت المدينة عرضة لحملة انتقامية شديدة: فقد استولت قوات الدعم السريع عليها، ثم شرعت في نهبها وترويع سكانها لا حكم المدينة، بل جردت المدينة من ممتلكاتها" وفقا للمقال نفسه.
وأكّد: "يشعر أولئك الذين يغادرون منازلهم مترددين لاستقبال جنود القوات المسلحة السودانية بالجوع والعطش والمرض والخوف. يروون حصارا من السرقة والقتل، بينما أطلقت ميليشيا قوات الدعم السريع النار على من قاوموا مطالبهم. وخوفا من حمل قتلاهم إلى المقابر، دفن الناس قتلاهم في قبور ضحلة في شوارعهم وساحاتهم الخلفية. وفي أماكن أخرى، تُركت الجثث لتتحلل حيث سقطت".
وأبرز: "وردت تقارير عن انتشار العنف الجنسي ضد السكان المدنيين منذ الأيام الأولى للحرب. ويُعد عدم وجود تقدير موثوق لعدد القتلى مؤشرا على الحصار الشامل الذي كانت الخرطوم تعاني منه".
واسترسل: "في مناطق المدينة التي شهدت أشدّ المعارك، فرّ المدنيون، تاركين وراءهم مدينة أشباح. المشاهد مُروّعة. إذ تحوّلت مباني الخرطوم ومعالمها البارزة لهياكل محترقة، واكتست شوارعها بالأعشاب والنباتات. في تجسيد صارخ لقطع شريان الحياة في البلاد، احترق المطار، الذي كان يعمل حتى الساعات الأولى من الحرب، وكانت الرحلات تستعد للإقلاع، حتى تحول إلى هيكل أسود. ولا تزال بقايا الطائرات التي أوقفتها الحرب على المدرج".
ووفقا للتقرير نفسه، فإنّ "الدمار السريع لمطار الخرطوم، يُظهر السمة الأبرز لهذه الحرب -كم كانت مُتسرّعة-. كيف انسلخت السودان من حالتها الطبيعية بسرعة وغرقت في حرب لم تتصاعد بمرور الوقت، بل انفجرت بين عشية وضحاها"، مردفا: "حمل الملايين كل ما استطاعوا من ممتلكاتهم وفرّوا مع تقدم قوات الدعم السريع. وتم نهب ما تركوه وراءهم سريعا".
وأضاف: "ما حدث في الخرطوم هو أكبر عملية نهب لمدينة أفريقية، إن لم تكن لأي عاصمة، في التاريخ الحديث. من التراث الثقافي للبلاد إلى ممتلكات شعبها، لم ينجُ شيء. أُفرغ المتحف الوطني السوداني، الذي يضم قطعا أثرية ثمينة من الحضارتين النوبية والفرعونية. دُمّر ما لم يكن بالإمكان نقله".
"نُهبت المنازل والمحلات التجارية، وسُرق كل شيء من الأثاث إلى المتعلقات الشخصية. حتى الأسلاك الكهربائية لم تسلم: نُبشت وجُرّدت لبيعها. وتُظهر صور من المدينة بقايا سيارات، جميعها بعد إزالة عجلاتها ومحركاتها" وفقا للتقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21".
ومضى بالقول إنّ: "حجم السطو والدمار الذي يظهر جليا يُشير إلى نهاية حصار الخرطوم، كلحظة مُبهجة وحزينة في آن واحد. إن التحرّر من آلام الاحتلال الوحشي هو مدعاة للارتياح والاحتفال، لكن حجم الخسائر، وما يتطلبه إعادة البناء، هائل ويمتد لأسس القدرات المادية والإدارية للمدينة".
وتابع: "هناك مسألة بناء الأمة وإنهاء الحرب في جميع أنحاء البلاد. لقد تفكك السودان عسكريا، واحتشد الشعب خلف القوات المسلحة السودانية لاستعادة وحدة أراضي البلاد وتخليصها من قوات الدعم السريع. لكن مسألة إخراج جميع الهيئات العسكرية من الحكم، وهو مطلب أحبطته شراكة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بعد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير".
وأبرز: "أصبحت معلقة في هذه العملية، ما دفع السودان أكثر نحو الحكم العسكري وتوحيده تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. وتمّ استقطاب الوكلاء والمرتزقة وموردي الأسلحة، وأبرزهم الإمارات، التي دعمت قوات الدعم السريع. لقد أطالت هذه الجهات الفاعلة عمر الحرب وغرقت في الكثير من التكاليف في الصراع لدرجة أن مشاركتها ستجعل على الأرجح الانتصارات الكبيرة للقوات المسلحة السودانية غير حاسمة على المدى القصير".
وأكّد: "لقد تخلى المجتمع الدولي عن السودان تقريبا لمصيره، مع مئات الملايين من الدولارات من المساعدات التي تعهدت بها والتي لم تتحقق أبدا وتفاعلا سياسيا بائسا"، مردفا: "انتقلت ميليشيا قوات الدعم السريع الآن لمعقل في غرب البلاد، حيث تسيطر على كل مدينة رئيسية تقريبا".
وختم التقرير بالقول: "بلغ حجم العنف هناك ضد الجماعات العرقية والقبائل غير المتحالفة مع قوات الدعم السريع حد التطهير العرقي والقتل الجماعي الذي يُعيد إلى الأذهان إبادة الألفية الثانية، وتتحمّل القوات المسلحة السودانية، بقصفها المميت، مسؤولية سقوط العديد من الضحايا المدنيين، ولها نصيبها من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية".
واستطرد: "ما انتهى في الخرطوم وشرق السودان لا يزال مستعرا، وبشدة أكبر، في أماكن أخرى. ربما تكون قوات الدعم السريع قد فقدت جوهرة تاجها، لكن الحرب لم تنتهِ بعد".
إلى ذلك، أكّد: "في غضون ذلك، فإن القدرة على إحصاء الخسائر، بدلا من معايشتها فعليا، هو أفضل ما يمكن أن نتمناه. وما هذه الخسائر، ليس فقط لسكانها، وليس للسودان فحسب، بل لعالم فقد مدينة جميلة وتاريخية وعريقة. لقد تمزقت الخرطوم وتناثرت أجزاؤها في جميع أنحاء السودان. ما تبقى منها يسكن في قلوب أهلها".