أعادت التفجيرات التي استهدفت أجهزة اتصال "البيجر" التابعة لعناصر حزب الله، والتي أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة أكثر من 2800 آخرين، طرح تساؤلات جوهرية حول دور إسرائيل، وما إذا كان هذا الخرق الأمني جزءا من استراتيجية أوسع لإشعال المنطقة.

ورغم أن إسرائيل امتنعت عن الإعلان صراحة عن مسؤوليتها عن العملية، إلا أن الدلائل تشير إلى تورطها فيها حيث نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين مطلعين قولهم أن إسرائيل "نفذت عمليتها" ضد حزب الله الثلاثاء بـ "إخفاء مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة اتصال تايوانية الصنع تم استيرادها إلى لبنان".

وفي مقابلة مع قناة "الحرة"، قال عنان وهبي، المستشار في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، إن "الضبابية الإعلامية ظلت دائما موجودة" في ظل استمرار الصراع، وأن هجمات من هذا النوع أو في هذا العمق غالبا ما تُنسب إلى إسرائيل وسلاحها الجوي في مناطق مختلفة.

وأضاف وهبي إلى أن امتناع إسرائيل عن إعلان مسؤوليتها يعود إلى ما وصفه بـ"الوضع المريح لجميع الأطراف لاحتواء الأزمة إذا كان الطرفان يرغبان في ذلك".

"خرق أمني خطير"

من جهته اعتبر الكاتب والباحث السياسي اللبناني، رضوان عقيل، التفجيرات بمثابة "خرق أمني خطير وجريمة تستهدف لبنان بأسره".

وفي مقابلة مع قناة "الحرة"، وصف عقيل الهجوم بأنه "عدوان على كل اللبنانيين"، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الخطوة إلى "إشعال حرب شاملة".

    View this post on Instagram           

A post shared by قناة الحرة | Alhurra (@alhurranews)

وقال عقيل إن "هذا الخرق الأمني ليس مجرد استهداف لحزب الله، بل هو عدوان على لبنان بأسره. إسرائيل تسعى من خلال هذه الأفعال إلى توسيع الصراع وربما الدفع نحو حرب شاملة إذا لم تتوقف عن هذا السلوك."

وتعهدت جماعة حزب الله اللبنانية بالرد على إسرائيل بعد اتهامها بتفجير أجهزة الاتصال في أنحاء لبنان، مما أثار مخاوف من التصعيد.

وفي حديثه مع قناة "الحرة"، أكد وهبي أن التفجيرات تمثل "الجيل الرابع من الحروب"، مشيرا إلى أنها تعكس تطورا تكنولوجيا متقدما في الصراع.

وقال: "ما شهدناه هو خطوة تكنولوجية متقدمة تهدف إلى ضرب منظومة الاتصال للطرف الآخر".

"مقدمة لعمليات ميدانية"

وأشار إلى عقيل إلى أن هذه العملية قد تكون "مقدمة لعمليات ميدانية لاحقة أكبر"، أو أنها محاولة لوقف التصعيد بدلاً من إشعاله. فإسرائيل "تسعى دائما إلى تفادي التوسع في الصراع وإعادة الأمور إلى السيطرة على الأراضي التي تعتبرها ذات أهمية استراتيجية".

وتأتي العملية بعد يوم واحد من تقارير إسرائيلية كشفت عن أن قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أوري غوردين، بدأ ممارسة "ضغوط" على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم بري جنوبي لبنان، يهدف إلى إنشاء "منطقة عازلة".

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية والقناة الـ13 الإسرائيلية، أن غوردين "يضغط على صناع القرار لبدء توغل واسع في لبنان".

وبشأن جدوى وجود منطقة عازلة مع وجود أسلحة لدى حزب الله قادرة تصل إلى العمق الإسرائيلي، قال وهبي: "ما شهدناه في السابع من أكتوبر يعطي نموذجا حيا لا يزال في ذاكرة الإسرائيليين خاصة أن الحرب لا تزال مستمرة بأن هناك حاجة إلى منطقة عازلة لأن الهجوم قد يأتي في شكل صواريخ وقد يأتي بهجوم بري مفاجئ كما حدث من غزة". 

إسرائيل تريد إنشاء منطقة عازلة تمتد حتى 10 كيلو مترات مع لبنان

ويقول عقيل، من جهته،  إنه "ليس من المبالغة أن ما حصل اليوم مقدمة لإنشاء الحزام الأمني". لكن بحسب تقديراته فإنه يستبعد أن يقدم الإسرائيليون على تنفيذ اجتياح بري للدخول إلى الأراضي الجنوبية "بدليل أن وحدات حزب الله لا تزال على النقطة صفر بين إسرائيل وبين لبنان من بحر الناقورة إلى تخوم مزارع شبعا أي بمسافر أكثر من مئة كيلو متر، لا تخلو فيها بلدة جنوبية ولا أي واد من وجود لحزب الله".

وقال: "بتقديري أن إسرائيل إذا كررت تجربة هجوم يوليو 2006 وأقدمت على الدخول إلى مساحات لبنانية، فإن حزب الله سيكون لها بالمرصاد".

وخاض الطرفان صيف 2006 حربا مدمّرة أسفرت في لبنان عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، و160 إسرائيليا غالبيتهم عسكريون. إلا أن اسرائيل لم تنجح في تحقيق هدفها المعلن في القضاء على حزب الله.

وقال عقيل: "قد يكون في مقدور إسرائيل أن تنفذ اجتياحا جويا وتحدث مثل هذا الحزام، لكن في المقابل، هناك حزام أمني نفذه حزب الله بالفعل في شمال إسرائيل".

ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، في حديث سابق الثلاثاء لموقع "الحرة" أن "حزب الله هو من صنع حزاما أمنيًا حاليا داخل إسرائيل، حيث نزح المواطنون الإسرائيليون في المناطق الشمالية بسبب الهجمات وتغيرت حياة الناس، وبالتالي بات على إسرائيل اتخاذ ما يلزم من تدابير لإعادة النازحين سواء بالوسائل السلمية أو الحرب".

توسيع أهداف الحرب و"منطقة عازلة" مع لبنان.. ماذا تريد إسرائيل الآن؟ قررت السلطات الإسرائيلية توسيع أهداف الحرب لتشمل عودة مواطني الشمال إلى منازلهم قرب الحدود مع لبنان، في خطوة يمكن اعتبارها بمثابة خطوة تمهيدية لاحتمال شن هجوم ضد حزب الله اللبناني الذي يتبادل مع إسرائيل الضربات على مدار عام تقريبا. هل ستدفع التفجيرات حزب الله إلى التراجع أم الرد؟

وفيما يخص تأثير التفجيرات على حزب الله، أشار عقيل إلى أن هذه الهجمات قد تدفع الحزب إلى الرد بقوة. وقال: "حزب الله سيقوم بجمع المعلومات حول كيفية تنفيذ هذا الهجوم وكيفية دخول الأجهزة المتفجرة. الهجمات ستدفع الحزب إلى تعزيز جهوده الأمنية وربما الرد على الهجوم."

ويرى عقيل في الهجوم استفزازا يدفع حزب الله إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. عقيل يتوقع أن يرد حزب الله بتصعيد أعماله، مشيرا إلى أن إسرائيل قد تكون قد أخطأت في تقدير ردة فعل الحزب.

في المقابل، يعتبر وهبي أن الهجوم قد يكون محاولة لإشغال حزب الله والضغط عليه دون التصعيد الكامل.

ويشير إلى أن قرار الحرب ليس بيد حزب الله ولكن بيد طهران بدليل إصابة السفير الإيراني في الهجوم، ما يبدي الحضور والسيطرة الإيرانية في لبنان.

ويرى وهبي أن إيران من جانبها لا تريد توسيع رقعة الحرب ولكنها ستصدر تصريحات نارية، وربما يكون هناك شيء رمزي مثل إرسال صاروخ وربما في عمق إسرائيل وما إلى ذلك.

ويضيف أن حكومة نتانياهو قد تريد جر إيران إلى توسعة الصراع قبل الانتخابات الأميركية، لكن طهران لا تريد ذلك.

عملية هجومية رغم الدعوة الأميركية

وجاءت هذه العملية بعد يوم من تحذير واشنطن لإسرائيل من شن حرب ضد لبنان، مؤكدة أنها تدعم الوصول إلى "حل دبلوماسي" لإنهاء التصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل.

وجاء التحذير الأميركي على لسان المستشار البارز للرئيس جو بايدن، المبعوث الأميركي إلى لبنان، آموس هوكستين، خلال لقاء مع مسؤولين بارزين في إسرائيل الاثنين.

وقالت 3 مصادر مطلعة لموقع "أكسيوس" الأميركي، إن هوكستين حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من "شن حرب في لبنان" قد تزداد اتساعا، قبل أن تعلن الحكومة الإسرائيلية توسيع أهداف الحرب الجارية حاليًا، لتشمل إعادة مواطنيها النازحين من شمالي البلاد إلى منازلهم.

ونقل الموقع عن مصدرين، أن هوكستين "أكد لنتانياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، خلال اجتماعه معهما بشكل منفصل، أن الولايات المتحدة لا تعتقد بأن اندلاع صراع أوسع مع لبنان، سيحقق هدف عودة النازحين إلى الشمال".

وبشأن كيفية فهم هذه العملية في أعقاب زيارة هوكستين حث فيها بشكل واضح الدولة العبرية على عدم التصعيد على الجبهة الشمالية، يشير وهبي إلى أن هذا يؤكد أن إسرائيل لا تنسق كل عملياتها مع أميركا، خاصة مع الإدارة الحالية التي "لديها أهدافها السياسية وتحاول بكل ما تستطيع أن تؤثر على منع التصعيد والوصول إلى حلول وتسويات في المنطقة" قبل الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المقبل.

وقال: "لا يريد أي طرف سواء حزب الله أو إسرائيل أن ينزل عن الشجرة، حتى جاءت هذه الضربة بشكل عميق ومفاجئ والتي ربما قد توحي بنوع الهجمات والصراع الذي قد نذهب إليه، حيث قد يكون في جعبة إسرائيل تقنيات تكنولوجية أخرى جاهزة لمثل هذا النوع من الحروب السيبرانية".

حديث عن "خيبة أمل".. كيف تقرأ إدارة بايدن تفجيرات البيجر في لبنان؟ تواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته المرشحة الديمقراطية في انتخابات الخامس من نوفمبر، تطورات دراماتيكية في الشرق الأوسط في وقت حساس، بعد مقتل تسعة أشخاص، بينهم طفلة، وإصابة أكثر من 2800 بجروح، في تفجيرات أجهزة اتصال الـ"بيغر" (النداء الآلي) الخاصة بعناصر حزب الله، التي وقعت الثلاثاء في مناطق عدة بلبنان، وهو ما يعد حدثا فريدا من نوعه قد يمهد لتوسع الحرب خاصة بعد إصابة السفير الإيراني في بيروت في هذا الهجوم.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: منطقة عازلة أن إسرائیل مع لبنان حزب الله فی لبنان إلى أن

إقرأ أيضاً:

خبير استراتيجي: انتهاكات إسرائيل للهدنة في لبنان تتم تحت أنظار لجنة المراقبة

قال العميد طارق العكاري، المتخصص في الشأن الاستراتيجي والاقتصاد العسكري، إنه أثناء اجتماع اللجنة «الأمريكية - الفرنسية»، المراقبة لوقف إطلاق النار في لبنان مع قوات حفظ السلام، كانت الطائرات المسيرة الإسرائيلي على بعد أمتار من الاجتماع الذي عقد في رأس الناقورة، تفجر وتنسف المنازل.

انتهاكات إسرائيلية مستمرة للهدنة

وأضاف «العكاري» خلال مداخلة هاتفية بقناة «القاهرة الإخبارية»، أن رأس الناقورة لم يستطع جيش الاحتلال الإسرائيلي الدخول إليها أثناء القتال مع حزب الله، ودخلها منذ أيام فقط، مشيرا إلى أنه دخل إلى البلدات الغربية والقطاع الغربي وطالت الخروقات القطاع الشرقي، وتوغلت الدبابات الإسرائيلية إلى بلدة بني حيان.

ولفت المتخصص في الشأن الاستراتيجي والاقتصاد العسكري، إلى أن قوات حفظ السلام «اليونيفيل» كانت على بعد أمتار من التفجيرات التي تتم في القرى اللبنانية.

خلافات غير ظاهرية بين حزب الله والحكومة اللبنانية

وأوضح أن الأمر الأن لا يتعلق بمسألة الخروقات الإسرائيلية لهدنة وقف إطلاق النار، بل يتعلق بخلافات غير ظاهرية بين حزب الله والحكومة اللبنانية؛ إذ أن «الأول» مستاء خاصة أنه بعد تركه الجنوب اللبناني والحدود المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة لم يستطع الجيش اللبناني وقف الخروقات بسبب الحالة الضعيفة التي عليها.

مقالات مشابهة

  • هذا ما يفعله حزب الله الآن.. تقريرٌ إسرائيلي يكشف
  • عميل للموساد الإسرائيلي يكشف تفصيل عملية تفجيرات البيجر في لبنان
  • عميل موساد يكشف معلومات جديدة حول تفجير البيجر
  • خبير استراتيجي: انتهاكات إسرائيل للهدنة في لبنان تتم تحت أنظار لجنة المراقبة
  • عن تفجيرات البيجر... هذا ما كشفه عميل في الموساد
  • 60 دقيقة الأمريكي يستضيف عملاء الموساد المخططين لهجوم البيجر في لبنان
  • كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟
  • بوتين: لا نعرف ما الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها في غزة
  • بالفيديو... إسرائيل تزعم تدمير مقرّ قيادة لـحزب الله في الجنوب
  • يخصُّ لبنان.. هدف يجمع إسرائيل وسوريا الجديدة!