لمَ يبدو لنا الكون مظلمًا على الرغم من وجود النجوم؟
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
ترجمة - حافظ إدوخراز -
هذا سؤال في غاية الأهمية، وقد شغل بال علماء الفلك لفترة طويلة من الزمن. لذا دعونا نُعِد طرحه من جديد: تشرق الشمس كل يوم وتضيء كوكبنا، وهذا أمر مؤكد لا لبس فيه، غير أن السماء خلال الليل (وفي الصور التي يلتقطها علماء الفلك بشكل عام) تكون سوداء مظلمة!
يجب أن تعلم بداية وقبل كل شيء أننا نتلقّى من الشمس كمية من الضوء أكبر بكثير مقارنة بالنجوم الأخرى لأن الشمس نسبيًّا أقرب من الأرض، فهي تبعد عن كوكبنا 150 مليون كيلومتر فقط، مقارنة بأربعين ألف مليار كيلومتر للنجم الآخر الأقرب إلينا والمسمّى بالقنطور الأقرب أو «بروكسيما سنتوري» (Proxima Centauri).
ولكي تستوعب الفرق على نحوٍ أمثل، ما عليك سوى أن تنظر إلى المصباح الموجود على الطاولة بجانب سريرك، ولاحظ كم هو يضيء من حولك بشكل جيّد. إذا تخيّلنا الآن أن هذا المصباح يمثّل الشمس، فإن أقرب نجم آخر من الأرض يمثله مصباح موجود على بُعد مائة كيلومتر من غرفتك! من الواضح إذن أن الشمس تمنحنا الكثير من الضوء بينما لا يصل إلينا من باقي النجوم الأخرى سوى القليل من الضوء.
وفضلًا عن ذلك، يملك كوكب الأرض غلافا جويا، وهذا أمر مهم جدا بالنسبة إلى موضوع حديثنا لأن الهواء المحيط بنا قادر على تشتيت الضوء، وخاصة الأزرق منه. وبالتالي فإن الضوء الأزرق المنبعث من الشمس ينتشر في الهواء، مما ينتج عنه إضاءة تشمل سائر الكوكب، وتبدو لنا السماء زرقاء خلال النهار! وهذا يعني أننا إذا ذهبنا إلى مكان آخر حيث لا يوجد غلاف جوي، فلن تكون السماء زرقاء أثناء النهار، ففي القمر على سبيل المثال، تبدو السماء سوداء في الليل كما في النّهار!
يمكنك أيضا أن تقول لنفسك إنه إذا الكون غير متناهٍ، فينبغي حتمًا أن نصادف نجمًا ما في أيّ اتجاه ننظر إليه، ونستقبل بالتالي الضوء المنبعث منه. وتلك هي المفارقة الشهيرة التي يُطلق عليها في علم الفلك بمفارقة أولبرز (Olbers›s paradox) نسبة إلى عالم الفلك الألماني هاينريش فيلهلم أولبرز (Heinrich Wilhelm Olbers). وقد عكف علماء الفلك على التفكير مليًّا في هذه المفارقة، إذ إن من المفترض ألا تكون السماء سوداء وإنما أن تشعّ بالضوء بالنظر إلى وجود أعداد كبيرة من النجوم في الكون الفسيح!
ومع ذلك، فإن السماء سوداء للغاية، فلم يا ترى؟ ثمّة العديد من الأشياء التي يجب أخذها بعين الاعتبار. أولا، إن الكون ليس شفّافًا تمامًا، والغبار الموجود بين النجوم قادر على امتصاص الضوء (وخاصةً الضوء الأزرق). وبالتالي فهناك ضوء لا يصل إلينا.. وبعض النجوم تصبح غير مرئية بالنسبة لأعيننا!
ثم إن الكون آخذٌ في الاتّساع، وهذا يعني أن المجرّات تبتعد عن بعضها البعض. وتكون النتيجة أن موجات الضوء المنبعث من الأجسام البعيدة تتمدّد أثناء سفرها عبر الفضاء ويزداد طولها، فيتحول لون الضوء بذلك إلى الأحمر مع الوقت، بل يصير في بعض الأحيان شديد الحمرة لدرجة أن أعيننا لا تعود قادرة على إبصاره.
ولكن أعرني انتباهك رجاءً، فالأمر أكثر تعقيدًا بعض الشيء! عليك أن تدرك أن عينيك في الواقع لا تريان سوى جزء صغير من الضوء، أي ذلك الجزء الواقع بين اللونين الأحمر والبنفسجي (ترى هذه المجموعة من الألوان في قوس قزح). غير أن ثمّة ألوانا أخرى ليس باستطاعة العين البشرية أن تبصرها (الأطوال الموجية من الطيف الكهرومغناطيسي التي لا تستطيع العين التقاطها / المترجم): فما دون اللون الأحمر، هناك الأشعة تحت الحمراء ثم موجات الراديو؛ وما فوق اللون البنفسجي، توجد الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية (X-rays)، ثم أشعة جاما (Gamma rays).
يؤدي توسّع الكون إلى احمرار الضوء الأوّلي المنبعث من النجوم، إذ يمكن أن يتحول من اللون البنفسجي إلى اللون الأصفر على سبيل المثال. لكن هذا التغيّر يعتمد على المسافة التي يقطعها الضوء، والأجسام البعيدة يتحول ضوؤها بشدّة نحو اللون الأحمر لدرجة أنه يتجاوز اللون الأحمر إلى ما دونه. وإذا وقع وتحوّل الضوء من اللون البنفسجي إلى الأشعة تحت الحمراء فإنك ببساطة لن تتمكن من رؤيته!
من جهة أخرى، يستغرق الضوء بعض الوقت للسفر، فهو يقطع مسافة 300 ألف كيلومتر في الثانية. قد يبدو هذا كثيرًا بالنسبة لك، لكنه يعني أن الضوء المنبعث من الأجسام البعيدة يستغرق في الواقع وقتا طويلا للغاية من أجل الوصول إلينا نظرا لبعد هذه الأجسام عنا (قد يستغرق الآلاف أو الملايين أو حتى المليارات من السنين!). لكن النجوم لا تعيش للأبد، فالنجوم مثل شمسنا على سبيل المثال تعيش عشر مليارات سنة، والبعض الآخر منها يعيش بضعة ملايين من السنين فقط. وهذا يعني أنه حينما تنظر إلى السماء نحو أحد الاتجاهات، فقد تكون النجوم في تلك اللحظة قد ماتت أو لم تولد بعدُ وبالتالي فلن نستقبل أي ضوءٍ منها.
ويجب أن نضيف على ذلك أن عمر الكون نفسه لا يتجاوز 13.8 مليار سنة فقط، ولهذا فلا يمكننا أن نرى سوى ذلك الجزء من الكون الذي استغرق الضوء المنبعث منه أقل من 13.8 مليار سنة للوصول إلينا... إنه حيّز صغير جدا من الكون.
إن السماء سوداء بشكل طبيعي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طيف الألوان التي يمكن لأعيننا نحن البشر إبصارها. ولو كانت عيناك قادرة أن ترى الأشعة تحت الحمراء أو الأشعة السينية، لظهرت لك السماء بالفعل لامعةً تشعّ بالضوء!
د. يائيل نازيه عالمة فلك بجامعة لييج (بلجيكا)
المصدر: موقع The Conversation
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الضوء الضوء ا یعنی أن
إقرأ أيضاً:
قلق أممي من ظروف مزرية للفارين من لبنان إلى سوريا
أعربت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، عن قلقها إزاء الظروف "المزرية" في سوريا التي جعلت بعض اللبنانيين الذين فروا إليها بحثا عن ملاذ آمن يعودون إلى لبنان.
وقال غونزالو فارغاس يوسا ممثل المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في سوريا إن هناك "أسرا لبنانية بصدد اتخاذ قرار صعب للغاية وربما يهدد حياتها بالعودة إلى لبنان".
وأضاف للصحفيين في جنيف -عبر الفيديو- من الحدود السورية اللبنانية "هذه أعداد صغيرة للغاية، ولكن بالنسبة لنا فإن حتى الأعداد الصغيرة تعد مؤشرات مقلقة".
وأوضح المسؤول الأممي أن نحو 65% من الذين يعبرون الحدود إلى سوريا، التي مزقتها 13 عاما من الحرب والنزاع، هم مواطنون سوريون لجؤوا إلى لبنان هربا من تلك الحرب.
وأشار فارغاس يوسا الى أنه منذ عام 2017 وحتى 23 سبتمبر/أيلول هذا العام، عاد نحو 400 ألف سوري إلى بلادهم من لبنان، قائلا "لقد رصدنا العدد نفسه تقريبا.. خلال فترة تتراوح بين 7 و8 أسابيع"، مضيفا أن نحو 150 ألف لبناني وصلوا أيضا إلى سوريا خلال تلك الفترة.
وأشاد بما أظهرته المجتمعات السورية تجاه الوافدين من كرم "مثالي" على الرغم من "تدمير بنيتها التحتية واقتصادها"، لكنه تساءل بالنظر إلى الوضع الاقتصادي في سوريا ونقص التمويل للاستجابة الإنسانية، "فمن غير الواضح إلى متى سيستمر هذا الكرم؟ّ!".
وقال إن علامات مقلقة بدأت تظهر بالفعل، مشيرا إلى أعداد من الناس الذين اختاروا العودة إلى لبنان على الرغم من المخاطر "ربما بمعدل 50 أسرة يوميا"، على الرغم من استمرار القصف.
وأكد فارغاس يوسا أن هناك بعض السوريين أيضا اضطروا للعودة مرة أخرى إلى لبنان، "وذلك في المقام الأول بسبب الظروف الاقتصادية المزرية للغاية في سوريا".
وفي الوقت نفسه، قال إن هناك "انخفاضا كبيرا في وتيرة وصول اللاجئين" إلى سوريا مؤخرا، من ذروة راوحت بين 10 آلاف و15 ألف لاجئ يوميا إلى متوسط يبلغ الآن نحو 2000 لاجئ.
وأوضح أن هذا الانخفاض مرتبط على الأرجح بالقصف الإسرائيلي المتكرر للمعابر الحدودية، داعيا الجيش الإسرائيلي إلى "وقف هذه الهجمات غير المقبولة على الفور".
وتقدر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن نحو 560 ألف شخص فروا إلى سوريا من لبنان المجاور منذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، عندما تصاعدت عمليات القصف والمعارك الحدودية، في حين تقدر السلطات اللبنانية العدد بأكثر من 610 آلاف شخص.
ويأتي ذلك في ظل الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق لبنانية عدة خاصة مدن وبلدات الجنوب، إلى جانب الغارات على العاصمة بيروت، في حين يرد حزب الله بقصف مواقع عسكرية للاحتلال ومستوطنات عدة.