ألم تشعر يوما بأن ماء البئر الذي كنت تشربه في طفولتك كان ألذ بكثير من مياه الشرب المعبأة التي تشتريها الآن؟ هل تساءلت يوما عن السبب؟ ربما لم تسمح لك والدتك بشرب ماء البئر خوفا عليك من التلوث، وهذا أمر منطقي. لكن هل فكرت يوما أن ماء البئر قد يكون أنقى وألذ من مياه الشرب التي نشتريها اليوم؟

يرجع السبب أن المياه الجوفية غالبا ما تكون أكثر نقاء وأقل تعرضا للتلوث مقارنة بالمياه السطحية.

تمر المياه الجوفية عبر طبقات متعددة من التربة والصخور التي تعمل كمرشح طبيعي، مما يجعلها غنية بالمعادن المفيدة والأملاح الطبيعية التي تضفي عليها طعما مميزا حلوا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون المياه الجوفية أقل تأثرا بالتغيرات المناخية والتلوث السطحي.

وتعتمد سلطنة عمان بشكل كبير على المياه الجوفية التي يتم استخراجها من أحواض مختلفة مثل نجد والمسرات والشرقية. تشكل المياه الجوفية حوالي 83% من إجمالي استهلاك المياه في سلطنة عمان، وتستخدم بشكل رئيسي في الزراعة، وللحصول على هذه المياه، يتم حفر آبار عميقة باستخدام معدات حفر متطورة. إلا أن بعد استخراج المياه، يتم معالجتها بطرق مختلفة مثل إضافة مواد كيميائية كالكلور والأوزون أو استخدام تقنيات الترشيح الحديثة لضمان نقائها مثل الأغشية فائقة الترشيح (UF) والتناضح العكسي (RO) لضمان خلوها من أي ملوثات.

وتعتبر تحلية المياه مصدرا رئيسيا لتلبية الاحتياجات المنزلية والصناعية. إذ يوجد في سلطنة عمان حوالي 94 محطة تحلية، تنتج حوالي 268 مليون متر مكعب من المياه سنويا لتلبية الطلب المتزايد على المياه العذبة. وتمثل مياه التحلية حوالي 17% من إجمالي استخدام المياه محليا. واستخراج مياه البحر وتحليتها عملية تتطلب إزالة الأملاح والمعادن الأخرى. يتم ذلك عادة باستخدام تقنية التحلية بالتناضح العكسي (Reverse Osmosis)، حيث تمر المياه عبر أغشية شبه نافذة تحت ضغط عالٍ (يتراوح بين 800 إلى 1000 psi) لإزالة الأملاح والشوائب. هناك تقنيات أخرى مثل التحلية بالحرارة (Thermal Desalination)، مثل التقطير الوميضي متعدد المراحل (Multi-Stage Flash Distillation) أو التقطير باستخدام الطاقة الشمسية. مع ذلك، فإن عملية التحلية تستلزم كميات كبيرة من الطاقة، مما يسهم في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة والتأثير على البيئة.

بعد عملية تنقية المياه، يتم إضافة المواد الكيميائية في محطات معالجة المياه عبر عدة خطوات لضمان جودة وصحة المياه. تشمل هذه الخطوات إضافة الكلور أو الأوزون لتعقيم المياه، وضبط درجة الحموضة باستخدام الجير أو حمض الكبريتيك. ويضاف الفوسفات لمنع الصدأ والتآكل في الأنابيب، وأحيانا يُضاف الفلوريد لمنع تسوس الأسنان. تُستخدم أيضا مواد مثل كبريتات الألومنيوم لتجميع الجسيمات الدقيقة، والكربون المنشط لإزالة الروائح والطعم غير المرغوب فيه. هذه الإجراءات تضمن أن تكون المياه آمنة وصالحة للشرب، مع تلبية المعايير الصحية المطلوبة.

تتطور تقنيات استخراج المياه باستمرار لتلبية احتياجات الإنسان المتزايدة. من بين هذه التقنيات، نجد التكنولوجيا النانوية التي تستخدم أغشية نانوية لتنقية المياه بكفاءة أعلى. هناك أيضا تقنية استخلاص الرطوبة من الهواء، والتي تعتمد على أجهزة تكثيف بخار الماء من الجو باستخدام مواد استرطابية أو تقنيات التكثيف المباشر باستخدام الطاقة الشمسية.

تجربة شرب أفضل !

و للعبوات الحافظة للمياه تأثير كبير عليها. العبوات البلاستيكية مثلا والمصنوعة من بولي إيثيلين تيريفثاليت، تعد الأكثر شيوعا بسبب خفتها وسهولة حملها وتكلفتها المنخفضة. ومع ذلك، يمكن أن تتفاعل مع الماء وتطلق مواد كيميائية ضارة، خاصة عند تعرضها للحرارة. تكلفة هذه العبوات منخفضة للغاية، ولكنها تسهم في التلوث البيئي ولا تعتبر خيارا مستداما على المدى الطويل.

في المقابل فإن العبوات المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ المعروفة بالستيل هي خيار صحي وآمن لحفظ الماء. فالفولاذ المستخدم غالبا ما يكون مقاوما للصدأ، ويوفر مقاومة ممتازة للتآكل ولا يتفاعل مع الماء ولا يطلق مواد ضارة. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ هذه العبوات على درجة حرارة الماء لفترة أطول بفضل خواص العزل الحراري. تكلفتها أعلى من العبوات البلاستيكية، ولكنها أكثر متانة وتدوم لفترة أطول، مما يجعلها استثمارا جيدا على المدى الطويل.

أما العبوات الفخارية فتتميز بقدرتها على تبريد الماء بشكل طبيعي بفضل مساميتها التي تسمح بتبخر جزء من الماء، مما يخفض درجة حرارته. تصنع هذه العبوات من الطين المحروق ويمكن تحسينها بإضافة طبقات زجاجية لمنع التسرب والتلوث. تكلفتها متوسطة إلى منخفضة، وتعتمد على الحرفية والجودة، وهي تعتبر خيارا بيئيا مستداما، لكنها قد تكون أقل ملاءمة للاستخدام اليومي العصري بسبب قابليتها للكسر ووزنها الثقيل.

تُعتبر العبوات الفولاذية أفضل خيار من ناحية جودة المياه، حيث إنها لا تتفاعل مع الماء ولا تطلق مواد ضارة، مما يحافظ على نقاء وطعم الماء، إضافة إلى توفير عزل حراري جيد. بينما توفر العبوات الفخارية جودة جيدة مع تبريد طبيعي، إلا أنها قد تكون أقل ملاءمة للاستخدام العصري بسبب قابليتها للكسر ووزنها الثقيل. من ناحية التكلفة، تُعد العبوات البلاستيكية أرخص، لكنها أقل استدامة وتسهم في التلوث البيئي.

علياء السعيدية أخصائية تخطيط وتطوير برامج أكاديمية أساس المعرفة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المیاه الجوفیة

إقرأ أيضاً:

  تصادم مذنب بشراع جاك ..(مقطع مسلسل من قنابل الثقوب السوداء)

#سواليف

                 #تصادم #مذنب بشراع جاك

                                 (مقطع #مسلسل من #قنابل_الثقوب_السوداء)

إبراهيم أمين مؤمن –مصر

مقالات ذات صلة فعاليات رمضان للأسبوع الثالث بحضور النائب فراس قبلان في مركز اربد الثقافي. 2025/03/22

وسط سكون الفضاء العميق، حيث الظلام يمتزج بضوء النجوم الخافت، كان شراع جاك يشق طريقه بثبات في الفراغ اللانهائي. وبينما هم يواصلون رحلتهم عبر الفضاء السحيق، انطلقت جوليا بنبرة متسائلة:

“ألم تخبرني منذ لحظات أنه يوجد بصمة بخار ماء؟”

أجابها جاك وهو يراقب المؤشرات أمامه:

“نعم، هناك آثار لبخار الماء، لكنه لن يقطر ماءً فعليًا بسبب قلّته الشديدة.”

وهنا تدخّلت إيريكا 300، بصوتها الميكانيكي الهادئ:

“حسب برنامجي الإحصائي، فإن الماء لن يتكثّف إلا في شكل ثلاث قطرات فقط. معدل التبخر الناتج عن الإشعاعات القادمة من الثقب الأسود في هذه المنطقة البين كوكبية يؤكد أن السيليكا جل لن تلتقط سوى هذه الكمية الضئيلة من المياه.”

نظر الجميع نحو الجهاز للتحقق من دقة حسابات إيريكا، وبالفعل! لم يجدوا إلا ثلاث قطرات من الماء فقط، تتلألأ في وسط اللاجاذبية وكأنها لآلئ سابحة في الفراغ.

إيريكا تابعت بلهجة ثابتة:

“المشكلة الأساسية تكمن في أن الجهاز الشامل لا يعمل مطلقًا مع جليد الماء، بل هو مُصمم خصيصًا للعمل مع الهواء والأبخرة فقط.”

ثم أضافت بلهجة ساخرة:

“إن كنتِ عطشانة، جوليا، فليس أمامك إلا وحدة تدوير البول بجهاز جاك.”

ضحكت جوليا ضحكة خفيفة، بينما ظلّ الليزر يشتعل بالمحطات الشمسية، دافعًا الشراع إلى الأمام بسرعة ثابتة. استمرت الرحلة دون توقف، حتى انقضى نهار القمر الطويل، والذي يوازي 14.5 يومًا أرضيًا.

                                 ***

في تلك اللحظة، كان الشراع قد عبر حزام كويبر، وبدأ يخترق المنطقة الحدودية المعروفة باسم القرص المبعثر. كل شيء سار وفق الخطة، إلى أن حدث أمر غير متوقع…

عند غروب الشمس، انقطع البث الليزري القادم من المحطات الشمسية للحظات فقط. لكن هذه اللحظات القصيرة كانت كافية لإثارة القلق بين أفراد الطاقم، فقد كان النظام يعتمد كليًا على استمرار تدفق الطاقة. في تلك اللحظة الحرجة، وقف خبراء الطاقة النووية على أهبة الاستعداد، يراقبون المفاعلين تحسبًا لأي طارئ.

جاك، وهو يضبط أدواته، قال بصوت عالٍ: “الآن يا سادة، قد سلّم فريق المحطتين الشمسيتين الراية إلى فريق الطاقة النووية.”

تم الاتصال بين الفريقين، وسط مشاعر مختلطة من القلق والتفاني.

قال أفراد الفريق الأول، بينما تهطل دموعهم بصمت وسط انعدام الجاذبية، ممزوجة برائحة المسك الإلكتروني التي تنتشر داخل البدلات الفضائية:

“ربنا يوفقكم في عملكم،”

ردّ عليهم الفريق النووي بنفس المشاعر العميقة:

“بل نحن من كنا نرغب في أن نكون بجانبكم وأنتم تباشرون عملكم، لكن لكلٍّ منا مهمته الخاصة.”

من المثير للدهشة أن الفريقين اللذين يتبادلان هذه العبارات العاطفية كانا يحملان جنسيتين متعارضتين— الفريق الأول أمريكي، والآخر روسي. في الماضي، ربما كانوا سيجدون أنفسهم على طرفي صراع بارد، لكن في هذا الفضاء البعيد، حيث لا معنى للحدود الأرضية، وجدوا أنفسهم يعملون كفريق واحد لإنقاذ المهمة.

وهكذا، استمرت الرحلة، لكن في الأفق كان هناك خطر يقترب ببطء… مذنبٌ هائل في مساره نحو الشراع!

                                  ***

في ليلة باردة، حيث يكسو السواد الفضاء، كان المفاعل النووي ينبض بالحياة وسط بحر من النجوم، يضيء كقلب نابض وسط الفراغ الكونيّ. يتألف هذا النظام المتقدم من مفاعلين نوويين، يعملان بتناغم مثالي لضمان استمرار رحلة الشراع الضوئيّ عبر المجرة. المفاعل الداخلي يعمل بتقنية الانشطار النووي، حيث يتم تحطيم نوى الذرات لإطلاق كميات هائلة من الطاقة، بينما يعتمد المفاعل الخارجيّ على تقنية الاندماج

النوويّ، حيث تتحد الذرات لإنتاج طاقة تفوق بكثير تلك الناتجة عن الانشطار، لتولّد دفقات لا متناهية من القوة التي تدفع السفينة عبر الظلام السحيق.

حول المفاعل الانشطاري تلتف حزمة من ذرات الهيليوم-3، المادة الثمينة التي استُخلصت بعناية فائقة من سطح القمر، لتكون الوقود الأساسي في هذه الرحلة. وعند تشغيل المفاعل، تولد الحرارة الشديدة اندماجًا بين الهيليوم-3 والديوتيريوم، منتجة طاقة هائلة يمكن تحويلها إلى كهرباء، والتي يتم إرسالها مباشرة إلى المحطات الليزرية، حيث تُستخدم لدفع الشراع الضوئيّ بقوة نحو أعماق الكون. لكنّ هذه الطاقة، رغم ضخامتها، لم تكن كافية. 19 ميغاواط فقط لكل كيلوغرام من الهيليوم-3 والديوتيريوم لا تكفي لإمداد الوسط الليزريّ بالطاقة المطلوبة، التي تصل إلى 1 تيراواط. ولذلك، كان لا بدّ من استهلاك آلاف الكيلوغرامات من الوقود النوويّ لتحقيق ذلك، مما جعل المفاعل يعمل بطاقة هائلة، تقترب من المستحيل.

لكنّ التحدي الأكبر لم يكن فقط توفير الوقود، بل كيفية السيطرة على درجات الحرارة الفائقة الناتجة عن هذا التفاعل، التي تصل إلى ملايين الدرجات المئوية. على مر العصور، سعى العلماء إلى احتواء هذا الجحيم النوويّ داخل مفاعل مغلق دون أن يدمّره، وكان الحلّ في الحصر المغناطيسي، حيث تُستخدم حلقات مغناطيسية عملاقة لتوليد مجال مغناطيسي قويّ، يحيط بالبلازما النارية ويمنعها من ملامسة جدران المفاعل، مما يضمن استمرارية التفاعل بسلاسة. وبعد إنتاج الطاقة، تتحول الحرارة المتولدة إلى بخار ماء، يُستخدم في تشغيل التوربينات والمولدات، منتجًا بذلك الكهرباء اللازمة لتشغيل المحطات الليزرية، التي تبقي الشراع الضوئي مندفعًا، حتى في أحلك ليالي الفضاء.لكنّ الطاقة وحدها لم تكن كافية لبقاء الطاقم على قيد الحياة في هذه الرحلة الطويلة، حيث كان عليهم تدبير مواردهم بعناية. في أعماق القرص المبعثر، حيث تتناثر كتل الجليد المائيّ كأطلال مجرّات قديمة، كانت وحدة MOF تعمل بلا توقف، تمتص بخار الماء المتكاثف بفعل بلازما الثقب الأسود، وتعيده عبر أنابيب مخصصة إلى حوض التخزين، ليكون متاحًا للاستخدام لاحقًا. وفي تلك الأثناء، كانت إيريكا، الذكاء الاصطناعي المتطور، تتولى مهمة إعادة تدوير النفايات، فلم يذهب شيء هباءً. كل قطرة بول، كل ذرة مخلفات، كانت تُعاد معالجتها داخل نظام جاك لإعادة التدوير، ليُستخرج منها الماء الصالح للشرب، الأكسجين الضروريّ للتنفس، وحتى بعض العناصر الغذائية التي قد تكون مفيدة في المستقبل.

ظلّت الطاقة المتدفقة من الاندماج والخلايا الشمسية تتناوب على إمداد الوسط الليزريّ بالقوة اللازمة لدفع الشراع، حتى مرت ثلاثة أشهر كاملة منذ مغادرة مدار بلوتو. كانت لحظة فارقة حين تلقّى الطاقم رسالة من فريق الدعم الأرضي، تهنئهم بإنجاز غير مسبوق: لقد عبروا القرص المبعثر، وأصبحوا الآن على أعتاب سحابة أورط، بعد أن قطع الشراع الضوئيّ مسافة تقارب 199.5 مليار كيلومتر، وهي مسافة لم يبلغها أي كائن بشريّ من قبل. ورغم البعد الشاسع، ظلت شبكة ناسا للفضاء العميق ترسل الإشارات وتستقبلها بكفاءة مذهلة، لكنها كانت تصل متأخرة بسبب الزمن الطويل الذي تستغرقه الذبذبات في السفر عبر الفراغ. التواصل اللحظي لم يعد ممكنًا، وكل رسالة تُرسل الآن، كان يُنتظر ردّها بعد ساعات، إن لم يكن أيامًا.

لكنّ الطاقم لم يكن قلقًا، فقد أكّد لهم فريق الأرض أنّ المسار واضح أمامهم، وأن كل شيء تحت السيطرة. كان ذلك صحيحًا… حتى حدث ما لم يكن في الحسبان. فجــأة، ومضت أجهزة الاستشعار بإشارات حمراء متتالية، واهتزت السفينة اهتزازًا طفيفًا، كأن شيئًا ما اخترق الفراغ القاتم وتحرّك في الظلال…

                                ***

وفجــأة…!

ضجّ مختبر الدفع النفاث في ناسا بصخب لم يُسمع مثله منذ سنوات، الأضواء الحمراء تومض، أجهزة الإنذار تعوي كذئبٍ في ليلة عاصفة، والمهندسون والعلماء يتدافعون نحو شاشات الرصد بحالة من الذعر والترقب. رُصد جرم فضائي ضخم… مذنب بحجم ثمانية كيلومترات مكعبة يندفع بجنون عبر الفراغ، كوحش هائج ينقضّ نحو فريسته، وقاتلٌ صامت يقترب شيئًا فشيئًا من الشراع الضوئي بسرعة مرعبة!

لم يكن الوقت في صالحهم. بتحليل المسافة والسرعة، تأكدت الحقيقة المفزعة: الاصطدام سيحدث خلال أربع ساعات فقط!

في غرفة القيادة داخل الشراع، كانت الأجواء مشحونة بالكهرباء، جاك وقف متجمّدًا للحظة قبل أن يصرخ: “هذا قد يكون يومنا الأخير إن لم نتصرف بسرعة!”

ضرب كازو الطاولة بعصبية: “لا وقت للذعر! لدينا سلاح، لدينا الليزر!”

أومأت جوليا وهي تراقب شاشتها التي تعرض وحش الجليد وهو يندفع بلا هوادة نحوهم. “

لكن هل يكفي؟”

لا مجال للمخاطرة. أعطى جاك أمرًا عاجلًا بحرف مسار الشراع قليلاً، حتى تفتح زاوية مثالية لتوجيه أقصى قوة من حزم الليزر نحو المذنب. ارتجّت السفينة قليلًا بينما تعدّلت زوايا الدفع، ثم بدأ العدّ التنازلي لإطلاق الليزر… 5… 4… 3… 2… 1… إطلاق!!!

شقت سبع محطات ليزرية الظلام، وكأنها سيوف من نار، تندفع بقوة غير مسبوقة نحو المذنب. الوهج كان كافيًا لإضاءة ظلمة الفضاء للحظات، وجزء من المذنب انفجر، لكن… لم يختفِ بعد!

“اللعنة! كثافته أقل مما توقعنا! إنه أشبه بسحابة متماسكة، علينا الاستمرار!”

“زدوا الطاقة إلى أقصاها! لن نترك قطعة منه قائمة!”

استمرت المعركة بين الإنسان والمذنب ثلاث ساعات مرعبة، كل دقيقة كانت تقرّبهم من الهلاك. ومع كل ضربة ليزر، كان المذنب يتشظّى أكثر فأكثر، حتى جاء الانفجار الأخير…

بوووم!!!

تفتّت الوحش الفضائي إلى غبار وغازات، وتناثرت شظاياه عبر الفضاء كشظايا نجم يتلاشى! لحظة صمت أعقبت الدمار، قبل أن تنفجر القمرة بصيحات الفرح والانتصار.

“نجونا… بحقّ الجحيم نجونا!!”

لكن المفاجآت لم تنتهِ بعد. وسط الغيمة الناتجة عن انفجار المذنب، كان هناك كنز مخفي… ماء!

بخار كثيف تطاير في كل اتجاه، وكانت وحدة الـMOF في الجهاز الشامل جاهزة لصيد هذا الذهب السائل. بسرعة خاطفة، امتلأت الحاوية، لكن الكمية كانت أكبر مما توقعوا!

“جاك! الحوض يمتلئ!”

“أحضروا الأكياس فورًا!”

كالأطفال في مهرجان، اندفع الجميع نحو وحدة التخزين، كل واحد منهم يحمل كيسًا عملاقًا، يفتحه ليحصد الماء المتساقط وكأنه يغترف الحياة من قلب الفضاء. ملأ جاك، جوليا، كازو، وإيريكا كل الأكياس الممكنة، حتى أوقفوا الوحدة قبل أن يغرق الشراع بالماء.

وفي لحظة نادرة من الراحة، انفجرت جوليا ضاحكة، وهي ترش كازو برذاذ الماء من كيسها، وكأنه نهر صغير في قلب المجرة. ردّ كازو بالمثل، بينما كان جاك يراقبهما بابتسامة مسترخية، متذكّرًا كيف كانا بالأمس يخوضان معركة حياة أو موت، وها هما اليوم يتراشقان بماء الحياة.

إيريكا، التي كانت تراقب المشهد من بعيد، أطلقت تعليقًا ببرودها المعتاد: “عجبًا للإنسان… عندما يواجه الفناء يقاتل بجنون، وعندما ينجو يتصرّف كالأطفال. لابد أن تنتهي هذه المهزلة بأي طريقة لا يجب أن نتركهم لأنفسهم.”

لم يكن هذا انتصارًا شخصيًا فقط، بل انتصارٌ للعلم والإنسانية. في الأرض، كانت ناسا تراقب الحدث بأدق تفاصيله، حتى أعلنت في مؤتمر عالمي: “لأول مرة في التاريخ… تم تدمير مذنب للحصول على الماء والطاقة!”

العالم جنّ جنونه، المدن أضاءت بالألعاب النارية، الناس تبادلوا التهاني، وارتفعت الأدعية لجاك وفريقه، فقد أصبحوا أبطالًا ليس فقط في الفضاء، بل في قلوب الملايين على الأرض.

لكن هناك شخص واحد لم يكن يترك الشاشة لحظة واحدة… ميتشو كاجيتا، العالم العجوز الذي حلم بهذا الإنجاز منذ عقود، جلس يحدّق في الشاشة بابتسامة رضا، قبل أن يغمض عينيه للحظة، هامسًا لنفسه:

“لقد فعلوها… لقد فعلوها حقًا…”

لكن… قبل أن تنتهي لحظات الاحتفال… ظهر وميض أحمر جديد على شاشات الرصد. إشارات استشعار خطر!

ماذا الآن؟!!

مقالات مشابهة

  • رئيس مياه القاهرة يتابع انتظام العمل بمواقع الشركة خلال عيد الفطر
  • 150 مليون جنيه لإنهاء توصيل خدمات المياه والصرف الصحي بسوهاج
  • الصحة: عمليات جراحية ناجحة بالعدوة المركزي باستخدام أحدث التقنيات الطبية
  • كدبة أبريل.. تعرف على نشأتها وعلاقتها بفصل الربيع
  • بنسبة 99 %.. مكون سحري من مطبخك لعلاج تساقط الشعر
  • حمد بن جاسم: اجتاز السودان بسواعد أبناء قواته المسلحة وشعبه الأصيل محنة قاسية قذفته فيها مؤامرة عديدة
  •   تصادم مذنب بشراع جاك ..(مقطع مسلسل من قنابل الثقوب السوداء)
  • مصطفى بكري: الأزمات تُظهر المعدن الأصيل للمصريين عبر تأييدهم للقائد والدولة
  • استعدادًا لعيد الفطر.. متابعة ضغوط مياه الشرب وسير العمل بمحطات كفر الدوار
  • زي المحلات.. طريقة تنظيف الرنجة بكل سهولة