1 من بين كل 5 أشخاص مصابين بالغيبوبة يدركون مايدور من حولهم
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
من يدري... لعل عدد من «قيّدتهم» غيبوبتهم أكبر مما نتوقّع! ونعني بقولنا «مقيّدون» أنهم يدركون ما يحيط بهم لكنهم يعجزون عن التفاعل معه؛ بل إن ممّن يعانون من تلف شديد في الدماغ من يستطيع اجتراح وظائف ذهنية معقّدة إذا ما طلب منه ذلك وإن عجز عن الحركة أو الكلام.
ويرى البروفيسور نيكولاس شيف -من كلية ويل كورنيل الطبية بنيويورك- أن «توهّم نُدرة هذه الظاهرة» قديمـًا كان ببساطة سببـًا كافيـًا لصرف النظر عنها، أما اليوم «فلم يعد بوسع أحد تجاهلها» في ظل المعطيات المستجدّة؛ فمرضى ما يُسمى اضطرابات الوعي إما أنهم في غيبوبة أو مستغرقون في حالة النوم المعروفة بالحالة الإنباتية (vegetative) التي لا يُبدون فيها وعيـًا بالبيئة من حولهم، وربما تظهر منهم أمارات وعي ضئيلة جدًّا على هيئة استثارة تعرض لهم من وقت لآخر كأن يفتح الواحد عينيه لكن وعيه يكون في أدنى حدوده.
وفي خضم البحث عما إذا كان الأطباء قد يغفلون عن بعض هذه الحالات أجرى البروفيسور شيف وزملاؤه اختبارات على السلوك مع تصوير أدمغة 353 شخصـًا يعانون من تلف دماغي شديد، واستمرت دراستهم ثماني سنوات توزّعت بين ستة مراكز دولية.
طُلب من المشاركين في الدراسة التفكير في تنفيذ نشاط ما كلعب التنس أو السباحة أو قبض راحة اليد مدة 15 إلى 30 ثانية، ثم التوقف، ثم معاودة التفكير بالنشاط نفسه مجدّدًا، وهكذا دواليك سبع مرّات في غضون 5 دقائق.
لوحظ أن هذه الأفكار تؤدي عند الأشخاص السليمين من اضطرابات الوعي إلى حدوث نشاط دماغيّ مميّز يمكن رصده بالرنين المغناطيسي أو التخطيط الكهربي للدماغ. أما العينة المصابة بالتلف الدماغي فلم يظهر لدى 241 منهم أي تجاوب مع الأوامر الشفهية، لكن 25% من هذه المجموعة بدا لديهم نشاط دماغي يتطابق مع النشاط الملحوظ لدى المتطوعين السليمين، وبالنسبة للمصابين بالغيبوبة أو الحالة الإنباتية تحديدًا بلغت النسبة 20%.
يقول البروفيسور شيف: «هذه الوظائف مجهدة جدًّا، وإن شئت جرّب التفكير بالسباحة ثم التوقف عن التفكير ثم تكرار التفكير، هكذا مدة خمس دقائق. لا نعلم بالتحديد ما يشعر به المرضى، لكن مجرّد تمكّنهم من القيام بذلك يعزز احتمال وجود قدر من الوعي لديهم».
بالنسبة للكثير من المرضى لا طائل من احتمال البقاء على قيد الحياة مع فقدان الوعي
وتشير التقديرات – كما يقول البروفيسور شيف – إلى وجود نحو 300 ألف إلى 400 ألف مريض في العالم مصاب باضطراب مزمن في الوعي، ما يعني أن نحو 100 ألف منهم ربما يُبطنون شيئا من الوعي الخفي.
ويرى رعنان جيلوت من كلية لندن الإمبراطورية إلى الأهمية البالغة لهذه الدراسة؛ فبالنسبة للكثير من المرضى لا طائل من احتمال البقاء على قيد الحياة ما دام الوعي مفقودًا، بل هو أمر منفّر على حد تعبيره. «أمّـا إن كان الاحتمال كبيرًا بأن فقدان الوعي مجرّد أمر ظاهري -حسبما تكشف هذه الدراسات- فلا يبعد أن يفضِّل المزيد من المرضى الاستمرار في الحياة، وأن تتاح لهم الفرصة للتعبير عن أمانيهم قبل أن يتخذ الآخرون قرار إيقاف علاج إطالة أمد حياتهم».
ويلمح أيضـًا إلى ضرورة «إعادة تقييم» جملة من القضايا الأخلاقية الأخرى كاحترام الحقوق الإنسانية لهؤلاء المرضى مثلًا، خصوصـًا «في ظل ما توصلت إليه هذه الدراسات».
أما البروفيسور شيف فيشير إلى أن التطبيقات الدماغية الحاسوبية القادرة على ترجمة أنشطة الدماغ المرتبطة بمحاولة الكلام إلى نص مكتوب على شاشة حاسوبية كفيلة بأن تفسح المجال أمام المصابين باضطراب الوعي للتواصل مع الآخرين
هيلين تومسون
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مهلةُ القائد.. بين هندسة الوعي وإعادة تعريف القوة الناعمة
بقلم ـ أنس عبدالرزاق
لا يعلن السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي مهلةً وحسب.. بل يُحرِّكُ ساعةَ التاريخ! أربعة أَيَّـام تفصلُ بين اختبار ضمير العالم، وزلزالٍ بحريٍّ قد يُعيدُ رسمَ خريطة الصراع.
خطابه ليس كلماتٍ تُلقى، بل معادلةٌ سياسيةٌ..
فمَنْ يقرأ بين السطور يجدُ أنَّ السيدَ عبدالملك بدر الدين الحوثي يُحوِّلُ معابرَ غزةَ إلى ممراتٍ لهُويَّتهِ الإقليمية الجديدة!
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.. الاسمُ هنا درعٌ ضدَّ التهميش الإقليمي، وقذيفةٌ تُعيدُ تعريفَ مَنْ هو ‘الفاعلُ’ في الملف الفلسطيني. إنه يكتبُ -بثأره لدمِ غزةَ وجوعها- سطورَ هُويَّتهِ كزعيمٍ عربيٍّ لا يخضعُ لشروط اللُّعبة الدولية.
الأربعة أَيَّـام ليست رقمًا اعتباطيًّا، بل هي مِقياسٌ دقيقٌ لمدى استعداد الغرب لدفع ثمنِ صمتهِ على حصار غزة.
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يَعرفُ أنَّ المهلة القصيرة تُفجِّرُ تناقضاتِ الوسطاء:
فإما أن يُنقِذوا وَهْمَ ‘السلام الدولي’ بفتح المعابر، أَو يُفصحوا عن عجزهم، لِيُبرهنَ هو أنَّ ‘القوةَ الحقيقيةَ’ خارجةٌ عن نادي الدول العظمى.
التهديد باستئناف العمليات البحرية ليس تكتيكًا عسكريًّا تقليديًّا، بل إعلان أنَّ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي قادرٌ على تحويل البحر الأحمر -الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي- إلى ساحةٍ لصراعِ الإرادات.
البحرُ هنا ليس مياهًا مالحةً، بل فضاءٌ لـ”حرب اللا تناظر”، حَيثُ تُوازنُ الارتباط بالله بأسطولٍ دوليٍّ، عبرَ هندسةِ الرعبِ في مضيقٍ تتحكمُ به القوى الكبرى منذ قرون!
إذا نجحت المهلة، فسيُدرجُ اسم السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في سجلٍّ تاريخيٍّ كـ “منقذ غزة”.
وإن فشلتْ، سيدخلُ السجلَّ ذاتَهَ كـ “قائد” أعادَ تعريفَ القوةِ الحقيقية، حين يقف معك مدبّر الكون وفاطره، بعيدًا عن جبروت الأوهام البشرية.
لكنَّ الأسئلة الأكثر إيلامًا: هل تستطيع “إسرائيل” -ذات الجيش الأقوى في المنطقة- تحمُّلَ تكلفةِ حربٍ مع زعيمٍ يمنيٍّ يلعبُ على أوتارِ شرعيتها الأخلاقية؟
وهل يُدركُ الغربُ أنَّ تهاونَه في المهلة قد يفتحُ بوابةً لزعزعةِ استقرار إقليميٍّ لم تعرفه البشرية منذ الحرب العالمية؟!
القائد اليماني لا يلعبُ بورقةِ غزة -كما يزعُمُ المتخاذلون، بل والعدوُّ وأتباعُه وأدواتُه-، إنما يكتبُ عليها السيدُ المساندُ اسمَه بأحرفٍ من نورٍ وظلام: نورُ الإنسانيةِ المفقودة، وظلامُ التهديدِ الذي يُنذرُ بغضبِ المُهمَّشين.
أربعة أَيَّـام قد تكفي لاختراعِ معادلةٍ جديدة: فإما أن تُصبحَ غزةُ جسرًا للإنسانية، أَو مقبرةً لشرعيةِ النظام العالمي القديم.
اللعبةُ لم تعدْ حولَ منْ يملكُ القوة، بل منْ يملكُ القدرةَ على تحويلِ الدمِ إلى كلمةٍ مسموعةٍ في محفلِ الصُّمّ!.