صحيفة عبرية : حماس والمسلحين بالضفة المسبب بإقالة المحافظين
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
القدس المحتلة - ترجمة صفا
أفادت صحيفة عبرية اليوم الجمعة، نقلًا عن مصادر فلسطينية مطلعة، بأن "قرار الرئيس محمود عباس، بإحالة معظم محافظي الضفة الغربية وقطاع غزة للتقاعد، جاء بعد فشلهم في مواجهة المسلحين".
ونقلت صحيفة "اسرائيل اليوم" العبرية، وفق ترجمة وكالة "صفا"، عن المصادر المطلعة قولها "إن قرار عباس يعني فقدانه الثقة برجالاته في الميدان، وبالتالي فقد قرر الإقدام على هكذا خطوة بعد فشلهم في مواجهة المسلحين وخاصة شمال الضفة".
ووصفت الصحيفة عباس بأنه يعاني من "جنون العظمة، حيث قرر في لحظة واحدة إقالة غالبية المحافظين دون إنذار مسبق ودون أن يبلغهم بالقرار، وتلقى المحافظون القرار عبر الإعلام".
وقالت الصحيفة "إن صبر عباس تجاه المحافظين في الضفة الغربية قد نفذ، بعد تقاعسهم وعجزهم عن تنفيذ تعليماته بالسيطرة على المسلحين في مناطق الضفة وخاصة منطقة جنين".
كما نقلت الصحيفة عن المصادر المطلعة قولها: "يعتقد أبو مازن أن المحافظين فشلوا في مهمتهم منع حماس والميليشيات في الميدان، من السيطرة على مناطق واسعة في الضفة وإضعاف السلطة هناك، ولو أبقاهم في مناصبهم فسيواصل فقدان السيطرة وسيقترب من وضع يصل بالسلطة إلى الانهيار".
أما القشّة التي قصمت ظهر البعير فتمثّلت -بحسب الصحيفة- في التقارير المضللة التي قدمها المحافظون لرئيس السلطة مؤخراً، حول مواجهتهم للمصلحين، وأنه "فقد فهم بأن المحافظين يضللونه وأن المعلومات التي قدومها لا تتوافق مع ما يجري على أرض الواقع، وأنهم لا يقومون بما يجب لمواجهة حماس بشكل فعلي على الأرض".
وبالإضافة إلى ذلك، تقول المصادر "إن العملية الأخيرة التي نفذها جيش الاحتلال في جنين، تسببت من قناعات عباس، بأن الوضع في الميدان لا يبشر بخير، حيث قدّم الأمن الاسرائيلي تقارير لعباس بأن عناصر في الأمن الفلسطيني اشتركوا في مواجهة الجيش".
كما جاء "أن عمليات إطلاق النار تجاه مقر المقاطعة في جنين، زادت من سخط عباس على المحافظين حيث تم تجاوز خط أحمر بالنسبة له ورغب صناع القرار في رام الله بوضع حد لهذا كله".
ووفق الصحيفة "فإن عباس لم يكن ليقدم على هكذا خطوة متطرفة لولا أن الأرض قد اهتزت تحت قدميه، ولا يمكن اقدامه على هكذا خطوة لغايات العلاقات العامة، ولو كان هذا هو السبب لأقدم على إقالتهم منذ زمن طويل في أعقاب كثرة الشكاوى من ادائهم السيئ".
كما لا تستبعد الصحيفة أن يكون القرار نابعاً أيضاً من "الصراع على مرحلة ما بعد عباس، وخشية حاشية عباس من أن ولاءات المحافظين غير مضمونة وبالتالي يجري الترتيب لتعيين محافظين موالين للرئيس في المقاطعة".
وأصدر عباس يوم أمس الخميس، مرسومًا رئاسياً بإحالة معظم محافظي المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) والشمالية (الضفة الغربية المحتلة) للتقاعد.
وأحال عباس للتقاعد في المحافظات الجنوبية، كلا من: محافظ شمال غزة، ومحافظ غزة، ومحافظ خان يونس، ومحافظ رفح.
كما أحال الرئيس في المحافظات الشمالية كلا من: محافظ جنين، ومحافظ نابلس، ومحافظ قلقيلية، ومحافظ طولكرم، ومحافظ بيت لحم، ومحافظ الخليل، ومحافظ طوباس، ومحافظ أريحا والأغوار، للتقاعد.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: صحيفة عبرية المحافظين عباس
إقرأ أيضاً:
أبعد من جنين ومخيمها.. لا جدوى من انتظار يقظة فتح
في دلالات ما يجري في جنين ومخيمها، وتوقيته، ما يشي بأننا إزاء لحظة انتقال نوعية على الطريق ذاته؛ طريق التكيف وإعادة التكيف مع مخرجات الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، الذي بدا أن السلطة في رام الله، لم تَحِد عنه، طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية.
طريق بدأ متدرجًا، وإن كان ذا اتجاه واحد، على أنه بلغ لحظة انعطاف، يتعين معها على السلطة، أن تشهر بالأفعال لا بالأقوال، أين تصطف ولِمن تنحاز، وكيف قرأت دروس وخلاصات حرب التطويق والتطهير والإبادة، التي أتت على الأخضر واليابس في قطاع غزة، كما في أطراف الضفة الغربية.
في النظر إلى مجريات "الحملة الأمنية" الفلسطينية، على المدينة والمخيم، "تأسطرا" في الذاكرة الفلسطينية، أقله في ربع القرن الأخير، بالنظر لمقاومتها الباسلة للاحتلال، وتصديهما لحملاته البربرية المتلاحقة، ثمة ثلاث مدارس في التفكير السياسي الفلسطيني الدارج:
الأولى؛ وتجسدها السلطة، بالأفعال والأقوال هذه المرة، ومفادها، أننا بصدد تفاقم ظاهرة "فلتان الأمن والسلاح"، وأن من يتحصن في جنين وجوارها، ليسوا مقاومة، بل مليشيات سائبة، مدفوعة في الغالب، بأجندات وأوامر خارجية، من قبل عواصم، لا يؤتى على ذكرها صراحة، ولكن لا يخفى على المتابع متوسط الذكاء، أن القوم يقصدون إيران وحلفاءها. إعلانبهذا المعنى، يبدو ما حصل فعلًا من أفعال بسط "السيادة" من قِبل سلطة، لا سيادة لها على "عاصمتها المؤقتة"، دع عنك أطراف ولايتها المنقوصة، في شمال الضفة وجنوبها، لا سيما بعد أن أخذ التعدي على خرائط أوسلو، حد التعامل مع المنطقتين؛ "أ و ب"، بالمندرجات التي تحكم الاحتلال للمنطقة (ج).
الثانية؛ وتجسدها فصائل المقاومة، التي تنظر إلى ما يجري بوصفه "سدادًا مقدمًا" لفواتير واستحقاقات، بعضها يتصل بتقديم أوراق اعتماد لترامب وإدارته، العائدَين بقوة إلى البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه.فضلًا عن كونها محاولة بائسة لاجتياز "استحقاق الجدارة" لإدارة "اليوم التالي" لغزة. بعض قوى وشخصيات المقاومة والمعارضة تذهب إلى حد افتراض "التماهي" بين حملة السلطة، وحملات الاحتلال على المدينة والمخيم والمقاومة، لكأن السلطة بما تفعل إنما تستكمل ما بدأه الاحتلال في شمال الضفة، وتعثّر في إنجاز مراميه، استكمالًا وتوازيًا وتزامنًا، مع ما يجري من حرب كارثية على القطاع المنكوب.
الثالثة؛ وتجسد وجهة نظر فريق من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين، "أقلوي" في حجمه ونفوذه وتأثيره، وينظر إلى المعركة الدائرة في محيط المدينة والمخيم، بوصفها محاولة، تنقصها الحصافة، لتفادي أسوأ السيناريوهات الصهيونية، المُعدة للضفة بأرضها وسكانها ومقدساتها، وأن السلطة إذ تكشّر عن أنيابها في هذه المرحلة، فبدافع الخشية من مخططات "التهجير"، وإعادة إنتاج سيناريو غزة في الضفة الغربية.
بعض هؤلاء يرون أن الطريقة التي أدارت بها السلطة ما تسمّيه "معركة استرداد جنين" كانت سيئة للغاية، مضطربة ومرتبكة، فيما البعض الآخر، يرى أنه لا بدّ مما ليس منه بدّ.
الرهان الخائب ذاتهمن بعض ما رشح، يبدو أننا أمام سيناريو "المزيد من الشيء ذاته"، ما تفعله السلطة اليوم – امتدادًا لفلسفة ما بعد الانتفاضة الثانية، وما بعد ياسر عرفات – إنما ينتمي إلى مدرسة تكنّ للمقاومة، بالذات المسلحة منها، عداءً أيديولوجيًا صارمًا، لم تؤثر في صرامته، تطورات الزمان، وتعاقب الأحداث والزلازل التي ضربت ساحات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
إعلانلكأننا أمام فصل من فصول "الإنسان الفلسطيني الجديد"، الذي يجمع ما بين "تعاليم" الجنرال كيت دايتون، ومواعظ مجرم الحرب على العراق، توني بلير. تلك النظرية التي تعرضت لضربة صاعقة، بخروج "جيل الألفية" أو "Generation Z"، الذي افترش ساحات القدس، وسلوان، والشيخ جرّاح، وامتشق السلاح في مختلف المخيمات والقصبات، وأعاد بفعله المقاوم، وضع مدن وبلدات منسية على خريطة المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية الممتدة من أزيد من قرن من الزمان.
يبدو أن الضربة التي لم تمت "نظرية الإنسان الجديد"، قد أحيتها، بل وأبقتها "غبّ الطلب" عند كل تطوّر أو احتياج. ولمن لا يعرف شيئًا عن فحوى هذه النظرية، نختزلها بالقول إنها عقيدة أمنية ابتدعها جنرال أميركي متقاعد، ويسهر على ترجمتها جنرال آخر هو مايكل فينزل، لا محل فيها لمفهوم المقاومة، فكل مقاوم إرهابي بالضرورة، وأن إسرائيل ليست العدو، بل هو الإرهاب المهدد لها وللسلطة، وأن "جيش الدفاع" وأذرعته الأمنية، "مشروع حليف" للسلطة، وهي تعمل على إنجاز مشروعها، الذي لا يتطابق بالضرورة، مع المشروع الوطني للشعب الفلسطيني.
هذا هو الإطار الإستراتيجي العام، الذي حكم سلوك السلطة من قبل ومن بعد، وهذه هي الأرضية المشتركة، التي أضفت على "التنسيق الأمني" هالة من القداسة، والتعبير للسلطة بالمناسبة، وليس لخصومها، وتحت هذه المظلة، وتحتها فقط، يمكن تفسير هذه "القسوة" البالغة ضفافَ "الوحشية"، التي يجري بها التعامل مع المقاومين وفصائلهم أو "مليشياتهم وعصاباتهم" وفقًا لقاموس السلطة، والتي لا يمكن أبدًا إدراجها في سياق "التجاوزات الفردية"، ولا يمكن الأخذ على محمل الجد، حكاية "التحقيق ولجانه"، التي كلما تكاثر الحديث عن تشكيلها، أوغلت الحقيقة في ضياعها.
في التوقيت ودلالتهثمة قراءة عند البعض في السلطة، بأن المشهد الإقليمي/الدولي، بصدد استدارة، توجب البحث عن "مكان تحت الشمس" للفلسطينيين في ثناياها وسياقاتها. طوفان الأقصى عصف بمحور المقاومة، أضعفه بالنقاط المتراكمة في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، وإن لم يقضِ عليه بالضربة القاضية الفنية، كما في لغة الملاكمة والمصارعة.. وإن المقاومة في فلسطين، بالذات "الجهاد الإسلامي"، لا بواكيَ لها بعد اليوم، ولا غطاء.. وإن الوقت الآن، مناسب تمامًا لإعادتها إلى "قمقم" السلطة والتنسيق الأمني.
إعلانوعلى مبعدة أسابيع قلائل، سيأتي من أقصى ولاية فلوريدا، رجل يسعى لحل مشاكل العالم، بضربة سحرية (أو بهلوانية) ما إن تطأ قدماه، عتبات البيت الأبيض.. وأن الرجل لا يكنُّ ودًّا للفلسطينيين، لا سلطة ولا مقاومة، وأنه من الأفضل للفلسطينيين الانحناء أمام عاصفته العاتية، بدل المقامرة بالانكسار أمام عصفها الشديد.
السلطة، بصدد تقديم أوراق اعتماد للإدارة الجديدة، أو بالأحرى لـ"مجاهيل" هذه الإدارة، التي كانت سخيّة مع اليمين الإسرائيلي، دفعت له بكرم باذخ، من كيس القدس والجولان وأهدته "صفقة القرن" ومسارًا أبراهاميًا مدمرًا. وهي تنوي، وفقًا لمختلف القراءات، زيادة تقدماتها من كيس الفلسطينيين؛ لإشباع شهية اليمين الفاشي الذي لا يتوقف نهمه للمزيد.
والحملة على جنين، تأتي في ذروة نقاش وخلاف، يدور رحاهما في القاهرة، حول "اليوم التالي" والإسناد المجتمعي لغزة، في ظل موافقة المقاومة، وتحفظ السلطة التي تخشى التهميش وإعادة إنتاج السيناريو الذي انغمس فيه بعضٌ من رموزها قبل عقدين، وكان الهدف منه في حينها، تهميش ياسر عرفات وقصقصة أجنحة نفوذه وصلاحياته، قبل أن تدور الدوائر، ويطلب من هذا النفر ذاته، الشرب من ذات كأس التهميش.
هو اختبار جدارة، ترغب السلطة في اجتيازه، حتى وإن تلطخ بدماء مقاومين ومدنيين وصحفيين، فالمسألة لا تحتمل الانتظار، وسط قناعة بأن القادم للبيت الأبيض "لا يمزح"، وأن الحرب على غزة قد تضع أوزارها في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.. لقد سئمت السلطة سؤال الموفدين المتكرر: إن كنتم عاجزين عن بسط الحكم والسيطرة على منطقتي "أ وب" في الضفة، فكيف سنثق بقدرتكم على إحكام القبضة على "غابة السلاح والأنفاق" في قطاع غزة؟
للسلطة رهاناتها، الخائبة على نحو متكرر، من دون أن "تقف وتفكر" ولو للحظة واحدة، للبحث في فرص تغيير المسار، واستبدال الرهانات.. كل ما تفعله، هو الهبوط الواقعي المتكرر بسقف الأهداف والطموحات والمشروع الوطني، حتى وإن ظلت لفظيًا تتشدق بالشعارات القديمة ذاتها، فلا رابط من أي نوع، بين اجترار الشعارات القديمة، وما تمليه من إعداد لإستراتيجية وطنية بديلة، لمواجهة استحقاقات مرحلة إستراتيجية جديدة، يخوض غمارها الشعب الفلسطينيّ.
إعلانالمؤسف، أن السلطة بما تفعله وتقوم به، إنما تعتقد بأنها ستنجو، وأنها ستحصل على "شهادة حسن سير وسلوك"، من تل أبيب وواشنطن بالطبع، وليس من شعبها، حتى وإن كان ذلك على حساب أهداف ومرامي مشروعها الوطني، الذي قامت من أجله.. لكن في المقابل ستتلقى ضربتين في الرأس، حتى وهي في ذروة حملة "تطويع" جنين ومخيمها:
أولاهما؛ ما تردد عن طلب عواصم عربية وازنة، من إدارة ترامب، العمل على التخلص من الرئيس عباس، الذي يبدو أن لا حول له ولا قوة، ويأبى المغادرة والرحيل الطوعيَين، في زمن التغيير السريع والحاسم، لأنظمة أكثر استقرارًا، سبق لها أن أدخلت الوراثة على النظام الجمهوري في دمشق. أما الضربة الثانية؛ فتتمثل في رفض نتنياهو وفريقه الأشد تطرفًا، الاستجابة لطلب أميركي بتزويد أجهزة السلطة بأسلحة رشاشة فردية بذخائر متواضعة، وكمية من السيارات المصفحة، تقيها رصاص وحجارة المقاومين وحاضنتهم الاجتماعية في جنين.نتنياهو وفريقه، لا يثقان بالسلطة، حتى وإن "أشعلت أصابعها العشرة كالشمع"، فما يخططان له في الضفة، لا يلحظ وجود سلطة قوية، وجُلّ ما يمكن أن تجود به القريحة الإسرائيلية، جهاز أمني ملحق بالشاباك، أو كتيبة جديدة من "المستعربين"، من أصحاب البشرة الفلسطينية، هذا هو سقف المشروع الإسرائيلي الأعلى، أما حده الأدنى، فعودة إلى روابط القرى في طبعة جديدة، غير منقحة وغير مزيدة، تحت اسم روابط المدن.
كان حريًا بالسلطة، أن تلجأ للحل السياسي، عبر الحوار، للتعامل مع ظاهرة جنين وشمال الضفة. كان يتعين عليها، تجريب خيارات أخرى، غير تجييش الحملات الأمنية، وكان يمكن لمنطق "المعتدلين" القائل بسحب الذرائع، أن يشق طريقه، لا سيما أن أحدًا لا يريد لجنين والضفة، أن تلقيا مصيرًا مماثلًا لغزة، في ظرف إقليمي غير مواتٍ. لكنها اختارت طريقًا يضمن الإقصاء بدل الشراكة، في صنع القرارات والسياسات والتفاهمات.
إعلانيبدو أن السلطة لن تتخلى عن رهان الخائبين، ولن تَكفّ عن مطاردة خيوط الدخان، المبثوثة في ثنايا "حل الدولتين" والوعد بمسار "لا رجعة عنه"، وطريق "ذي مغزى"، إلى آخر ما هنالك من تعابير ومصطلحات، اشتقت بعناية للتخلي والتراجع عن مبادرة بيروت العربية للسلام مع إسرائيل.. سؤال أحسب أنه يستبطن جوابًا.
المصالحة والممثل الوحيدالمقاومة في وضع صعب ومعقد في المقابل. هي في غزة تكابد تحت وطأة الكارثة الإنسانية والحرب التي طالت واستطالت، وتوقف معظم جبهات الإسناد، إلا اليمنية منها، والتغيرات الجيوبوليتكية العاصفة في الإقليم، بدءًا من دمشق.
وفي الضفة، هي لا ترغب في الانزلاق في أتون صراع داخلي مسلح، فيما الاحتلال جاثم على صدور الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، يتربص الفرصة للانقضاض على الجميع، ويعمل مثل "محراك الشر" لزرع الفتن والصراعات الداخلية، متعددة الطبقات والأطراف.
والمقاومة التي وضعت من بين أهداف الطوفان، إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، بتجاوز الثنائية القاتلة: "شرعية بلا شعبية، ومقاومة شعبية بلا شرعية"، تجد نفسها بعد خمسة عشر شهرًا من القتال والصمود والثبات، وسيل لم ينقطع من التضحيات، أبعد عن تحقيق هذا الهدف من أي مرحلة مضت، في ظل إصرار رئاسي مدعوم غربيًا وعربيًا، على إقصاء فصائلها عن مؤسسات السلطة والمنظمة "الشرعية"، وتحت تهديد سيف إسرائيلي مصلت على عنق "المقاطعة".
لم يبق طرف، فلسطيني أو عربي أو دولي، إلا وتدخل لاستعادة المصالحة والوحدة، دونما جدوى، ولم تَكفِ حرب التطويق والتطهير والإبادة، ولا الزحف الاستيطاني وعمليات الأسرلة والتهويد في القدس والضفة، لإقناع السلطة بفتح أبوابها وأبواب المنظمة، لمن هم خارجها، أو من ينوبون عنهم من شخصيات ترتدي البذلات وربطات العنق والقمصان المنشّاة، من فنيين وتكنوقراط وبيروقراط.
إعلانفي ظني، وليس كلُّ الظن إثمًا، أن تطورات الطوفان، وما رافقه من أداء مؤسف للسلطة والرئاسة والمنظمة، وفي ظل انسداد مسارات المصالحة والحوار، بعد عقدين من انطلاقها، وبالأخص بعد الحملة على جنين ومخيمها، توجب الكفّ عن بيع أوهام المصالحة واستعادة الوحدة. تعنت السلطة لا يماثله سوى تعنت أنظمة سادت ثم بادت، وبدل أن تكون جزءًا من الحل، بات الحل مشروطًا برحيلها.
لقد آن الأوان للتفكير من خارج الصندوق، والبحث عن صيغة لاسترداد المنظمة، وإعادة بنائها من جديد، فكل حديث عن إصلاح وبعث، بات هراءً مملًا، بعد أن انقضى على أولى جولاته، أزيد من أربعين عامًا، زمن الانشقاق الأول في دمشق.
لا يعني ذلك إغلاق الباب بإحكام، في وجه محاولات موضعية للعمل المشترك، أقله من باب درء المفاسد وتفادي الفتن، ما ظهر منها وما بطن، فذلك أمرٌ متروك للميدان واللحظة السياسية والتطورات على الأرض. بخلاف ذلك، يتعين على القوى الحيّة في الشعب الفلسطيني، من داخل الفصائل وبالأخص من خارجها، شق طريق إستراتيجي جديد، لا يرهن المستقبل، بأيدي مَن ارتضى البقاء في ماضي الأوهام والرهانات الخائبة المجربة.
وفي ظني كذلك، أن زمن انتظار "يقظة فتح" قد ولّى. ولا يتعين بعد الآن، الرهان على انبثاق قاطرة التغيير من رحم "العمود الذي كان فقريًا" للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
فقد جرت مياهٌ كثيرة منذ أوسلو حتى اليوم، وديناميات العلاقة بين جموع فتح والسلطة، تشير إلى أن الكتلة الرئيسة منها، سرعان ما ستنحاز إلى أسوأ خيارات السلطة، عند اللحظات الفاصلة، ومن كان لديه شكّ في ذلك، فليرقب أداء الحركة طيلة أشهر الطوفان والإبادة، وبالأخص، خروجها اللافت انتصارًا للحملة الأمنية على جنين وجوارها.
وإذا كان ثمة إجماع فلسطيني على أن السلطة قد ابتلعت المنظمة، فإن إجماعًا مماثلًا يأخذ طريقه للتشكل بأن السلطة ابتلعت فتح كذلك، إن بشراء صوتها أو ضمان صمتها، إلا من رحم ربي من كوادر ومناضلين، مبثوثين على امتداد الانتشار الفلسطيني، في الوطن والشتات، من دون مركز يجمعهم، أو قيادة تؤطرهم، ومن دون قدرة على التأثير في مسار المواقف والسياسات المتبعة.
إعلانهي لحظة فارقة بامتياز، يتداخل فيها الداخلي (الفلسطيني) بالداخلي (الإسرائيلي)، بالتطورات العاصفة في الإقليم من حولنا، بالمشهد الدولي الذي ينتظر لحظة فارقة كذلك في العشرين من يناير/ كانون الثاني القادم، وثمة حاجة لإعمال العقل والتفكير فيما نحن فاعلون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية