الفاشر… ماذا يعني سقوط المعقل الأخير للــجيش السوداني؟

د.ماني الطويل

تعد نقطة تحول في الصراع السوداني وبؤرة تغيير في أوضاع الساحل الأفريقي بين القوى الدولية المتنافسة تحت مظلة نظام دولي قيد التشكل

ملخص
سقوط الفاشر في يد قوات “الدعم السريع” يعني خلق واقع جديد يتعزز فيه موقعها العسكري والسياسي، كما سيزيد من تعقيد الوضع السياسي داخل السودان، وربما يؤدي إلى تغير في بعض التحالفات الداخلية والإقليمية، فضلاً عن تشكيل نقاط تلاق مع بعض المشاريع الدولية في منطقة الساحل الأفريقي

لم تحظ منطقة في السودان بدرجة الاهتمام الدولي نفسه التي حظيت به مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، وذلك مع زيادة الضغط العسكري عليها منذ بداية حصارها في مايو (أيار) الماضي من جانب قوات “الدعم السريع”.

ومنذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2736 في يونيو (حزيران) الماضي في شأن مطالبة قوات “الدعم السريع” بإنهاء حصار مدينة الفاشر تتوالى نداءات الأمم المتحدة لتنفيذ هذا القرار، كما تحظى مدينة الفاشر أيضاً باهتمام المبعوث الأميركي للسودان توم بيريليو، الذي يلفت الانتباه على نحو متكرر في شأن أخطار سقوط المدينة، من حيث التأثير في المدنيين المتكدسين بها، وهو ما ينتج منه بالضرورة كارثة إنسانية، كما دخل البيت الأبيض على الخط أخيراً، إذ وصف سقوط الفاشر بـ”المروع”.

وأخيراً فإن التحالف من أجل السودان “تحالف الألب”، الذي يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومصر والسعودية والإمارات وسويسرا، حذر بدوره من تدهور الأوضاع في الفاشر، ودعا إلى ضرورة فك الحصار عنها.

معقل الجيش الأخير

ولعل التركيز الدولي والإقليمي على مدينة الفاشر تحديداً على مدى أشهر يثير التساؤلات في شأن لماذا الفاشر؟ وماذا يعني سقوط المدينة في الموازين العسكرية بين أطراف الصراع السوداني وانعكاساتها على المدنيين، فضلاً عن دورها في التفاعلات الإقليمية الأفريقية، خصوصاً بين السودان وتشاد، وكذلك دورها في التفاعلات الدولية في إقليم الساحل الأفريقي.

لا بد أن نشير أولاً إلى أمرين أساسيين: الأول أن الفاشر تعد المعقل الأخير للجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة في إقليم دارفور، إذ فشلت قوات “الدعم السريع” في السيطرة عليها منذ أشهر عدة لإحكام نفوذها على الإقليم، الذي باتت أربع من أصل خمس ولايات تشكله تحت إمرتها. الأمر الثاني أن تصاعد العمليات العسكرية حالياً بالفاشر يعكس رغبة قوات “الدعم السريع” في استباق الدعم العسكري الروسي في الوصول إلى الجيش السوداني، خصوصاً التسليح الجوي الذي يعتمد عليه حالياً في الإمداد اللوجيستي للفرقة السادسة التابعة له والمحاصرة داخل المدينة.

في هذا السياق فإن الموقع الجيوسياسي للفاشر مؤثر بشكل كبير في المراكز العسكرية ميدانياً لطرفي الصراع، إذ تبلغ مساحة ولاية شمال دارفور (عاصمتها الفاشر) 296 ألف كيلومتر مربع، وهي تعادل 12 في المئة من مساحة السودان تقريباً، وتمثل أكثر من نصف مساحة إقليم دارفور، وتربطها طرق تواصل بسبع ولايات سودانية، من بينها العاصمة الخرطوم، ولها أهمية لخطوط الاتصال مع تشاد ومصر وليبيا، والطريق المؤدية من غرب إلى شرق السودان.

أما على الصعيد الثقافي والعرقي فالفاشر لديها عمق تاريخي ومعنوي في وجدان أبناء المنطقة من الأصول الأفريقية، لا سيما من الزغاوة والمساليت والفور، إذ كانت الفاشر عاصمة سلطنة دارفور في القرن الـ18، وكانت المدينة ملتقى الطرق التجارية المتنقلة بين وادي النيل وتشاد ومنطقة الساحل الأفريقي الأوسع ومصر، ولا تزال حتى اليوم تشكل ثقلاً تجارياً كبيراً، خصوصاً في مجال الثروة الحيوانية.

على الصعيد الإنساني والإغاثي يعيش في دارفور ما يقرب من مليوني نسمة، غالبيتهم من النازحين إليها نتيجة الصراع المسلح، الذي جرى في إقليم دافور عام 2003، انعكاساً لصراع السلطة، الذي جرى بين حسن الترابي وعمر البشير في أعقاب ما يسمى سودانياً بالمفاصلة عام 1999.

والمفاصلة هي التي أقصت الترابي عن كل سلطة تنفيذية، وقسمت الجبهة القومية الإسلامية السودانية وآلياتها السياسية، فتبلور في هذا التوقيت ما يعرف بحزب المؤتمر الوطني الموالي البشير وحزب المؤتمر الشعبي الموالي الترابي، وهو ما أسفر أيضاً عن تكوين فصائل مسلحة في دارفور ضد المركز في الخرطوم.

حالياً مدينة الفاشر المتصارع عليها هي مقر للنشاطات الإغاثية للسكان، وكانت المقر الرئيس لبعثة العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، إلى جانب عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات الإغاثة.

سقوط الفاشر يعني مأساة إنسانية مروعة سواء على صعيد حجم الضحايا، إذ إن ما يقرب من 800 ألف نسمة حالياً هم تحت رحمة العمليات العسكرية، وهو أيضاً حجم متوقع لمستوى النزوح السكاني لخارج المدينة، خصوصاً مع التكتيكات المنهجية لقوات “الدعم السريع” بتدمير البنية اللوجيستية، خصوصاً المستشفيات في مناطق استهدافهم، ومع طبيعة سلوكياتهم مع السكان المحليين، التي تأخذ طابعاً عرقياً مماثلاً لما جرى في الجنينة عاصمة إقليم غرب دارفور.

أما على المستوى الاستراتيجي فإن سقوط الفاشر في يد قوات “الدعم السريع” هو نقطة تحول يعني سيطرتها على كامل إقليم دارفور، وخلق واقع جديد يتعزز فيه موقعها العسكري والسياسي، كما سيزيد من تعقيد الوضع السياسي داخل السودان، وربما يؤدي إلى تغير في بعض التحالفات الداخلية والإقليمية، فضلاً عن تشكيل نقاط تلاق مع بعض المشاريع الدولية في منطقة الساحل الأفريقي.

سيناريو الفوضى الليبية

السيناريو الليبي مع سقوط الفاشر سيكون أقرب السيناريوهات الواقعية، إذ ستشرع قوات “الدعم السريع” في تكوين إدارة مستقلة في غرب البلاد، لن تحقق بدورها استقراراً، نظراً إلى أن جزءاً من المكون المحلي بهذه المناطق مناهض لآل دقلو عرقياً واجتماعياً وبالضرورة سياسياً. تأسيساً على الصراع الطويل والممتد لعقدين تقريباً بين جذر قوات “الدعم السريع”، وهم الجنجويد والسكان المحليين في إقليم دارفور.

أما على صعيد القوات المسلحة السودانية فسيكون سقوط دافور سبباً في تراجع حاضنتها الشعبية التي ترى فيها ملاذاً، وكذلك خسارة لصدقية مشروعها المطروح، الذي تتم بلورته دورياً بخطاب يشير إلى قدرة الجيش على الحسم العسكري ضد قوات “الدعم السريع”، خصوصاً في ضوء التصريحات الأخيرة لرموزها من القادة كالبرهان وياسر العطا وإبراهيم جابر المؤكدة رفض التفاوض وإمكان الحسم العسكري.

الفصائل الدارفوية المتحالفة مع الجيش قد تتجه مع الخسارة المترتبة على سقوط مدينة الفاشر، لتقوية أجنحتها الإقليمية على أسس عرقية لحماية قواعدها الاجتماعية المنتمية إلى القبائل الأفريقية، والمنتشرة في كل من دارفور وتشاد معاً. هذا التطور له مخرجات مزدوجة من حيث تهديد نظام الحكم في تشاد الذي سمح بدعم قوات “الدعم السريع” من أراضيه، مع إمكان حدوث انفجارات لها طابع عرقي في تشاد، إذ يرجح أن يقود سقوط الفاشر والانتهاكات في حق الزغاوة إلى تحركات لأبناء هذه القبيلة في تشاد دعماً لأبناء عمومتهم في دارفور، مما قد يقود إلى مفارقة تتمثل في تحالف بين إنجمينا و”الدعم السريع” للسيطرة على أي تمرد، ضد نظام محمد إدريس ديبي، الذي مارس تحولات في موقفه بين أطراف الصراع السوداني على نحو كثف من قدرات معسكر أعدائه.

في المقابل ستؤدي سيطرة قوات حميدتي على دارفور إلى تحولها إلى نقطة ارتكاز لميليشيات ومسلحين منتمية للقبائل العربية الكبرى مثل المسيرية وغيرها في منطقة الساحل، بما قد ينتج من هذه التفاعلات من انعكاسات سلبية على الأمن الداخلي في تلك الدول، في تكرار انعكاسات سيناريو الفوضى الليبية على ارتفاع معدلات هشاشة أوضاع دول الساحل الأفريقي.

في النطاق الدولي فإنه سيبرز إمكان توظيف قوات “الدعم السريع” وحلفائها في مشاريع دولية وإقليمية عناوينها الأساسية باريس وواشنطن، وذلك بهدف تصفية الحسابات مع دول مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو، التي طردت القوى الغربية، واستبدلت بها الحليف الروسي سياسياً وعسكرياً.

الفاشر إذاً إن سقطت هي نقطة تحول في الصراع السوداني، وبؤرة تغيير في أوضاع الساحل الأفريقي بين القوى الدولية المتنافسة تحت مظلة نظام دولي قيد التشكل.

الوسومالجيش الدعم السريع الفاشر الفوضى سقوط

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع الفاشر الفوضى سقوط

إقرأ أيضاً:

تصريحات جديدة مثيرة لحاكم إقليم دارفور

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب، متهماً كل أبناء دارفور في تنسيقية تقدم، بأنهم موالون لـقوات الدعم السريع، ويسعون معها لتكوين حكومة في الإقليم.
وأضاف مناوي خلال لقاء جمعه بأبناء الجالية السودانية في موسكو، ليل الخميس، موضحاً أنه لولا تدخل قوات القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في دارفور في أغسطس 2023، لكانت قوات الدعم السريع أنشأت حكومة في الإقليم، واستخدمت المطارات في الإنزال، عبر الحدود الدولية الكبيرة للسودان مع خمس دول»، هي: جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر، مبرزاً أن هدف «قوات الدعم السريع» من الاستيلاء على دارفور تكوين حكومة موازية، بعد أن فشلت في إسقاط الحكومة المركزية في الخرطوم، منتصف أبريل 2023.

باج نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • القوة المشتركة تسيطر على أكبر قاعدة عسكرية لقوات “آل دقلو” وتستولي على مركبات وفرار قائد للدعم السريع والجيش السوداني يعلق” فيديو”
  • الجيش السوداني يُعلن السيطرة على قاعدة"الزرق" شمال دارفور
  • السودان...إصابات بقصف مدفعي للدعم السريع على أم درمان
  • مقتل المئات..سيناريوهات تزيد تعقيد المشهد السوداني
  • الأمم المتحدة: مقتل 782 مدنيا في حصار مدينة الفاشر غربي السودان
  • تصريحات جديدة مثيرة لحاكم إقليم دارفور
  • الفاشر – طويلة .. مواطنون يروون معاناتهم جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل قوات الدعم السريع
  • مقتل أكثر من 700 في حصار الفاشر بالسودان
  • الأمم المتحدة: مقتل أكثر من 700 في حصار الفاشر بالسودان
  • 25 قتيلا في السودان ودعوة أممية لإنهاء حصار الفاشر