نحو وقف الحرب على غزة
بدل الاستغراق في أوهام دولة فلسطينية، المطلوب توقف حرب الإبادة على غزة، وأن يعاد للأطفال الفلسطينيين مجدداً البسمة، وأن يعاد إعمار القطاع.
يجب أن يتركز الجهد العربي، على تحقيق سلام مستدام، يحمي أرواح الفلسطينيين ويصون ممتلكاتهم وكرامتهم، ويمكّنهم من حق تقرير المصير، وهوعمل قومي وإنساني وأخلاقي.
ليس منطقيا أن يقف العالم متفرجاً أمام هذا الواقع ولا مقبولا وضع الأسرى الإسرائيليين في كفة وجميع سكان غزة الذين ليست لهم علاقة البتة بهجوم 7 أكتوبر بالكفة الأخرى.
لم يكن لحكومة العدو مواصلة حرب الإبادة ضد شعب غزة دون ضوء أمريكي أخضر، ومساندة عسكرية أمريكية مفتوحة، وتقدر شحنات السلاح الجوية من أمريكا بأكثر من 230 شحنة.
* * *
بعد مرور نحو 140 يوماً على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، والصمود الأسطوري لشعبها، أمام حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل، لا يلوح في الأفق حتى هذه اللحظة ما يشي بنهاية قريبة لها. على النقيض من ذلك، تهدد حكومة بنيامين نتنياهو باجتياح مدينة رفح، التي لا تتجاوز مساحتها ال 55 كيلومتراً مربعاً، والتي فرض عليها الاحتلال استقبال أكثر من مليون ونصف مليون مشرد من الفلسطينيين، الذين فُرض عليهم بالقوة مغادرة بيوتهم.
لم يحدث مطلقاً في تاريخ الحروب العربية المعاصرة، في الوطن العربي، وربما في الحروب العالمية، أن حشر عدد كبير من البشر، بحجم عدد النازحين عنوة إلى رفح، في بقعة صغيرة، تفتقد مكونات العيش الكريم، وتعاني نقص الغذاء والدواء والمياه، ولا يوجد بها سوى عدد قليل من المستشفيات والعيادات الصحية، التي تعاني بشكل حاد نقص الإمدادات الطبية، وغياب الكهرباء، ونقص الطاقة.
ولا شك، أن من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، في وضع كهذا، أن يتمكن الأطباء، والفرق الصحية الأخرى، من أداء مهامها، حتى ضمن الحدود الدنيا من الشروط لنجاح عملهم.
وبالتأكيد لم يكن لحكومة نتياهو مواصلة حرب الإبادة ضد شعب غزة، من دون ضوء أمريكي أخضر، ومساندة عسكرية أمريكية مفتوحة، حيث تقدر عدد الشحنات الجوية التي توجهت من أمريكا بأكثر من 230 شحنة، أخذت بالوصول إلى تل أبيب منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولا تزال إدارة الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن تعد بالمزيد.
لقد بدا للعالم بأسره، أن الاهتمام الأمريكي، منصبٌّ حالياً، على استعادة الأسرى، أكثر منه على حياة المدنيين العزل. وللأسف فإن معظم حلفاء أمريكا في القارة الأوروبية قد أفصحوا عن مشاطرتهم للموقف الأمريكي. فوزيرة الخارجية الألمانية تعلن صراحة على الملأ، و«بالفم الملآن» كما يقال إن أمن إسرائيل أهم من حياة المدنيين الفلسطينيين.
التسويف في إطالة الحرب، تحت ذريعة القضاء على حماس، لن يتضرر منه سوى أهل غزة، الذين خسر كثير منهم منازلهم، وقتل عدد كبير منهم، تحت وطأة القصف الجوي، وبات الأحياء منهم عرضة للجوع والحرمان، والأمراض المعدية، وخسارة الأحبة.
وليس من المنطقي أن يقف العالم متفرجاً أمام هذا الواقع. كما أنه من غير المقبول، وضع الرهائن، الذين تم أسرهم في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في كفة وجميع سكان غزة الذين ليست لهم علاقة البتة في ذلك الهجوم بالكفة الأخرى.
كما أنه ليس من المنطقي الاستمرار في الكلام الاستهلاكي، الذي يتردد عن أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، في حدود الأراضي الفلسطينية، التي احتلت في حرب يونيو/ حزيران عام 1967.
فمثل هذا الكلام، لا يوقف الحرب، ولا يوفر حماية للمدنيين، ولا يمنع هدم البيوت على رؤوس ساكنيها. وما يهم الفلسطينيين الآن هو وقف العدوان عليهم، وليس وعوداً وهمية بقيام دولة فلسطينية مستقلة، لا ترفضها فقط الحكومة الإسرائيلية اليمنية التي يقودها بنيامين نتنياهو والأطراف المتحالفة، معه، بل إن معظم مكونات المجتمع الإسرائيلي تجمع ترفضها.
لقد جاءت تصريحات نتنياهو الأخيرة، حول رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، حتى ولو كانت منزوعة السلاح، لتحسم الأمر. فالدعوة لقيام هذه الدولة، من وجهة نظره، هي دعوة لتكرار ما جرى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتمكين حماس من الوصول مجدداً إلى الحكم.
لقد سئم الفلسطينيون، والعرب جميعاً من الوعود الأمريكية الواهية، بحتمية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والتي بدأ الحديث عنها مباشرة بعد معركة العبور في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وكررها من قبل، الرؤساء: جيمي كارتر ورونالد ريغان، وجورج بوش، وبل كلينتون، وباراك أوباما، والرئيس الحالي جوزيف بايدن، وبات الحديث عها أشبه بالمثل «أسمع طحناً، ولا أرى خبزاً».
قيام الدولة الفلسطينية، هو مهمة وطنية وتاريخية، لن تكون منّة من قوة احتلال، ولن تفرضها الإدارات الأمريكية، التي كانت دائماً الحليف الأقوى للاحتلال، بل سيفرضها استمرار الكفاح الفلسطيني، بالضفة الغربية ومدينة القدس، وقطاع غزة. وهو كفاح ينبغي أن يكون مسنوداً من العرب جميعاً، حكومات وشعوباً. وحين يعجز الاحتلال، عن مواصلة مواجهة الشعب المحتل، سينسحب مجللاً بالخيبة والهزيمة.
ليس متوقعاً، من الحكومة الإسرائيلية اليمينية الراهنة بقيادة نتنياهو، والمسنودة بأكثر المتطرفين والعنصريين، والتي تعتبر اتفاق أوسلو بين حكومة إسحق رابين، ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، خطينة تاريخية، أن تقبل بقيام دولة فلسطينية مستقلة، أو تعترف بالقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها القراران 242 و388 اللذان يعتبران الضفة الغربية وقطاع غزة، ومدينة القدس أراضي محتلة بحكم القانون الدولي.
المطلوب الآن، بدلاً من الاستغراق في الأوهام حول قيام دولة فلسطينية، أن تتوقف حرب الإبادة على غزة، وأن يعاد للأطفال الفلسطينيين مجدداً البسمة، وأن يعاد إعمار المدينة، وأن يتركز الجهد العربي، على تحقيق سلام مستدام، يحمي أرواح الفلسطينيين ويصون ممتلكاتهم وكرامتهم، ويمكّنهم من حق تقرير المصير. والقيام بهذه المهمة، عمل قومي وإنساني وأخلاقي، وليس فرض كفاية.
*د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة إسرائيل الحرب على غزة العدوان الإسرائيلي الصمود الأسطوري حرب الإبادة دولة فلسطينية إعمار القطاع سلام مستدام حق تقرير المصير قیام دولة فلسطینیة مستقلة تشرین الأول حرب الإبادة على غزة
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.