أثار إعلان مناقشة رسالة ماجستير في الجامعة اللبنانية بعنوان "تعزيز المرونة النفسية لدى المثليين" موجة جدل واسعة في الأوساط الأكاديمية والاجتماعية اللبنانية.

اعتبر معترضون على الرسالة أن عنوانها وهدفها يمثلان ترويجاً للمثلية الجنسية. في المقابل، اعتبر آخرون أن التركيز على مضمون الأبحاث العلمية يشكل تهديداً للحريات الأكاديمية ويعيق مناقشة قضايا تهم المجتمع.

رداً على هذا الجدل، قرر رئيس الجامعة الدكتور بسام بدران "بشكل استثنائي ووفقاً لأنظمة الجامعة، وقف العمل بقرار مناقشة الرسالة ودعوة مجلس الوحدة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية للاجتماع لبحث الأمر"، كما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجامعة اللبنانية.

واعتبر بدران أن "موضوع الرسالة يتعارض مع القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع اللبناني بمختلف مكوناته".

وكانت عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالتكليف، الدكتورة سهى فرج الصمد، قد حددت الساعة التاسعة من صباح غد الأربعاء موعداً لمناقشة الرسالة في مبنى عمادة الكلية في الدكوانة، قبل أن يتم تعليقها.

تعتبر حملات التحريض ضد مجتمع "الميم عين+" ظاهرة قديمة ومتجددة في لبنان. فبين الحين والآخر تعود قضية أفراد هذا المجتمع والتحريض ضدهم إلى الواجهة، متصدرة اهتمامات السلطة السياسية ورجال الدين والرأي العام واليوم الأكاديميين، متجاوزة في بعض الأحيان القضايا المعيشية والسياسية والأمنية الملحة.

محطات عدة

يمر الوصول إلى قرار مناقشة رسالة الماجستير بعدة محطات، كما أوضح أستاذ الفلسفة الحديثة في الجامعة اللبنانية، الدكتور باسل صالح، عبر منشور على صفحته في موقع "أكس". وأشار إلى أن كل محطة يترتب عليها مسؤوليات لا تقع على عاتق الطالب.

وشرح صالح هذه المحطات التي تبدأ بـ"قبول الأستاذ الإشراف على الموضوع، موافقة لجنة قبول المشاريع (هنا المسؤولية الأكبر)، قبول العميد وتوقيع قرار اللجنة، إشراف الأستاذ على عمل الطالب، إحالة الرسالة إلى قارئين، تقرير القارئين وإحالة الرسالة للمناقشة، إحالة العميد قرار المناقشة إلى رئاسة الجامعة لرصد الأموال اللازمة لإتمامها".

وأضاف "عندما تمر الرسالة في هذه المحطات، ويصدر قرار المناقشة، ويتعين موعدها، تكون الرسالة قد مرت في هذه الإجراءات كافة. فالطالب يختار موضوعه، يعرضه على المشرف، ولا يستطيع أن يقدم المشروع إلا بعد موافقة المشرف وتوقيعه (بمعزل عن طبيعة الموضوع)، وعندما ينال الموافقة على المشروع من لجنة قبول المشاريع، لا يتحمل مسؤولية أو تبعات أي من هذه المحطات والقرارات الصادرة اللاحقة".

بين الموافقة على مشروع رسالة ماستر من لجنة قبول المشاريع، والوصول الى صدور قرار مناقشة الرسالة، هناك محطات كثيرة، وكل محطة يترتب عليها مسؤوليات لا تقع على عاتق الطالب، ولا دخل له بها:

— Bassel.f.saleh || باسل ف. صالح (@DrBasselSaleh) September 16, 2024

وكتبت الناشطة الاجتماعية رنا غنوي في صفحتها على "فيسبوك"، أن قرار رفض مناقشة رسالة الماجستير لا يأتي فجأة، موضحة أن العمادة تكون على دراية مسبقة بموضوع الرسالة ومحتواها. وأشارت إلى أن ما يحدث في بعض الأحيان هو "نتيجة شحنات سلبية من بعض الجهات داخل إدارة الجامعة اللبنانية المركزية"، لافتة إلى أن هذه الفوضى ليست جديدة، بل تعكس تحديات قديمة تواجه الجامعة.

تقديم رسايل المجستير ومناقشتها هو آخر نقطة بمسيرة نيل الشهادة، بيسبقها بادئاً اختيار الموضوع للدراسة وممضي من الدكتور/ة...

Posted by Rana Ghanawi on Monday, September 16, 2024سابقة أكاديمية

يشكل قرار بدران سابقة في تاريخ الجامعة اللبنانية، بحسب منسق التواصل في منظمة "حلم"، ضوميط القزي، الذي أشار إلى أن "رئيس الجامعة، تدخل في يوم عطلة رسمية ليصدر قراراً بتعليق مناقشة رسالة ماجستير، رغم حصولها على موافقة مسبقة منحت للطالبة منذ أكثر من عام من قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية - الفرع الثاني، وعميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية".

ويضيف القزي في حديث لموقع "الحرة" أن "بدران اعتبر في قراره أن موضوع الرسالة يُخل بالقيم الاجتماعية للمجتمع اللبناني بكافة مكوناته، متجاهلاً نقطتين أساسيتين: أولهما أن المثليين جزء من هذا المجتمع. ثانياً، أن الأبحاث العلمية تتمتع بإطار علمي مستقل عن الأديان والقيم الاجتماعية، وهذا ما يتيح الوصول إلى حقائق علمية مهمة، من هنا فإن الرسالة محط الجدل قد تكون تسعى إلى دراسة الموضوع بشكل نقدي أو تضيء على أهميته".

وتشير الصحفية والباحثة في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "ما حدث من منع مناقشة رسالة الماجستير يندرج ضمن إطار الرقابة وقمع الحرية الأكاديمية".

ومن الناحية القانونية، تؤكد الناشطة الحقوقية، المحامية ديالا شحادة، أن "القانون لا يجيز لرئيس الجامعة اللبنانية اتخاذ قرار تعليق مناقشة رسالة الماجستير بعد اجتيازها جميع المراحل المطلوبة، إلا في حال وجود سبب مشروع يتعين عليه التصريح به".

وتشدد شحادة في حديث لموقع "الحرة" على أن "صاحب الرسالة له الحق في طلب الرجوع عن القرار بعد تقديم أي توضيحات لازمة بشأنه، وفي حال امتناع رئيس الجامعة عن الرجوع عن قراره يحق له رفع تظلّم إلى وزير التربية، فإذا لم يعالج الوزير المسألة بما يرضي صاحب الرسالة، يمكن للأخير ربط النزاع قضائياً بشأن القرار أمام محكمة مجلس شورى الدولة".

انقسام حاد

انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول قرار رئيس الجامعة اللبنانية. فقد اعتبر بعضهم أن "علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة والتربية ليست فروعاً من الشريعة الدينية، وأن الدين ليس وصيّاً على العلوم ولا على المجتمع، وقيم الجامعة اللبنانية غير مستمدة من الدين".

في المقابل، اعتبر آخرون قرار رئيس الجامعة خطوة ضرورية. وهناك من رأى أنها "غير كافية" ولا تكتمل إلا بإقالة عميدة الكلية بالتكليف وأعضاء لجنة المناقشة الذين وافقوا على مضمون الرسالة.

في ذات السياق، وجه المكتب التربوي للجماعة الإسلامية في لبنان شكره لرئيس الجامعة على "احترامه للقيم وتجاوبه مع المطالب المحقة"، وأكد المكتب في بيانه على أهمية التصدي لمحاولات "هدم القيم المجتمعية وتدمير أركان الأسرة التي تشكل نواة المجتمع السليم".

تداعيات "خطيرة"

يؤثر قرار بدران "سلباً على الحريات الأكاديمية في الجامعة اللبنانية"، كما يرى القزي، إذ "سيؤدي إلى تدهور المستوى التعليمي في الجامعة اللبنانية وتراجع مكانتها كمركز علمي رائد في لبنان، والتي كان من أهدافها الأساسية إنتاج أوراق بحثية علمية موثوقة تُعتمد كمرجع".

ويشدد القزي على أن "الجامعة اللبنانية أُنشئت لخدمة الفئات المهمشة والمستضعفة من الطبقات الشعبية، إلا أن رئيس الجامعة اليوم يوجّه رسالة إلى هذه الفئات مفادها أنه هو من يحدد ما يمكنهم البحث فيه ودراسته، وأن المثليين غير مرحب بهم، ما يعني أن الجامعة لم تعد تمثل بيئة آمنة لهم".

ويصف منسق التواصل في منظمة "حلم"، القضية بأنها "شعبوية"، معتبراً أنها تعكس "استغلالاً سياسياً واجتماعياً لمجتمع المثليين بهدف تحقيق مكاسب ضيقة على حساب حقوقهم".

ويحذّر من أن هذا القرار يمثل نوعاً من القمع والاضطهاد. وقال "كنا قد حذرنا سابقاً من أن التحريض سيتخذ منحى خطيراً، يستهدف المثليين وحرية الإعلام والصحافة والحريات الأكاديمية، وما وصلنا إليه اليوم يهدد الحريات الأكاديمية، حتى داخل صرح تربوي وطني مثل الجامعة اللبنانية".

أما جربوع فتعتبر أن الخطورة أن "هذا النوع من الرقابة يخلق مناخاً من التخويف، يقضي على محاولات التساؤل والإبداع والتعبير لدى الطلاب، ويدفعهم إلى ممارسة رقابة ذاتية خوفاً من إهدار جهودهم الأكاديمية والبحثية".

الحل الأمثل في قضية الطالبة يتمثل بحسب ما كتبت غنوي، في مناقشتها للرسالة بناء على المعايير العلمية والمهنية المنصوص عليها في القانون اللبناني وقوانين المهنة، وليس بناء على اعتبارات شخصية، بالتالي فإن قرار منحها شهادة الماجستير يجب أن يكون مستنداً إلى معايير أكاديمية بحتة، بعيداً عن أي اعتقادات أو اتهامات غير مبررة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: مناقشة رسالة الماجستیر فی الجامعة اللبنانیة رئیس الجامعة فی لبنان إلى أن

إقرأ أيضاً:

حالة من الغضب.. فيديو تشييع جنازة بالرقص والغناء يثير الجدل

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، حالة من الجدل الواسع بعد تداول مقطع فيديو يوثّق مشهدًا غير مألوف خلال تشييع جثمان أحد المتوفين في محافظة أسيوط. ظهر في المقطع مجموعة من المشيعين يحيطون بالجثمان وسط أجواء احتفالية تتخللها الغناء والرقص، وهو ما اعتبره العديد من المتابعين سلوكًا صادمًا ومخالفًا للعادات والتقاليد المتعارف عليها في الجنازات.

مظاهر احتفالية بدلاً من الحزن

أثار الفيديو، الذي بلغت مدته دقيقة ونصف، موجة واسعة من الاستياء، إذ وصفه البعض بأنه أقرب إلى حفلات الزفاف منه إلى جنازة. ووفقًا لتعليقات بعض النشطاء، فقد استمرت هذه الطقوس غير التقليدية لمدة ثلاثة أيام متواصلة، ما زاد من حالة الجدل حول مدى قبول مثل هذه الممارسات داخل المجتمع الأسيوطي.

انتقادات لاذعة وتحذيرات دينية

واجه هذا السلوك انتقادات حادة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن مثل هذه المظاهر تتنافى مع حرمة الموتى وقيم الاحترام والوقار التي يجب أن تسود في مثل هذه المناسبات. وأشار معلقون إلى أن ما جرى يعد بدعة وخروجًا عن التعاليم الدينية، مشددين على ضرورة الحفاظ على الطقوس الدينية السليمة أثناء تشييع الجنازات.

غضب مجتمعي ودعوات للالتزام بالعادات الصحيحة

من جهة أخرى، عبّر العديد من المواطنين عن استيائهم مما وصفوه بأنه "تشويه" لمراسم الجنازة، مؤكدين أن مثل هذه التصرفات لا تمت بصلة للعادات الدينية أو القيم المجتمعية الأصيلة. وطالبوا بضرورة العودة إلى الجذور والتمسك بالقيم الإسلامية التي تفرض احترام الموتى وإظهار مشاعر الحزن والتأمل بدلاً من الاحتفال.

دعوات للتوعية المجتمعية وتصحيح المفاهيم

مع تصاعد الجدل، دعا البعض إلى ضرورة تكثيف التوعية المجتمعية بشأن الطقوس الدينية الصحيحة في مثل هذه المناسبات، وذلك عبر وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية. كما شددوا على أهمية دور رجال الدين في توضيح الضوابط الشرعية لمراسم الجنازة، لضمان الالتزام بالسلوكيات الصحيحة واحترام الموتى بما يليق بهم.
 

لا يزال الجدل قائمًا حول هذه الواقعة، التي فتحت باب النقاش حول تأثير العادات المستجدة على التقاليد الأصيلة للمجتمع. وبينما يرى البعض أن لكل شخص الحرية في اختيار الطريقة التي يودع بها أحبّاءه، يؤكد آخرون أن احترام الموتى ومراعاة القيم الدينية والاجتماعية أمر لا يجب التهاون فيه. وفي ظل تكرار مثل هذه الظواهر، يبقى الدور الأكبر على عاتق المؤسسات الدينية والثقافية في نشر التوعية وتصحيح المفاهيم، حفاظًا على الموروث الديني والثقافي للمجتمع.

مقالات مشابهة

  • حالة من الغضب.. فيديو تشييع جنازة بالرقص والغناء يثير الجدل
  • «كمشجع أهلاوي».. مهيب عبدالهادي يثير الجدل بشأن علي معلول
  • أبل في مأزق .. تطبيق للبالغين يثير الجدل على هواتف آيفون
  • مش غالي.. سعر فستان ريا أبي راشد السماوي يثير الجدل |شاهد
  • بينهم فنانة شهيرة.. من صاحب رسالة الموت الغامضة المنسوبة لموظف الأوبرا؟
  • ليست بخط يده.. من كتب رسالة هاني عبدالقادر موظف الأوبرا قبل رحيله؟
  • رسالة عربية للإدارة الأمريكية: نعارض تهجير الفلسطينيين من غزة
  • في رسالة لواشنطن.. وزراء عرب يجددون رفض تهجير الفلسطينيين
  • «استئصال دوالي الخصية لعلاج العقم».. رسالة ماجستير بجامعة كفر الشيخ
  • بين الوهم والحقيقة.. برومو مسلسل "الشرنقة" يثير الجدل