مركز أبوظبي للغة العربية يصدر «تاريخ الكتابة»
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةصدَر حديثاً عن مشروع «كلمة» للترجمة في مركز أبوظبي للُّغة العربيَّة كتاب: «تاريخ الكتابة»، للكاتب ستيفن روجر فيشر، ونقلَته إلى العربيَّة رشا صلاح الدخاخني، وراجع الترجمة محمد فتحي خضر.
يقدِّم هذا الكتاب قراءةً أوَّليَّة مفيدة لطلَّاب الجامعات، وغيرهم ممَّن يَتُوقون إلى الحصول على عرض عامّ وحديث لتاريخ الكتابة الرائع، وتضمُّ الموضوعاتُ المحوريَّة لهذا الكتاب أصولَ أنظمة الكتابة الرئيسة المستخدمة في مختلِف أنحاء العالَم، ونصوصها وأشكالها وأدوارها، والتغيُّرات الزمنيَّة التي طرأت عليها.
ويتناول فيشر الديناميكيَّات الاجتماعيَّة للكتابة في كلِّ مرحلةٍ من المراحل، فمنذ ظهور الإنسان المنتصِب، يبدو أنَّ البشر ميَّزوا أنفُسَهم عن الكائنات الأخرى من خلال تكوين مجتمَعات بشريَّة قائمة على الكلام، والآن ما يميِّز الإنسانَ العاقل في العصر الحديث هو مجتمَعٌ عالَميٌّ قائم بشكلٍ أساسيٍّ على الكتابة.
في السابق كانت الكتابة مجالاً متخصِّصاً تقتصر ممارسته على بِضْعة آلاف نسمة، أمَّا اليومَ فتُعَدُّ الكتابةُ مهارةً يمارسها نحو 85 في المائة من سكَّان العالَم، أيْ نحو خمسة مليارات نسمة. ويستند المجتمَع الحديث بأجمعه على ركيزة الكتابة.
الآن، انقرضَت أغلب أنظمة الكتابة والخطوط التي كانت موجودة في العصور البائدة، ولم يَتبقَّ سوى آثار ضئيلة لأقدم أنظمة الكتابة - اللغة الهيروغليفيَّة المصريَّة - التي لا نكاد نلاحظ أثرها في الألفبائيَّة اللاتينيَّة المُستخدمة اليومَ لنقل اللُّغة الإنجليزية وغيرها من مئات اللُّغات الأخرى، وفي سلسلةٍ من التطوُّرات التصادُفيَّة، صارت الألفبائيَّة اللاتينيَّة أهمَّ نظامٍ للكتابة على مستوى العالَم، وعلى الرغم من أنَّها وسيلةٌ لنقل اللُّغة، فمن المحتمَل أن تعيش مدةً أطولَ من معظَم اللُّغات المألوفة على كوكب الأرض، ويُمكِن تقديرُ الطريقة التي تستخدمها البشريةُ اليومَ في الكتابة، وأهمِّيَّتها الأكبر نطاقاً بالنسبة إلى المجتمَع العالَميِّ الناشئ، على نحوٍ أفضلَ من خلال فَهمِ المَنبع الذي نشأت منه الكتابة، وهو موضوعُ هذا الكتاب.
وتثير الكتابةُ اهتمامَ الجميع، فمنذ ما يَقرب من ستَّة آلاف عام، احتضَن كلُّ عصرٍ من العصور هذه الأُعجوبةَ، الأداةَ الأكثر تنوُّعاً وإمتاعاً للمجتمَع بحقٍّ، واليومَ تستقطب الكتابةُ القديمة اهتماماً خاصّاً، لأنها تَسمح للماضي بأن يتحدَّث إلينا بلُغاتٍ انقرضَت منذ زمنٍ طويل، وهنا، تصبح الكتابةُ أشبهَ بآلةٍ مِثاليَّة للسَّفَر عبرَ الزمن، كما أن أنظمة الكتابة والخطوط في حالةِ تغيُّرٍ مستمرٍّ أبدَ الدهر، ولكن على نحوٍ أبطأ بكثيرٍ من اللُّغات التي تَنقلها.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مركز أبوظبي للغة العربية مشروع كلمة للترجمة العال م
إقرأ أيضاً:
معرض الكتاب يناقش مستقبل اللغة العربية
ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، شهدت القاعة الرئيسية ندوة فكرية حملت عنوان "اللغة العربية: رؤية مستقبلية"، حيث اجتمع نخبة من أعضاء مجمع اللغة العربية لمناقشة قضايا اللغة العربية بين الماضي والمستقبل.
شارك في الندوة كل من الدكتور مأمون عبد الحليم، والدكتور محمد فهمي طلبة، والدكتور محمود الربيعي، فيما أدار الحوار الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لمجمع اللغة العربية، الذي استهل اللقاء بتوجيه الشكر إلى الهيئة العامة للكتاب، مشيدًا بأهمية هذا الحدث الثقافي الذي بات يحتل مكانة رفيعة بين معارض الكتاب الدولية.
تحدث مدكور عن اللغة العربية بوصفها لغة ذات خصوصية فريدة، فهي لم تنشأ من رحم لغة أخرى كما هو الحال مع اللغات الأوروبية مثل الفرنسية أو الإيطالية، بل تمتد جذورها عميقًا في التاريخ، حتى ظهرت منذ قرون طويلة بهذه القوة والثراء، متجليةً في الشعر والنثر، ثم ما لبثت أن انتشرت في مختلف أنحاء العالم.
من جانبه، طرح الدكتور محمود الربيعي رؤيته حول مستقبل اللغة العربية، مشيرًا إلى أن التنبؤ بمستقبل اللغات يعتمد على قراءة الحاضر، فكما أن لكل أمة مشروعًا قوميًّا تنطلق منه نهضتها، فإن اللغة يجب أن تكون في صميم هذا المشروع. وأكد أن العربية، مثلها مثل الكائنات الحية، تمر بمراحل من التقدم والتراجع، فلا يمكن أن تظل ثابتة كما هي، ولا أن تعود إلى شكلها القديم بحذافيره، بل ينبغي أن تتطور بما يلبي احتياجات الناطقين بها.
وانتقل الحديث بعد ذلك إلى مستويات اللغة، حيث استعرض الربيعي تصنيف اللغوي السعيد بدوي، الذي قسم العربية إلى عدة مستويات، منها "فصحى التراث"، التي باتت حكرًا على المواعظ الدينية، ولم تعد مستخدمة في الحياة اليومية، ما يجعلها غير مؤهلة لتكون لغة المستقبل. أما "فصحى العصر"، فهي الأقرب إلى الواقع، إذ تمثل تطورًا طبيعيًا لفصحى التراث، مع بعض التعديلات التي تجعلها أكثر سلاسة في الاستخدام. ولتجنب الانحدار نحو العامية، شدد الربيعي على أهمية التمسك بفصحى العصر، ودعمها عبر ثلاث ركائز أساسية: تحسين التعليم القومي، وإلزام وسائل الإعلام باستخدام الفصحى، وتقريب اللغة من الناس من خلال الفنون، كما فعلت أغاني أم كلثوم، التي جعلت العامة ينطقون العربية الفصحى دون شعور بالغربة عنها.
أما الدكتور محمد فهمي طلبة، فقد تناول محورًا بالغ الأهمية، وهو دور الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة العربية، موضحًا كيف أصبحت التقنيات الحديثة جزءًا لا يتجزأ من العملية التعليمية، خاصة مع تزايد أعداد الطلاب وصعوبة التواصل المباشر مع المعلمين. وأكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد ترف، بل بات ضرورة فرضها العصر، حيث يسهم في تصحيح الامتحانات إلكترونيًا، وتقييم مستوى الطلاب بدقة، وتطوير برامج تساعد على تعلم النطق الصحيح للعربية وقراءة القرآن بالتجويد، لتؤدي دورًا مشابهًا لدور المعلم الحقيقي. كما أشار إلى التعليم عن بعد، معتبرًا إياه أحد الحلول الذكية التي توفر بيئة تعليمية تفاعلية تحاكي الواقع.
وفي سياق استعراض اللغة العربية عبر العصور، قدم الدكتور مأمون عبد الحليم رؤية متفائلة، معتبرًا أن اللغة العربية اليوم تعيش واحدة من أزهى عصورها في مصر. وألقى نظرة على تاريخ العربية، موضحًا أنها في حقبة ما قبل الإسلام كانت محصورة في الجزيرة العربية، لكنها مع ظهور الإسلام وانتشار الفتوحات أصبحت لغة عالمية، ووصلت إلى الأندلس والبرتغال وجنوب فرنسا، بل إنها كانت لغة الإدارة والعلم في العصر العباسي، حيث دُرست بها الطب والهندسة والكيمياء في جامعات قرطبة، وظل كتاب "القانون" لابن سينا يُدرَّس في فرنسا لمدة 25 عامًا باللغة العربية.
غير أن الحال لم يبقَ على ما هو عليه، فقد شهدت العربية تحديات كبرى مع سقوط الأندلس، وامتداد الحكم العثماني، الذي فرض التركية كلغة رسمية، مما أدى إلى تراجع العربية في كثير من البلاد.
واستمر التدهور حتى القرن العشرين، حين عادت الحركة القومية العربية إلى الواجهة، ورافقها إحياء للغة العربية، حيث نشأت مجامع لغوية ومؤسسات تهتم بصونها وتطويرها، ما أعاد لها بعضًا من مكانتها المفقودة.
في ختام الندوة، أجمع المشاركون على أن اللغة العربية ليست مجرد أداة تواصل، بل هي هوية وثقافة وأساس لأي مشروع قومي نهضوي، مشددين على ضرورة دعمها عبر التعليم، والإعلام، والتكنولوجيا، لضمان بقائها لغة حية قادرة على مواكبة تطورات العصر والاستمرار في أداء دورها الحضاري.