بيروت – في مشهد مؤلم، غصت مستشفيات العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية بمئات الجرحى عصر اليوم الثلاثاء، وشهدت مستشفيات مدينة صيدا الجنوبية ازدحاما شديدا بعد استقبالها عددا كبيرا من الجرحى القادمين من مختلف المناطق الجنوبية، حيث قُتل 9 أشخاص وأصيب أكثر من 2750 آخرين، 200 حالاتهم حرجة، جراء انفجار أجهزة اتصال "بيجر" كانت بحوزتهم، عند الساعة الثالثة والنصف تقريبا.

وبينما كانت تتعالى أصوات سيارات الإسعاف المتلاحقة ويهرع رجال الإسعاف لنقل المصابين، بعضهم على نقالات وآخرون يستندون على أكتاف أقاربهم، كانت الجروح واضحة على وجوههم وأجسادهم، شاملةً مناطق البطن والكتف والرأس، وتراوحت بين الطفيفة والمتوسطة.

وكان اللافت في هذا الانفجار أنه لم يقتصر على منطقة لبنانية محددة، بل شمل كلا من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، واستهدف جميع حاملي أجهزة تلقي الرسائل "البيجر" التي يستخدمها عناصر حزب الله، دون تمييز بين المقاتلين أو المدنيين من عائلاتهم.

وقد دعت وزارة الصحة اللبنانية إلى استنفار فرقها الطبية والتمريضية لاستقبال الجرحى، الذين عُرف من بينهم السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، وفق ما ذكرت وكالة مهر للأنباء الإيرانية، ونجل علي عمار النائب في حزب الله.

حرب أمنية

اعتبر الباحث والكاتب السياسي علي مطر، في حديثه للجزيرة نت، أن الحادث يمثل "خرقًا أمنيا كبيرًا، وجزءًا من الحرب الأمنية المستمرة بين العدو الإسرائيلي وحزب الله"، موضحا أنها تندمج في الحرب العسكرية وتُدار بشكل رئيسي على كافة المستويات التكنولوجية والاستخباراتية وجمع المعلومات.

وتساءل مطر حول ما إذا كان هناك تمهيد إسرائيلي لهذا العمل، خاصة بعد تصريحات جهاز الشاباك التي أظهرت أن حزب الله كان يخطط لعملية أمنية، إذ يرى الباحث أن الهجوم بدأ في الصباح إعلاميًا ثم تطور إلى عملية أمنية، أما عن احتمال اندلاع حرب شاملة، فاعتبر مطر أن ذلك يعتمد على إرادة حزب الله.

وأضاف "بما أن العملية كانت أمنية، فمن المحتمل أن يكون هناك رد أمني"، مشيرا إلى أن حزب الله سبق أن استهدف قاعدة الوحدة 8200، وأن الطائرات المسيّرة التي استخدمها أصابت أهدافها وأحدثت نتائج ملموسة، وهو هدف ذو أهمية كبيرة للإسرائيليين، "وبالتالي، قد تكون هذه العملية ردا إسرائيليا مبنيًا على الإنجاز الذي حققه حزب الله".

قتل في التفجيرات 9 أشخاص وأُصيب أكثر من 2750 آخرين، حالات 200 منهم حرجة (رويترز) سيناريو الاستهداف

أشار الخبير في تقنيات الاتصالات عامر الطبش إلى أن المعلومات المتاحة حتى الآن توضح أن الشحنة الأخيرة من أجهزة الاتصالات التي كانت بحوزة عناصر حزب الله "لم تكن مطابقة للمواصفات"، ويبدو أنها كانت تحتوي على مواد متفجرة تفاعلت مع الرسائل المرسلة، مما أدى إلى تفجير المئات منها في مناطق متعددة، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات.

وقال الطبش للجزيرة نت إن هذه الأجهزة تعتمد على الاتصال الأحادي الاتجاه، حيث تصل الرسالة للمستقبِل وتحمل رموزا معينة دون القدرة على الرد عليها، وبناء عليه يتخذ قراره إما بإجراء اتصال برقم محدد وإما بالتوجه إلى موقع معين.

وأوضح أن حزب الله يعتمد على أجهزة اتصالات بدائية للتواصل بين عناصره تعمل على موجات "يو إتش إف" (UHF) أو "في إتش إف" (VHF)، وتُعلَّق عادةً على الخصر، مشيرًا إلى تقارير أفادت بأن حزب الله عمم على عناصره عدم استخدام الهواتف الخلوية، وأنه تم توزيع أجهزة "بيجر" على القيادات الرئيسية لاستدعائهم إلى مهام أو اجتماعات.

وفي سيناريو الاستهداف، قال الطبش إن الانفجار قد يكون ناجما عن ارتفاع حرارة البطارية أو تعرضها لحرارة عالية، مما حولها إلى صاعق فجر المادة المتفجرة، "ومع ذلك، لا توجد أدلة حتى الآن على أن الجهاز كان ساخنا، ومن خلال الصور والفيديوهات التي شاهدتها، يبدو أن الرسالة وصلت أولا، وعندما حاول الشخص الاطلاع عليها، انفجر الجهاز"، حسب قول الخبير.

إسرائيل مسؤولة

وبوصفه بـ"العدوان الإجرامي"، حمّل حزب الله "العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة" عما حدث "بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة، والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء الآثم الذي جرى ‏بعد ظهر هذا اليوم"، وفق ما ذكر في بيان له، متحدثا عن أن هذا العدوان "طال المدنيين أيضًا وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء، وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة".

وأضاف الحزب في بيانه أن "شهداءنا وجرحانا هم عنوان جهادنا وتضحياتنا على طريق القدس، انتصارًا ‏لأهلنا الشرفاء في ‏قطاع غزة والضفة الغربية، وإسنادًا ميدانيا متواصلًا"، مؤكدا أن موقفه من نصرة ودعم وتأييد ‏المقاومة الفلسطينية "سيبقى محل اعتزازنا وافتخارنا ‏في الدنيا والآخرة‏".

وختم البيان بأن "هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا يحتسب، والله على ما نقول شهيد".

وتأتي هذه التطورات في وقت ذكرت فيه الإذاعة الرسمية الإسرائيلية أن وزير الدفاع يوآف غالانت وقيادة المنظومة الأمنية أجروا مشاورات مكثفة منذ الصباح بشأن لبنان، حيث قررت الحكومة الإسرائيلية إضافة بند "العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم" كهدف رابع لأهداف الحرب، فضلاً عن تقدير أمني بأن حزب الله ينوي إطلاق عملية عسكرية ضد "إسرائيل".

يُشار إلى أن جهاز النداء "بيجر" هو جهاز لاسلكي صغير، مصمم لاستقبال الرسائل القصيرة والتنبيهات، وكان له دور بارز قبل انتشار الهواتف المحمولة خاصة في الثمانينيات والتسعينيات، ويُفضل استخدامه من قبل الأطباء والمستجيبين لحالات الطوارئ ورجال الأعمال بفضل موثوقيته في استلام الإشعارات العاجلة.

وتعتمد هذه الأجهزة في عملها على عنصرين أساسيين، أولهما الإرسال، حيث يقوم مزود الخدمة بإرسال إشارة عبر محطة أساسية أو شبكة أقمار صناعية إلى جهاز النداء، تتضمن أرقاما أو نصوصا أبجدية رقمية أو إشارات صوتية. وثانيهما التنبيه، إذ إن جهاز النداء يصدر صوتا أو اهتزازا عند تلقي الرسالة لحث المستخدم على التحقق من الشاشة وقراءة الرسالة الواردة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أن حزب الله

إقرأ أيضاً:

ذوو أصغر شهيدة لبنانية: كانت تراجع دروسها فخطف البيجر عمرها

كانت الطفلة فاطمة عبد الله تراجع دروسها بعد عودتها من أول يوم دراسي في بلدة سرعين الفوقا بمحافظة البقاع شرق لبنان، متحمسة لعام جديد يملؤه الأمل رغم شبح الحرب الذي يخيم على البلاد.

لم تعلم فاطمة (8 أعوام) أن لحظات الأمل تلك ستنقلب إلى فاجعة بطرفة عين، فجأة انفجر جهاز الاتصال "البيجر" الخاص بوالدها وهي تحمله، ليخطف عمرها الذي لم يتجاوز عمر الزهور وينسف أحلامها البريئة.

فاطمة كانت واحدة من 12 ضحية فقدوا حياتهم، الثلاثاء، إثر تفجير آلاف من أجهزة "بيجر" اللاسلكية بحادثة نادرة مؤلمة هزّت لبنان والعالم، حيث يعيش الناس أصلاً في صراع مرير بسبب انتهاكات "إسرائيل" التي تهدد باجتياح لبنان.


أصدقاؤها وأقاربها يتذكرون فاطمة بقلوب مليئة بالحزن، ويصفونها بالطفلة الذكية المحبوبة التي كانت تحلم بمستقبل مشرق.

خالتها فاطمة (48 عاما) التي تحمل ذات الاسم، تحدثت للأناضول بحسرة كبيرة عن اللحظات الأخيرة لابنة أختها.

تقول إن فاطمة كانت تدرس بمفردها في المطبخ، بينما كان أخوها وأبواها خارج المنزل، وفجأة سُمع صوت انفجار من الداخل، ليدخلوا المنزل ويجدوا ابنتهم ملقاة على الأرض.

وتضيف وهي تحاول أن تستجمع قواها من ألم الفقد: "كانت فاطمة عائدة من أول يوم دراسي لها، مفعمة بالحماس، كانت متفوقة ومحبوبة من الجميع".

صديقها علي عبد الله، ذو السنوات التسع يتذكر أيضا اللحظات الأخيرة قبل وقوع الكارثة.

يقول: "فاطمة كانت جالسة على الكنبة (الأريكة) تدرس عندما رن جهاز البيجر، حملته لتوصله إلى والدها الذي كان خارج المنزل، لكنه انفجر بين يديها".

تحولت فاطمة إلى رمز للألم الذي يعانيه لبنان، وتفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع قصتها، وتداول ناشطون اسمها وصورها، حتى باتت الوجه الأبرز لضحايا التفجيرات.

واليوم ودعت بلدة سرعين الفوقا في البقاع (شرق) فاطمة في مراسم عزاء مؤثرة.

والأربعاء، أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن من بين القتلى الطفل محمد بلال كنج، البالغ من العمر 11 عاما.

وحمّلت الحكومة اللبنانية و"حزب الله" إسرائيل المسؤولية عن تفجير آلاف من أجهزة "بيجر"، وتوعدها الحزب بـ"حساب عسير"، ردا على مقتل 12 شخصا بينهم طفلان، وإصابة نحو 2800 جريح.

و"البيجر" جهاز اتصال إلكتروني لاسلكي صغير محمول يستخدمه مدنيون وعاملون بالمجال الصحي وغيرهم للتواصل داخل مؤسسات أو ضمن مجموعات ومنظومات مختلفة، ويعمل ببطاريات قابلة للشحن ويستقبل رسائل نصية واتصالات وإشارات صوتية وضوئية.

وبخلاف جهاز "البيجر"، وقعت اليوم تفجيرات أخرى بأجهزة من نوع "أيكوم"، يجري استخدامه حصرا لعمليات الإسعاف التي تجري في جنوب لبنان والذي يشهد مواجهات عسكرية بين "حزب الله" و"إسرائيل" منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.


ومنذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصف يوميا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، مما أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.

وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، ما خلف أكثر من 136 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

تجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل" تحتل منذ عقود أراضٍ في لبنان وسوريا وفلسطين.

مقالات مشابهة

  • ذوو أصغر شهيدة لبنانية: كانت تراجع دروسها فخطف البيجر عمرها
  • خبير أمني يكشف مفاجأة.. هكذا تم اختراق أجهزة البيجر التابعة لعناصر حزب الله.. فيديو
  • جديد هجوم البيجر.. اسرائيل فجرتها بعد اكتشاف المؤامرة
  • الموساد نفذها خوفًا من اكتشاف حزب الله الأمر: عن أجهزة "البيجر" التي كانت ورقة خفية في يد إسرائيل
  • الخطة الإسرائيلية كانت مختلفة.. شكوك اثنين من عناصر الحزب عجلت هجوم البيجر
  • هل كانت أجهزة نداء حزب الله عبوات ناسفة متحركة؟
  • خاص للجزيرة: أجهزة اتصال حزب الله التي تعرضت للتفجير تم استيرادها قبل 5 أشهر
  • آثار الأضرار التي تسبب بها انفجار أحد أجهزة البيجر في منزل بلبنان ..فيدبو
  • ماذا تعرف عن أجهزة "البيجر" التي انفجرت في عناصر حزب الله؟