إفيه يكتبه روبير الفارس: "تربة الهلاك"
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التعميم يفيد العقل المُعَلَّب، ويريح معدة التفكير بسهولته المَرَضِيَّة. فما أسهل أن نطلق تعميمات ومسلمات واعتبارها حقائق ونتائج لقضايا مجتمعية وحلًا لمشاكل مستعصية. فقد عشنا سنوات نردد أن الفقر سبب رئيسي للإرهاب، وأن الجهل أحد أعمدته المحورية، في حين أن الوقائع حدَّثتنا عن أثرياء ومليارديرات أعضاء كبار في جماعة الإخوان الإرهابية، وعن خريجي كلية الطب من مؤسسي تنظيم القاعدة، وخريجي الهندسة من قيادات تنظيم داعش، وعن الأجانب الذين انضموا لتلك التنظيمات.
من هنا نريد أن نناقش إحدى التعميمات الشهيرة التي تقول إن حالة التشدد والتطرف الديني في مجتمعنا مصدرها الرئيسي فترة الصحوة الدينية في السبعينيات من القرن الماضي والغزو الوهابي الذي جلبه العمال معهم من بعض الدول. وليس معنى أننا نطرحها للفحص أنها لا تحمل بعض الصحة ولها أصول وثمار وجولات في ذلك. ولكن لا يعني هذا أبدًا أن أرضنا والبيئة الحاضنة خالية من هذا التشدد، وأن خط التسامح والليبرالية هو السائد طوال تاريخنا العريض الممتد.
فإذا عدنا للتاريخ المصري القديم، نجد أن أخناتون، المعروف بأنه سباق في التوحيد، كان سباقًا أيضًا في التعصب والتشدد ونفي الآخر، وهو الذي أشعل الصراع والقتال بين أتباع "آتون" وأتباع "آمون". وإذا قذفنا إلى فترات لاحقة في التاريخ المصري، نجد آثارًا مدمرة للكراهية والتشدد في عصور حكم الدولة العثمانية والمملوكية، وأن الفكرة الأولى التي طرحت لمواجهة الحملة الفرنسية على مصر كما يذكر الجبرتي هي قتل الأقباط الذين ينتمون لنفس ديانة الغزاة. ولولا وجود شيوخ أجلاء تصدوا لها، لقتل العامة جميع الأقباط في القاهرة.
وهذه النظرة ظلت تحكم قطاعًا كبيرًا من المصريين أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر. والمطلع على جريدة "اللواء"، التي كانت لسان حال الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، سوف يجد الكثير من المقالات المشبعة بهذه الكراهية وصدى لها. كذلك، عندما أصدر قاسم أمين كتابه "تحرير المرأة" عام 1899، تصدى له قطاع كبير من المتشددين. ونفس الأمر مع كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" عام 1926 - أي قبل غزو السبعينيات بكثير.
وهذه نماذج مقتطفة دون ترتيب أو منهج من تاريخنا، لكنها تؤكد أن حجة الإحياء الديني والغزو الوهابي تعميم مريح يجعلنا نهرب من حقيقة موجعة ومواجهة لا مفر منها، وهي امتلاكنا أرضية متشددة وبيئة حاضنة مدعومة من كتب تراثية صفراء ومن التعليم والإعلام، ومن مؤسسات عمرها آلاف السنين. وهي أرضية تتصارع دائمًا مع قطاع صغير متسامح.
فليس الأمر إذن غزوًا حدث وتمكن دون أن يجد "تربة هلاك" ملائمة وهوًى سلفيًا وماء يروي وخطب تنمي ووعظًا يحرس ويحصد هذا التجمد. وياللعجب، فإن صورة هذا التشدد موجودة حتى عند الأقباط الذين منهم من يرفضون ويكرهون الطوائف المنتمية لنفس ديانتهم، ويرون أنهم صنيعة الاحتلال، ومصيرهم مصير الهراطقة. فهل هم أيضًا أصيبوا بالوهابية؟
نكتة قبل الوداع
"الدقن دي تجارة أكل عيش، واحد مايعرفكش يشوفك وأنت بالدقن دي يبقى في ثقة كده في المعاملة والبيع والشراء!"
"ثانيًا، قالك إيه بقى! للدقن سبع فوائد."
(من فيلم "كلمني شكرًا")
"الدقن في عقل الراس، ولجذورها تاريخ وأجراس."
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: العقل إفيه يكتبه روبير الفارس
إقرأ أيضاً:
رحم الله صديق أحمد وكل الذين وهبونا أجمل ساعاتنا
#ياـصديق
نحن من جيل تقوت أواصره على قوة مركزية النسيج الإنساني المخلق لروابط في مرات كثيرة لا تفسر ! وأحيانا لا تدرك لمن في روحه جرثومة وضاعة أو بغض من باكتريا معامل الظنون . نحن من جيل طاف صغير في حلقات لدوائر الذاكرين تحت أكمام (الجلاليب) المستقبلة لاتردادات الصفقة في حضرة محمد كرم الله أو النعام او صديق أحمد . الاخير شهدته وهو في حالة سلطنة الغناء وهو تربال يزور أهله بجوارنا . ذات الصوت العذب والحضور الساكن والسمرة البهية والضحك الصافي منزوع المحاذير . هو في تلك الحالة (زول ونسة) يستقبله ديواننا أو ديوان أهله .مثلما كان يفعل ود اليمني الذي أظنه مع موهبة الغناء فقد أضلت الدراما (حكواتي) وممثل حريف وفكاهي بوزن ثقيل . ربما من حسن حظي أني رأيت عبد العظيم حركة وعلي عبده . ووقفت لساعات التقط نفخ فرقة جاز الديوم . وشهدت زيدان وشاركنا في مناسبات الحلفاويين وحضرنا (الجالوة) عند آل ناس رمضان . فترك كل من اولئك في فراغات أنفسنا لحنا وقصة ومشهدا . ومنهم صديق أحمد . الذي كنت تابع ثرثرات زملاء بقروب عن غناء أهل الشمال فاتت سيرة أغنية منحنى النيل فهممت بالقول لقد إستقام النيل هناك بعذب اللحون وربما إنحنى طربا من الكلمات .
2
لست بصدد نعي الفنان الكبير صديق أحمد أو تأبينه . فقطعا هناك من هم اقرب مني وأولى . معرفة ومعاصرة .غير أنني أشعر بالامتنان نحو إنسان جميل . أسهم مع آخرين . مطربون .شعراء . أهل كرة ورياضة بل وعامة من السابلة في سوقنا إلى عافية الذات وتحصين النفس . فكانوا آحادا كل بسهمه لكنهم جميعا طيبوا دواخلنا فحصنوها ضد الكراهية والجهالة . وجعلوا إيماننا بالإنسان غاية ادركانها بغير كتب وهتافيات . وغرسوا السودان في دواخلننا علامات للارشاد . وقد كنت وكتبت هذا غير مرة أستعجب من حب عتيق عند والدي للراحلين محمد كرم الله والنعام أدم . أو تمسكه بالولاء لمدينة كسلا التي عاش فيها لسنوات لدرجة إفتخاره بأن اوراق الثبوتية عليها أختام الإقليم الشرقي . ومثلما حرت في حبه الشديد للمريخ والجيلي عبد الخير وفي ذات الوقت قاقرين وعبد الله السماني وحديثه المفتخر بموسى جودة وخليفة عمر وصداقته العميقة مع رجل من آل الهاشماب ممن استطونوا بري . جمع الشيخ الوالد خيوط والعرض على جغرافية إنسان وسطي ربما بسبب ذلك عصمنا عن فتنة أدارت بعض ممن ظننت أنهم من أهل العقول . وسطية تشربنا منها منه حب صديق أحمد لدرجة أنه إن أطل في سهرة تلفازية كان مع كل رمية يرتد صبيا .حتى تشرق أنوار وجه أمي ببعض التعابير الساخرة .
3
لاحقا صرت أقتفي أخبار (صديق) أصدق في مواقيت ظهوره . تألمت قبل سنوات حينما الم به طارئ صحي . فكتبت عنه أشتم إهمال الدولة للمبدعين .والصحافة ببلادنا لا توفر لك في كثير سوى سبيل السباب .فالمناشدات المطلقة السراح من غير ذلك تموت . لا النداء عندنا رافعته الإبتزاز . وقد فشلت في بلوغ الشمالية رغم وعدي لذاتي بتتبع مباحث عن أكسوم إلى تمساح ود الماحي . ووعد غير منجوز بالوصول إلى (شقوري) وعبوره قدما كرفيق موسى إلى كجي الرباطاب حيث لي موعد مع آل شبيكة .
4
رحم الله صديق أحمد وكل الذين وهبونا أجمل ساعاتنا . كل الذين كانوا في أنفسنا يقينا وعافية وروح فوق تجاذبات الشيطان . اللهم أحينا على ما تركونا عليه من جوامع بذلوها بغير تصنع وأمتنا عليها . وهي لهم أجر وحسنات . عرف الناس قيمتها ودلالاتها .والصابرات روابح
محمد حامد جمعة نوار