أهل البيت في قلوب المصريين شعوبا وحكاما عبر الدهور
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
أهل البيت هم المجد الشامخ والعنوان المضيء والاسم المحبب لكل نفس أحبت الرسول الكريم وسارت على دربه وهداه .
ولقد عرف المسلمون هذا اللقب الفريد وهذه التسمية المباركة منذ أن نطق الوحي بهذا الشرف العظيم:«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» .
فكان هذا هو الشرف المؤبد لآل محمد عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.
ولقد شاء الله سبحانه وتعالى وهو الفعال لما يشاء أن تكون مصر قبلة للعترة الهاشمية المطهرة جيلا بعد جيل بأن تشرف ثراها الطيب بملامسة أجسادهم الطاهرة أحياء ومنتقلين.
فامتلأت وتشرفت بقاع المحروسة بمراقد ذرية النبي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
ومنذ أن قدم القوم إلى مصر وقلوب المصريين تهوي اليهم كيف لا وهم بيت الوحي ومدينة العلم ومعدن الحكمة وموطن الحلم وسفراء جدهم رسول الله في شتى أرجاء المعمورة.
وهم وصية الحق لنا بودهم وصلتهم في حياتهم وبعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى لقرابتهم من جناب النبي الأعظم عليه افضل الصلاة والسلام سر قول ربنا سبحانه وتعالى:«قل لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى».
فكانت مصر عبر تاريخها الكبير حاضنة لآل البيت وللعلماء والفقهاء عبر القرون والدهور ولا غرو في ذلك.. فبمصر كان التجلى الأعظم على كليم الله موسى وبها كانت خزانة عيسى عليهما السلام وفي مصر كانت رحلة العائلة المقدسة إلى جانب من تتميز به هذه البلدة الآمنة من حضارات ضربت جذورها في الأرض وامتدت إلى آلاف السنين .
ومصر عبر هذا التاريخ المشرق حكاما وشعبا لم تدخر وسعا في اكرام العترة المحمدية منذ أن خرج مسلمة بن مخلد الأنصاري والي البلاد حافي القدمين ومعه الوجهاء والعلماء والعوام من الناس مستقبلين عقيلة بني هاشم السيدة زينب رضي الله عنها حين قدمت إلى مصر بعد فاجعة كربلاء واستشهاد شقيقها الإمام الحسين ورفاقه من أصحابه وآل بيته لتدعو العقيلة لأهل مصر قائلة:«آويتمونا يا أهل مصر آواكم الله ونصرتمونا نصركم الله جعل الله لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا»
ليتوالى بعد ذلك قدوم الكرام إلى ديارنا لتشرق شمس مصرنا في الأفق عالية خفاقة في سماء العالمين وهذا هو المجد الخالد .
وكان ممن قدم إلى مصر السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهموهي صاحبة المسجد والمقام الشهيرين بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي اللذان شهدا مؤخرا تجديدا كبيرا يليق بحجم وبمقام حبيبة المصريين نفيسة العلم والمعرفة ليترجم هذا الإنجاز مدى اهتمام حكام مصر عبر العصور بمشاهد آل البيت ومساجدهم لكونها عنوانا للروحانية وبابا من أبواب الوسطية لمصرنا الحبيبة ولهذا الدين الحنيف فشتان الفرق بين جماعة متأسلمة جاءت قبل ذلك برئيسها لتهدم وتضرب حضارات مصر الشامخة وبين جمعية عمومية للشعب المصري أتت بقائد كبير يبني هنا ويشيد هناك وهذا هو معنى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«اذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفًا فإنهم واهليهم في رباط إلى يوم القيامة».
في مصر كان لكريمة الدارين السيدة نفيسة رضي الله عنها مجلس علم كبير يتردد عليه الطلاب ليستمعوا إلى حديثها الفياض المتدفق قريب العهد من بيت الوحي بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ويسألوا فيما استعصى عليهم إجابته أو تفسير ما عجزوا عن فهمه..
التقت السيدة نفيسة فى مصر بكثير من اعلام الأمة الإسلامية ومن بينهم أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث والشافعي الإمام رضي الله عن الجميع.
_حدث ذات يوم أن انقطع بشر بن الحارث عن زيارتها وهو الحريص على مجلس علمها، فلما سألت عنه وعلمت بمرضه ذهبت لتعوده فى داره، وهناك التقت الإمام أحمد بن حنبل الذى سأل صاحب الدار عن شخصية السيدة نفيسة وحالها؟
فلما علم بها وعرفها عن قرب أحسن تحيتها وطلب من بشر مستبشرا أن يسألها الدعاء لهما فلم تخيب رجاءهما لتدعو قائلة:«اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين».
وممن حضر مجلسها الإمام الشافعى الذى لم يكد يصل من بغداد إلى مصر حتى سأل عن دارها واستأذن فى زيارتها فأذنت له ورحبت به وأعجبت بعقله وورعه وفقهه...
وأخذ الشافعى عنها الحديث النبوى وسمع منها ما لم يكن قد وصل إليه من أحاديث شريفة مما أتاح له بعدا أكبر فى مجال الفقه والاجتهاد.
وكان هذا من دوافع تأليف الإمام لمذهبه الجديد في الفقه الشافعي حيث كان قد كتب مذهبه القديم هناك بالعراق قبل مجيئه إلى مصر .
وكان الشافعى إذا أقعده المرض عن زيارتها أرسل بعض أصحابه إليها يسألها الدعاء فتدعو له بالشفاء.
وفى المرض الأخير الذى توفى فيه أرسل إليها كعادته فقالت لمن جاءها: أحسن الله لقاءه ومتعه بالنظر إلى وجهه الكريم.. فعلم الشافعى أنها النهاية!
ولما توفى رضى الله عنه حملت جنازته إلى بيت السيدة نفيسة فصلت عليه وقالت: رحم الله الشافعى إنه كان يحسن الوضوء!
وهكذا ظلت السيدة نفيسة رضي الله عنها بمصر تعلم الناس وترشدهم آخذة بأيديهم نحو خيري الدنيا والآخرة فلم تك منعزلة في خلوة دائمة بل كانت حياتها مقسمة بين العبادة والقيام بقضاء حوائج الناس فكانت قبلة للأرواح المتعطشة ولعوام الناس وخاصتهم فلم تتراجع عن دورها المجتمعي ولم تأخذها الدنيا عن عبادة خالقها فكانت حياتها دنيا ودين فظلت ناصحة للجميع حتى أنها استوقفت حاكم البلاد «أحمد بن طولون» وانزلته من فوق جواده بين حاشيته وحرسهحين مر موكبه أمام خلوتها موجهة له النصيحة بكلماتها المدوية فكانت المواجهة والانحياز إلى البسطاء والعوام من الناس.
وتدور الأيام دورتها وتنتقل السيدة نفيسة رضي الله عنها إلى الرفيق الأعلى فاجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث إمتلأت الفلوات والقبعات، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة .
وقبيل دفنها أراد زوجهااسحاق المؤتمننقلها إلى المدينة ودفنها في البقيع فسأله أهل مصر تركها عندهم للتبرك وبذلوا له مالًا كثيرًا فلم يرض بذلك!
وحين نام من ليلته رأى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: «يا إسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها».
مما وقع لي انا كاتب هذه السطور من احوال روحانيه مع السيده نفيسه رضي الله عنها انني كنت انتدبت منذ سنوات ليست بالبعيدة لكتابة مقالات عن أهل البيت لمجلة «التصوف الإسلامي» وكان عنوان المقال القادم عن السيده نفيسه رضي الله عنها بمناسبه الاحتفال بذكرى مولدها...
وحقيقه لم يكن لدي كتابا يتحدث عن السيده نفيسه باستفاضه وحدث أن حضرت مولدها المبارك وكنت مشغولا بكيفية الكتابة عنها وكيف أبدأ مقالي وكيف انتهي؟
وفي ليلة مولدها الختاميه وكان المقام مزدحما بالزوار زحاما شديدا وفي داخل المقام وكان الجو شديد الحراره حتى كاد أن يغرق العرق وجهي!
واذا بي أجد أحد باعة الكتب يعرض علي شراء كتابا فلم التفت اليه لازدحام المكان وحرارة الجو!
فأعاد علي الأمر ثانية وثالثة حتى كدت أن أضيق منه وهو يشدني من كتفي بقوة...
فحين هممت بالالتفات غاضبا إذا به يعطيني الكتاب بوجهه المبتسم مقررا لي هذا كتاب عن السيده نفيسة وهو لك بلا مقابل!
فذهب مني الغضب وامسكت بالكتاب وتذكرت مقالي القادم عن صاحبة الذكرى!
وخرجت من المكان إلى صحن المسجد وجعلت أبحث عن بائع الكتب الذي اختفى في زحمة الزائرين ولم يعد له أثر....!
أخرجت القلم ووريقاتي من حقيبتي ولم أفق إلا بعدما انتهيت من كتابة المقال الكبير وقصة المقال والكتاب وبائع الكتب لاتغيب عن عقلي الباطن وروحانية صاحبة المقام تلاحقني وحبها يزاحم أفكاري ومشاعري.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أهل البيت رضی الله عنها السیدة نفیسة أهل البیت أهل مصر إلى مصر
إقرأ أيضاً:
في زمن التيه.. الرجولة أن تكون من أنصار الله
الرجولة ليست مجرد صفة بيولوجية، ولا تُقاس بالقوة الجسدية أو الانتماء القبلي أو المناطقي، بل هي موقف ووعي وانحياز دائم للحق. ومن تمام الرجولة، أن تكون من أنصار الله، لأنك بذلك تقف في صف المظلوم، وتكون من رجال الرجال في زمن قلّ فيه الرجال، وانحسرت فيه معاني الرجولة، خاصة بعدما انكشفت معالم المعركة بين حقٍ جلي عنوانه القرآن الكريم وآل بيت النبوة، وباطلٍ فاضح عنوانه التحالف بين الصهيونية العالمية وبعض الأنظمة العربية المتصهينة.
وفي اليمن، حين تبحث عن بديل لأنصار الله، فلن تجد إلا خيبات الماضي أو مشاريع الارتهان. فهل يكون البديل هو نظام عفاش؟ ذلك النظام الذي أسّس لحكم الفرد، وروّج للرذيلة والإفساد الأخلاقي، وفتح الباب أمام مشاريع التغريب والانحلال في وسائل الإعلام والمناهج التربوية، وهو الذي مكّن السفارات الأجنبية من التدخل السافر في الشأن اليمني. إن بقايا ذلك النظام لا تزال اليوم تقف في خندق الأعداء، تحت يافطات شتى، في الساحل الغربي وغيره، وجمعت حولها كل دعاة الرذيلة والفساد الأخلاقي، ممن يأنف الحر الشريف أن يسير في ركابهم.
أما إن كان البديل هو حزب “الإصلاح”، ذلك الذي طالما تغنّى بالدين ظاهراً، بينما أفرغ معانيه من الداخل، وخرّج من معاهده نماذج ممسوخة لا تعرف من الرجولة إلا قشورها، فإنك حينها تكون قد تنازلت عن رجولتك مبكرًا. فماذا يمكن أن يُنتظر ممن يرون في المهرج “محمد الربع” – وهو رمز السخرية من القيم والمعارك المصيرية – نموذجاً للرجولة والفكر؟ هذا هو نتاج ثقافة حزبية لم تجعل من فلسطين قضية، ولا من الجهاد شرفاً، بل سخّرت منابرها للطعن في المجاهدين.
وينطبق هذا أيضًا على أولئك الدعاة المدجَّنين بالمال الإماراتي، ممن ارتضوا القعود عن نصرة قضايا الأمة، وتفرغوا لتثبيط الناس عن الجهاد والمقاومة، أمثال بعض من ينتسبون إلى الطرق الصوفية الجديدة التي اتخذت الدين طقوسًا لا تتصل بواقع الأمة. تراهم لا ينطقون بكلمة حق تجاه العدوان على غزة، بينما يسارعون لإدانة أي تحرك مقاوم أو موقف شجاع في اليمن أو فلسطين.
إنهم اختاروا أن يكونوا شهود زور، يغطّون الجرائم الصهيونية بصمتهم المطبق، ويهاجمون من يرفع سلاحه في وجه المحتل. يكفيك أن تقارن بين بياناتهم الغائبة عن مجازر الاحتلال في رفح وغزة، وبين تصريحاتهم السريعة في مهاجمة المقاومة اليمنية حين تضرب أهدافًا صهيونية.
أما إذا كنت صاحب فطرة سليمة، وقلبٍ حيٍّ لم تُطفئه أضواء الزيف الإعلامي، ولم تُمِتْهُ أبواقُ التطبيع، فإنك ستجد نفسك، دون كثير عناء أو تنظير، تقف إلى جانب أنصار الله، لا لأنهم فوق النقد أو أنهم بلا أخطاء، ولكن لأنهم – في واقع اليوم – يُمثّلون الخندق الأقرب إلى الموقف الحق، حيث المعركة واضحة، والعدو مُسمّى باسمه، لا يُدارى ولا يُجَمَّل.
هم الذين رفعوا شعار العداء للصهاينة في زمن أصبح فيه التطبيع بطولة، واعتراف المحتل واقعًا مفروضًا، والمقاومة تهمة تُلاحق بها الأحرار. هم الذين اختاروا الوقوف في صف القرآن الكريم، حين تفرّق الناس بين ولاء لواشنطن وتبعية لأبو ظبي والرياض، وبين من لا يزال يفتش عن “حل سياسي” في زمن لا يعترف إلا بمنطق السلاح والميدان.
لقد رسم القرآن الكريم معالم العداوة بوضوح، حين قال: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾ [المائدة: 82] فلا غرابة أن يكون أنصار الله في مقدمة من يحملون راية هذه العداوة، ويجعلون منها عقيدة وموقفًا، لا مجرد شعار سياسي موسمي.
وحين نقرأ: ﴿وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ [البقرة: 190] نفهم أن القتال المشروع هو في وجه المحتل، المغتصب، الذي يقتل الأطفال في غزة، ويهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها في رفح وجنين، لا في وجه المجاهدين الذين يسعون لرد هذا العدوان، مهما كانت ملامحهم أو لهجاتهم.
وفي هذا الزمن الذي تهاوت فيه كثير من الأصوات، وسقطت فيه الأقنعة، ولم نعد نُفرّق في الإعلام الممول بين الضحية والجلاد، تظل الرجولة الحقّة أن تنحاز لخيار الجهاد، لا على أساس حزبي أو مناطقي، بل انطلاقًا من إيمانك العميق بأن الباطل لا يُجابه إلا بالقوة، وأن من يرفع راية الجهاد في زمن الضعف هو أحق الناس بالسمع والطاعة والنصرة.
لقد أصبح الوقوف في صف أنصار الله اليوم، موقفًا يتطلب شجاعة لا تقل عن شجاعة المقاتلين في الجبهات، لأنه تحدٍّ لموجة التضليل العالمية، ورفضٌ للانضمام إلى طوابير المنتفعين بالصمت. نعم، قد تُكلّفك الكلمة موقفًا، ويُكلّفك الموقف ثمنًا، لكن الرجولة الحقة، لا تُقاس بما تكسبه، بل بما تصمد فيه، وما تدفعه في سبيل الله، والحق، والمظلومين في كل مكان.