أهل البيت هم المجد الشامخ والعنوان المضيء والاسم المحبب لكل نفس أحبت الرسول الكريم   وسارت على دربه وهداه .

ولقد عرف المسلمون هذا اللقب الفريد وهذه  التسمية المباركة منذ أن نطق الوحي بهذا الشرف العظيم:«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» .

فكان هذا هو الشرف المؤبد لآل محمد عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ولقد شاء الله سبحانه وتعالى وهو الفعال لما يشاء أن تكون مصر قبلة للعترة الهاشمية المطهرة جيلا بعد جيل بأن تشرف ثراها الطيب بملامسة أجسادهم الطاهرة أحياء ومنتقلين.

فامتلأت وتشرفت بقاع المحروسة بمراقد ذرية النبي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

ومنذ أن قدم القوم إلى مصر وقلوب المصريين تهوي اليهم كيف لا وهم بيت الوحي ومدينة العلم  ومعدن الحكمة وموطن الحلم وسفراء جدهم رسول الله في شتى أرجاء المعمورة.

وهم وصية الحق لنا بودهم وصلتهم في حياتهم وبعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى لقرابتهم من جناب النبي الأعظم عليه افضل الصلاة والسلام سر قول ربنا سبحانه وتعالى:«قل لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى».

فكانت مصر عبر تاريخها الكبير حاضنة لآل البيت وللعلماء والفقهاء عبر القرون والدهور ولا غرو في ذلك.. فبمصر كان التجلى الأعظم على كليم الله موسى وبها كانت خزانة عيسى عليهما السلام  وفي مصر كانت رحلة العائلة المقدسة إلى جانب من تتميز به هذه البلدة الآمنة من حضارات ضربت جذورها في الأرض وامتدت إلى آلاف السنين .

ومصر عبر هذا التاريخ المشرق حكاما وشعبا لم تدخر وسعا في اكرام العترة المحمدية منذ أن خرج مسلمة بن مخلد الأنصاري والي البلاد حافي القدمين ومعه الوجهاء والعلماء والعوام من الناس مستقبلين عقيلة بني هاشم السيدة زينب رضي الله عنها حين قدمت إلى مصر بعد فاجعة كربلاء واستشهاد شقيقها الإمام الحسين ورفاقه من أصحابه وآل بيته لتدعو العقيلة لأهل مصر قائلة:«آويتمونا يا أهل مصر آواكم الله ونصرتمونا نصركم الله جعل الله لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا» 

ليتوالى بعد ذلك قدوم الكرام إلى ديارنا لتشرق شمس مصرنا في الأفق عالية خفاقة في سماء العالمين وهذا هو المجد الخالد .

وكان ممن قدم إلى مصر السيدة نفيسة بنت  الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهموهي صاحبة المسجد والمقام الشهيرين بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي اللذان شهدا مؤخرا تجديدا كبيرا يليق بحجم وبمقام حبيبة المصريين نفيسة العلم والمعرفة ليترجم هذا الإنجاز مدى اهتمام حكام مصر عبر العصور بمشاهد آل البيت ومساجدهم لكونها عنوانا للروحانية وبابا من أبواب الوسطية لمصرنا الحبيبة ولهذا الدين الحنيف فشتان الفرق بين جماعة متأسلمة جاءت قبل ذلك برئيسها لتهدم وتضرب حضارات مصر الشامخة وبين جمعية عمومية للشعب المصري أتت بقائد كبير يبني هنا ويشيد هناك وهذا هو معنى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«اذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفًا فإنهم واهليهم في رباط إلى يوم القيامة».

في مصر كان لكريمة الدارين السيدة نفيسة رضي الله عنها مجلس علم كبير  يتردد عليه الطلاب ليستمعوا إلى حديثها  الفياض المتدفق قريب العهد من بيت الوحي بيت النبوة على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ويسألوا فيما استعصى عليهم إجابته أو تفسير ما عجزوا عن فهمه..

التقت السيدة نفيسة فى مصر بكثير من اعلام الأمة الإسلامية ومن بينهم أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث والشافعي الإمام  رضي الله عن الجميع.

_حدث ذات يوم أن انقطع بشر بن الحارث عن زيارتها وهو الحريص على مجلس علمها، فلما سألت عنه وعلمت بمرضه ذهبت لتعوده فى داره،‏ وهناك التقت الإمام أحمد بن حنبل الذى سأل صاحب الدار عن شخصية السيدة نفيسة وحالها؟

 فلما علم بها وعرفها عن قرب أحسن تحيتها وطلب من بشر مستبشرا أن يسألها الدعاء لهما فلم تخيب رجاءهما لتدعو قائلة‏:‏«اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين‏».

وممن حضر مجلسها الإمام الشافعى الذى لم يكد يصل من بغداد إلى مصر حتى سأل عن دارها واستأذن فى زيارتها فأذنت له ورحبت به وأعجبت بعقله وورعه وفقهه...

وأخذ الشافعى عنها الحديث النبوى وسمع منها ما لم يكن قد وصل إليه من أحاديث شريفة مما أتاح له بعدا أكبر فى مجال الفقه والاجتهاد.

وكان هذا من دوافع تأليف الإمام لمذهبه الجديد في الفقه الشافعي حيث كان قد كتب مذهبه القديم هناك بالعراق قبل مجيئه إلى مصر .

وكان الشافعى إذا أقعده المرض عن زيارتها أرسل بعض أصحابه إليها يسألها الدعاء فتدعو له بالشفاء.

وفى المرض الأخير الذى توفى فيه أرسل إليها كعادته فقالت لمن جاءها: أحسن الله لقاءه ومتعه بالنظر إلى وجهه الكريم.. فعلم الشافعى أنها النهاية!

ولما توفى رضى الله عنه حملت جنازته إلى بيت السيدة نفيسة فصلت عليه وقالت: رحم الله الشافعى إنه كان يحسن الوضوء!

وهكذا ظلت السيدة نفيسة رضي الله عنها بمصر تعلم الناس وترشدهم آخذة بأيديهم نحو خيري الدنيا والآخرة فلم تك منعزلة في خلوة دائمة بل كانت حياتها مقسمة بين العبادة والقيام بقضاء حوائج الناس فكانت قبلة للأرواح المتعطشة ولعوام الناس وخاصتهم فلم تتراجع عن دورها المجتمعي ولم تأخذها الدنيا عن عبادة خالقها فكانت حياتها دنيا ودين فظلت ناصحة للجميع حتى أنها استوقفت حاكم البلاد «أحمد بن طولون» وانزلته من فوق جواده بين حاشيته وحرسهحين مر موكبه أمام خلوتها موجهة له النصيحة بكلماتها المدوية فكانت المواجهة والانحياز إلى البسطاء والعوام من الناس.

وتدور الأيام دورتها وتنتقل السيدة نفيسة رضي الله عنها إلى الرفيق الأعلى فاجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث إمتلأت الفلوات والقبعات، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة .

وقبيل دفنها أراد زوجهااسحاق المؤتمننقلها  إلى المدينة ودفنها في البقيع فسأله أهل مصر تركها عندهم للتبرك وبذلوا له مالًا كثيرًا فلم يرض بذلك!

وحين نام من ليلته رأى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: «يا إسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها».

مما وقع لي انا كاتب هذه السطور من احوال روحانيه مع السيده نفيسه رضي الله عنها انني كنت انتدبت منذ سنوات ليست بالبعيدة لكتابة مقالات عن أهل البيت لمجلة «التصوف الإسلامي» وكان عنوان المقال القادم عن السيده نفيسه رضي الله عنها بمناسبه الاحتفال بذكرى مولدها...

وحقيقه لم يكن لدي كتابا يتحدث عن السيده نفيسه  باستفاضه وحدث أن حضرت مولدها المبارك وكنت مشغولا بكيفية الكتابة عنها وكيف أبدأ مقالي وكيف انتهي؟ 

وفي ليلة مولدها الختاميه وكان المقام مزدحما بالزوار زحاما شديدا وفي داخل المقام وكان الجو شديد الحراره حتى كاد أن يغرق العرق وجهي!

 واذا بي أجد أحد باعة الكتب يعرض علي شراء كتابا فلم التفت اليه لازدحام المكان وحرارة الجو!

فأعاد علي الأمر ثانية وثالثة حتى كدت أن أضيق منه وهو يشدني من كتفي بقوة...

فحين هممت بالالتفات غاضبا إذا به يعطيني الكتاب بوجهه المبتسم مقررا لي هذا كتاب عن السيده نفيسة وهو لك بلا مقابل!

فذهب مني الغضب وامسكت بالكتاب وتذكرت مقالي القادم عن صاحبة الذكرى!

وخرجت من المكان إلى صحن المسجد وجعلت أبحث عن بائع الكتب الذي اختفى في زحمة الزائرين ولم يعد له أثر....!

أخرجت القلم ووريقاتي من حقيبتي ولم أفق إلا بعدما انتهيت من كتابة المقال الكبير وقصة المقال والكتاب وبائع الكتب لاتغيب عن عقلي الباطن وروحانية صاحبة المقام تلاحقني وحبها يزاحم أفكاري ومشاعري.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أهل البيت رضی الله عنها السیدة نفیسة أهل البیت أهل مصر إلى مصر

إقرأ أيضاً:

سبب تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس في القرآن الكريم

 سيدنا جبريل.. أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر  صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، جاء مضمونه كالتالي: لماذا سُمِّي سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس؟ وذلك كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [النحل: 102].

تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس

وأوضحت دار الإفتاء في إجابتها أن سبب تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس، هو أنه خُلِق بتكوين الله له روحًا من عنده من غير ولادة والد؛ كما سُمي سيدنا عيسى ابن مريم روحًا للسبب ذاته، وفي ذلك تشريف وتكريم له من الله تعالى، وبيانًا لعلو مرتبته، وأيضًا لأنه ممَّا يحيى الله تعالى به الدين، كما يحيي الجسد بالروح.

قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 322): [وإنما سمى الله تعالى جبريل "روحًا" وأضافه إلى "القدس"؛ لأنه كان بتكوين الله له روحًا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك "روحًا"، وأضافه إلى "القدس" -و"القدس" هو الطهر- كما سمى عيسى ابن مريم "روحًا" لله من أجل تكوينه له روحًا من عنده من غير ولادة والد ولده] اهـ.

وقال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (3/ 596، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإنما سمي بذلك لوجوه:

الأول: أن المراد من روح القدس: الروح المقدسة؛ كما يقال: حاتم الجود، ورجل صدق؛ فوصف جبريل بذلك تشريفًا له وبيانًا لعلو مرتبته عند الله تعالى.

الثاني: سُمِّي جبريل عليه السلام بذلك لأنه يحيا به الدين كما يحيا البدن بالروح؛ فإنه هو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء، والمكلفون في ذلك يحيون في دينهم.

الثالث: أن الغالب عليه الروحانية، وكذلك سائر الملائكة، غير أن روحانيته أتم وأكمل.

الرابع: سُمِّي جبريل عليه السلام روحًا؛ لأنه ما ضمته أصلاب الفحول وأرحام الأمهات] اهـ.

وقال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (3/ 130): [وإنّما سُمِّي جبريل رُوحًا؛ لأنه بمنزلة الأرواح للأبدان تحيا بما يأتي من البيان عن الله عزَّ وجلَّ من يُهدَى به، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيۡتًا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ﴾، أي: كان كافرًا فهديناه] اهـ.
 

وفي سياق منفصل، حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "نعمة الأمن"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بأهمية الأمن في حياة الناس، واستلهام الدروس من الإسراء والمعراج، ونصها التالي:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الحَمْدُ للهِ غَافِرِ الذَّنْبِ، وَقَابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ العِقَابِ، ذِي الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ، الحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، نَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الهُدَى وَالرِّضَا وَالعَفَافَ وَالغِنَى، ونَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشْهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، النَّبِيُّ المُصْطَفَى الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ الأَمْنَ أَعْلَى قِيمَةٍ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ، وَنِعْمَةٌ عُظْمَى مِنَ الرَّبِّ الوَهَّابِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَإِذَا حَلَّ الأَمَانُ فِي وَطَنٍ كَانَ الاسْتِقْرَارُ وَالتَّقَدُّمُ وَالرُّقِيُّ، فَتُقَامُ الحَضَارَةُ، وَيُبْنَى الإِنْسَانُ، وَتُصَانُ الأَعْرَاضُ وَالمُمْتَلَكَاتُ، وَإِذَا غَابَ الأَمْنُ حَلَّ الدَّمَارُ وَالخَوْفُ وَالذُّعْرُ فِي الشَّوَارِعِ وَالبُيُوتِ وَالقُلُوبِ.

أَيُّهَا السَّادَةُ، لَقَدْ أَلَحَّ القُرْآنُ الكَرِيمُ عَلَى تَحْقِيقِ الأَمْنِ فِي كَافَّةِ مُفْرَدَاتِهِ وَأَبْعَادِهِ وَآلياتِ صِنَاعَاتِهِ، انْظُرُوا إِلَى الحَالِ  الإِبْرَاهِيمِيِّ وَهُوَ يُرَدِّدُ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا}، {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}، حَيثُ عَرَفَ قَلْبُ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ، فَدَعَا اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ أَنْ يَبْسُطَ فِي الأَرْضِ الأَمْنَ وَالأَمَانَ، فَكَانَ لِهَذِهِ الدَّعْوةِ الصَّادِقَةِ أَثَرٌ بَاقٍ، وَبَرَكَةٌ سَابِغَةٌ مُمْتَدَّةٌ عَبْرَ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}، {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُوا قَدْرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ فَانْظُرُوا إِلَى حَالِ مَنْ فَقَدَهَا، حَيْثُ لَا طَعَامَ يَطِيبُ، وَلَا شَرَابَ يَرْوِي، وَلَا قَلْبَ يَسْكُنُ وَيَطْمَئِنُّ، وَلَا تَرَى إِلَّا الدَّمَارَ وَالخَرَابَ، وَضَيَاعَ البِلَادِ وَالعِبَادِ، فَتُزْهَقُ الأَرْوَاحُ، وَتُسْفَكُ الدِّمَاءُ، وَتُنْهَبُ الأَمْوَالُ، ثُمَّ تَذَوَّقُوا مَعِيَ هَذَا البَيَانَ النَّبَوِيَّ المُعَظَّمَ «مَنْ عَاشَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».

وَيَا أَيُّهَا الشَّعْبُ المِصْرِيُّ أَبْشِرُوا وَاطْمَئِنُّوا، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ بِلَادَكُمْ أُمَّ البِلَادِ، وَغَوْثَ العِبَادِ، وَمَهْبِطَ الأَنْبِيَاءِ، وَمَوْطِنَ الأَوْلِيَاءِ، بِلَادُكُمْ مَحْفُوظَةٌ، مَجْبُورَةٌ مَنْصُورَةٌ، خَزَائِنُهَا هِيَ خَزَائِنُ الأَرْضِ، وَأَهْلُهَا فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، مِصْرُ هِيَ وَصِيَّةُ الجَنَابِ الأَنْوَرِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»، «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ بَعْدِي فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا؛ فَذَلِكَ الجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

أَيُّهَا المِصْرِيُّونَ، إِنَّ مِصْرَ هِيَ المَأْوَى وَالسَّنَدُ وَالغَوْثُ وَالمَدَدُ؛ مِصْرُ هِيَ بُشْرَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِهِ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ}، مِصْرُ هِيَ البَلَدُ الكَرِيمُ الَّذِي أَدْرَكَتْهُ بَرَكَاتُ الدَّعَوَاتِ الزَّيْنَبِيَّةِ «يَا أَهْلَ مِصْرَ، نَصَرْتُمُونَا نَصَرَكُمُ اللهُ، وَآوَيْتُمُونَا آوَاكُمُ اللهُ، وَأَعْنَتُمُونَا أَعَانَكُمُ اللهُ، جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا».

أَيُّهَا الكِرَامُ، اعْلَمُوا أَنَّ الأَمْنَ لَيْسَ حَدَثًا كَوْنِيًّا، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ إِنْسَانِيٌّ يُحَقِّقُ مَعْنَى شُكْرِ اللهِ عَلَى نِعْمَةِ الأَمْنِ، فَلْنَكُنْ مَصْدَرَ أَمْنٍ وَأَمَان يَفِيضُ عَلَى الدُّنْيَا، يَأْوِي إِلَيْهِ الحَيَارَى، وَيَتَمَسَّكُ بِهِ أَصْحَابُ البَلَايَا، إِغَاثَةً لِلْمَلْهُوفِينَ، وَتَفْرِيجًا لِكُرُبَاتِ المَكْرُوبِينَ، وَجَبْرًا لِخَوَاطِرِ الضُّعَفَاءِ وَالمَسَاكِين.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَمَا أَنْ تُشْرِقَ عَلَى الدُّنْيَا شَمْسُ ذِكْرَى الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ حَتَّى تَمْلَأَ قُلُوبَنَا قُوَّةً وَأَمَلًا، ذِكْرَى كَرِيمَةٌ قُدْسِيّةٌ مُبَارَكَةٌ تُخْرِجُ قُلُوبَنَا مِنْ فَلَكِ الأَحْزَانِ وَالأَتْرَاحِ إِلَى شُهُودِ سَعَةِ فَضْلِ اللهِ وَإِكْرَامِهِ وَجَبْرِهِ سُبْحَانَهُ {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

أَيُّهَا النَّبِيلُ، إِنَّ الإِسْرَاءَ وَالمِعْرَاجَ مِنْحَةٌ إِلَهِيَّةٌ تَبْعَثُ فِي وجْدَانِ أَهْلِ البَلَاءِ مَزِيدًا مِنَ الأَمَلِ، وَتُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ قَبَسًا مِنْ أَنْوَارِ السَّكِينَةِ، فَكُلُّ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَتَأَسَّى بِاليَدِ المُحَمَّدِيَّةِ المُسْتَجِيرَةِ بِرَبِّهَا يَوْمَ الطَّائِفِ مَصْحُوبًا بِقَلْبٍ وَسِعَ الأَرْضَ رَحْمَةً وَعَفْوًا، لِتَرَى مِنْ أَلْطَاف اللهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، وَكَيْفَ لَا وَقَدْ أَرَى الرَّبُّ الكَرِيمُ حَبِيبَهُ صَلَوَاتُ رَبّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ القُدْسِيَّةَ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى؟!
أَيُّهَا المُحِبُّ لِنَبِيِّكَ صَلَواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، تَحَقَّقْ بِبَرَكاتِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَحَقِّقْ مَا أَقَامَكَ اللهُ فِيهِ، وَتَحَمَّلْ عَقَبَاتِ الحَيَاةِ، وَلْيَكُنِ الصَّبْرُ دَيْدَنَكَ وَالرِّضَا عَنْ أَفْعَالِ رَبِّكَ مَنْهَجَكَ؛ يَرْفَع اللهُ قَدْرَكَ، وَيُعْلِي مَكَانَتَكَ، وَحَادِيكَ هَذَا الشرف النبوي «وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ».
تَحَقَّقْ أَيُّهَا النَّبِيلُ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ فَهُوَ أَعْلَى مَقَامٍ، وَتَوَاضَعْ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاكَ؛ يُوضَعْ لَكَ القَبُولُ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَرْتَقِ فِي مَعَارِجِ الشُّهُودِ وَالعِرْفَانِ، كَمَا ارْتَقَى نَبِيُّكَ السَّبْعَ الطِّبَاق، وَنَالَ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْهَا شَرَفَ الزِّيَارَةِ بَعْدَ طُولِ اشْتِيَاق.

أَيُّهَا الكَرِيمُ، إِنَّ شُهُودَ الجَبْرِ الإِلَهِيِّ حَاضِرٌ فِي رِحْلَةِ الإِسْرَاءِ وَالمِعرَاجِ، لِتَفْتَحَ لَكَ أَبْوَابَ الأَمَلِ فِي الشِّدَّةِ بَعْدَ الفَرَجِ، وَالعُسْرِ مَعَ اليُسرِ {فَإِنَّ مَعَ العُسْر يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا}.

اللَّهُمَّ ابْسُطْ فِي بِلَادِنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ 
وَانْثُر السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِ عِبَادِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ

مقالات مشابهة

  • أوشا فانس..السيدة الثانية في البيت الأبيض وأيقونة الحلم الأمريكي
  • بيان معنى الأمّية في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • سبب تسمية سيدنا جبريل عليه السلام بالروح القدس في القرآن الكريم
  • الله يعوض عليه
  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • حكم الحلف بغير الله والترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • شمس البارودي ترد على منتقدي فيديو لها مع حسن يوسف: قلوب يملؤها الغل
  • لماذا اختار الله شهر رجب الذي تصب فيه الرحمات لفرض الصلاة؟ علي جمعة يوضح
  • آفة المقارنات
  • مروج الرحيلي تتوعد بمقاضاة رهف القحطاني بتهمة تشويه سمعتها