لجريدة عمان:
2025-03-15@05:59:02 GMT

لماذا يكره المتأسلمون الفراعنة؟!

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

كلمة «الفراعنة» كلمة تُستخدَم عادةً في الأحاديث والمقالات المتداولة بشكل تعميمي غير دقيق، بل يجافي الحقيقة من حيث دلالته التي اقترنت به في أذهان العوام: فمن حيث المعنى نجد أن الكلمة مستمدة من كلمة Pharo بالإنجليزية، وهي كلمة مشتقة من كلمة «بر-عو» التي كانت تعني في عالم القدماء «الباب العالي» أو «الباب الكبير»؛ وبالتالي فإنها تشير إلى الشخص الحاكم الذي يجلس على كرسي الحكم في البيت أو القصر ذي الباب العالي؛ ومن ثم فإن كلمة «الفراعنة» يصح استخدامها للإشارة إلى الملوك الحكام في مصر القديمة.

وعلى هذا، فإن الكلمة لا تشير إلى شعب مصر القديم الذي يجب أن نطلق عليه اسم «المصريين القدماء» لا «الفراعنة»؛ وبالتالي لا ينبغي إطلاقها بشكل تعميمي بحيث تشمل المصريين القدماء. وحتى حينما ننظر إلى الكلمة من حيث دلالتها على الملوك الذين يحكمون البلاد والعباد، نجد أن الكلمة يُساء استخدامها؛ فقد اقترنت في أذهان العوام، وخاصة في أذهان المتأسلمين في زماننا هذا، بسمات سلبية تتمثل في الظلم والاستبداد والطغيان، وهذا خطأ جوهري عمل على ترسيخه في الأذهان الجماعات الدينية، وهذا ما سوف نحاول إيضاحه فيما يلي:

يتردد دائمًا على ألسنة الأفراد المنتمين إلى الجماعات الإسلامية ذم من يسمونهم الفراعنة حينما يريدون نقد السلطة الحاكمة المستبدة في كل زمان، فيشبهونها بحكم الفراعنة أو الملوك في عصر القدماء، باعتبار أن هذا الحكم هو مثال بارز على القهر والاستبداد. يتردد ذلك على ألسنة الأفراد العاديين مثلما يتردد على ألسنة الإعلاميين والسياسيين المنتمين لهذه الجماعات، فتراهم يرددون عبارات محفوظة عن ظلم الفرعون الحاكم واستبداده، بعضها مستمد من آيات القرآن الحكيم من قبيل: «فاستخف قومه، فأطاعوه»، وقول الفرعون لقومه «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». والمشكلة هنا أن هؤلاء يريدون تعميم هذا على كل فرعون أو حاكم في عصر القدماء، ناسين أو متناسين أن ذم القرآن ينصرف إلى فرعون بعينه وهو فرعون موسى الذي يعرف الجميع قصته مع موسى، وظلمه واستبداده الذي انتهى بأن جعله الله عبرة بإغراقه مع جنوده في البحر حينما كان يلاحق موسى وقومه للقضاء عليهم. ظُلم هذا الفرعون وقسوته واستبداده لا يسري إذن على كل فرعون، وإغفال ذلك هو أمر ينم عن جهالة؛ لأنه يتجاهل عظمة الحضارة المصرية القديمة التي يعترف بها كل العلماء من مختلف الملل والنحل في نوع من الإعجاب بقيم وأخلاقيات ونُظم هذه الحضارة التي أبدعت آثارًا شاهدة على منجزاتها الحضارية، ليس فقط في مجال العلوم كالفلك والرياضيات والطب، وإنما أيضًا في مجال الفن، فضلًا عن مجال الأخلاق والقيم الروحية. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد ما جاء من أقوال مدونة على لسان الفلاح الفصيح الذي كان ينتقد فرعون عصره نقدًا لاذعًا في مواجهته، ومدى احترام هذه الحضارة لقيمة العدالة حتى إنها خصصت لها آلهة هي «ماعت»، ومدى احترامها لقيمة إنماء الحياة، بل إيمانها العميق بالخلود والحساب والعقاب بعد مفارقة الحياة الدنيا إلى الحياة الأخروية. كل هذا يتجاهله المتأسلمون الجدد، رغم أنه أمر قد احتفى به كبار المفكرين في الغرب، بل احتفى به مفكرينا في كتاباتهم، وكأنهم لم يسمعوا عن موسوعة سليم حسن عن هذه الحضارة، ولم يقرأوا كتابات الدكتور وسيم السيسي التي عملت على تبسيط قيمة ما أنجزه هؤلاء القدماء للكافة، بل لم يسمعوا عن الكتاب الشهير لجيمس هنري برستيد عن هذه الحضارة بعنوان «فجر الضمير»، والذي برهن فيه على أن ضمير الإنسانية قد تشكل في مصر منذ خمسة آلاف عام قبل الميلاد. ومن ثم، فلا حجة لهؤلاء فيما يذهبون إليه، وفي تعبيرهم الدائم عن كراهيتهم للفراعنة.

وعلى هذا، فإننا نرى أن موقف المتأسلمين المعادين للحضارة المصرية القديمة واختزالها في صورة «فرعون موسى»، هو موقف لا يمكن أن يكون صادرًا عن جهالة وحسب، وإنما أيضًا عن غرضية مدفوعة بالتوجهات والتصورات الأيديولوجية للجماعات التي ينتمون إليها، وهي توجهات تصيبهم بحالة من العماء التي تجعلهم ينصرفون عن الحقيقة الجلية، ويريدون للناس أن ينصرفوا عنها في الوقت ذلك.

مكمن الخطورة في موقف الجماعات الدينية المتأسلمة هو أنها تروِّج في كل مكان لصورة سلبية مغلوطة عن الفراعنة والمصريين القدماء، وهي صورة يتأثر بها البسطاء من الناس، وتشوش أفكارهم: فالحقيقة أن من لا يؤمن بالوطن لا يؤمن بالهوية ولا بالتاريخ الذي يصنعه البشر. كما أن الحضارة لا يمكن تصور قيامها بمنأى عن منظومة من القيم الروحية والأخلاقية، كما أكد على ذلك فلاسفة التاريخ العظام من أمثال اشبنجلر وتوينبي، مثلما أكدوا في الوقت ذاته على أن افتقار الحضارة الغربية المعاصرة لتلك المنظومة هو ما يشكل تهديدًا وجوديًّا لها وينذر بأفولها.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحضارة

إقرأ أيضاً:

لماذا أنا هنا؟

الإنسان في هذا الكون ليس مجرد شخص يأكل ويتكاثر، ثم يؤول إلى الزوال، ولا عددًا إحصائيًا في أرشيف الحياة، بل هي رحلة تمتد من لحظة الميلاد المختلطة بالصرخات والضحكات إلى آخر ثانية يغادر فيها هذا العالم المليء بالأسئلة الوجودية، وأهم هذه الأسئلة هو: «لماذا أنا هنا؟».

في كتاب «الإنسان والبحث عن المعنى» للكاتب فيكتور فرانكل، وهو أحد مؤسسي العلاج بالمعنى، يبحر فرانكل في عباب النفس البشرية، ويحدثنا عن تجربته كسجين في معسكرات الاعتقال النازية إبان الحرب العالمية الثانية، والتي من خلالها تجلت له قيمة المعنى في هذه الحياة، فهو لم يكتب سيرة سجين في أحد سجون العالم البشع، بل كتب لنا معنى للسعادة حتى في أشد وأقسى اللحظات المؤلمة التي تمر على الإنسان.

حين يُزجّ بشخص في أقذر سجون العالم بلا جرم أو خطيئة، يكون أمام خيارين: هل يتمسك بإنسانيّته أم يتحول إلى مسخ لا تهمه إلا غريزة البقاء؟

في الفصل الأول من كتاب «الإنسان والبحث عن معنى»، يسرد فرانكل تجربته في أقذر معسكرات النازية «أوشفيتز» -وهو عبارة عن 40 معسكر اعتقال وإبادة جماعية - ليس بصفته مؤرخًا لأقسى السجون، بل طبيبًا وجد نفسه فأر تجارب ومعالجًا نفسيًا في الوقت ذاته.

يذكر فرانكل تفاصيل المشهد الأول حين اصطف في طابور طويل مجردًا من اسمه وكرامته وشرفه، حيث تنقسم الحياة إلى قسمين: البقاء أو الفناء، فهنا يتجلى لفرانكل أهم سؤال يجعله صامدًا إلى آخر لحظة له في هذا المعتقل، وهو: «ما الذي يجعل الإنسان يصمد حين تُسلب منه كل أسباب الحياة؟».

بعد ذلك لاحظ فرانكل أن أكثر الناس صمودًا في وجه هؤلاء السجانين القساة ليسوا الأقوى جسديًا، بل أولئك الذين يجدون معنى في الألم، أي كرجل يتذكر زوجته في اللحظات القاسية، فيضيء الحنين داخله شعلة تقاوم الانطفاء، وآخر يستعيد قصيدة أحبها، فيجد فيها ملاذًا يقيه وحشية الحاضر، وثالث يزرع في داخله أملًا صغيرًا بأنه سيخرج يومًا ليحكي ما حدث، فيكتسب الألم عنده قيمة الحكاية. وكما يقول أرسطو: «إن الغاية من وجود الإنسان هي تحقيق السعادة»، بمعنى أن السعادة تحتاج إلى تحقيق، والتحقيق يحتاج إلى رحلة تمتزج بها بعض المشقات التي تصادف الإنسان دون سابق معرفة، أو كما يقول نيتشه: «من الفائدة أن نعيش نكسات حقيقية في حياتنا لكي نشعر بطعم السعادة». فالسعادة مرتبطة تمامًا بالألم، وبدون ألم وتعب ومشقة، لا وجود للسعادة، ولكي يتكيف الإنسان مع الألم لا بد أن يكون هناك معنى يقوده إلى السعادة.

ويشير فرانكل بعد ذلك إلى مرحلة جديدة يمر بها الإنسان في هذا السجن البشع، وهي مرحلة التبلد العاطفي، أي إن الإنسان بعد تعرضه للكثير من الإهانة والتجويع المستمر، يظهر لديه نوع من التخدير النفسي الذي يجعله لا يبالي بأي نوع من مشاهد التعذيب والصراخ وكأنها جزء من ضجيج لا يعنيه. فهذا التبلد ليس قسوة فطرية، بل وسيلة دفاع تحمي النفس من الانهيار التام.

ويلاحظ فرانكل أن السجناء الذين نجوا نفسيًا ــ حتى لو لم ينجوا جسديًا ــ كانوا أولئك الذين استطاعوا أن يخلقوا لأنفسهم معنىً شخصيًا في التجربة، فمنهم من رأى في المعاناة فرصة لاختبار صبره، ومنهم من تخيل أنه سيقف يومًا أمام طلابه ليحدثهم عن تلك الأيام السوداء، ومنهم من تمسك بصورة الحبيب الغائب كأنها حبل نجاة وحيد. ويقول فرانكل إن المعتقل مدرسة قاسية، يتعلم فيها الإنسان طريقة يبحث فيها عن معنى يمنحه البقاء.

بعدها يضع فرانكل حجر الأساس لأهم فكرة في فلسفته الوجودية، وهي: «بين ما يحدث لك، وبين رد فعلك، هناك مساحة صغيرة، في هذه المساحة تكمن حريتك وكرامتك الإنسانية»، بمعنى أن السجناء أصبحوا أرقى من السجانين الذين يصرخون ويضربون بلا سبب، فهم بنظر فرانكل مجرد هراوات عمياء لا تبصر الحقيقة، بينما السجين الذي يختار أن يمنح قطعة خبزه الأخيرة لصديقه، أو الذي يبتسم رغم البرد والظلم، كان يمارس أرقى درجات الحرية الإنسانية.

وكما يعيد فرانكل تعريف البطولة فيقول: «ليست البطولة هي القوة الجسدية، ولا القدرة على تحدي الألم بصلابة، بل على العكس، البطولة هي اختيار موقفك الداخلي، حتى وأنت عاجز عن تغيير الخارج». وهنا إسقاط للمهاتما غاندي: «البطولة أن تواجه الظلم بلا عنف».

ومن أهم المفاهيم لدى فيكتور فرانكل هو «إرادة المعنى»، وهي أن الإنسان في هذا العالم يبحث عن معنى أعمق لوجوده، وأن وجوده في هذا العالم ليس مجرد مصادفة بلا معنى. كان فرانكل يعارض أفكار بعض الفلاسفة وعلماء النفس الذين قالوا إن الدافع الأساسي للإنسان هو السعي وراء المتعة (كما قال فرويد)، أو السعي وراء القوة والسيطرة (كما قال آدلر). أما بالنسبة لفرانكل، فالإنسان يمكنه تحمل الألم والجوع والمآسي، إذا عرف لماذا يتحملها.

إرادة المعنى عند فرانكل هي قوة داخلية تدفع الإنسان للبحث عن هذا الهدف الشخصي العميق، حتى لو كان في أحلك الظروف. فمثلًا، قد يكون المعنى أن تحب شخصًا عزيزًا، أو الوفاء لقضية أو رسالة، أو تحقيق حلم، أو حتى إيجاد قيمة داخل الألم نفسه.

وأشار فرانكل في الكتاب إلى سؤالين وجوديين، وهما: ما معنى الحياة؟ وما جوهر الوجود؟ ومن خلال إجابته عن هذين السؤالين، يقول إن معنى الحياة يتغير من موقف إلى موقف، ويصنعه الإنسان من خلال تجربته الفريدة واختياراته. أما جوهر الوجود فهو ثابت لا يتغير، وهو نابع من كون الإنسان كائنًا حرًا يملك حق تحديد موقفه الداخلي حتى في أسوأ الظروف.

ومن ضمن الأسئلة العميقة لدى فرانكل في تجربته المؤلمة، يدرج لنا معنى في الحب ومعنى في المعاناة، إذ يذكر أنه في أحلك وأصعب الليالي في المعتقل، كان دائمًا ما يتأمل وجه زوجته الغائبة «تيللي»، وكان يشعر أن هذا التأمل يعيد له الحياة. أما عن معنى المعاناة، فهو يشرح كيفية القدرة على تحويل الألم الشخصي إلى تجربة ذات معنى، واستخدامها لإثبات أن الإنسان أقوى من الظروف.

ومن جماليات المعنى لدى الكاتب، يضع لنا بلسمًا عن زوال الحياة، وهو أن كل لحظة في حياة الإنسان زائلة بطبيعتها، فلو كانت الحياة أبدية لما كان لها معنى خاص، أي أن قيمة اللحظة تأتي من كونها عابرة، ومن كونها فرصة لن تتكرر بنفس الشكل، وكل لحظة نعيشها، مهما كانت عابرة، تظل منقوشة في نسيج الزمن. وكل موقف تحملناه بشجاعة، وكل كلمة حب قلناها، وكل تضحية قدمناها، تبقى جزءًا من قصتنا الشخصية، والمعنى الذي نمنحه لها يبقى خالدًا للأبد.

مرت السنوات على فرانكل في المعتقل قاسية جدًا، لكنها مزهرة بالمعنى، إلى أن أتى عام 1945، حيث حررت قوات الحلفاء كل السجناء في المعتقلات النازية. عندما خرج، لم يكن فرانكل مجرد ناجٍ يبحث عن حياة جديدة، بل كان رجلًا ولد من جديد بفلسفة كاملة. كان قد فقد زوجته تيللي ووالديه وأغلب أفراد أسرته في المحرقة، لكنه خرج مقتنعًا أن المعاناة التي عاشها ليست عبثًا، بل درسًا وجوديًا عميقًا. بعدها، عاد إلى فيينا وحيدًا، وبدأ بناء حياته الشخصية من جديد بعد فقد أسرته بالكامل، وقام بتأسيس مدرسة العلاج بالمعنى أو اللوجوثيرابي، وأساس هذا العلاج هو أن الإنسان قادر على تحمل أي شيء إذا وجد معنى لحياته ومعاناته.

وصارت فلسفته مزيجًا بين التحليل النفسي والتأمل الفلسفي العميق في معنى الحياة، والحياة التي عاشها ليست عبثًا، بل درسًا وجوديًا عميقًا، بعدها عاد إلى فيينا وحيدًا، وبدأ بناء حياته الشخصية من جديد بعد فقد أسرته بالكامل، وقام بتأسيس مدرسة العلاج بالمعنى أو اللوجوثيرابي، وأساس هذا العلاج هو إن الإنسان قادر على تحمل أي شيء إذا وجد معنى لحياته ومعاناته.

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية أمريكا: سفير جنوب إفريقيا يكره ترامب ولم نعد نرحب به في بلادنا
  • توتر متصاعد.. أمريكا تطرد سفير جنوب أفريقيا: "يكره ترامب"
  • أستاذة مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق لـ "البوابة نيوز": الحضارة الإسلامية قدمت نموذجًا مبكرًا لاحترام التعددية الثقافية.. ورمضان فرصة للتقارب والتسامح
  • لماذا كان استئناف حظر الملاحة الإسرائيلية ضرورة؟
  • متحف الحضارة يستقبل وزراء ومسئولين من المشاركين في القمة العربية
  • الشرقية تكرم أسر شهداء القوات المسلحة ومصابي العمليات الحربية بقصر ثقافة الزقازيق
  • محافظ الشرقية يشهد احتفالية تكريم أسر شهداء القوات المسلحة ومصابي العمليات الحربية
  • 21 مارس موعد مباراة الفراعنة وإثيوبيا بالتصفيات المؤهلة للمونديال
  • تعرف على موعد انضمام محمد صلاح لمعسكر الفراعنة
  • لماذا أنا هنا؟