لماذا يكره المتأسلمون الفراعنة؟!
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
كلمة «الفراعنة» كلمة تُستخدَم عادةً في الأحاديث والمقالات المتداولة بشكل تعميمي غير دقيق، بل يجافي الحقيقة من حيث دلالته التي اقترنت به في أذهان العوام: فمن حيث المعنى نجد أن الكلمة مستمدة من كلمة Pharo بالإنجليزية، وهي كلمة مشتقة من كلمة «بر-عو» التي كانت تعني في عالم القدماء «الباب العالي» أو «الباب الكبير»؛ وبالتالي فإنها تشير إلى الشخص الحاكم الذي يجلس على كرسي الحكم في البيت أو القصر ذي الباب العالي؛ ومن ثم فإن كلمة «الفراعنة» يصح استخدامها للإشارة إلى الملوك الحكام في مصر القديمة.
يتردد دائمًا على ألسنة الأفراد المنتمين إلى الجماعات الإسلامية ذم من يسمونهم الفراعنة حينما يريدون نقد السلطة الحاكمة المستبدة في كل زمان، فيشبهونها بحكم الفراعنة أو الملوك في عصر القدماء، باعتبار أن هذا الحكم هو مثال بارز على القهر والاستبداد. يتردد ذلك على ألسنة الأفراد العاديين مثلما يتردد على ألسنة الإعلاميين والسياسيين المنتمين لهذه الجماعات، فتراهم يرددون عبارات محفوظة عن ظلم الفرعون الحاكم واستبداده، بعضها مستمد من آيات القرآن الحكيم من قبيل: «فاستخف قومه، فأطاعوه»، وقول الفرعون لقومه «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». والمشكلة هنا أن هؤلاء يريدون تعميم هذا على كل فرعون أو حاكم في عصر القدماء، ناسين أو متناسين أن ذم القرآن ينصرف إلى فرعون بعينه وهو فرعون موسى الذي يعرف الجميع قصته مع موسى، وظلمه واستبداده الذي انتهى بأن جعله الله عبرة بإغراقه مع جنوده في البحر حينما كان يلاحق موسى وقومه للقضاء عليهم. ظُلم هذا الفرعون وقسوته واستبداده لا يسري إذن على كل فرعون، وإغفال ذلك هو أمر ينم عن جهالة؛ لأنه يتجاهل عظمة الحضارة المصرية القديمة التي يعترف بها كل العلماء من مختلف الملل والنحل في نوع من الإعجاب بقيم وأخلاقيات ونُظم هذه الحضارة التي أبدعت آثارًا شاهدة على منجزاتها الحضارية، ليس فقط في مجال العلوم كالفلك والرياضيات والطب، وإنما أيضًا في مجال الفن، فضلًا عن مجال الأخلاق والقيم الروحية. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد ما جاء من أقوال مدونة على لسان الفلاح الفصيح الذي كان ينتقد فرعون عصره نقدًا لاذعًا في مواجهته، ومدى احترام هذه الحضارة لقيمة العدالة حتى إنها خصصت لها آلهة هي «ماعت»، ومدى احترامها لقيمة إنماء الحياة، بل إيمانها العميق بالخلود والحساب والعقاب بعد مفارقة الحياة الدنيا إلى الحياة الأخروية. كل هذا يتجاهله المتأسلمون الجدد، رغم أنه أمر قد احتفى به كبار المفكرين في الغرب، بل احتفى به مفكرينا في كتاباتهم، وكأنهم لم يسمعوا عن موسوعة سليم حسن عن هذه الحضارة، ولم يقرأوا كتابات الدكتور وسيم السيسي التي عملت على تبسيط قيمة ما أنجزه هؤلاء القدماء للكافة، بل لم يسمعوا عن الكتاب الشهير لجيمس هنري برستيد عن هذه الحضارة بعنوان «فجر الضمير»، والذي برهن فيه على أن ضمير الإنسانية قد تشكل في مصر منذ خمسة آلاف عام قبل الميلاد. ومن ثم، فلا حجة لهؤلاء فيما يذهبون إليه، وفي تعبيرهم الدائم عن كراهيتهم للفراعنة.
وعلى هذا، فإننا نرى أن موقف المتأسلمين المعادين للحضارة المصرية القديمة واختزالها في صورة «فرعون موسى»، هو موقف لا يمكن أن يكون صادرًا عن جهالة وحسب، وإنما أيضًا عن غرضية مدفوعة بالتوجهات والتصورات الأيديولوجية للجماعات التي ينتمون إليها، وهي توجهات تصيبهم بحالة من العماء التي تجعلهم ينصرفون عن الحقيقة الجلية، ويريدون للناس أن ينصرفوا عنها في الوقت ذلك.
مكمن الخطورة في موقف الجماعات الدينية المتأسلمة هو أنها تروِّج في كل مكان لصورة سلبية مغلوطة عن الفراعنة والمصريين القدماء، وهي صورة يتأثر بها البسطاء من الناس، وتشوش أفكارهم: فالحقيقة أن من لا يؤمن بالوطن لا يؤمن بالهوية ولا بالتاريخ الذي يصنعه البشر. كما أن الحضارة لا يمكن تصور قيامها بمنأى عن منظومة من القيم الروحية والأخلاقية، كما أكد على ذلك فلاسفة التاريخ العظام من أمثال اشبنجلر وتوينبي، مثلما أكدوا في الوقت ذاته على أن افتقار الحضارة الغربية المعاصرة لتلك المنظومة هو ما يشكل تهديدًا وجوديًّا لها وينذر بأفولها.
د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الحضارة
إقرأ أيضاً:
البحر الأسود.. كلمة السر في استمرار القتال بين روسيا وأوكرانيا
ربما يكون الجانب البحري للحرب في أوكرانيا الأقل بروزاً، حيث أن معظم القتال يدور على الأرض. ومع ذلك فمنذ الساعات الأولى للصراع، هناك قتال شرس من أجل بسط السيطرة على البحر الأسود، المسطح المائي الكبير جنوب أوكرانيا وروسيا.
تدهور القدرات الروسيةوقال ستافروس أتلاماز أوغلو الصحافي العسكري المتمرس المتخصص في العمليات الخاصة، والمحارب القديم بالجيش اليوناني والحاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية المتقدمة من جامعة جونز هوبكنز في تقرير نشرته مجلة ناشونال انترست الأمريكية ، إنه رغم الدفع بأسطول بحري أكبر كثيراً ، اضطرت البحرية الروسية على التقهقر ، حيث فقدت عشرات السفن الحربية وسفن الإسناد في العمليات. ومما جعل الأمور أسوأ بالنسبة للكرملين، أن أوكرانيا لا تملك اسطولاً سطحياً كبيراً .
وقالت وزارة الدفاع البريطانية في تقرير التقييم الأحدث لاستخباراتها بشأن الصراع الأوكراني " قبل غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، اعتبرت القيادة الروسية على نحو شبه مؤكد أن القوات البحرية لروسيا الاتحادية وأسطول البحر الأسود مكونات أساسية لقوتها البحرية".
غير أنه بعد ثلاث سنوات ، تدهورت بشكل خطير قدرات البحرية الروسية بصفة خاصة في البحر الأسود ، و تسببت عمليات الجيش والاستخبارات الأوكرانية في تقييد حركتها على العمل.
وتتفوق البحرية الروسية من ناحية العدد على عدوتها الأوكرانية . وفي الحقيقة ، لدى القوات البحرية لكييف عدد صغير من السفن الكبيرة وسفن الدفاع عن السواحل.
وأضاف أتلاماز أوغلو أنه رغم توجيه ضربات خطيرة للقوات البحرية الروسية ، لم تتمكن أوكرانيا من السيطرة بثقة على البحار. وكبد الأوكرانيون روسيا خسائر فادحة من خلال استخدام صواريخ طويلة المدى وطائرات مسيرة.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية "ومع ذلك دمرت القوات الأوكرانية أو ألحقت أضرارا بما لا يقل عن 24 سفينة من السفن الروسية العاملة في البحر الأسود منذ 24فبراير/شباط 2022 . ويشمل ذلك ، إغراق سفينة قيادة أسطول البحر الأسود ، الطراد موسكفا من طراز سلافا الذي كان قد تم وصفه في السابق بأنه منصة الدفاع الجوي الأكثر تطوراً".
وتابع أتلاماز أوغلو أن إغراق الطراد موسكفا كان بمثابة صدمة للكثير من المراقبين الأجانب .وحدث الإغراق في 14 أبريل (نيسان) 2022 بعد مرور أسابيع قليلة على انطلاق الغزو واسع النطاق لأوكرانيا .
وأشار إلى أنه بالإضافة إلى القيمة العملياتية لإغراق سفينة سطح قتالية رئيسية للعدو ، فإن إغراق سفينة القيادة الروسية أعطى دفعة معنوية للأوكرانيين ، وقد يعتقدون الآن أن بإمكانهم تحقيق النصر على روسيا. وعلاوة على ذلك ، كان إغراق الطراد بمثابة نقطة تجمع إضافية للمساعدات الأمنية الدولية لأوكرانيا.
وأضافت وزارة الدفاع البريطانية "إنه نتيجة لذلك ، اضطر اسطول البحر الأسود الروسي لتحريك كل أصوله الرئيسية من قاعدته التاريخية في سيفاستوبول إلى نوفوروسيسك في شرق البحر الأسود. واضطرت الوحدات الروسية التي تعمل في المنطقة إلى تكييف تكتيكاتها على ضوء ذلك وتغيير البحار التي تعمل فيها".
بعد مشادة البيت الأبيض.. #لندن تنظم قمة طارئة للرد على ترامب https://t.co/eKy0prYp8x
— 24.ae (@20fourMedia) March 2, 2025 هجمات طويلة المدىواختتمت وزارة الدفاع البريطانية تحديثها الاستخباراتي بالقول " إنه رغم أن تحركات اسطول البحر الأسود الروسي قاصرة على شرق البحر الأسود ، فإنه يحتفظ بالقدرة على شن هجمات طويلة المدى داخل أوكرانيا لإسناد العمليات البرية ".
ويستخدم اسطول البحر الأسود الروسي في المقام الأول غواصات لدعم حملة إطلاق النار طويلة المدى ضد أوكرانيا . ورغم أن الجيش الأوكراني ليست لديه قدرات كافية للتصدى للغواصات الروسية في البحر ، فإنه توصل إلى وسائل أخرى.
وعلى سبيل المثال، تلاحق أجهزة الاستخبارات الأوكرانية ضباط الغواصات الروس الذين شاركوا في شن هجمات طويلة المدى ضد أهداف مدنية . وتم قتل أحد أفراد أطقم الغواصات بينما كان يمارس رياضة الركض في الصباح.
واختتم أتلاماز أوغلو تقريره بالقول إنه علاوة على ذلك ، يستهدف الجيش الأوكراني حظائر الغواصات ، حيث تمكن من تدمير الغواصة روستوف -أون - دون بينما كانت تخضع لأعمال الصيانة.