لجريدة عمان:
2025-04-17@14:07:03 GMT

الابتكار بعدسة «القيادة الكاريزمية»

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

عندما تنجح الشركات الريادية فإن الأنظار تتجه أولًا نحو قيادة المؤسسة كونها أساس صناعة هذا النجاح، ولكن تختلف الصورة مع الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية، فالانطباع النمطي الذي يتشكل في الأذهان يتمحور حول النجاح التشاركي لمجموعة الباحثين والمبتكرين الذين عملوا على نقل الفكرة من طاولة التطوير إلى منصات التسويق، فالابتكار هو عملية تشاركية في المقام الأول وينطوي على مدخلات عدة، ولا يلتفت الكثيرون إلى حقيقة أن الشركات العلمية بحاجة أيضًا إلى القيادة المتمكنة مثل أية مؤسسة تجارية، وأن أنماط القيادة العلمية لها تأثيرها الجذري على مخرجات الابتكار، فهل للقيادة الكاريزمية دور في سياق الاعتبارات الإستراتيجية للابتكار التكنولوجي؟

إذا عدنا بالزمن للوراء، سنجد بأن المؤرخ آرثر شليزنجر هو من أدخل مفهوم «الكاريزما» أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد ارتبطت في نشأتها بالبطولة العسكرية، ثم تطورت لتشمل مختلف درجات الجاذبية الشخصية والتميز، وبعد الدراسات المستفيضة تمكنت الدوائر العلمية والبحثية من إثبات أن «الكاريزما» مكونٌ أساسي لشخصية القيادة في جميع المجالات، وغالبًا ما تنعكس في الممارسات التنظيمية وتؤدي إلى نتائج ناجحة؛ إذ يميل القادة المرتبطون بمثل هذا الأسلوب القيادي إلى إلهام فرق العمل من خلال ترسيخ الثقة بالنفس، والانضباط، والتواصل الواضح، وتعزيز الشعور بالهدف والرؤية المشتركة، ولكن القيادة الكاريزمية لم تعبر محيط الأعمال التجارية إلى المؤسسات البحثية والابتكارية إلا مؤخرًا، وهذا ما جعل من موضوع الترابط بين أنماط القيادة وجودة مخرجات الابتكار موضوعًا مهمًا ومحوريًا في الوقت الراهن، ويعكف الباحثون والمفكرون على دراسة تأثيرات هذا النمط من القيادة لتعزيز فعالية الاستثمار في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار، وتتفق الأدبيات بالإجماع على أن التأثير الإيجابي للكاريزما على مستوى القيادة التنفيذية يأتي من خلال تعزيز البيئة الداخلية للأداء، وتوجيه الجهود نحو أهداف وغايات أعلى من مجرد إنجاز المهام المطلوبة، مما يؤدي إلى تحفيز فرق العمل بشكل جوهري لتبني مجموعة من السلوكيات المبتكرة التي تساعد في مجملها في رفع الأداء الكلي على مستويات الابتكار والإبداع.

ففي المشهد التنافسي الذي تعمل فيه الشركات العلمية والمراكز البحثية والابتكارية، لم يعد الابتكار يشكل عاملًا مهمًا في تحقيق الميزة التنافسية وحسب، ولكنه أصبح من أهم الأدوات الداعمة للمؤسسات التي تطمح إلى النمو والتوسع في مجالات أخرى بجانب ابتكاراتها الأساسية، ومن منظور آخر أصبح متخذو القرار وواضعو السياسات والممارسون أكثر ميلًا لاستخدام الابتكار باعتباره منطلقا لانتهاج مسارات عمل جديدة، أو مواكبة للتطورات والمستجدات، وتسريع أجندات التغيير المؤسسي، وجميع هذه الأدوار الوظيفية للابتكار بحاجة ماسة إلى القيادة الكاريزمية المعتمدة ثقافيًا على قيم الإلهام والانتماء للفريق، والقدرة على التعبير عن الأفكار والإقناع، والمشاركة في صنع القرار، وهذا التأثير المتنوع للقيادة الكاريزمية هو أساس الحجج النظرية المتعلقة بأهمية الكاريزما في مجال القيادة التنفيذية في الشركات العلمية، فإذا كانت الكاريزما محورية لنجاح الشركات الريادية في العموم، فإن دورها لا يقل أهمية في عالم شركات الابتكار التكنولوجي التي تواجه تحديات تسارع موجات الثورات التقنية والتطورات العلمية المتلاحقة.

ومع أهمية القيادة الكاريزمية في الابتكارات العلمية والتكنولوجية تظهر الحاجة إلى بناء واستقطاب المواهب العلمية ذات الكاريزما، فإدارة وقيادة الابتكار في تصورها المحض تتضمن التعامل الذكي مع درجات عالية من عدم اليقين والمخاطرة واحتمالات الفشل، وهي عملية معقدة وصعبة للغاية، إذ تعتمد على وضع الرؤية الإستراتيجية بطموح وعقلانية معًا، ثم ترجمتها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، وأثر اجتماعي يبرر الاستثمار في الجهود البحثية والتطويرية، وفي الوقت ذاته تقع على القيادة العلمية مسؤولية تهيئة الأوساط الداعمة لتوليد وتدفق الأفكار الجديدة وتبنيها، والتحلي بالصبر في تطويرها، والاستعداد للتعلم من المحاولات التي لم تنجح، وهذا يعني في الأساس أن القادة في عالم الابتكار بحاجة إلى قدرات ومهارات إضافية لإدارة المسارات المتضاربة للإبداع العلمي، ففي حالات معينة يجب على القيادة أن تشجع مهارات الفضول العلمي والإلحاح، وفي حالات أخرى يكون من الحكمة اتخاذ قرار الانسحاب الآمن من محاولات التطوير التي لا يمكنها عبور درجات محددة من الجاهزية التكنولوجية.

والقيادة الكاريزمية تحمل مفتاح الحصول على التوازن في الترجيح بين هذه المسارات، واتخاذ غيرها من القرارات المصيرية من حيث القدرة على إقناع فرق العمل الفنية، وتوجيهها نحو الأهداف المشتركة بمستويات منخفضة من حالات مقاومة التغيير، وهذا ما يضاعف أهمية القيادة الكاريزمية في الابتكار، حيث يتميز هذا النمط بالقدرة على تأمين التأييد المعنوي على المستوى الفردي والمؤسسي، وكذلك تلبية التطلعات العلمية داخل المؤسسة، والتوقعات المجتمعية والثقافية بشكل فعال، ويعود ذلك إلى السمات الشخصية التي يتمتع بها القادة العلميون من ذوي الكاريزما العالية، والذين يستثمرون هذه السمات في تعزيز الثقة والتعاون والدافعية، والتي تعد بالغة الأهمية للارتقاء بالابتكار والأداء، ومن أجل ذلك تعد القيادة الكاريزمية أحد أهم أنماط القيادة الضمنية المستمدة من المزايا الفردية، والمعتمدة ثقافيًا على القيم والمعايير والقناعات والتصورات المجتمعية للقيادة الناجحة والملهمة.

إن قيادة الابتكارات التكنولوجية بطبيعتها المعقدة والمُتطِّلبة والمستهلكة للموارد تستلزم التوافق بين الخبرة العلمية والكاريزما الملهمة، وهذا التوافق ليس مجرد مسألة تفضيل، ولكنه ضرورة إستراتيجية لتحقيق المرونة والرشاقة التنظيمية اللازمة لإنجاح الجهود الابتكارية، فعملية تشكيل القيادة الفعالة هي في صميم صناعة الابتكارات النوعية ذات التأثير المستدام، والتأثير السياقي للقيادة الكاريزمية لا يتوقف عند التحفيز الإيجابي لفرق العمل التقنية؛ لأن القيادة الكاريزمية مرتبطة جوهريًا بالابتكار، وأبعادها الحقيقية تمتد لتشمل إدماج التغيير الجذري في نهج القيادة العلمية كجزء لا يتجزأ من القيادة التحويلية، والتي تهدف إلى ترجمة الأفكار الكبيرة إلى أهداف صغيرة قابلة للتحقيق، وتوليد القدرة على إيجاد القيمة من جميع أنواع الموارد المتاحة، وعلى المستوى الكلي، فإن القيادة الكاريزمية الفعالة تظل عاملًا حاسمًا في تجويد مخرجات الابتكار، وتعزيز القدرة الإبداعية.

د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نواب البرلمان عن مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب: يعزز الابتكار

نواب البرلمان عن مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب: خطوة محورية نحو تعزيز الابتكار والتنافسيةتعزز من قدرة مصر على المنافسة في الأسواق العالمية تحفيز الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة

اكد عدد من أعضاء مجلس النواب أهمية مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب الذي يعد خطوة محورية نحو تعزيز الابتكار والتنافسية في الصناعة المصرية.

أكدت النائبة إيفلين متى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، أن مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب يُعد خطوة محورية نحو تعزيز الابتكار والتنافسية في الصناعة المصرية.

برلماني: مزرعة رياح رأس غارب تمثل تحولًا استراتيجيًا نحو اقتصاد أخضر مستدامبرلمانية: مشروع طاقة الرياح في رأس غارب يعزز من كفاءة الإنفاق العامبرلمانية: مزرعة رياح رأس غارب تدفع الصناعة نحو آفاق جديدة من الابتكاررئيس الوزراء يشدد على ضرورة تصنيع معدات ومكونات مشروعات طاقة الرياح محليا

 وأوضحت “متي” في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن المشروع لا يقتصر على إنتاج الكهرباء فقط، بل يمتد تأثيره إلى تحفيز الصناعات المرتبطة بالطاقة المتجددة، مثل تصنيع مكونات التوربينات وتطوير تقنيات التحكم والمراقبة.​

توطين التكنولوجيا ونقل المعرفة

وأشارت متى إلى أن المشروع يوفر فرصًا لتوطين التكنولوجيا ونقل المعرفة، ما يسهم في بناء قاعدة صناعية قوية في مجال الطاقة النظيفة. 

وأضافت أن التعاون مع شركات دولية في تنفيذ المشروع يعزز من قدرات الكوادر المصرية، ويفتح المجال أمام تصدير الخبرات إلى الأسواق الإقليمية والدولية.​
 

وأكدت النائبة أن لجنة الصناعة تدعم مثل هذه المبادرات التي تسهم في تطوير البنية التحتية الصناعية، وتعزز من قدرة مصر على المنافسة في الأسواق العالمية، مشددة على أهمية استمرار الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة كجزء من استراتيجية التنمية الصناعية الشاملة.

وفي السياق ذاته،أكد النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أن مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب يُعد نقلة نوعية في مسار الاقتصاد المصري نحو التنمية المستدامة.

 وأشار “الدسوقي” في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، إلى أن هذا المشروع يعكس التزام الدولة بتعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والبيئية.​

وأوضح الدسوقي أن المشروع، الذي يتم تنفيذه بنظام البناء والتملك والتشغيل (BOO)، يجذب استثمارات أجنبية مباشرة تُقدر بحوالي 680 مليون دولار، مما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.

 وأضاف أن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في هذا المشروع يُعد نموذجًا يُحتذى به في تنفيذ مشروعات استراتيجية تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.​

وأشار النائب إلى أن المشروع سيوفر فرص عمل جديدة، ويسهم في نقل التكنولوجيا وتوطينها، مما يعزز من قدرات الكوادر المصرية في مجال الطاقة المتجددة. 

وأكد أن لجنة الشئون الاقتصادية ستواصل دعمها لمثل هذه المبادرات التي تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.​

أشادت النائبة مرفت الكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، بمشروع مزرعة الرياح في رأس غارب، معتبرة إياه خطوة استراتيجية نحو تحسين كفاءة الإنفاق العام وتعزيز العوائد الاقتصادية المستدامة.

وأوضحت “الكسان” في تصريح لـ"صدى البلد"، أن المشروع يعكس توجه الدولة نحو استغلال الموارد الطبيعية المتجددة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويخفض من تكاليف إنتاج الكهرباء على المدى الطويل.​

 خلق فرص عمل جديدة

أكدت الكسان أن استثمارات المشروع، التي تُقدر بحوالي 680 مليون دولار، تمثل إضافة قوية للاقتصاد الوطني، وتسهم في خلق فرص عمل جديدة، خاصة في المناطق النائية.

وأضافت أن المشروع يعزز من قدرة مصر على تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، مما يفتح آفاقًا جديدة لزيادة الإيرادات العامة.​

وأشارت النائبة إلى أن لجنة الخطة والموازنة تدعم مثل هذه المشروعات التي تسهم في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، مؤكدة أهمية الاستمرار في دعم قطاع الطاقة المتجددة كأحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة.​

وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حرص خلال جولته اليوم بمزرعة توليد الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة 650 ميجاوات، على تفقد المكونات الرئيسية للمشروع، والتعرف على كيفية عملها، والمخطط الزمني للتشغيل.

ورافق مدبولي خلال هذه الجولة، المهندس محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، وعدد من مسئولي الوزارة ومسئولي الشركات المنفذة. 

وبدأ رئيس مجلس الوزراء جولته بالمشروع بتفقد غرفة التحكم والمراقبة ومحطة المُحولات، حيث استمع إلى عرض تقديمي من المهندس خالد الدجوي، رئيس مجلس إدارة شركة البحر الأحمر لطاقة الرياح.

وأشار الدجوي إلى أن المشروع يقع على بعد 40 كيلو مترا شمال غرب رأس غارب، ويمتد على مساحة 70 كيلو مترا مربعا تقريبا، وهو جزء من خطة الحكومة المصرية من خلال الاستفادة من مورد الرياح الممتاز في خليج السويس، وسيكون مكونا أساسيا من خطة الدولة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.

مقالات مشابهة

  • جامعة سوهاج تعلن الفائزين بالمراكز الأولى فى المسابقة العلمية للابتكارات
  • دبوسي بحث مع الخطيب في الحلول العلمية للأمن السيبراني
  • نواب البرلمان عن مشروع مزرعة الرياح في رأس غارب: يعزز الابتكار
  • #هذه_أبوظبي.. بعدسة مهرة بنت ناصر
  • ​إليك 10 مهارات لتخطي المساقات الإلكترونية العلمية والمعرفية بسلاسة
  • #هذه_أبوظبي.. بعدسة ماجد بن خميس
  • إعلان الفائزين في جائزة البحوث العلمية لأجهزة التقاعد والتأمينات الاجتماعية الخليجية
  • الإعلان عن أفضل الدراسات العلمية لتطوير أنظمة الحماية الاجتماعية الخليجية
  • الإعلان عن الفائزين في جائزة البحوث العلمية لأجهزة التقاعد والتأمينات الاجتماعية بدول الخليج
  • صناعة الابتكار في بيئات العمل متعددة الأجيال