لجريدة عمان:
2025-03-16@20:15:48 GMT

الابتكار بعدسة «القيادة الكاريزمية»

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

عندما تنجح الشركات الريادية فإن الأنظار تتجه أولًا نحو قيادة المؤسسة كونها أساس صناعة هذا النجاح، ولكن تختلف الصورة مع الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية، فالانطباع النمطي الذي يتشكل في الأذهان يتمحور حول النجاح التشاركي لمجموعة الباحثين والمبتكرين الذين عملوا على نقل الفكرة من طاولة التطوير إلى منصات التسويق، فالابتكار هو عملية تشاركية في المقام الأول وينطوي على مدخلات عدة، ولا يلتفت الكثيرون إلى حقيقة أن الشركات العلمية بحاجة أيضًا إلى القيادة المتمكنة مثل أية مؤسسة تجارية، وأن أنماط القيادة العلمية لها تأثيرها الجذري على مخرجات الابتكار، فهل للقيادة الكاريزمية دور في سياق الاعتبارات الإستراتيجية للابتكار التكنولوجي؟

إذا عدنا بالزمن للوراء، سنجد بأن المؤرخ آرثر شليزنجر هو من أدخل مفهوم «الكاريزما» أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد ارتبطت في نشأتها بالبطولة العسكرية، ثم تطورت لتشمل مختلف درجات الجاذبية الشخصية والتميز، وبعد الدراسات المستفيضة تمكنت الدوائر العلمية والبحثية من إثبات أن «الكاريزما» مكونٌ أساسي لشخصية القيادة في جميع المجالات، وغالبًا ما تنعكس في الممارسات التنظيمية وتؤدي إلى نتائج ناجحة؛ إذ يميل القادة المرتبطون بمثل هذا الأسلوب القيادي إلى إلهام فرق العمل من خلال ترسيخ الثقة بالنفس، والانضباط، والتواصل الواضح، وتعزيز الشعور بالهدف والرؤية المشتركة، ولكن القيادة الكاريزمية لم تعبر محيط الأعمال التجارية إلى المؤسسات البحثية والابتكارية إلا مؤخرًا، وهذا ما جعل من موضوع الترابط بين أنماط القيادة وجودة مخرجات الابتكار موضوعًا مهمًا ومحوريًا في الوقت الراهن، ويعكف الباحثون والمفكرون على دراسة تأثيرات هذا النمط من القيادة لتعزيز فعالية الاستثمار في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار، وتتفق الأدبيات بالإجماع على أن التأثير الإيجابي للكاريزما على مستوى القيادة التنفيذية يأتي من خلال تعزيز البيئة الداخلية للأداء، وتوجيه الجهود نحو أهداف وغايات أعلى من مجرد إنجاز المهام المطلوبة، مما يؤدي إلى تحفيز فرق العمل بشكل جوهري لتبني مجموعة من السلوكيات المبتكرة التي تساعد في مجملها في رفع الأداء الكلي على مستويات الابتكار والإبداع.

ففي المشهد التنافسي الذي تعمل فيه الشركات العلمية والمراكز البحثية والابتكارية، لم يعد الابتكار يشكل عاملًا مهمًا في تحقيق الميزة التنافسية وحسب، ولكنه أصبح من أهم الأدوات الداعمة للمؤسسات التي تطمح إلى النمو والتوسع في مجالات أخرى بجانب ابتكاراتها الأساسية، ومن منظور آخر أصبح متخذو القرار وواضعو السياسات والممارسون أكثر ميلًا لاستخدام الابتكار باعتباره منطلقا لانتهاج مسارات عمل جديدة، أو مواكبة للتطورات والمستجدات، وتسريع أجندات التغيير المؤسسي، وجميع هذه الأدوار الوظيفية للابتكار بحاجة ماسة إلى القيادة الكاريزمية المعتمدة ثقافيًا على قيم الإلهام والانتماء للفريق، والقدرة على التعبير عن الأفكار والإقناع، والمشاركة في صنع القرار، وهذا التأثير المتنوع للقيادة الكاريزمية هو أساس الحجج النظرية المتعلقة بأهمية الكاريزما في مجال القيادة التنفيذية في الشركات العلمية، فإذا كانت الكاريزما محورية لنجاح الشركات الريادية في العموم، فإن دورها لا يقل أهمية في عالم شركات الابتكار التكنولوجي التي تواجه تحديات تسارع موجات الثورات التقنية والتطورات العلمية المتلاحقة.

ومع أهمية القيادة الكاريزمية في الابتكارات العلمية والتكنولوجية تظهر الحاجة إلى بناء واستقطاب المواهب العلمية ذات الكاريزما، فإدارة وقيادة الابتكار في تصورها المحض تتضمن التعامل الذكي مع درجات عالية من عدم اليقين والمخاطرة واحتمالات الفشل، وهي عملية معقدة وصعبة للغاية، إذ تعتمد على وضع الرؤية الإستراتيجية بطموح وعقلانية معًا، ثم ترجمتها إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، وأثر اجتماعي يبرر الاستثمار في الجهود البحثية والتطويرية، وفي الوقت ذاته تقع على القيادة العلمية مسؤولية تهيئة الأوساط الداعمة لتوليد وتدفق الأفكار الجديدة وتبنيها، والتحلي بالصبر في تطويرها، والاستعداد للتعلم من المحاولات التي لم تنجح، وهذا يعني في الأساس أن القادة في عالم الابتكار بحاجة إلى قدرات ومهارات إضافية لإدارة المسارات المتضاربة للإبداع العلمي، ففي حالات معينة يجب على القيادة أن تشجع مهارات الفضول العلمي والإلحاح، وفي حالات أخرى يكون من الحكمة اتخاذ قرار الانسحاب الآمن من محاولات التطوير التي لا يمكنها عبور درجات محددة من الجاهزية التكنولوجية.

والقيادة الكاريزمية تحمل مفتاح الحصول على التوازن في الترجيح بين هذه المسارات، واتخاذ غيرها من القرارات المصيرية من حيث القدرة على إقناع فرق العمل الفنية، وتوجيهها نحو الأهداف المشتركة بمستويات منخفضة من حالات مقاومة التغيير، وهذا ما يضاعف أهمية القيادة الكاريزمية في الابتكار، حيث يتميز هذا النمط بالقدرة على تأمين التأييد المعنوي على المستوى الفردي والمؤسسي، وكذلك تلبية التطلعات العلمية داخل المؤسسة، والتوقعات المجتمعية والثقافية بشكل فعال، ويعود ذلك إلى السمات الشخصية التي يتمتع بها القادة العلميون من ذوي الكاريزما العالية، والذين يستثمرون هذه السمات في تعزيز الثقة والتعاون والدافعية، والتي تعد بالغة الأهمية للارتقاء بالابتكار والأداء، ومن أجل ذلك تعد القيادة الكاريزمية أحد أهم أنماط القيادة الضمنية المستمدة من المزايا الفردية، والمعتمدة ثقافيًا على القيم والمعايير والقناعات والتصورات المجتمعية للقيادة الناجحة والملهمة.

إن قيادة الابتكارات التكنولوجية بطبيعتها المعقدة والمُتطِّلبة والمستهلكة للموارد تستلزم التوافق بين الخبرة العلمية والكاريزما الملهمة، وهذا التوافق ليس مجرد مسألة تفضيل، ولكنه ضرورة إستراتيجية لتحقيق المرونة والرشاقة التنظيمية اللازمة لإنجاح الجهود الابتكارية، فعملية تشكيل القيادة الفعالة هي في صميم صناعة الابتكارات النوعية ذات التأثير المستدام، والتأثير السياقي للقيادة الكاريزمية لا يتوقف عند التحفيز الإيجابي لفرق العمل التقنية؛ لأن القيادة الكاريزمية مرتبطة جوهريًا بالابتكار، وأبعادها الحقيقية تمتد لتشمل إدماج التغيير الجذري في نهج القيادة العلمية كجزء لا يتجزأ من القيادة التحويلية، والتي تهدف إلى ترجمة الأفكار الكبيرة إلى أهداف صغيرة قابلة للتحقيق، وتوليد القدرة على إيجاد القيمة من جميع أنواع الموارد المتاحة، وعلى المستوى الكلي، فإن القيادة الكاريزمية الفعالة تظل عاملًا حاسمًا في تجويد مخرجات الابتكار، وتعزيز القدرة الإبداعية.

د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

11 دولة عربية تتألق في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024

الأحد, 16 مارس 2025 12:29 م

بغداد/المركز الخبري

أظهر التقرير أن الاقتصادات الآسيوية متوسطة الدخل مثل الصين والهند وإندونيسيا وتركيا، تتقدم بثبات.

بينما تقترب تايلاند وفيتنام من قائمة أفضل 40 اقتصاد، وينضم المغرب إلى مجموعة الاقتصادات متوسطة الدخل ضمن أفضل 70 اقتصادًا في مؤشر الابتكار العالمي، والتي حققت أسرع تقدم في تصنيف المؤشر منذ عام 2013.

وصنف تقرير مؤشر الابتكار نحو 100 دولة، وتمكنت الدول العربية من حجز 11 مقعدا ضمن قائمة الابتكار العالمي لعام 2024، ويستند تصنيف القائمة الى عدة مؤشرات منها: “مخرجات المعرفة والتكنولوجيا، ورأس المال البشري والأبحاث، والبنية التحتية، وتطور السوق”.

وتصدرت سويسرا قائمة مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، ثم السويد في المركز الثاني وأميركا بالمركز الثالث ثم سنغافورة وبريطاية .

وتصدرت الإمارات التصنيف العربي بالقائمة بعد احتلالها المركز الـ 32 بمؤشر الابتكار العالمي.

وجاءت السعودية في المركز الثاني عربياً والـ 47 عالمياً بمؤشر الابتكار لعام 2024، ثم قطر ثالثاً والـ 49 عالمياً.

المغرب احتلت المركز الرابع على المستوى العربي، والـ 66 عالمياً بمؤشر الابتكار العالم لعام 2024، ثم الكويت والبحرين والأردن وعمان في المراكز من الخامس إلى الثامن عربياً، والـ 71 إلى 74 عالمياً.

جاءت تونس في المركز التاسع عربياً بمؤشر الابتكار، والمرتبة الـ 81 عالمياً، بينما حلت مصر في المرتبة العاشرة عربياً والـ 86 عالمياً بمؤشر الابتكار العالمي لعام 2024.

صنُفت لبنان بالمرتبة الـ 11 عربياً والمركز الـ 94 عالمياً بمؤشر الابتكار.

مقالات مشابهة

  • بين الابتكار والسيطرة.. هيمنة الذكاء الاصطناعي الصيني
  • 11 دولة عربية تتألق في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024
  • "جمعية الصناعيين" تبرم شراكة استراتيجية للتحقق من صحة الشهادات العلمية والمهنية
  • “القيادة التحويلية: مفتاح الابتكار الاستراتيجي في البنوك الأردنية” للدكتورة آلاء محمود البطوش
  • للشعبة العلمية.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 للنظامين الجديد والقديم
  • بصور نادرة .. السليمانية تحتضن معرضاً يُوثِّق فاجعة حلبجة بعدسة الشهود
  • #هذه_أبوظبي.. بعدسة نادية بنت أحمد
  • جامعة كولومبيا تسحب الدرجات العلمية من طلاب متعاطفين مع حماس
  • تتنفس الأكسجين والكبريت معا.. كائنات خارقة تتحدى المعايير العلمية
  • رئيس الحكومة: ضرورة تطوير المناهج التعليمية تماشياً مع أحدث النظم العلمية والتكنولوجية