بوابة الوفد:
2024-11-27@03:16:20 GMT

الخيميائى وطاقة الشر (٣)

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

أعداء غرباء عنا داخل مجتمعنا، أعداء من دمنا ولحمنا ورحمنا، هؤلاء وهؤلاء يضعونا فى حروب نحن فى غنى عنها، يجبرونا أن ننزل ميادين حروب صنعوها لنا لنبحث عن اسلحة دفاعية تحمينا شرورهم وغدرهم، نفقد فى هذه الحروب الكثير من وقتنا، طاقتنا، اعصابنا، واقسى الحروب كما أشرت سابقا حروب اقرب الناس لنا، قد يكون لهم أسبابهم الخفية وقد تكون بدوافع من أمراض نفسية لا نعلم اسرارها، وكل هذه الحروب تنتهى آجلا أم عاجلا بخسائر للمنتصر والمغلوب معا، ولكن هناك حرب لا تنتهى أبدا إلا بموت الإنسان شخصيا، وهى الحرب الأشد ضراوة لانها نابعة من نفسه وملازمة له كظله، إنها حرب الخوف.


والخوف شعور فطرى لدى الإنسان، لكن له معدله الطبيعى، وإذا زاد عن هذا المعدل تحول إلى مرض يلازم الإنسان، يربك حياته، يشوش رؤيته وتقييمه للأشياء، يجعله يعادى من حوله بلا مبرر، يتخبط فى الحياة شاهرا كل أسلحته المتاحة و المفترضة ليحارب كل من حوله، لاعتقاده أن الجميع أعداءه يريدون له الشر والأذية.
و يتكون هذا الخوف لدى الإنسان منذ طفولته بسبب ظروف تربيته وبيئته، أو أنه داخل اسرته كان يتعرض للتخويف من أشياء مرئية أو مجهولة، أو كان يتعرض لإيذاء بدنى ما ليلتزم الطاعة والهدوء، فينشأ هذا الشخص خائف من الناس ومن لا شىء، فى المدرسة يخاف من الرسوب والفشل، فيلجأ للغش لينجح، يؤذى المتفوقين من زملائه لشعوره بالخوف من تفوقهم عليه، ويتمدد هذا الخوف فى باقى مسار حياته، فى العمل سيخاف أن يسرق زملائه مكانه فيعاديهم ويكيد لهم ويلتزم كل طرق النفاق والتحايل ليتقدم عنهم ولو على حساب من هم أحق منه بخبرتهم وقدراتهم، خوفه سيجعله يرى أن أمنه فى إرهاب الآخرين، سعادته فى أحزان الآخرين، ثراءه فى فقر الآخرين، حتى فى زواجه، سيعتبر زوجته عدوة له وسيحول علاقته بها إلى حرب وعداء متواصل ليس به ود أو تفاهم، وسيرى دوما أن الهجوم عليها أفضل وسيلة لحماية نفسه حتى لو كانت الزوجة لطيفة مسالمة ليس لها فى تلك الحروب التى يصنعها. خوفه من الفقر سيجعله يسرق، يرتشى ويفعل كل الموبقات معتقدا أنه يؤمن حياته من الفقر، خوفه من المرض سيجعله يتناول أدوية لا تخصه معتقدا أنه يحمى نفسه، ليجد نفسه فى النهاية مريضا بالفعل بسبب تناوله أدوية ليست له.
لذا يشدد كل علماء النفس على أن طفولة الإنسان هى التى تصنع له مستقبله، حتى لو أدرك الإنسان بنفسه تلك المؤثرات السلبية التى تعرض لها فى صغره وحاول أن ينقذ نفسه من آثارها فى المستقبل، إلا أنه لا ينجو تماما من تلك الآثار مهما حاول، فالطفولة كالعجين يشكلها الآباء والمجتمع المحيط به، تجف العجينة على ما تشكلت عليه مع الأيام، وأى محاولة للتعديل والتبديل فيها يحطم ويهدم من نفسية الطفل ويؤثر على بناءه السيكولوجى مهما كانت تلك المحاولات تلتزم الدقة والحذر فى العلاج والتعديل، يعترف مؤلف كتاب «الخيمائى» وهو البرازيلى الاصل «باولو كويلو» أن طفولته كانت صعبة جدا حيث نشأ فى أسرة كاثوليكية ملتزمة، محظوراتها أكثر من المسموح به فى عهده، فتمرد تمردا مبكرا على التقاليد المغلقة، لدرجة دفعت بوالديه لوضعه فى مصحة عقلية فى مطلع مرحلة الشباب، وحين أبدى لهم تخليه عن التمرد تم إخراجه وإلزامه بدخول كلية الحقوق، لأن والده أراد ذلك وكأنه يحقق أحلامه فى ولده ليضمن عدم عودته للتمرد، فدراسة القانون التزام وسير على خط محدد لا خروج عنه، خاصة وأن باولو أعرب عن رغبته فى دخول عالم الكتابة التى رأى فيها متنفسا له ليسكب ويرسم على الورق أحلاما صادرها مجتمعه الصغير، وقوبل هذا بالرفض الهائل من والديه، فقرر باولو كسر كل قوالب الالتزام وخوفه من والديه ومما رآه قوالب تقاليد مقيتة، فبدأ بدافع الخوف على نفسه فى تدمير كل أحلام والديه فيه وقد تولدت بداخلة طاقة شر بفعل هذا الخوف، فترك كلية الحقوق، وانطلق فى رحلة طويلة إلى أمريكا الجنوبية، وأمريكا الشمالية، وأوروبا، حيث انضم إلى جماعة الهيبيز، وعاش حياة التشرد والحرية وتعاطى المخدرات، ثم عاد إلى منزل عائلته بعد بضعة سنوات وكأنه يريد أن يشهدهم على كل التمرد والتحدى الذى فعله ليتخلص من تأثيرهم عليه ومخاوفه منهم، وبدأ أمامهم فى تأليف أغانى الروك والبوب بالتعاون مع كاتب برتزيلى معروف، وتخبطه فى حياة التمرد على خوفه جعله يناهض نظام الحكم حتى تم سجنه عام 1974م بتهمة ممارسة أنشطة مناهضة للحكومة البرازيلية. وللحديث بقية.
[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فكرية أحمد أمريكا الجنوبية

إقرأ أيضاً:

عرض للبيع

طالعتنا وسائل التواصل الاجتماعي بخبر مأساوي مفاده أن ممثلا مصريا في مقتبل حياتة المهنية يعرض نفسه للبيع للسادة المنتجين والموزعين، ويصف نفسه بأنه يجيد كل أنواع التمثيل، وجاهز لبيع أى نوع من أنواع التمثيل.

وبالطبع لم يتجه هذا الممثل الشاب إلى هذا الحل الجنوني إلا بعد أن ضاقت به السبل، ولم يعد يرى سبيلا لخروج موهبته للنور، وأن جميع الطرق مسدودة تماما.

كما ظهر الفنان أحمد عزمي ليشكو من شظف العيش، وأنه لا يملك لابنه الذي كبر وأصبح على أبواب دخول الجامعة، إلا مناشدة من بيده الأمر وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ولم يكن أحمد أول الحالات ولا آخرها.

ظهر الفنان أحمد عزمي ليشكو من شظف العيش، وأنه لا يملك لابنه الذي كبر وأصبح على أبواب دخول الجامعة، إلا مناشدة من بيده الأمر وعلى مرأى ومسمع من الجميع
وقد أثرنا هذا الموضوع من قبل، ولكن لم نكن نتصور أن تصل المسائل إلى هذا الحد، ولقد نادينا في هذا الموقع أكثر من مرة بتفعيل حق الأداء العلني بنقابة المهن التمثيلية، وبموجبه تضمن النقابة للممثل -أي ممثل- حدا معقولا من الحياة الكريمة.

وأذكر في ثمانينيات القرن المنصرم عندما كنا ندرس في المعهد ونمارس إخراج المسرحيات بمهرجان المسرح العربي، وكذلك العالمي، كان أحد الزملاء أتى بنص مسرحية كاسك يا وطن، للكبير محمد الماغوط، والذي سبق وقدمه الكبير أيضا دريد لحام إخراجا وتمثيلا. وكان هناك مشهد في المسرحية يعلن فيه بطل المسرحية بعد أن ضاقت به السبل عرض أولاده للبيع. وقد كان هذا المشهد وقتذاك عبثيا بامتياز، ولم يدر بخلدنا ونحن نشاهد هذا المشهد اللامعقول، أنه سيصبح مقبولا جدا في القادم من السنوات، صحيح أن الغرب الذي اعتصرته أزماته الاقتصادية قديما مما نحا ببعض الأسر مع شديد الأسى بالإقدام على هذا الفعل الأليم.

ورجعت بالذاكرة إلى الماضي، فلم يندفع ممثلونا في أحلك الظروف إلى الإقدام الجريء قولا وفعلا، فقد كان ممثلو فرقة يوسف وهبي ونجيب الريحاني يعرفون مواسم العمل، ومواسم الراحة، ولم تكن الدنيا بهذا التعقيد الحالي، ولهذا برغم قليل من المعاناة كانت الأمور تسير، وكذلك بعد حركة يوليو كان القطاع الخاص والعام يستوعب معظم الممثلين والممثلات، فكانت موسسة السينما وهيئة المسرح بفنونهما المختلفة، تستوعب الكثير والكثير من الممثلين. وفي سبعينيات القرن المنصرم، كان التلفزيون المصري إلى جانب كثير من إنتاجات القطاع الخاص التي تتم في الخارج كاليونان ودبى ولندن، وازدادت كثافة العمل بمجيء الثمانينيات، ففرّخ التلفزيون إدارات مختلفة للإنتاج الدرامي، كصوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، وقطاع الإنتاج، ومدينة الإنتاج الإعلامي، فضلا عن جهاز السينما، كل هذا أوجد زخما للعمل، واستوعب أعدادا ضخمه من الممثلين.

على أية حال، نتمنى أن تحل هذه الأزمة سريعا، فلا يجب أن نرى ممثلا يعرض نفسه للبيع، ولا يستجدي، ولا أشياء من هذا القبيل. كلنا أمل أن تحل هذه الأزمات وتعود البسمة على شفاهنا كسابق عهدها.

مقالات مشابهة

  • توفيق الدقن.. عبقري أدوار الشر والطيبة في السينما والمسرح المصري (بروفايل)
  • إيران تسعى لمحادثات مع أوروبا وسط قلق غربي متزايد.. الخوف من العقوبات بسبب البرنامج النووي أبرز الأسباب.. والدعم العسكري لروسيا والحلفاء الإقليميين على الطاولة
  • الخوف.. الشعور الذي جلب التأتأة والمعاناة لأحمد
  • في ذكرى وفاة ملك أدوار الشر.. كيف تعامل توفيق الدقن مع أسرته؟
  • خذلان
  • قيادي بـ«الشعب الجمهوري»: جماعات الشر لا تريد للدولة مواصلة التنمية
  • محور الشر يغزو أوروبا
  • ولاة ثمريت وطاقة ورخيوت يستقبلون المهنئين بالعيد الوطني
  • عرض للبيع
  • ميركل تنصح بـعدم الخوف من ترامب: خاطبوه بصراحة وكونوا صادقين