مؤسسات التعليم العالي.. إشكاليات وتحديات (1- 2)
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
د. سعيد بن سليمان العيسائي **
** كاتب وأكاديمي
الحديث عن مؤسسات التعليم العالي حديث واسع ومُتشعب وشيِّق وذو محاور وقضايا عديدة، وكُتبت فيه كتب ومؤلفات وأبحاث كثيرة وعقدت من أجله ندوات ومؤتمرات ولقاءات عديدة على مدى قرون، لكننا سوف نركز في هذا المقال- على جزئين- على مجمل الأفكار والقضايا والتحديات التي تمر بها مؤسسات التعليم العالي ليتمكن القارئ من التعرف على أهم النقاط ذات الصلة بهذه المؤسسات.
وأول موضوع سوف نتحدث عنه في مقالنا هذا هو "إصلاح التعليم" كما هو معروف لدى الدول التي استخدمت هذا المصطلح، أو "تطوير التعليم" حسب تجارب بعض الدول لإيماننا بأن التعليم حلقات متواصلة إذ لا يمكن فصل التعليم العام عن التعليم العالي لأن مخرجات التعليم العام تصب في مؤسسات التعليم العالي.
وأول الدول التي نادت إلى إصلاح التعليم هي الولايات المتحدة الأمريكية عندما وصل أول قمر صناعي للاتحاد السوفيتي للفضاء؛ فصدر كتاب "أمة في خطر" مناديًا إلى إصلاح التعليم لاعتقادهم بأن مكمن الداء وأن المعضلة الكبرى التي تمر بها أي أمة هو الخلل في التعليم.
وهو من أوائل الكتب التي سعدت بقراءتها وصدرت كتب عديدة تحمل هذا العنوان لكتاب عرب تناقش موضوع الانحدار الذي وصلت إليه الأمة في جميع جوانب الحياة ومناحيها. ويقال إن أصل الكتاب هو تقرير أمر بإعداده الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان عام 1983. ومن الدول التي كانت لها تجارب ناجحة في إصلاح التعليم، اليابان وكوريا والبحرين، وظهرت في سلطنة عُمان هذه المحاولات الجادة في كتب كانت من بين محتويات دائرة البحوث التربوية التي عملتُ بها في بداية تعييني في وزارة التربية والتعليم. ولا نغفل ما قامت به بعض الدول العربية من محاولات تطوير التعليم أو تطوير المناهج الدراسية.
وأول مباحثنا المتصلة بصلب التعليم العالي هو ازدياد الحاصلين على لقب (دكتور) الأمر الذي حدا بالدكتور محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية؛ لأن يطلق قبل عقود من الآن في أحد كتبه وصف "البترودكتوراه" على ظاهرة بدأت في التشكل منذ ذلك الحين، تتمحور في البحث عن وجاهة زائفة عبر "شراء" الشهادات العليا كالدكتوراه ليسبغ الشخص على نفسه قيمة لا يستحقها. ويتم هذا عادة إما بالشراء أو بالتزوير، أو عن طريق الحصول على هذا المؤهل من جامعات وهمية أو غير معترف بها.
وتتم كتابة الأطروحة أما عن طرق شخص معين له خبرة في هذا المجال أو عن طريق مكاتب تعليمية تتولى هذه العملية لبعض الطلاب العرب أو "Overseas" كما يسمونهم في بعض الدول الغربية وسمعت أن هذه الفئة من الطلبة ينظر إليها في بعض الجامعات الأوروبية على أنها أدنى وأقل من فئة الطلاب الأوربيين الذين تتعامل معهم هذه الجامعات بالجدية والصرامة. وسمعنا عن اكتشاف بعض أصحاب المؤهلات العليا كالدكتوراه المزورة ووصل أصحابها مناصب عليا في إحدى الدول الخليجية.
وما نود أن نقوله هنا إن اللقب العلمي أو لقب (دكتور) ما هو إلا البداية على طريق البحث العلمي الطويل. وهو المفتاح لولوج هذا العالم الواسع، وليس هو نهاية الطريق أو نهاية المطاف، فكم من حاصل على هذا اللقب لم يقدم أي جهد علمي أو بحثي أو حتى لم يكتب ورقة بحثية أو مقالًا.
وهناك مجموعة من الناس يبحثون عن اللقب فقط وليس لديهم صلة بالعلم والبحث والكتابة لا من قريب ولا من بعيد. ورُب حاصل لهذا اللقب وهو عالة عليه لا يضيف له أي شيء، ورب حاصل له أضاف له الكثير من كتبه ومؤلفاته وأبحاثه وتاريخه البحثي الناصع.
وتقوم دائرة معادلة المؤهلات والاعتراف بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بسلطنة عُمان بجهد واضح في مجال التحقق من صحة المؤهل العلمي والجامعة الصادر منها، ومدى اعتراف الوزارة بهذه الجامعة أو المؤسسة التعليمية الصادر منها المؤهل بمؤسسات التعليم العالي خارج السلطنة.
فكم من مؤهلات مزورة كشفتها هذه الدائرة وكم من جامعة وهمية أو غير معترف بها اكتشفتها هذه الدائرة كذلك؟
توجد في العديد من الدول العربية دوائر وإدارات أو هيئات لمعادلة المؤهلات والاعتراف ولمواجهة هذه الأمور التي أشار إليه الدكتور/ الرميحي وأشرنا إليها ووصفت بعض المنظمات والمؤسسات معايير للتصنيف الجامعي والاعتماد المؤسسي والأكاديمي. ومن أشهر التصنيفات العالمية للجامعات تصنيف (Qs) وهو باللاتينية يعني (الكمية المطلوبة) Quantum Sufficit وهناك ثلاثة تطبيقات عالمية هي الأطول رسوخًا والأكثر تأثيرًا هي التي تصدرها (Qs) وهي (Quaouarelli Symonds) وTimes the Shangholi) (Highcr Eduulion Ranking Consultancy) التصنيف الأكاديمي للجامعة العالمية.
وهذه التصنيفات العالمية للجامعات وضع بعضها لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم. أما تقييم (ديبو ميتركسي) العالمي للجامعات فهو يعد أكبر نظام لتقييم الجامعات العالمية حيث يغطي أكثر من 20 ألف جامعة وينشر منها 16 ألف جامعة، ويصدر في أسبانيا عن المجلس العالمي للبحث العلمي.
ومن المعايير التي تعتمدها هذه التصنيفات الحوكمة والتمويل ورفاهية الطلاب والبحث العلمي والنزاهة والمرافق الأكاديمية والخدمة المجتمعية والتسويق ووجود مراكز للبحث العلمي يضاف إليها نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب والقادمين من الخارج، ونسبة الطلاب الأجانب.
وهناك معايير أخرى منها مدى حصول الجامعة على جائزة (نوبل) أو أوسمة (فبلدرز) للرياضيات، وجودة التعليم. وفي العادة يحصل على هذه الجائزة أو الأوسمة بعض أساتذة هذه الجامعات من خلال أبحاثهم ودراساتهم التي تقدم جديدًا للعلم والإنسانية.
وللهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم مجموعة من المعايير التي على أساسها يتم اعتماد مؤسسات التعليم العالمي في السلطنة بعضها شبيه أو قريب من معايير بعض التصنيفات العالمية للجامعات كالبحث العلمي والتمويل والمرافق لكن الهيئة أضافت معايير أخرى مثل مدى رضى الموظفين والطلبة عن المؤسسة وغيرها من المعايير.
وهناك نوعان من الاعتماد الأول هو الاعتماد المؤسسي الذي يعتمد المؤسسة بشكل عام على مجموعة من الأسس والمعايير والثاني هو الاعتماد الأكاديمي لبرنامج دراسي معين وفق مدى مطابقته للبرامج الأكاديمية المشابهة أو القريبة منه في بعض دول العالم ذوات الخبرة الطويلة في مثل هذه البرامج نشير إلى أنه قد تكون جامعة معينة الأولى عالميًا بشكل عام وقد كون جامعة أخرى الأولى عالميًا في تخصص معين وتحافظ بعض الجامعات على ترتيبها وتصنيفها العالمي المرتفع أو المتقدم بينما تنخفض بعضها إلى مستويات أدنى وترتفع جامعات أخرى إلى مستويات أعلى وفقًا لكل تقييم أو تصنيف سنوي.
وهنالك عدد من الجامعات العريقة والمرموقة على مستوى العالم خرجت رؤساء دول وملوكًا ورؤساء ووزراء ورجال أعمال وتجار وعلماء. ونشير هنا إلى أنَّ ميزانية بعض هذه الجامعات تقدر بالمليارات كثير منها هبات وتبرعات من هؤلاء الذين أشرنا إليهم.
وقد أشرنا إلى ذلك في سلسلة مقالاتنا المنشورة في صحيفة الرؤية بعنوان "محطات لندنية" عند حديثنا عن زيارتنا لجامعة أكسفورد.
ومن أشهر وأعرق الجامعات التي اشتهرت بهبات وتبرعات بعض المرموقين من خريجها جامعة أكسفورد وجامعة كمبردج البريطانيتان، وجامعة هارفرد وجامعة ستانفورد الأمريكيتان، ومن هذه الجامعات كذلك جامعة السوربون وجامعة باريس الفرنسيتان.
ونشير هنا إلى أن رحيل جيل العمالقة بالمرض أو الوفاة من بعض الجامعات العريقة يشكل خسارة كبيرة لهذه الجامعات. ويشكل الأساتذة الأجانب الموجودون في الجامعات الغربية والأوروبية نسبة واضحة ويشكل الأساتذة العرب والمسلمون فيها نسبة لا بأس بها.
ويذكرنا هذا بموضوع هجرة العقول العربية أو (هجرة الأدمغة العربية) الذين لا يجدون الجو المناسب للبحث العلمي في بلدانهم، ولا يوجد في الكثير من جامعاتهم العربية الإمكانات والمختبرات والمعامل التي تشجع على البحث العلمي والابتكار.
ولهذه الأسباب وغيرها من الأسباب فإنك قلَّما تجد جامعة عربية من ضمن الجامعات التي تصنيفها الأعلى في قائمة التصنيف العالمي للجامعات إلّا ما ندر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي يشارك في جلسة حوارية بالكويت حول بنك المعرفة المصري
شارك الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في الجلسة الحوارية ضمن فعاليات المؤتمر العام السابع والخمسين لاتحاد الجامعات العربية، المنعقد بدولة الكويت الشقيقة.
وتم استعراض مسيرة نجاح “بنك المعرفة المصري – الدولي” من مشروع قومي إلى منصة إقليمية رائدة في مجال البحث العلمي والتعليم.
وشهدت الجلسة حضور كل من الدكتور عمرو عزت سلامة، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، والدكتور عبد المجيد بن عمارة، الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية، والدكتورة جينا الفقي، القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمشرف العام على بنك المعرفة المصري، و المهندس ماجد الصادق، الأمين العام لبنك المعرفة المصري والقائم بأعمال رئيس الشبكة القومية للمعلومات العلمية والتكنولوجية.
كما شهدت الجلسة حضور نخبة من رؤساء الجامعات العربية، الذين شاركوا في الحوار المثمر حول سبل الاستفادة من تجربة بنك المعرفة المصري وتوسيع نطاق خدماته على مستوى العالم العربي.
تناولت الجلسة رحلة نجاح بنك المعرفة المصري، حيث استعرض وزير التعليم العالي، كيف تحوّل البنك من مبادرة قومية طموحة إلى منصة إقليمية فاعلة، مشيرًا إلى الإشادة الدولية التي تلقاها البنك من منظّمتي اليونسكو واليونيسيف، حيث نظمت المنظمتان في مايو ٢٠٢٤ زيارة دراسية للمشروع في إطار مبادرة “بوابات التعلم الرقمي العام”، بمشاركة وفود من ٢١ دولة لدراسة عوامل النجاح التي حققها البنك. هذه الزيارة الدراسية التي حضرها ممثلون من دول عدة، سلّطت الضوء على النجاح الملحوظ لبنك المعرفة المصري، والذي تم تبنّيه كنموذج رائد في دعم التعليم والبحث العلمي في المنطقة.
كما تم التأكيد على أن تجربة بنك المعرفة المصري لاقت تقديرًا خاصًا من المنظمتين الدوليتين اللتين وصفتهما بأنه مثال للتعاون الدولي في مجال التعلم الرقمي ودعم التعليم المفتوح.
وفي هذا السياق، تم الإعلان عن توقيع اتفاقية استراتيجية بين بنك المعرفة المصري واتحاد الجامعات العربية واتحاد مجالس البحث العلمي العربية في ١٩ يناير ٢٠٢٥، والتي تهدف إلى توسيع نطاق خدمات البنك لتشمل الدول العربية تحت مسمى “بنك المعرفة المصري – الدولي”.
وقدّم المهندس ماجد الصادق، الأمين العام لبنك المعرفة المصري، عرضًا تفصيليًا حول الخدمات المتنوعة التي يقدمها البنك، والتي تشمل حزم التدريب المتخصصة ومنصة “مؤشر المعرفة المصري” لقياس الأداء البحثي الوطني، بالإضافة إلى “فهرس الاستشهادات العربي (ARCI)” الذي يعزز مكانة المخرجات البحثية العربية على الساحة الدولية.
وتحدّث الدكتور عمرو سلامة، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، مؤكدًا على دور بنك المعرفة المصري في دعم البحث العلمي والجامعات العربية، وداعيًا الأعضاء للاستفادة من خدماته لتعزيز التعاون المعرفي بين الجامعات العربية.
كما أشاد الدكتور عبد المجيد بن عمارة، الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية، بتجربة البنك ودعا المؤسسات البحثية العربية إلى الاستفادة من حزمة الحلول التكنولوجية التي يقدمها.
وفي ذات السياق، تحدثت الدكتورة جينا الفقي، القائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمشرف العام على بنك المعرفة المصري، مشيرةً إلى دور “مؤشر المعرفة المصري” في قياس الأداء البحثي الوطني، ودعمه للتميز العلمي وتحقيق التحول نحو اقتصاد المعرفة.
اختتمت الجلسة بحوار تفاعلي بين المشاركين من رؤساء الجامعات العربية، حيث تم طرح أسئلة حول سبل الاستفادة من تجربة بنك المعرفة المصري وتوسيع نطاق خدماته على مستوى الوطن العربي، مما يعكس الاهتمام الكبير بهذه المبادرة الريادية.