مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

لا ريب أنّ الصهيونية العالمية مشروعٌ استعماريٌ من طراز مُختلف، بدأ بخلاف المشاريع الاستعمارية المُعاصرة، وأن النظر إليه خارج طبيعته الاستعمارية يُضعف مواجهته، ولعل تتبع مراحل تطوره منذ مطلع القرن العشرين الذي تزامن مع تحول الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية مسألة مُهمَّة؛ حيث التقتْ مصالح البرجوازية اليهودية مع البرجوازية الغربية، ومن هنا أخذت الحركة الصهيونية بُعدها العملي التطبيقي.

ومع اقتسام مناطق النفوذ في العالم العربي بين الإمبرياليات الأوربية: البريطانية والفرنسية طبقاً لاتفاقية "سايكس- بيكو" عام 1916، أقدمت بريطانيا على إعطاء وعدها القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المعروف باسم "وعد بلفور سنة 1917". وفي ظل الانتداب البريطاني تدفقت الهجرة اليهودية المُنظَّمة إلى فلسطين ووفرت لهم الحماية في إقامة مستوطناتهم وبناء مؤسساتهم تحت سلطتها الانتدابية، رغم المقاومة الفلسطينية الباسلة آنذاك ضد الاحتلال البريطاني من جانب والعصابات الصهيونية من جانب آخر والتي لا تقل شراسة عن المقاومة اللاحقة والراهنة، الّا أنَّ موازين القوى كانت في غير صالحهم.

وبعد الحرب العالمية الثانية ازداد تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وعلية انتقلت الحركة الصهيونية إلى الارتباط العضوي مع زعيمة الإمبريالية الجديدة، وهذا التبدُّل إن دل على شيء فإنما يدل على دورها الوظيفي في خدمة الاستراتيجية الكونية للإمبريالية العالمية، وبهذا المعنى فإنَّ الحركة الصهيونية نشأت كمشروع إمبريالي استعماري، دون أن نهمل الأبعاد الأخرى التوراتية وغيرها التي استندت إليها ووظفتها في إطار تكوين هوية قومية كما يزعمون. وفي ظل هذا التحالف صدر قرار التقسيم رقم 181 في 29 نوفمبر عام  1947. وتطبيقًا لهذا القرار سارعت الحركة الصهيونية إلى إعلان قيام كيانها المسخ المسمى إسرائيل في 14 مايو عام  1948، ويحتفل الكيان الصهيوني بهذا التاريخ سنويًا باعتباره عيدًا وطنيًا "عيد الاستقلال"!! في حين نسميه نحن عام النكبة، وسيبقى هذا التاريخ عنوانًا للظلم والعدوان وهو يوم أسود في تاريخ الأمة العربية كلها، وسيبقى كذلك حتى رحيل آخر مُستوطِن وتحرير كل فلسطين. وقد عبَّرت الأمة العربية عن رفضها لهذا القرار بدخول ستة جيوش عربية الحرب، ولكن بأسلحة تقليدية بدائية؛ حيث كانت كلها تقريبًا ترزح تحت الوصاية الاستعمارية البريطانية والفرنسية في المشرق العربي والاستعمار الغربي في المغرب العربي.

قصصٌ كثيرة وأليمة تجدونها أثناء استعادة تلك الأحداث، وعلى الذين ينتقدون الدور العربي العسكري والسياسي في تلك المرحلة، أن يتحلوا بالموضوعية في تناول الوقائع التاريخية، حتى لا نقسو على تلك الأجيال التي قاتلت، رغم قساوة الظروف الذاتية والموضوعية. وإذا أخذ العامل الذاتي في التقدير والذي يُتهم على الدوام بالقصور والتقاعس، يجب أن ندرك- وبصرف النظر عن أية اعتبارات- قضيتين رئيسيتين: الأولى حجم الفجوة الحضارية القائمة آنذاك، والثانية: طبيعة العلاقة بين الحركة الصهيونية والإمبريالية البريطانية التي انتدبت نفسها على أكثر من بلد عربي ومنها فلسطين، وتعمل على تجسيد وعدها المشؤوم على أرض الواقع لم تكن بهذا الوضوح الذي هو عليه الآن، وهذا ليس تبريرًا بقدر ما هو تفسير. بيد أنَّ تلك المعركة بنتائجها العسكرية والسياسية قدمت درسًا مهمًا جوهره ومضمونه أن لا نصرَ عسكرياً بدون استقلال سياسي واقتصادي. ومن المؤسف أن هذا الواقع بكل ما فيه من ثغرات وعيوب ما زال ممتدًا إلى يومنا في الحالة العربية الراهنة، وواصلت إسرائيل عدوانها التوسعي. وفي عام 1967، احتلت- وبدعم غربي كامل- ما تبقى من فلسطين وأجزاء أخرى من الأراضي العربية، وقد أكدت الأحداث- وبما لا يقبل الشك- أن الكيان الصهيوني بعيدٌ عن طموحه الذاتي والسردية التاريخية المُفتَعلة التي يحاول من خلالها ستر المطامع الاستعمارية؛ لأنه في التحليل النهائي مجرد ذراع عسكري وأداة رخيصة في خدمة المشروع الإمبريالي الأكبر، وأن غياب أو تغييب هذه الحقيقة من أهم الأسباب- إن لم تكن أهمها على الإطلاق- التي أدت إلى الهزائم المتتالية حتى الآن.

وأخيرًا.. نؤكد أنَّه لا يستطيع عقلٌ أو منطق تبرير هزيمة أُمّة تعدادها 400 مليون نسمة، وبكل هذه الطاقات والعمق التاريخي والحضاري أمام كيان استعماري عنصري لقيط تعداده لا يتجاوز 10 ملايين مُستوطِن أتوا من كل أصقاع الأرض، مهما كان حجم الدعم الذي يتلقاه، وإذا كانت كل هذه التطورات قامت على أرضية نتائج الحرب العالمية الثانية التي أثَّرت في تكوين وتركيب النظام الدولي وتحديد ملامحه أكثر من أي حدث آخر، فإنَّ التحولات الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين العربي والدولي تُعطي إمكانية واسعة لهزيمته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صحيفة “هآرتس” الصهيونية: فشل اعتراض الصاروخ اليمني يُشير إلى ثغرات مثيرة للقلق في أنظمة الدفاع

يمانيون../

علّق محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” الصهيونية، عاموس هرئل، على العملية اليمنية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”، الأحد.. مؤكّداً أنّ انفجار الصاروخ اليمني قرب مطار “بن غوريون” “يشير إلى ثغرات مثيرة للقلق في الدفاع الصهيوني.

وقال هرئل اليوم الإثنين: إنّ “أنظمة الدفاع الجوي فشلت في مهمة الاعتراض أمس”، ما يعني أنّ “هذه هي المرة الثانية التي ينجح فيها اليمن في اختراق الدفاع الصهيوني، بعد إطلاقه مسيرة انفجرت في مبنى في “تل أبيب” في يوليو الفائت”.

وأشار إلى أنّ “الصاروخ تحرّك هذه المرة من الاتجاه الجنوبي الشرقي، حيث كان يستهدف، كما يبدو، منطقة مطار بن غوريون”.. وفي إثر ذلك، “أُطلقت صفارات الإنذارات في مناطق واسعة نسبياً، وطُلب من قسم كبير من سكان شفيلا الدخول إلى الملاجئ”، في حين أنّ “الدفاعات الجوية فشلت في اعتراضه بالكامل”.

وأضاف” “إذا تبين أنّ اليمن سيستهدف مطار بن غوريون بانتظام، فقد تتطور هنا أزمة طيران وسياحة أوسع من الأزمة الحالية، على الرغم من محاولات الجيش الكبيرة في الاعتراض”، في وقتٍ تقول صنعاء إنّ “الحساب لا يزال مفتوحاً”.

ولفت إلى أنّ هذه العمليات المُستجدة من اليمن “تتكامل مع التوترات في الساحات الأخرى، حيث يستمر القتال في قطاع غزة، وتتزايد الضربات المتبادلة على الحدود اللبنانية”.

ويأتي ذلك بعدما ضربت القوّة الصاروخية التابعة للقوات المسلحة اليمنية، أمس، هدفاً عسكرياً صهيونياً في منطقة يافا “تل أبيب” في فلسطين المحتلة.

وكشف المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، أنّ العملية جرى تنفيذها باستخدام صاروخ بالسيتي فرط صوتي جديد.. مؤكداً نجاح الصاروخ في الوصول إلى أهدافه وإخفاق دفاعات العدو في اعتراضه والتصدّي له، إذ قطع مسافةً تُقدّر بـ 2040 كم في غضون 11 دقيقة ونصف دقيقة.

وفي إثر ذلك، وصفت صحيفة “معاريف” الصهيونية الحدث بأنه “دراماتيكي وغير عادي”.. لافتةً إلى أنّ الصاروخ سقط على مسافة عدة كيلومترات من مطار “بن غوريون”.. كما تحدّث موقع “سروغيم” عن تهديد إضافي لـ”إسرائيل” من اليمن، مفاده بأنّها “ستتلقّى مفاجآت إضافية قريباً”.

مقالات مشابهة

  • كيف اخترقت الهجمات السيبرانية الصهيونية أجهزة الاتصالات في لبنان؟
  • الهجمات السيبرانية الصهيونية لأجهزة الاتصالات في لبنان .. كاريكاتير
  • هل تنتقل إسرائيل إلى ما بعد الصهيونية؟
  • وزارة العدل وحقوق الإنسان تدين الاعتداءات الصهيونية على لبنان
  • في دراسة اقتصادية: تكلفة الحرب الصهيونية على غزة تجاوزت 60 مليار دولار
  • صحيفة “هآرتس” الصهيونية: فشل اعتراض الصاروخ اليمني يُشير إلى ثغرات مثيرة للقلق في أنظمة الدفاع
  • رئيس المجلس العربي للمياه: ‏التحديات التي نواجهها هائلة ولكنها ليست مستعصية على الحل
  • «الحركة الوطنية»: الدولة نجحت في توفير بيئة متكاملة للصانع المصري والأجنبي
  • المشترك: عملية يافا أفشلت منظومة الردع الصهيونية وأربكت حسابات الأعداء