لجريدة عمان:
2024-11-05@23:19:21 GMT

ثقافة الأصداء

تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT

نشأنا على مصدرين أساسيين منهما كنَّا نُحصِّلُ ما نشتاقه من معارف وثقافة، المصدر الأوّل هو مكتبات الجهات العامّة، أو مكتبات الولايات، والمصدر الثاني هو المكتبة الوطنيّة في العاصمة، فجيلي هو جيلٌ ورقيٌّ، تعوّد على ملمس الأوراق والكتب، وشمِّ روائحها وتقليب صفحاتها، ولحدِّ اليوم، رغم هذا المدّ في سيادة الثقافة الرقميّة، ما زلنا نتطعَّم روائح الكتب القديمة، ونسعد للملمس الكتب، وتقليب صفحاتها.

ثقافتان تتعايشان اليوم، ثقافة الأعماق وثقافة الأصداء، ثقافةٌ آمنَّا بها، وما زلنا نؤمن بها، (ولعلِّي أجعلها ثقافة عمقٍ لأنّي أنتسب إليها، وقد يعتبرها غيري من جيل الثقافة الرقميّة، محض أوهام، وحنين رُكامٍ من البشر)، وهي الثقافةُ الكُتبيّة التي أعتبرها عميقة ومؤسِّسة وباعثةً لعقولٍ مُفكِّرة، ما زلنا نحتاج جهودها وعمق فكرها، وثقافةٌ رقميّة هامّةٌ ولها أدوارها وتيسير أدواتها، ولكنّها تبقى حمّالة أهواء، قد تفضي إلى معرفةٍ سطحيّة، وثقافةٍ شكليّة، ووعيٍ زائف، وحظُّ التزييف والتسطيح والوهم فيها وسيعٌ رحبٌ. أكتب هذا الأمر، وأنا على وعيٍ تامٍّ بضرورة مواكبة الثقافة الرقميّة، وإعمالها في شتّى المجالات والميادين، وأنا أيضا على درايةٍ بأنّها ضرورة تاريخيّة، وحتميّة اقتضاها الواقع، وهي حتميَّةٌ يُمكن أن تكون ناجعةً ومنتجةً، غير أنّنا نرى بعض الظواهِر الرقميّة المؤثّرة في أجيالٍ صاعدةٍ، قد تَعْدم مستقبلاً الصلة بالكتاب، وهو الأمر الجلل، والفعل الخَطر. أوّلا هنالك ظاهرةٌ صارت سائدة في مجتمعاتنا العربيّة، ولا قُدرة لنا أحيانًا على مجابهتها، ولا آليَّة لنا للوقوف ضدّها، ولا أدوات لنا لكشْفها وبيانها، وهي السَّرقات، والسّرق فعلٌ مذموم أخلاقيًّا، وأصْبَح داءً عُضَالاً علميًّا وثقافيًّا، ويسّرته الرقميّات بشكلٍ عجيب، واختلقت له من الأدوات ما يُخفيه وما يُجلِّيه، ما يكتُمه وما يفضحه، فسادت رسائل جامعيّة في مختلف المستويّات مسروقة، وعمّت بحوث ومقالات منقولة، والرقيبُ في حيرةٍ، قد تتجاوزه الرقمنة وقد يُحسن السّارق إخفاء مسروقه، فتُسند شهادات ورُتب علميّة لغير أهلها، ولأناس لا يستحقّون الحبر الذي كُتِبت به. وقد يعترض معترضٌ، ويحتجُّ محتجٌّ قائلا: إنَّ السّرق فعلٌ قديمٌ، وسلوكٌ عتيق، وقد ذمَّه الأقدمون وعابوه، ولا علاقة له بالرقمنة ولا بسيادتها، وهو قولٌ حقٌّ في جانبٍ، ففعل السّرقة قديم، ولكن وسائط التواصل ومواقع الويب ومختلف أشكال التطوّر الافتراضي للعالم، ورقمنة الكتب والمقالات والبحوث يسّرت أمر الأخذ وشجّعت على الإغارة والسّلب، فهل هذا ذنب التطوّر؟ حتمًا لا، وهو ذنب من لم يُحدث لهذه الذنوب حزمة من شديد العقوبات، وقوانين زجريّة، وثقافة في احترام الملكيّة الفكريّة، وتكوين الناشئة على تجريم الأخذ من الغير على غير وجه حقّ. الأمر الثاني الذي أراه خطرا في هذه العوالم الافتراضيّة، وهذه المساحات الكبرى من ثقافة الويب والنت ومختلف أشكالها ومظاهرها، هو بزوغ نجومٍ من ورقٍ، بلا عقولٍ ولا أفئدة، نجوم يستقطبون شبابًا ويستلبون الأضواء في المناسبات والمعارض، حتّى معارض الكتب والفنون، وهم الأوهن، والأضعف، لا منزلة لهم، سوى جمهور وسيع يُتابعهم لعلَّةٍ من العلل، حُسن طالعٍ، أو قدرة على المزاح والسخريّة، أو جرأة ومخالفة للمعهود، أو أحيانا بلا علّة ولا سبب.

عدد المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعيّ صار قياسا، لا يعنيني إن صار قياسًا للشهرة، فدومًا كانت الشهرة متأتيّة من مسالك سطحيّة وساذجة، ولكن الذي يعنيني أنّ عدد المتابعين صار قياسًا للمقروئيّة، فخذ مثالاً على ذلك الكاتبة التونسية فاتن الفازع التي تكتب باللهجة التونسيّة التي صارت رقمًا في النشر، وتُصرّح -وهي فعلا كذلك- بأنّها أكثر كاتب تونسيّ باع كتبا، والكاتبة الجزائريّة سارة ريفنس التي حقّقت رقما تاريخيّا في مبيعات كتبها، لم يحققه أي كاتب جزائري، ولكنّ الأخطر من كلّ هذا، وما لم أستسغه، ولن أقبله، أن يُدعى وُجهاءُ منصة أكس أو انستغرام أو التيك توك إلى معارض الكتاب، وأن يُصبحوا نجوم تلك المعارض، فهذا لعمري اعتداءٌ صارخ يئنُّ منه الكتاب ويألم.

وهذا فعلٌ يُمكن أن نتعقّله لو كان الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعيّ محفِّزًا على قراءة الكتب، عاملاً على تنشيط أذهان متابعيه، غير أنّ العكس هو القائمُ، إذ إنَّ الفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، أجير عند شركات كبرى، تستعمله، بسببٍ من أرقام متابعيه للترويج لسلعها، ومن النكد النكود أنّه أصبح من وُجهاء الثقافة، هذه الثقافة التي طالما طمست وجوه مثقّفيها الأصليين. يُمكن أن أفهم حركةً مثل «بوك توك» وعميق أثرها على الفعل القرائيّ، وأنّها ساهمت في جعل الشباب يكتشفون «ميلهم الدفين إلى القراءة»، بالرغم من الآثار السلبيّة لهذه الحركة على جودة الكتب وعمق الكتاب، إذ أنشأت كُتّابًا على المقاس التيك توكي، ولكن ما هو دافعٌ إلى الخزي والعار، أن يدعو معرض للكتاب بائع سوائل تجميل، أو عارضة أكلاتِ مطاعم، أو كاشف حياته الأسريّة ليصير نجمًا في الكُتب. الكتابُ له رائحة الورق، له عبقُ التاريخ، له حميميّة لا يعرفها إلاَّ من سهر الليالي يتمعّن الصفحات، ويخطُّ الأسطر ويمحوها، ويتمثّل أبعادها وأورادها، ولم يكن الكتاب يوما في حاجة إلى لاعب كرةٍ أو عارضة أزياء، أو صاحب صوتٍ رنّان. الكتاب أصلٌ لا يفنى من بعد فناء أبطالِ الورق ودُعاة الأصداء.

محمد زرّوق ناقد وأكاديمي تونسي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرقمی ة

إقرأ أيضاً:

دوري مكتبات قصور الثقافة يواصل فعالياته بالمحافظات

تواصل وزارة الثقافة برنامجها ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"، وتواصلت فعاليات "دوري المكتبات" الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، في دورته الثانية للأطفال، بمكتبات مواقعها الثقافية في المحافظات تحت عنوان "النيل شريان حياة".

وشهد فرع ثقافة كفر الشيخ، محاضر نظمتها مكتبة الطفل بالمركز الثقافي بعنوان "النيل شريان حياة" وشهدتها مدرسة الوحدة العربية، أوضح خلالها د. أحمد عبده، مدير بالتعليم الثانوي، أن نهر النيل سبب الخير والنماء في مصر وعامل أساسي في حضارتها عبر التاريخ، بجانب ذلك نفذت ورشة رسم للرواد بعنوان "نيلنا الجميل".

ونفذ فرع ثقافة الدقهلية من خلال مكتبة الطفل بقصر ثقافة منية النصر ورشة رسم عن نهر النيل قدمتها نبيلة عيد، مسئول النشاط، كما شهدت مكتبة ميت الخولي عبد الله بفرع ثقافة دمياط محاضرة عن "أهمية نهر النيل وكيفية الحفاظ عليه"، قدمها أمين عبد الرحمن مسئول النشاط، وشرح بها أهمية وسبل الحفاظ على المياه وترشيد الاستهلاك.

عقد قصر ثقافة فاقوس بالشرقية محاضرة بعنوان "دول حوض النيل" تحدثت فيها نادية السيد أمين المكتبة، عن أهمية المياه وتاريخ العلاقات مع دول حوض النيل.

كيف دافع رهبان دير سانت كاترين عن مقدسات المسلمين خلال الحروب الصليبية؟ أساسيات الموسيقى والتصميم الفني في جولة جديدة من ورش أهل مصر بالأقصر مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يعلن عن تكريم النجم أحمد ماهر المخرج المسرحي خالد جلال يوجه التهنئة لعطوة وعبد المنعم أكتوبر العبور والمجد.. الثقافة بأسيوط تختتم الاحتفال بذكرى النصر قصور الثقافة تقدم أنشطة متنوعة للأطفال في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية "بداية جديدة".. ندوة تثقيفية بمعهد فتيات طنطا بمشاركة الثقافة والأزهر بالغربية جائزة الأدب العربي للروائية التونسية أميرة غنيم الثقافة تقيم الملتقى الشعري الأول لنادي أدب طنطا ناصف يشهد حفل تخرج المخرجين الجدد وتوزيع جوائز مسابقة الكاتب المصري فعاليات متنوعة 

 

وبفرع ثقافة البحيرة تواصلت الفعاليات، بمحاضرة قدمها بيت ثقافة شبرا بمدرسة النور للمكفوفين بعنوان "نهر النيل وأهميته" تحدث بها د. بليغ زيدان عن أهمية نهر النيل، وببيت ثقافة شبرا أقيمت ورشة رسم بعنوان "نيلنا الجميل" بطريقة برايل تنفيذ إيناس الشيشيني.

وقدم بيت ثقافة صلاح الدين محاضرة بعنوان "النيل حياة" تحدث خلالها عادل موسى كبير معلمي تاريخ بالمدرسة الثانوية الفنية عن واجبنا نحو الحفاظ على نهر النيل، بحانب ورشة رسم  بعنوان "النيل للجميع" وذلك بالمدرسة الثانوية الفنية.

وعقدت مكتبة الطفل والشباب بالنجيلة محاضرة بمدرسة أحمد يونس، بعنوان أهمية "نهر النيل" تناولت خلالها أماني أبو عمارة، مسئول النشاط، أهمية نهر النيل للمصريين، كما عقدت مكتبة قصر ثقافة الطفل بدمنهور محاضرة بعنوان "المحافظة على المياه وكيفية ترشيد الاستهلاك" بمدرسة زاوية غزال شرحت بها حنان البسومي أهمية نهر النيل ودوره العظيم في الحضارة والتنمية. كما نفذ بيت ثقافة أم خلف ببورسعيد ورشة رسم عن النيل شريان الحياة بإشراف الفنانة منار نور.

هذا وقدم فرع ثقافة الأقصر عددا من الفعاليات الثقافية في الإطار ذاته، حيث أقام بيت ثقافة الأقالتة محاضرة عن "نهر النيل" تناولت كيفية الحفاظ على المياه وترشيد المياه قدمها محمد محسوب عبدالظاهر معلم أول بمدرسة ابن الجراح الابتدائي، بينما عقدت مكتبة الطفل والشباب بالديمقراط محاضرة بعنوان "أهمية نهر النيل" قدمتها وردة حسن مسئول النشاط، وتحدثت عن منابع نهر النيل، وأهميته الكبرى لمصر. وبفرع ثقافة قنا، نفذ قصر ثقافة قوص ورشة رسم 
عن نهر النيل للفنان محمد فتحي.

وأطلقت الهيئة العامة لقصور الثقافة فعاليات دوري المكتبات في دورته الثانية في الأول من أكتوبر الحالي، من خلال الإدارة العامة للمكتبات برئاسة أماني شاكر، وبإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية، برئاسة الشاعر د. مسعود شومان.

وتتم التصفية الأولى باختيار أفضل طفلين من كل فرع ثقافي، ثم التصفية الثانية باختيار أربعة أطفال من كل إقليم ثقافي أي فريق يمثل كل إقليم، حتى الوصول إلى التصفية النهائية.

يتضمن الدوري المخصص للمرحلة العمرية من 9 إلى 18 عاما، محاضرات عن "نهر النيل"، ويقوم الطفل بتلخيص 3 كتب عن "نهر النيل" والإجابة عن عدد 30 سؤالا في الموضوع نفسه. وتستمر الفعاليات حتى 15 ديسمبر المقبل بالتعاون مع الأقاليم والفروع الثقافية.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة.. صور
  • الأسبوع العربي في اليونسكو.. الجناح السعودي يبرز ثقافة الإبل
  • روضة السيدة زينب تشهد فعاليات متنوعة لقصور الثقافة
  • «الموتى يدقون بابي».. أحدث إصدارات الثقافة بهيئة الكتاب لـ محمد بركة
  • التوعية عن أهمية الترشيد ضمن فعاليات لقصور الثقافة بالغربية
  • «الثقافة» تصدر «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» بهيئة الكتاب
  • الثقافة تصدر «قضايا الوجود والمعرفة والأخلاق» بهيئة الكتاب
  • دوري مكتبات قصور الثقافة يواصل فعالياته بالمحافظات
  • ثقافة الشرقية يُنظم ندوات توعوية حول مخاطر الزواج المبكر
  • الثقافة تصدر «روائع القصص المصري القديم» لـ منتصر ثابت بهيئة الكتاب